مدة القراءة: 11 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ومؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر ومركز دراسات فلسطين والعالم، يومي الأربعاء والخميس 14,13/9/2012، مؤتمراً علمياً تحت عنوان “الإسلاميون: نظام الحكم وفلسطين بعد الثورات العربية”، في قرية الساحة التراثية في بيروت، بمشاركة نخبة متميزة من السياسيين والمتخصصين والأكاديميين من عدد من الدول العربية والإسلامية.

وتوزعت أعمال المؤتمر على ست جلسات، حيث ناقشت الجلسة الأولى المحور السياسي للمؤتمر، فيما تمحورت الجلسة الثانية حول المحور الاقتصادي والاجتماعي، وبحثت الجلسة الثالثة محور القضية الفلسطينية، وركزت الجلسة الرابعة نقاشها حول محور الثورات والعلاقات الخارجية، وتمحور موضوع الجلسة الخامسة حول التعددية السياسية والحريات، أما الجلسة السادسة والأخيرة فقد كان موضوعها حول الوحدة الإسلامية.

الافتتاح

في البداية ألقى الدكتور نجيب نور الدين، مدير مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر كلمة المؤسسات الداعية للمؤتمر، مرحّباً بالحضور، ومستعرضاً أبرز النقاط التي سيتناولها المؤتمر في ظلّ الثورات العربية وتأثيرها على الوحدة الإسلامية والقضية الفلسطينية، مشيراً إلى أنه بقدر ما كانت صحوة الشعوب العربية حلماً يراود أحرار هذه الأمة، بقدر ما كانت كابوساً يقضّ مضاجع الحكام المستبدين في هذا العالم.

وشدد على أن هذه الثورات استعادت حقوق الشعوب الطبيعية ممن سلبها حريتها وعزتها وكرامتها، وجعلها فريسة الجوع والقتل والتخلف والارتهان والاستبداد.

وأشار إلى أن هذه الثورات شكلت رافعة غير مسبوقة للقوى الإسلامية، وبدت الآمال الشعبية معلقة على هذه القوى التي عانت طويلاً من التهميش، وانتظرت فرصتها لتقول كل ما عندها مما اختزنته في أجنداتها الوطنية والقومية والإسلامية، مؤكداً على أن هذه القوى تقف اليوم أمام امتحان الداخل والخارج، والآمال معقودة على رؤاها واستراتيجيتها وخططها، وهذا يفرض عليها أن تكون في مستوى المسؤوليات التاريخية المعقودة عليها، وعلى قدر التحديات وتطلعات الشعوب وآمالها.

وتساءل عن فلسطين في خطاب الثورات العربية واستراتيجيتها، وهل ما زال لها الأولوية في برامجها وتحركها؟

وفي ختام كلمته أعرب نور الدين عن أمله في أن يجيب المؤتمر هذا عن الأسئلة التي طرحت سواء فيما يتعلق بمواجهة التحديات والمخاطر أم فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

ثم ألقى الأستاذ منير شفيق، المنسق العام للمؤتمر القومي الإسلامي، كلمة المشاركين في المؤتمر، ذكر فيها أن العشرية التي سبقت اندلاع الثورات اتسمت بفشل الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان، وبانتصارين مدويّين للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية في تموز 2006 وفي نهاية سنة 2008. وأشار إلى أن فشل المشروع الأمريكي الصهيوني لإعادة صوغ ما أسموه بـ”بالشرق الأوسط الجديد” أدى إلى حدوث اختلال كبير في ميزان القوى في غير مصلحة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني؛ هذا بالإضافة إلى الأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة.

ورأى أن هذه المعادلة انعكست على دول “الاعتدال العربي”، ولا سيّما مصر وتونس، التي انطلقت منهما الثورة، والتي كان لها تأثير على موازين القوى العالمي والإقليمي والعربي.

وأكد أن التحديات التي تواجه الشعب وقواه الحيّة، ولا سيّما الحكومات الجديدة بقيادة الإخوان المسلمين، لا حصر لها، وقد أخذت تبرز على السطح، منها التحديات الاقتصادية، والاجتماعية، والتحديات الخارجية ومنها مواجهة الكيان الصهيوني.

واعتبر أنه لو تمكنت الأطراف الإسلامية من تجاوز أزمة الفتنة الطائفية، لأُسقِط كل تشاؤم في قراءة الواقع المستقبلي، كما دعا شفيق إلى تبني نظام اقتصادي يتأسس على مبادئ الاقتصاد الإنتاجي والتعاوني والجماعي، وعلى مبادئ العدالة الاجتماعية.

