مدة القراءة: 6 دقائق

التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2010 – الفصل الأول: الوضع الفلسطيني الداخلي

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل الأول … للاطلاع على التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2010 كاملاً اضغط هنا    (412 صفحة، 11.9 MB)

مقدمة:

مرت سنة 2010 دون أي تغيير على تركيبة الوضع الداخلي الفلسطيني، الذي استمر وفق رؤيتين سياسيتين مختلفتين، يتحكم كل منهما برقعة جغرافية محددة. ولم تنجح حماس وفتح في الاتفاق على الترتيبات الأمنية مما أدى إلى تعطيل عملية المصالحة الوطنية، وتعطلت الانتخابات البلدية والتشريعية والرئاسية، ولم تجر جهود لإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، واستمرت السلطة في برنامج التنسيق الأمني مع “إسرائيل” الذي وصل إلى مستويات قياسية.

وكان المشروع الوطني الموحد هو الغائب الأكبر عن الساحة، التي استمر التجاذب والانقسام السياسي والجغرافي في إعاقة قدرتها على مواجهة مشاريع الاحتلال ومخططاته، في الاستيطان ومحاولات شطب حق العودة، فضلاً عن استهداف المقاومة ومنعها من تحقيق إنجازات وطنية.

ويبدو أن التغيرات، التي نشهدها منذ مطلع سنة 2011، في العالم العربي، قد انعكست على الواقع الفلسطيني، فتمّ التوقيع على اتفاق المصالحة بين فتح وحماس في 3/5/2011 قبيل إرسال هذا التقرير للطباعة. ونحن نأمل أن يتمّ تنفيذه بشكل صادق وأمين على الأرض؛ وهو ما قد يكون موضع تركيزنا في السنة القادمة.

أولاً: حكومة تسيير الأعمال في رام الله:

استمرت حكومة سلام فياض في أداء مهامها، بالرغم من استمرار وصمها باللاشرعية من فصائل المقاومة، والجدل حول تركيبتها في أوساط حركة فتح. وكان وما يزال أبرز “إنجازاتها” أنها تمكنت من إضعاف المقاومة الفلسطينية على الصعيد الأمني، متبنية ما أسمته المقاومة الشعبية للاحتلال على طريق تحقيق الاستقلال عن الاحتلال بنهاية سنة 2011 حسبما يروّج رئيسها.

ولم يحدث أي تغيير على تركيبة الحكومة ولا برنامجها، ذلك أن حركة فتح التي تريد تمثيلاً أكبر لها في الحكومة لم تتمكن من إنفاذ مطالبها من خلال الرئيس الفلسطيني، في ظلّ تعطل المجلس التشريعي، كما أن فشل جهود المصالحة أدى بالنتيجة إلى عدم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة تكون قادرة على تغيير أجندة الحكومة التي تركزت على التعاون الأمني مع “إسرائيل” ونبذ المقاومة المسلحة، والسعي للبناء التدريجي لمؤسسات الدولة القادمة، وإحداث انتعاش اقتصادي يعتمد بالأساس على المنح والمساعدات الخارجية.

1. تأجيل الانتخابات البلدية:

في 7 شباط/ فبراير أعلنت حكومة فياض الشروع في إجراء الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات البلدية في 17/7/2010. لكن حماس والجهاد قالتا إن أي انتخابات في ظلّ عدم توافق فلسطيني إنما هو تكريس للانقسام . كما أعلنت حماس أنها لن تسمح بإجراء الانتخابات في قطاع غزة، ولن تشارك في إجرائها في الضفة، وقال وزير الحكم المحلي في الحكومة المقالة زياد الظاظا إن أي قرار يصدر عن حكومة رام الله يعدّ غير شرعي، مضيفاً إن “حماس لا يمكنها أن تشارك في انتخابات محلية في الضفة، في ظلّ الاجتياحات والاعتقالات، وفي ظلّ تنحية أعضاء المجالس المنتخبين” . وفي 25 نيسان/ أبريل تراجعت الحكومة عن إجراء الانتخابات في قطاع غزة إثر توصية من لجنة الانتخابات الفلسطينية بذلك، بسبب رفض الحكومة المقالة إجراء هذه الانتخابات في غزة . وفي 10 حزيران/ يونيو أعلن وزير الحكم المحلي خالد القواسمي عن تأجيل هذه الانتخابات في مناطق السلطة دون تحديد موعد جديد لها، وقال إن “سبب تأجيل الانتخابات استند إلى نصائح عربية وإقليمية ودولية بتأجيلها كون هناك فسحة للمصالحة الداخلية ورفع الحصار عن غزة” . ودانت العديد من فصائل منظمة التحرير بما فيها الجبهتان الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب والأمين العام للمبادرة الوطنية هذا القرار .

2. خطوات على طريق الاستقلال:

وقد واصلت حكومة سلام فياض ما أسمته مشروع تحقيق دولة فلسطينية بنهاية سنة 2011 والذي سبق وأن أعلن عنه في سنة 2009، وقال فياض إن “المشروع يجري في ثلاث مسارات: الأول هو الجهد السياسي لمنظمة التحرير وبناء المؤسسات الذي تقوم به الحكومة، وتعزيز المقاومة الشعبية السلمية للاحتلال تحقيقاً لهدف إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، على حدود عام 1967” .

