مدة القراءة: 5 دقائق

 تقدير استراتيجي (58) – تموز / يوليو 2013.

ملخص:

لا تقتصر انعكاسات الانقلاب العسكري في مصر على مجرد مخاوف الحكومة التي تقودها حماس نتيجة عزل رئيس ينتمي للتيار الإسلامي الذي تنتمي إليه حماس. إذ ترافق الانقلاب مع حملة غير مسبوقة في تدمير الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، وإجراءات تشديد الحصار على القطاع؛ كما ترافق مع حملة تحريض واسعة في الإعلام المصري (المؤيد للانقلاب) ضدّ حماس.

إذا لم يعد المسار الديموقراطي الحر المنفتح على كافة التيارات في مصر، وإذا ما تولت الحكم، بدعم من العسكر، اتجاهات مرتبطة بفلول النظام السابق، أو ملتزمين بالرؤية الغربية للمسار الديموقراطي والسياسي في العالم العربي؛ فليس من المستبعد أن يتعرض قطاع غزة إلى مزيد من الحصار والتضييق بهدف إفشال وإسقاط الحكومة التي تديرها حماس في القطاع؛ وبهدف دعم السلطة في رام الله وتشجيع مسار التسوية السلمية. غير أن ذلك قد تكون له تداعياته السلبية المباشرة على المصالحة الفلسطينية، وعلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني.

أولاً: الانقلاب وانعكاساته على القطاع:

كان وقع الانقلاب العسكري الذي حدث في مصر في 3/7/2013 كبيراً على قطاع غزة، وخصوصاً حركة حماس. ليس بالضرورة بسبب انحياز من حماس لطرف مصري دون آخر، وإن كانت لا تخفي تعاطفها مع الإخوان المسلمين، ولكن لأنها علمت بصورة مبكرة أن تبعات التحولات المصرية ستجد آثارها في قلب غزة.

ويمكن تتبع أهم هذه الآثار والنتائج على النحو التالي:

1. شروع معظم وسائل الإعلام المصرية المنحازة للانقلاب، في توجيه سيلٍ من الاتهامات لبعض الجهات في قطاع غزة، وتحديداً حماس، بالتدخل في شؤون مصر الداخلية، مما جعل الحكومة في غزة تبدأ بإصدار سلسلة من البيانات النافية لها، والمنددة بما اعتبرته حملة منظمة ضدها.

2. وقف شبه كامل للاتصالات السياسية والأمنية بين حكومة تسيير الأعمال في غزة والسلطات المصرية، باستثناء مكالمات هاتفية في حدود دنيا لتسهيل بعض القضايا الإنسانية فقط.

3. استغلال السلطة الفلسطينية في رام الله للتحولات المصرية، بمطالبة حماس بالعودة للمصالحة، وكأنها كانت الطرف المنتصر في الملف المصري، فيما حماس هي الخاسرة، بسبب إسقاط مرسي، وهو ما أثار من جديد حالة من تبادل الاتهامات بين الجانبين، أدت إلى تعكير الأجواء الهادئة نسبياً.

4. إغلاق شبه محكم لمعبر رفح، بعد ساعات قليلة من إعلان الانقلاب، وتقليل لعدد المسافرين الفلسطينيين في الاتجاهين.

5. عملية متواصلة من هدم الأنفاق بصورة غير مسبوقة، لم يشهدها نظام مبارك في ذروة خصومته مع حماس، خلال سنوات الحصار الأولى. وهو ما أدى إلى هدم نحو ألف نفق، وخسارة مادية تُقدر بحوالي 230 مليون دولار.

6.  تحليق جوي غير مسبوق للطيران المصري في سماء مدن قطاع غزة الجنوبية، وتحديداً  مدينتي رفح وخانيونس، دون أن يتم اعتراضها من الطيران الإسرائيلي، وهو ما فهم على أنه منسق بين الجانبين، وإن كانت هذه الخطوة المصرية بدافع تتبع مسلحين قد يكونوا هربوا من مصر إلى غزة، لكنه يلقي بظلال سلبية على علاقة الجانبين، لأن الخطوة المصرية تمّ تنسيقها مع “إسرائيل”، فيما فوجئت بها حكومة غزة مثل باقي المواطنين!

7. بالتزامن مع الانقلاب، والترحيب الإسرائيلي به، صدرت من بعض الضباط والوزراء فيها، تصريحات متلاحقة بتنامي قوة حماس العسكرية، وتصنيعها للسلاح بديلاً عن التهريب الذي توقف عبر الأنفاق، مما أوجد لدى حماس قلقاً ولو مؤقتاً بإمكانية أن تستغل إسرائيل هذا الانقلاب لاستكمال حربها الأخيرة، التي كان وجود مرسي أحد كوابح استمرارها حتى النهاية!

وهكذا، فقد كان لهذه الخطوات التصعيدية آثار كبيرة، ما زالت تجد أصداءها في غزة، وتلقي بأعباء إضافية على حكومة حماس بصورة مرهقة، بعد أن تعطلت الآلاف من الأيدي العاملة في مجال التجارة الخاصة بالأنفاق.