ورأى شفيق أن قراءة علاقة الثورات بالقضية الفلسطينية، أو الكيان الصهيوني، أو مستقبل الاتفاقات المعقودة معه، أو قضايا المقاومة ودعم الشعب الفلسطيني، أو اتجاهات العلاقات بأمريكا والغرب عموماً وكذلك الدول الكبرى الأخرى، يجب أن يبحث على مستويين: الأول، من خلال قراءة الواقع العياني للمواقف خلال المرحلة السابقة، والثاني، من خلال تحليل ذلك الواقع، وكيفية الاستنتاج المستقبلي منه. وتوقع أن تؤدي التطورات إلى اندلاع الصراع مع العدو الصهيوني، وإلى تبني القضية الفلسطينية والمقاومة ودعم الشعب الفلسطيني. كما دعا شفيق الفلسطينيين إلى القيام بانتفاضة ثالثة موجهة ضدّ الاحتلال.

الجلسة الأولى

ناقشت الجلسة الأولى، التي أدارها الدكتور محسن صالح، المدير العام لمركز الزيتونة، المحور السياسي للمؤتمر، وتحدّث خلالها كل من الدكتور علي فياض، النائب في البرلمان اللبناني، والأستاذ وائل نجم، مسؤول الإعلام في الجماعة الإسلامية اللبنانية، نيابة عن الأستاذ عزام الأيوبي، رئيس المكتب السياسي للجماعة.
        
بداية تحدث صالح فقال: إن الإنسان العربي فرض عملية التغيير على أنظمة ديكتاتورية فاسدة، وفرض نظاماً سياسياً جديداً، وبالتالي فرض فضاء استراتيجياً جديداً، سينعكس على المدى المتوسط والبعيد على تغيير معادلة الصراع وموازين القوى مع العدو الصهيوني.

ثمّ تحدث الدكتور علي فياض عن “مقاربة حول ما له صلة بنظام الحكم وفلسطين، والصلة بالتحولات التي يعيشها العالم العربي حالياً”، وذكر أن وحدة المجتمعات واستقرارها تستدعي، في زمن التحولات العربية، مقاربة الوحدة على مقاربات التجزئة، وطالب بضرورة إعداد تصورات ومشروعات وطنية وقومية جامعة، وأيد فكرة دولة الرعاية الاجتماعية التي تكون فيها العلاقة بين الحاكم والمحكوم قائمة على التوافق والرضا. مشدداً على ضرورة أن يحافظ هذا الحراك على المكونات المجتمعية كافة، فلا ننزلق إلى الصراعات الداخلية، أو الارتهان إلى المشاريع الخارجية، وحذر من الانزلاق إلى خطرين يتعلقان بمنطق تحالف الأقليات والاستعانة بالقوى الخارجية.

وأكد على أهمية ترشيد خطاب الثورات العربية، وذكر أن العالم العربي يحتاج إلى صيغة تعاقدية داخل مجتمعاته تلبي الطموحات وتعالج إشكالية التنمية والتقدم، موضحاً أن هذه الصيغة التعاقدية يجب أن تستند إلى تداول السلطة، وتبني المقاومة ضدّ الاحتلال وتبني سياسة اجتماعية تحارب الفقر والفساد. وفي ختام كلمته أشار فياض إلى أن المرحلة الانتقالية قد تفرض رؤية معينة، ولكن على المدى المتوسط والبعيد ستعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة.

وفي الورقة التي أعدها الأستاذ عزام الأيوبي، قال إن تباشير التغيير المنشود تلوح في الأفق، وذكر أن تقدم الحركة الإسلامية إلى سدة الحكم يرسم علامات استفهام كبيرة حول مصير الثورات والتغيير المنشود، وشدد على أن المسلمين يرون التنوع والتعددية قدر الله الذي يلزمهم التعامل معه، معدداً أربع قواعد أساسية وضعتها الحركة الإسلامية للعيش المشترك، وهي: احترام الآخر والاعتراف به والتعامل معه، بالإضافة إلى الأخلاق، والتعاون والعدالة الاجتماعية… وفي ختام كلمته تمنى الأيوبي أن يكون مستقبل أمتنا العربية بكل أقطارها مشرقاً بنور العدل والحرية، الذي سيعيدها إلى مكانتها المرموقة بين الأمم.

الجلسة الثانية:

وفي الجلسة الثانية، التي أدارها الدكتور حسن جابر، الباحث في الفكر الإسلامي، دار النقاش حول المحور الاقتصادي والاجتماعي، وتحدّث خلالها الدكتور عبد الحليم فضل الله، مدير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، والدكتور أحمد أبو الحسن، المستشار الإعلامي في السفارة المصرية في بيروت.

في البداية تساءل فضل الله عن النموذج الاقتصادي – الاجتماعي الذي يمكن للإسلاميين أن يختاروه، متوقفاً عند العلاقات التي تربطهم بالخارج والداخل، مشيراً إلى أن الطموح أن يكونوا قدوة في الثورة. ورأى أنَّ موضوع التنمية في العالم العربي لا بد أن يكون خياراً سياسياً، مشيراً إلى أن النموذج الأمثل في التنمية هو الذي يعطي الأفراد حقوقهم على قاعدة عقد اجتماعي تأسيسي، قائم على مبدأ السّيادة القومية التي تتضمّن سياسات عدّة بما فيها السياسية الاقتصادية.

