مدة القراءة: 8 دقائق

تقدير استراتيجي (71) – تشرين الأول/ أكتوبر 2014.

ملخص:

تبدو المصالحة الفلسطينية في الوقت الراهن حالة ضرورة ورافعة للأطراف الفلسطينية المنقسمة والمتنافسة. غير أن هذه المصالحة تواجهها صعوبات حقيقية مرتبطة بتعارض برنامجي التسوية والمقاومة، وغياب برنامج سياسي مُوحَّد، وقدرة الجانب الإسرائيلي على تعطيل وإفشال عدد من مسارات المصالحة؛ وسعي “إسرائيل” وأطراف إقليمية ودولية لتوظيف مسار المصالحة باتجاه تهميش حماس ونزع أسلحة المقاومة الفلسطينية.

وتتجه سيناريوهات المصالحة إما نحو احتمال الإخفاق في إنجازها، أو احتمال النجاح، أو احتمال استمرار حكومة الوفاق كحكومة أمر واقع دون التوصل إلى إنجازات ملموسة، أو احتمال تحقيق نجاح نسبي في بعض الملفات، بينما تستمر حالة التعثر في بعض الاستحقاقات الأخرى كملفي منظمة التحرير والأجهزة الأمنية؛ مع ترجيح أن تتجه الأمور باتجاه أحد الاحتمالين الثالث والرابع.

وتحتاج فتح وحماس وكافة الأطراف الفلسطينية إلى قدر كبير من صلابة الإرادة، وبرامج بناء الثقة، ومواجهة الضغوط الخارجية، وتقديم الأولويات والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، وذلك للتمكن من إنجاح المصالحة.

مقدمة:

أعلن في القاهرة في 25/9/2014 عن توصل حركتي حماس وفتح إلى تفاهمات بشأن المصالحة الفلسطينية. وكانت اللجنة المركزية لفتح قد أفرزت لجنة خماسية من أعضائها للتحاور مع حركة حماس حول إدارة المرحلة المقبلة، ما بعد العدوان على غزة، بالرغم من أن “تفاهمات الشاطئ” التي أبرمت قبيل العدوان على غزة كانت كافية لتشغيل عجلة المصالحة.

تضمنت تفاهمات القاهرة الجديدة مبادئ عامة تمّ الاتفاق عليها في اتفاقات سابقة، واحتوت تسع مواد من ضمنها لجنة المتابعة المؤمل أن تتابع تنفيذ هذه التفاهمات والاتفاقات السابقة، وهي نقطة البداية لطور جديد من أطوار المصالحة الفلسطينية؛ إذ من المتوقع أن يعترض مسار المصالحة العديد من العقبات والمعوقات الداخلية والخارجية؛ خصوصاً أن التفاهمات الأخيرة كسابقاتها كانت إجرائية، ولم تتضمن مبادئ حاكمة كمرجعية ضابطة لمسار التنفيذ، وفي ظلّ غياب برنامج سياسي مشترك ينظم التحرك الفلسطيني المقبل.

قراءة لتفاهمات القاهرة 25/9/2014:

–  اعتمدت ورقة التفاهمات على إحالة جزء وازن من بنودها إلى مبادئ تمّ الاتفاق عليها في أوراق المصالحة السابقة، وهي أوراق لم تحسم الخلاف بين الحركتين في الفترة الماضية.

– لم تتضمن ورقة التفاهمات جدولاً زمنياً وآليات محددة للتنفيذ.

– لغة المضمون تتحدث بصفة المحايد، وبصيغة المطالبة لا التقرير، ومثال على ذلك، الفقرة التي تضمنت مطالبة المجتمع الدولي بإعادة إعمار غزة، وكأن المهمة تتعلق بالمجتمع الدولي، لا بطرفي الاتفاق – التفاهمات!

– المكافأة المالية لموظفي حكومة غزة هي تسكين للخلاف وتأجيل له، وليست حلاً لهذا الحق الطبيعي، الذي تحول إلى ما يشبه المعضلة. وعلى الأغلب ليست مدخلاً مناسباً لتجاوز هذه العقبة.

– الفقرة الخاصة بالمجلس التشريعي لا تفيد الجزم بانعقاده، وقد ربطت مسألة انعقاده بدعوة الكتل النيابية للتشاور، ومن ثم يوجه الرئيس بانعقاده في ضوء نتائج هذه المشاورات.
– الجانب الذي يتحدث عن التحرك السياسي لا يفي بالغرض اللازم؛ إذ يلزم توفر برنامج سياسي وفق القواسم المشتركة لإدارة المرحلة المقبلة على قاعدة الشراكة الوطنية التي تضم كافة مكونات الشعب الفلسطيني.