وفي هذا السياق أمكن رصد هذه المسارات التالية على الأرض، كالتالي:

‌أ. البناء التدريجي لمؤسسات الدولة في الضفة الغربية:

وقد أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض الجزء الثاني من خطة بناء الدولة أطلق عليها اسم “موعد مع الحرية” وتتضمن الإجراءات وأولويات العمل في العام الثاني من أجل “استكمال بناء مؤسسات الدولة، وإرساء قيم النزاهة والشفافية، والفصل بين السلطات، وتوفير الأمن والأمان بما يحمي المشروع الوطني ويكفل سيادة القانون، ويرسخ قيم الحرية والعدالة والمساواة، في ظلّ نظام ديموقراطي يقوم على التعددية، والفصل بين السلطات، والتداول السلمي للسلطة، واحترام حقوق الإنسان”. كما أكد أن الخطة تشمل مشروعات حيوية طموحة، كمشروع لإقامة بنك مركزي وإصدار عملة وسندات حكومية .

وأضاف فياض أن حكومته ستواصل “العمل من أجل إعداد قانون الخدمة المدنية الإلزامية للشباب تمهيداً لإقراره، وكذلك مراجعة التشريعات والقوانين الناظمة للعمل الشبابي والرياضي للنهوض بالمؤسسات الشبابية والرياضية، وكذلك رسم السياسات الوطنية للعمل والتشغيل التي تضمن تكافؤ الفرص” .

ب. تشجيع ما يسمي بالمقاومة السلمية بالمسيرات السلمية:

 وقد تركزت المسيرات السلمية ضدّ مصادرة بعض الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية. وقد أكد فياض في افتتاح المؤتمر الخامس للمقاومة الشعبية السلمية في بلعين في رام الله بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة United Nations روبرت سري Robert Serry، وسفراء وقناصل الدول العربية والأجنبية، على ضرورة تكامل مختلف المسارات، وعلى رأسها المقاومة الشعبية السلمية، لاستكمال عملية بناء الدولة، على حدود 4/6/1967 .

ج. مقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيلية:

نشرت السلطة الفلسطينية في 14/2/2010 قائمة سوداء تضم أكثر من 200 سلعة منتجة في المستعمرات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية داعية المواطنين إلى مقاطعتها . كما شارك سلام فياض بنفسه في توزيع منشورات تحث الفلسطينيين على مقاطعة منتجات المستعمرات اليهودية في الأراضي المحتلة بالضفة الغربية، مختتماً حملة استمرت أسبوعاً “لتنظيف” السوق الفلسطينية من بضائع المستوطنين، التي يقول إنها تقوض الاقتصاد الفلسطيني. وفي أواخر أيار/ مايو 2010 وزع فياض منشورات تحمل أسماء وصور 500 سلعة على القائمة السوداء للسلطة الفلسطينية تراوحت بين الفول السوداني وإطارات الأبواب.

وزار حوالي ثلاثة آلاف متطوع أكثر من 255 ألف منزل فلسطيني في كل أنحاء الضفة الغربية لمساعدة العائلات على التمييز بين منتجات المستعمرات والمنتجات المصنعة في “إسرائيل” التي لا تستهدفها الحملة . وبعد ذلك أعلن فياض عن إطلاق حملة جديدة لمقاطعة منتجات المستعمرات الإسرائيلية في أسواق الضفة الغربية، تحت عنوان “وسام الكرامة من محل لمحل”. وتقضي الحملة بقيام متطوعين من طلبة الجامعات والمعاهد بزيارات إلى أكثر من 66 ألف محل تجاري في مدن الضفة الغربية، للتأكد من خلوها من منتجات المستعمرات .

وشارك فياض الفلسطنيين في موسم قطف الزيتون لسنة 2010، مركزاً على قريتي عراق بورين جنوبي نابلس، ودير الغصون شمال طولكرم وهما من القرى التي تتعرض بشكل مستمر لاعتداءات المستوطنين. وأكد فياض على هامش مشاركته أن شجرة الزيتون رمز تمسك شعبنا بأرضه وستظل أصغر زيتونة أكثر تجذراً من الاستيطان والجدران .

ومن يدقق في كل سياسات حكومة فياض، بما فيها تلك التي تسميها مقاومة سلمية للاحتلال، يجدها لا تتجاوز سقف الاحتلال نفسه. فحكومة فياض تؤمن للاحتلال حالة أمنية مثالية، وتقوم بكل الخدمات والمسؤوليات المدنية التي تفرضها عليها بروتوكولات جنيف. وهو ما سمح للبعض أن يصف الاحتلال بأنه “احتلال خمس نجوم”.