ثانياً: سيناريوهات الحالة المصرية، وانعكاسها على القطاع:

لا شكّ أن ما يحصل من حالة المغالبة التي تطغى على الأحداث المصرية، ورغبة طرف الانقلاب بتثبيت ما حصل، وجهود مؤيدي الرئيس المعزول بإعادته للقصر الجمهوري، تنعكس بصورة مباشرة على قطاع غزة. ويمكن هنا استعراض جملة من السيناريوهات المتوقعة في المدى القريب:

السيناريو الأول: عودة مرسي للرئاسة:

هناك من يرى بأن الرجل عائد عائد لا محالة، ولو ضمن ترتيبات معينة، أو صفقة ما بين أطراف الساحة المصرية. لكن هذه القناعة السائدة لا تعني بالضرورة في ظلّ ما حصل على أرض الواقع من إجراءات ميدانية، وما تعيشه الساحة المصرية من تطورات متلاحقة، أن تعود غزة وحماس، كما كانت في عهد مرسي، تنعم بأجواء التعاون الكبير والترحيب الرسمي، كما كان عليه الحال قبل الانقلاب.

فالرجل، إن عاد، سيكون مثقلاً بأعباء داخلية هائلة، وستكون أجندته الرسمية ملأى بملفات تبدأ ولا تنتهي، ولن تكون غزة ضمن أولوياتها، ما يعني أن أقصى ما سيقوم به، إن تمكن، هو التخفيف من حدة إجراءات الحصار، ووضع حدّ لحالة التحريض الداخلي ضدّ الفلسطينيين.

السيناريو الثاني: بقاء حالة الاستقطاب الداخلي:

وهذا سيكون له أثر سلبي في تشديد الضغط على قطاع غزة، وإغلاق القاهرة في وجه حماس، نظراً لعدم تفرغ العسكر لهذا الملف، واتساقهم مع السياسات الأمريكية وبعض سياسات الدول العربية التي باتت تناصب الحركة عداءً واضحاً؛ ليس فقط لكونها حركة مقاومة تعارض مسار التسوية السلمية، ولكن لأنها أحد أجنحة جماعة الإخوان المسلمين، التي باتت ملاحقة في عدد منها.

السيناريو الثالث: نجاح خريطة المستقبل التي وضعها قادة الانقلاب:

وهنا يجري الحديث عن نهاية الفترة الانتقالية في مصر، بعد بضعة أشهر، وحصول انتخابات رئاسية، سيفوز بها على الأرجح مرشح مدعوم من الجيش، وقد يكون من فلول النظام السابق أو من القوى الليبرالية. وهنا ستكون حماس على موعد مع استنساخ لنظام مبارك، أقل قليلاً أو أكثر كثيراً، لكنها ستراوح في هذه الدائرة، من حيث اقتصار التعامل المصري معها على البعد الأمني فقط!

الخلاصة:

ربما يكون السيناريو المحبذ لقطاع غزة وحكومته هو عودة الشرعية الدستورية في مصر. غير أن هذا الاحتمال لا يبدو مرجحاً تماماً في الوقت الراهن. وعلى الحكومة التي تديرها حماس في القطاع أن تضع في اعتبارها وجود حكم غير ودِّي تجاهها في الأشهر القادمة. وإذا ما استمرت الحملة ضدّ الإخوان المسلمين، فإن حماس ستأخذ نصيبها من هذه الحملة بسبب ارتباطها بالإخوان.

كما أن هناك أطرافاً عربية ودولية ستدفع باتجاه مزيد من التضييق على حماس وتشويه صورتها، ليس فقط بسبب الوضع في مصر، وإنما بسبب موقف حماس المُعتَمِد لبرنامج المقاومة والرافض لمسار التسوية، وكذلك بسبب سيطرتها على قطاع غزة. وبالتالي، فإن بعض القوى قد تسعى لاستغلال الوضع لدفع نظام الحكم في مصر لاتخاذ إجراءات قاسية تجاه قطاع غزة وصولاً إلى محاولة إسقاط حكم حماس للقطاع؛ تحت ذرائع محاربة الإرهاب وحماية الأمن القومي المصري… وغيرها.

الاقتراحات والتوصيات:

1. تفويت الفرصة على “إسرائيل” في استغلال الانشغال المصري والعربي والعالمي بأحداث مصر، وشنّ عدوان عسكري قاس، من خلال إجراء قوى المقاومة في غزة لمشاورات مكثفة، وتوحيد قرار التصعيد أو التهدئة بما يخدم الكل الفلسطيني، وتجنيب غزة ما قد يدبر لها إسرائيلياً!

2. قيام حكومة حماس بحالة من التحشيد الشعبي والاصطفاف الجماهيري حولها، حتى لا تقع في حالة من العزلة التي يراد فرضها عليها من قبل خصوم الداخل والخارج. والقيام بكل ما تستطيع من إجراءات اقتصادية لتخفيف حدة الحصار التي زادت مع الإجراءات المصرية.

3. عدم وقوف حكومة حماس في حالة الدفاع عن النفس أمام حملة الشحن والتحريض، التي تمارس عليها وعلى الفلسطينيين في غزة من قبل بعض وسائل الإعلام المصرية، بل المبادرة إلى شنّ حملة مضادة تبرز حرصها على الأمن المصري، وجمع تواقيع من الداخل المصري لتبرئة ساحتها، ورفع دعاوى قضائية ضدّ من يُشهِّر بها، ويتهمها من غير سند قانوني.

4. مطالبة بعض الأطراف الفلسطينية في رام الله، والتي سعت لاستغلال الانقلاب في مصر في تقديم تقارير مشوهة وكاذبة حول حماس والقطاع، بالكف عن ذلك؛ لما له من انعكاسات سلبية على ملف المصالحة، وعلى الشعب الفلسطيني في القطاع.

* يتقدم مركز الزيتونة للدكتور عدنان أبو عامر بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.

 

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 27/7/2013