مواقف الأطراف من المصالحة الفلسطينية:

موقف حماس:

المصالحة مكون أساسي في استراتيجية الحركة، وقد قدمت العديد من التنازلات لإنجاحها في مراحل متعددة، بالرغم من التباينات الداخلية في مسألة إدارتها وتوقيتها. ففي المحطة الأخيرة في القاهرة وقُبَيلها (في تفاهمات الشاطئ) قدمت حماس تنازلات كبيرة لإنجازها، لخدمة استراتيجيتها الخاصة المعتمدة، وبسبب التحولات الإقليمية الضاغطة واستمرار الحصار الخانق على قطاع غزة، بالرغم من مفاعيل المواجهة الأخيرة التي جرت في تموز/ يوليو وآب/أغسطس الماضيين.

موقف السلطة وفتح:

 تتجه السلطة وفتح للمصالحة بسبب:

–  انسداد أفق التسوية وعدم جدية حكومة نتنياهو في عملية التفاوض، وقد تجسد ذلك في فشل خطة كيري.

– الاحتقان الداخلي في الضفة الغربية والتخوف من انفجار الأوضاع فيها في وجه السلطة والاحتلال معاً؛ إذ إن مسار التفاوض معطل، والاقتصاد في أصعب حالاته، مما يُظهر السلطة كجهة حارسة للاحتلال دون أثمان حقيقية مقابلة، ناهيك عن ارتفاع وتيرة التأييد لخيار المقاومة لدى الشعب الفلسطيني بعد العدوان الأخير على غزة.

– تخوفات عباس من دور دحلان، مع تلويح بعض الأطراف بالأخير كبديل عنه، وتوجسه من تحركات دحلان في غزة والضفة الغربية.

– يبدو أن هناك رغبة كامنة لدى أطراف متنفذة لإزاحة نفوذ حماس من غزة، وتفكيك برنامجها المقاوم، عبر خطة إقليمية ودولية بخطوات ناعمة لإعادة القطاع للسلطة الفلسطينية، بهدف استكمال مراحل الهجمة الشاملة على “الإسلام السياسي” في المنطقة، ولكن بأدوات أخرى. ويبدو أن التقارب الجديد بين عباس والسيسي، وتماهي أطراف في السلطة مع محور “الاعتدال العربي”، يدفع بهذا الاتجاه.

الموقف العربي:

–  الدول العربية منشغلة بشؤونها الداخلية، ولا تشكل القضية الفلسطينية أولوية في أجندتها في الوقت الراهن. وربما تشكل “داعش” هماً عربياً في الوقت الراهن يفوق الهم الفلسطيني بكثير.

– لا وجود لمعارضة جادة ومعيقة للمصالحة من قبل الأطراف العربية، طالما أن الرئيس عباس يتحكم بمعظم مساراتها.

– قد ترى بعض الأطراف العربية أن جولة المصالحة الحالية تشكل أداة لإزاحة حكومة حماس من غزة، باتجاه إضعاف حماس وتفكيك برنامجها المقاوم.

الموقف الإسرائيلي:

ينقسم الوسط الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين عموماً إلى عدة اتجاهات:

– اتجاه لا يرى التقارب مع أبي مازن، ويرفض عودته إلى غزة كحل للمأزق الإسرائيلي الراهن، وبالتالي يرفض تمرير المصالحة.

– اتجاه يدعو للتقارب مع السلطة الفلسطينية، والعمل على إعادتها إلى غزة بهدف تفكيك برنامج المقاومة، ولا يمانع من إنفاذ المصالحة الحالية بالقدر الذي يحقق مصالح “إسرائيل”.

– اتجاه يرى القفز عن السلطة الفلسطينية وتجاهل الفلسطينيين، والتوجه للدول العربية “المعتدلة” لإبرام اتفاق سلام إقليمي معها، وبالتالي لا تهمه المصالحة الفلسطينية كثيراً.

الموقف الأمريكي:

الولايات المتحدة أعلنت بعد تفاهمات الشاطئ، التي سبقت تفاهمات القاهرة، أنها لا تعترف بحكومة الوفاق الوطني رسمياً، لأنه لا وجود لدولة فلسطينية حتى الآن كما قال كيري، لكنها ستتعامل معها، وستراقب أداءها عن كثب وسبب هذا الموقف:

– ربما تريد واشنطن منح السلطة “جرعة أوكسيجين” للحياة عقب تعثر مسار التفاوض، حرصاً على إبقاء مسار أوسلو حياً ولمنعه من الانهيار. وقد تزداد هذه الرغبة بعد ارتفاع شعبية خيار المقاومة لدى الجمهور الفلسطيني بعد المواجهة الأخيرة في غزة.

