مدة القراءة: 2 دقائق

تابعت قضية فلسطين مسيرتها في سنتي 2012-2013 خلال بيئة تتسم بالتداخل والتشابك، وبموجات من التفاؤل والإحباط، وبصراع إراداتٍ يأخذ أبعاداً محلية وإقليمية ودولية. وإذا كان ثمة آمال واسعةٍ قد انتشرت سنة 2012 بتحسن البيئة الاستراتيجية العربية المحيطة بفلسطين المحتلة، لتُشكِّل أنظمة حرة ديموقراطية تعبِّر عن إرادة شعوبها، وعن عزة هذه الأمة وكرامتها، وبالتالي تكون رافعة للقضية الفلسطينية وسنداً لها؛ فإن التطورات، خصوصاً في السنة التالية، أدخلت الثورات وموجات التغيير في حالة استنزاف كبيرة، باتجاه إضعافها أو إفشالها، وأشغلت الناس بعيداً عن قضية فلسطين وتطوراتها. وبينما كان المراقبون في “إسرائيل” يرون أن ثمة خطراً وجودياً يتشكَّل في المنطقة، فإنهم لم يُخفوا سرورهم وارتياحهم بتطور الأحداث فيما بعد باتجاهات سلبية، وبتصاعد المشاعر الطائفية والعرقية، وبمحاولات قمع مسارات التغيير والإرادة الحرة للشعوب.

ومهما يكن من أمر، فإن المنطقة ما تزال تشهد حالة “سيولة” عالية، ولم تأخذ خريطتها السياسية شكلها النهائي، وما زال صراع الإرادات مستمراً. ولأن المسار الفلسطيني يتأثر بشدة بمحيطه العربي، فقد بدا مشهده مرتبكاً طوال سنتي 2012-2013. ولم يستعجل طرفا الانقسام الفلسطيني (فتح وحماس) حسم خياراتهما، خصوصاً فيما يتعلق بإعادة ترتيب البيت الفلسطيني. غير أن النصف الثاني من سنة 2013 شهد إعادة إطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، بالتزامن مع بسط الجيش المصري سيطرته على النظام السياسي في مصر، وتشديد الحصار على قطاع غزة. وإذا كانت حكومة غزة قد عانت بشكل هائل نتيجة الحصار وانحسار الدعم، فإن القيادة في رام الله واجهت إحباطات متتالية في مسار المفاوضات؛ وهو ما دفع الطرفين في النصف الأول من سنة 2014 لإعادة تفعيل مسار المصالحة. غير أنه من السابق لأوانه الحكم على إمكانية نجاح هذا المسار؛ حيث يحتاج الأمر الكثير من الجهد والمبادرات لبناء الثقة ومواجهة التدخلات الخارجية، وتحويله من نقاط التقاء تكتيكية، إلى مسار استراتيجي عميق وراسخ.

طوال سبع سنوات كان التقرير الاستراتيجي الفلسطيني يصدر بشكل سنوي، وفي هذه المرة يصدر المجلد الثامن للتقرير ليغطي سنتي 2012-2013. وقد كان قرار إصداره بهذا الشكل قراراً صعباً، غير أننا مِلنا إليه بناء على تجربة السنوات السابقة، وبعد استشارتنا لمجموعة من الخبراء والمتخصصين، وبعد أن وجدنا أن مراكز أخرى قد سبقت إلى إصدار تقريرها مرة كل سنتين كما في “التقرير الاستراتيجي العربي”. ولعل الإصدار بهذه الطريقة يمنح فرصة أفضل للتركيز على المسارات والتغيرات ذات الطبيعة الاستراتيجية.

وبفضل الله سبحانه، فإن التقرير الاستراتيجي الفلسطيني قد أخذ موقعه المرجعي المتميز في الدراسات الفلسطينية، وأصبح من الكتب التي لا غنى عنها للباحثين والمتخصصين والمهتمين. فهو لا يحفل فقط بالمعلومات الواسعة والدقيقة والموثقة، وإنما يحرص على أن يقدم المادة العلمية في إطار موضوعي وتحليلي منضبط بمعايير ومناهج البحث العلمي، مع السعي لاستشراف المسارات المستقبلية القريبة. ويتميز التقرير الاستراتيجي بشموله فهو يغطي الوضع الداخلي الفلسطيني، والمشهد الإسرائيلي، ومسارات المقاومة والتسوية السلمية، والأبعاد العربية والإسلامية والدولية للقضية الفلسطينية، كما يفرد مساحات واسعة للأرض والمقدسات، وللوضع السكاني والاقتصادي والتعليمي الفلسطيني.

لا بدّ من تقديم الشكر الجزيل للزملاء المتخصصين والخبراء الثلاثة عشر الذين شاركوا في كتابة التقرير، وللسادة المستشارين الذين أسهموا في مراجعة نصوصه؛ وكذلك لفريق العمل في مركز الزيتونة من مساعدي التقرير وموظفي قسم الأرشيف الذين كان لهم دورهم في توفير المادة العلمية، ومراجعة النصوص وتدقيقها، وإخراج التقرير بالشكل اللائق.

وأخيراً، فإننا نحمد الله سبحانه على النجاح الطيب والمتزايد الذي يلقاه هذا التقرير، ونشكر كل من دعم هذا التقرير، وشجعنا على الاستمرار في إصداره. كما نرحب بكل نقد بناء أو نصح أو توجيه.

والحمد لله رب العالمين

المحرر
د. محسن محمد صالح