3. الدولة واللاجئون:

وفي سياق تسويقه للدولة الفلسطينية وقيامها في سنة 2011، قال فياض لجريدة هآرتس Haaretz الإسرائيلية في مقابلة نشرت في 2/4/2010 “نحن نعد البنية التحتية لاستيعابهم، فلديهم الحق بالعيش في داخل الدولة الفلسطينية”. كما قال إن الدولة الفلسطينية يمكن أن تعرض الجنسية الفلسطينية على اليهود في إشارة إلى نحو نصف مليون مستوطن يهودي في الضفة الغربية بما فيها القدس .

وقد دانت الفصائل الفلسطينية هذه التصريحات، وقال عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق، إن تصريحات فياض تتناغم مع مشروع بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu، الذي يهدف إلى إنهاء المقاومة عن طريق السلطة، وإغداق المال على الشعب الفلسطيني، مضيفاً أن الشعب لا يباع ولا يشترى. واستنكر الرشق تهنئة رئيس حكومة رام الله للشعب الإسرائيلي بأعيادهم (عيد الفصح)، متهماً إياه بأنه “لا ينتمي للشعب الفلسطيني، ويبيع الوهم له”. واختتم كلامه بأن الشعب الفلسطيني سيلفظ فياض ولن يقبل ما وصفه بـ”الانحطاط الوطني”، داعياً حركة فتح للتبرؤ من سلام فياض .

من جهتها، رأت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تصريحات فياض “تجاهلت الحقائق التاريخية ومست الثوابت الوطنية، وفي مقدمتها عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم المغتصبة طبقاً للقرار الأممي 194، وإطلاق سراح كافة الأسيرات والأسرى دون قيد أو شرط أو تمييز، باعتبارهم أسرى حرب ومناضلين من أجل الحرية”. ورأت أن هذه التصريحات تسهم في كل الأحوال في “إشاعة الأوهام الوردية لواقع يتصف بالجريمة والمرارة والألم، والفظائع المتصاعدة بحق الأرض والوطن والإنسان الفلسطيني” .

واعتبر خالد البطش، أحد قادة حركة الجهاد، أن فياض “لا يمتلك التوكيل عن الشعب الفلسطيني ليتحدث عن حقّ العودة”، مشدداً على أن حقّ العودة غير قابل للنقاش والتفاوض. وشدد البطش على أن أي حلّ لا يضمن عودة اللاجئين إلى داخل “إسرائيل” التي أقيمت على أنقاض قراهم ومدنهم “حلّ لا يمثل الشعب الفلسطيني وحلّ باطل ومرفوض” .

4. الحكومة والمنظمة وفتح:

وقد واجهت علاقة رئيس حكومة تصريف الأعمال في رام الله بمنظمة التحرير الفلسطينية انتقادات تعلقت بتغول هذه الحكومة على صلاحيات منظمة التحرير، وقد دفع هذا الأمر سلام فياض إلى التأكيد على أن “مهمة الإعلان عن الدولة هي من صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا، بالتعاون والتنسيق مع كافة أطراف الأسرة الدولية” . كما أكد أن منظمة التحرير هي “صاحبة الولاية” على كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، وليس فقط الشأن السياسي .

ولكن الخلاف الأعمق والأكبر كان مع حركة فتح التي لم تحصل على حصة مناسبة لها في الحكومة، وسعت لمطالبة رئيس السلطة الفلسطينية بإدخال تغييرات في تركيبة الحكومة. وأبدت كتلة حركة فتح في المجلس التشريعي المعطل ملاحظات على أداء هذه الحكومة، التي تشغل فيها الحركة 11 من أصل 22 عضواً بمن فيهم رئيس الحكومة سلام فياض، وطالبت فياض بعقد جلسة خاصة لمناقشتها.

وقالت الكتلة إنها “وضعت تصوراً لآلية تفعيل عمل النواب ودورهم الرقابي، في ظلّ تعطل عمل المجلس التشريعي، بما في ذلك تعزيز وتكثيف نشاط مجموعات العمل البرلمانية وهيئة الكتل البرلمانية من أجل تعزيز دورهم الرقابي” .

كما أوصى البيان الختامي الصادر عن اجتماعات الدورة الثالثة للمجلس الثوري لحركة فتح الرئيس بإجراء تغيير وزاري وفق صلاحياته الدستورية، بدون تحديد هذه المقاعد، ولكن مسؤولين في الحركة قالوا إن المجلس الثوري يريد أن تؤول الحقائب الوزارية الرئيسية مثل وزارة الداخلية والمالية والخارجية لأعضاء من فتح، بدلاً من الموالين لفياض فيما نسب إلى مقربين من فياض إنه لن يمانع في تولي فتح أي منصب إلا حقيبة وزارة المالية التي يشغلها بنفسه، ولا يمكن لأحد الوصول إليها .

ولم يعلن من مطالبات فتح سوى سعيها للحصول على وزارات سيادية في الحكومة. ولم يتحقق هذا المطلب حتى مطلع 2011، إلا أن مصادر أكدت على توافق محمود عباس مع فياض على إجراء تعديل حكومي يشمل سبع وزارات فقط، دون تحديد السقف الزمني لإجراء هذا التعديل .

النص المعروض هو للصفحات الخمس الأولى من الفصل الأول … للاطلاع على التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنة 2010 كاملاً اضغط هنا    (412 صفحة، 11.9 MB)