– ربما تعدُّ واشنطن المصالحة الحالية محاولة لتجريد حماس من شرعيتها السياسية عبر وسائل ناعمة، ومن خلال صندوق الاقتراع.

– قد تهدف لتوفير غطاء سياسي فلسطيني شامل لمسار التفاوض من خلال حكومة الوفاق الوطني في حال استئنافه من جديد.

موقف الاتحاد الأوروبي:

– الموقف الأوروبي مستقل نسبياً عن واشنطن منذ إعلان تفاهمات الشاطئ، وربما الأوروبيون هم من أجبر الإدارة الأمريكية على تليين موقفها من حكومة الوفاق الوطني حينذاك.

– الإدراك الأوروبي بأن اليمين في “إسرائيل” يعطل التسوية، ويدفع لمسارات قد تضر بمصالح أوروبا في المنطقة. ولعل الاتحاد الأوروبي يرى المصالحة كمحطة تهدئة لملف أساسي في المنطقة لا ينبغي تسخينه في ظلّ الأجواء الإقليمية المضطربة.

– لا يمنع أن يكون الاتحاد الأوروبي يتربص (مثل واشنطن) لنزع شرعية حركة حماس السياسية عبر الانتخابات.

التحديات التي تواجه المصالحة:

تواجه المصالحة، وعلى وجه الخصوص حكومة الوفاق الوطني التي أفرزتها، تحديات كبيرة، لعل من أبرزها:

– غياب البرنامج السياسي: إذ من الصعب أن تتحرك حكومة الوفاق الوطني بلا برنامج سياسي يشكل المرجعية الأساسية لها، ولأن التفاهمات إجرائية بلا مرجعية حاكمة، فستواجه هذه الحكومة الكثير من الصعوبات في هذا المجال.

– الملف الأمني: ففي ظلّ العقيدة الأمنية لأجهزة الأمن، ومرجعيتها القانونية الحالية، من الصعب أن تخدم أجندة وطنية متفق عليها، وسيظل الأداء الأمني وخصوصاً في الضفة الغربية محل نزاع وخلاف حادين، بالإضافة إلى صعوبة التوصل إلى صيغة توافق مناسبة بشأنه في قطاع غزة.

– الانتخابات: تنظيم الانتخابات وتأمين إجرائها في ظلّ شفافية عالية ليس أمراً سهل المنال، كما أن الموقف الإسرائيلي قد يشكل عقبة أساسية في طريق إنجازها بالشكل الملائم. ناهيك عن المسائل الإجرائية الأخرى كنظام الانتخابات وطبيعة اللجنة الانتخابية، وصلاحياتها تجاه انتخابات المجلس الوطني ومسائل أخرى.

– الإطار القيادي: الأجواء الإقليمية القائمة لا تشجع عباس وفتح أن يعطيا هذا الإطار دوراً مهماً في إدارة القرار الفلسطيني، كما أنه من غير المحتمل أن تمضي فتح قدماً باتجاه الشراكة الحقيقية في قيادة منظمة التحرير.

– مهمة إعادة إعمار غزة: هي مهمة ليست سهلة في ظلّ الموقفين الحاليين لكل من الجانب الإسرائيلي والمصري، بالرغم من تأثيرات المعركة الأخيرة.

– توحيد مؤسسات السلطة في الضفة الغربية وغزة، وهذه عملية صعبة نظراً لحالة الانقسام التي استمرت لمدة أعوام، وما يرافق ذلك من تناقض في المصالح والمواقف لدى طرفي المصالحة.

– تحكّم “إسرائيل” في ثلاثة ملفات من ملفات المصالحة وهي الأمن وتحركات الحكومة وإنفاذ الانتخابات، وهي بهذا ستكون ضابط الإيقاع لعملية المصالحة، ويشكل ذلك أكبر التحديات للعملية برمتها.

أسباب أدت إلى فشل المصالحة في المراحل السابقة وما زالت قائمة:

– أسُّ الانقسام هو احتلال السلطة إلى حدٍّ كبير مكان منظمة التحرير في إدارة القرار الفلسطيني، وانخراط معظم العمل الوطني الفلسطيني في مسار “نفق” أوسلو، باعتبارها “وصفة الانقسام” التي اخترعها الخبير الاستراتيجي الصهيوني هاركابي لإضعاف الموقف الفلسطيني، بمعنى أن الحالة الفلسطينية مستجيبة للاستراتيجية الصهيونية القائمة على شقّ الجبهة الوطنية الفلسطينية إلى قسمين: مقاومة وتسوية، والاستغراق في مفاعيل وتناقضات الانقسام العمودي للوضع الفلسطيني، واستنزاف معظم الطاقات الوطنية داخل محتوى هذا الصراع الداخلي.

– غياب القيادة الموحدة، والاستراتيجية الوطنية المشتركة، وضعف روح الشراكة الوطنية، وانعدام المؤسسية في إدارة القرار الوطني الفلسطيني.

– الاستخدام الانتقائي لملف المصالحة واستثماره لصالح أجندة فئوية، وحين الأزمات، وليس وفق رؤية وطنية جامعة.

– قدرة الجانب الإسرائيلي على تعطيل وإفشال ملفات رئيسية من ملفات المصالحة مثل حكومة التوافق الوطني، والانتخابات، وإصلاح الأجهزة الأمنية،… وبالتالي فإن الأَولى هو البدء بمسارات لا يتحكم الجانب الإسرائيلي بها، كملف م.ت.ف وإعادة بنائها وإصلاح مؤسساتها.

– اعتبار الانتخابات هي المفتاح الوحيد لغلق ملف الانقسام، والتركيز على ذلك، بالرغم من أنها ليست أكثر من مجرد أداة من أدوات فكّ عقدة الانقسام الفلسطيني.

– الشعور القوي لدى أوساط في حركتي حماس وفتح بعدم إمكانية تلاقي برنامجي الحركتين على قواسم مشتركة، مع أن وثيقة الأسرى شكلت تجربة ممكنة، مع بعض التحفظات عليها.

– اتباع نهج المغالبة والصراع على السلطة، بينما الوضع الفلسطيني هو حالة تحرر وطني تحتاج التكتل والالتقاء على القواسم المشتركة لتمتين الجبهة الوطنية.

– الاستجابة للتأثيرات الخارجية، والخضوع لمصالح مراكز القوى الداخلية في الساحة الفلسطينية.

– عدم إشراك القوى الفلسطينية بشكل فعال في إدارة ملف المصالحة، وتحول عملية إدارتها إلى شكل من أشكال الصراع الثنائي بين الحركتين الكبيرتين.

الحد الأدنى لمتطلبات نجاح المصالحة في الظرف الراهن:

– توفر الحد المعقول من الإرادة السياسية لإنجازها، والعمل المشترك على تحييد الأطراف الداخلية والخارجية التي تعمل على تعطيل مسارها.

– التدرج في تنفيذ بنودها، وخفض سقف التطلعات من قبل طرفي النزاع.

– ضبط الأداء والخطاب العام وتوازنه والتحلي بالصبر من جهة طرفي المصالحة لإدارة حكومة التوافق في ظلّ غياب مرجعية سياسية تنظم عملها ( غياب البرنامج السياسي).
– توفير شبكة أمان مالية عربية لتجاوز ابتزاز الجهات الغربية، والطرف الإسرائيلي فيما لو حصل.

– القدرة على دفع الأطراف الدولية لإقناع “إسرائيل” بعدم تعطيل عمل حكومة الوفاق الحالية.

– تعزيز إجراءات بناء الثقة لتجاوز إِحَن وآثار الانقسام الماضية، والعمل وفق برنامج جاد وفعال لإنجاح المصالحة المجتمعية، وضمان الحريات العامة في الحد المعقول.

– تفعيل دور المجلس التشريعي؛ إذ من المفترض أن يكون قلب العملية السياسية الفلسطينية وضابطها المركزي.

– التوافق على آلية مناسبة للأطراف لفتح معبر رفح وفكّ الحصار عن غزة، وبدون ذلك لا معنى للمصالحة لقطاع عريض من الشعب الفلسطيني.

 محددات المصالحة العليا بالمنظور الوطني الفلسطيني:

– تفكيك حالة الانقسام الفلسطيني وتوحيد الجبهة الوطنية في مواجهة الاحتلال.

– تحقيق الشراكة في إدارة القرار الوطني الفلسطيني.

– تأسيس النظام السياسي الفلسطيني على مبادئ المؤسسية والتعددية والتداول.

– بناء استراتيجية وطنية موحدة منبثقة من برنامج سياسي موحد، على قاعدة القواسم المشتركة.

مسارات المصالحة الممكنة:

في ضوء معطيات المشهد العام الراهن، ومواقف الأطراف المختلفة؛ يمكن رسم اتجاه المصالحة بالمسارات المحتملة التالية:

المسار الأول: إخفاق الأطراف في إنجاز المصالحة بما يؤدي إلى عودة الوضع لحاله، وربما تفاقمه في كل من الضفة وغزة، وبالذات في الأخيرة، وذلك بسبب:

• عدم القدرة على تحييد الأطراف الداخلية والخارجية التي تعمل على تعطيل المصالحة. وبل ربما تنسيق بعض الأطراف الفلسطينية مع الأطراف الخارجية لخدمة أجندة غير وطنية ولتحقيق مصالح فئوية، بهدف إزاحة حماس من غزة.

• استمرار ذهنية استثمار المصالحة وفق أجندة فئوية، وغياب الحد المعقول من الحس الوطني.

• فشل حكومة الوفاق في تفكيك الملفات المعقدة التي تواجهها.

• عدم قدرة الأطراف على توفير الأجواء المناسبة على صعيد الخطاب والممارسة السياسية.

• نجاح “إسرائيل” في زرع فتنة داخلية، وبالذات في قطاع غزة قد تفضي لاقتتال فلسطيني داخلي، وقد ألمح يعلون لمثل هكذا خيار.

المسار الثاني: نجاح برنامج المصالحة بحيث يتم:

• توحيد مؤسسات السلطة في الضفة وغزة.

• إجراء الانتخابات في الداخل والخارج، أو التوافق بشأن الخارج على قاعدة المحاصصة.

• فكّ عقدة منظمة التحرير ودخول كافة القوى الفلسطينية فيها بحسب الخريطة السياسية الحالية أو ما يقاربها.

المسار الثالث: استمرار حكومة الوفاق كحكومة أمر واقع دون التوصل إلى إنجازات ملموسة في أيّ من ملفات المصالحة.

المسار الرابع: تحقيق نجاح نسبي بحيث تتمكن الأطراف من حلّ بعض الملفات السهلة والمتوسطة كالانتخابات، وإخفاقها في إنجاز الملفات الصعبة كالأمن ومنظمة التحرير.

العوامل المؤثرة على ترجيح المسار:

– مدى إصرار فتح وحماس على التعاون لتجاوز العقبات والمعيقات المحتملة، وتقديم المبادرات الإيجابية، وتنفيذ برامج بناء الثقة.

– مدى تصاعد الوعي الشعبي الفلسطيني الضاغط باتجاه المصالحة والوحدة الوطنية.

– مدى قناعة الحكومة الإسرائيلية بقدرة السلطة الفلسطينية على الإمساك بقطاع غزة، وتمكُّنها من إزاحة حماس منها، وتوافق وزراء حكومة الاحتلال على تلك السياسة متجاوزين مواقفهم المتناقضة إزاء السلطة وأبي مازن.

– استمرار التقارب بين أبي مازن والسيسي بقصد الضغط على حماس وإزاحة نفوذها من غزة.

– مدى قناعة حماس بقدرتها على إدارة ملف المصالحة دون أن يؤدي مسارها إلى إزاحة الحركة من غزة وتفكيك برنامجها المقاوم.

– مدى نضوج سياسة “الفتنة” التي ألمح إليها يعلون، واعتمادها كتكتيك إسرائيلي جديد لمواجهة الواقع الفلسطيني في غزة، وتأثير ذلك السلبي على مسار المصالحة.

التقدير: يرجح المسار الرابع أو الثالث على التوالي أو مزيج منهما، وللمسار الأول فرصة كذلك، إذ قد تلجأ “إسرائيل” لزرع الفتنة في قطاع غزة، في حال فشلت الجهود الناعمة الرامية لإزاحة حماس من القطاع.

التوصيات:

– على المكونات والجهات الفلسطينية بكافة ألوانها السياسية أن تضغط لإنفاذ المصالحة على قاعدة برنامج وطني موحد وفق قواسم مشتركة، وتشكيل أجسام وهيئات مجتمعية فلسطينية لمناصرتها ودعمها وشيطنة من يعمل على تعطيلها.

– ضرورة التوافق على استراتيجية فلسطينية مشتركة وبرنامج سياسي موحد لإدارة الصراع مع الكيان المحتل.

– ضرورة إشراك كافة القوى الفلسطينية في عملية المصالحة وفي صناعة القرار الفلسطيني.

– اعتبار المصالحة مدخلاً لمراجعة المسار الفلسطيني بعد أوسلو باتجاه توحيد الجهد الوطني لتوجيهه نحو الاحتلال، من خلال عقد مؤتمر وطني مثلاً لتوليد رؤية وطنية جامعة للمرحلة المقبلة.

– يتطلب الأمر جهود جادة من الأطراف العربية والإسلامية لإنجاح المصالحة وإنهاء حالة الانقسام الفلسطينية، وخصوصاً جامعة الدول العربية، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ عبد الرحمن فرحانة بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 11/10/2014