ولفت النظر إلى مشكلة الإسلاميين مع النموذج الاقتصادي، معتبراً أن الإسلاميين ما زالوا عالقين بين النصوص وفقه الأحكام. وطرح على الإسلاميين عدة أسئلة منها: أي حريات اقتصادية يريدون؟ وأين هو موقع العدالة الاجتماعية في خيارهم الاقتصادي؟ وماذا عن علاقتها بالقيم الأخرى؟ وطالبهم بابتكار مفاهيم اقتصادية جديدة كما ابتكروا في الجانب السياسي.

وفي ختام كلمته تساءل فضل الله: هل خيار التنمية يقع في مقابل أو في مواجهة خيار المقاومة؟ وقال: هذا ينم عن فهم خاطئ، لأن التنمية خيار سياسي أولاً، وهذا الخيار لطالما قام على ممانعة اقتصادية، مشيراً إلى نموذجي الصين وإيران. وقال إن الدول العربية يجب أن تبنى على أساس التضامن الإقليمي والشراكة في المصالح والمنافع، بالإضافة إلى التبادل الثقافي والمعرفي.

وعرض أحمد أبو الحسن في مداخلته لواقع الاقتصاد المصري وقال: هناك مشكلة اقتصادية في مصر من فقر وبطالة وغيرها، ولكنه شدد على أن مصر ليست دولة فقيرة، وهي غنية بثرواتها المتعددة والمتنوعة وفي طليعتها الثروة البشرية، وأعلن أن 18 مليار دولار هي قيمة التحويلات المالية التي وصلت حتى يوم الثلاثاء 11/9/2012 إلى مصر من المصريين العاملين في الخارج، وهذا يدل على وطنيتهم الحقيقية. وأشار إلى الثروات الزراعية والحيوانية ومشاريع استصلاح الأراضي، وتطوير الإمكانات السياحية، ومداخيل قناة السويس، كما تحدث عن مشاريع مستقبلية في مجال الاستثمار الاقتصادي من قبل الدولة ومن جهات خارجية.

وأكّد أبو الحسن أن قروض صندوق النقد الدولي التي تستفيد منها مصر ليست هدفاً بحدّ ذاته، بل إن الشراكة هي الأساس في علاقات مصر الخارجية، مشيراً إلى أنه ثمة إرادة سياسية حالية نحو تدعيم المشروعات التنموية الكبرى.

الجلسة الثالثة:

أما الجلسة الثالثة والأخيرة من اليوم الأول من المؤتمر، والتي أدارها مسؤول العلاقات السياسية في حركة حماس الأستاذ أسامة حمدان، فقد ناقشت محور القضية الفلسطينية، وتحدّث خلالها الدكتور محمود غزلان، الناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمون في مصر، وأبو عماد الرفاعي، مسؤول حركة الجهاد الإسلامي في لبنان، والأستاذ أحمد كحلاوي، رئيس الهيئة الوطنية لدعم المقاومة العربية ومناهضة التطبيع في تونس. 

في بداية الجلسة عدّ أسامة حمدان أن حراك الأمة صنع تغييراً استراتيجياً تمثل في وصول الإسلاميين إلى الحكم، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال المحور الرئيسي في الثورات، مؤكداً على أن حربي تموز 2006 وغزة 2008-2009، كانتا نموذجين في التفاف الأمة حول المقاومة. وأضاف أن الصراع مع العدو الإسرائيلي هو صراع وجود، وليس فقط صراعاً على الحدود، وذكر جملة من التحديات التي يعيشها الكيان الصهيوني، والتي باتت تهدد مصالحه، والتي تتمثل بالتغيير الإقليمي الذي شكل رافعة للمقاومة، وضعف الحليف الأمريكي، وأزمة قيم المشروع الصهيوني.

ثم كانت الكلمة الأولى في هذه الجلسة للدكتور محمود غزلان الذي تحدث عن وصول الإسلاميين إلى الحكم ومحاولات القوى المناوئة والمخابرات إفشال تجربتهم. ورأى أن الإخوان المسلمين في مصر لم يستحوذوا على الحكم، بل نجحوا في الانتخابات البرلمانية وفي الوصول إلى الرئاسة بشكل ديموقراطي حر. وقال إن الرئيس محمد مرسي، يعمل على ترميم العلاقات الدولية والإقليمية وإعادة مصر إلى مكانتها والقضاء على سياسة التقزيم، ويسعى إلى تقويم الاتفاقية التي عقدها السادات، أو إعادة الأمور إلى الشعب حتى يأخذوا الموقف منها. مشدداً على أن “أي دولة لا تستطيع مواجهة أعدائها إلا إذا كانت قوية في الداخل”.

وفي حديثه عن مكانة فلسطين عند الإخوان المسلمين، أوضح غزلان أن جماعة الإخوان دعمت القضية منذ وطأت أقدام الصهاينة أرض فلسطين، مؤكداً أن “فلسطين في عقيدتنا”، وأن فلسطين كانت حاضرة في الثورات المصرية الكبرى، وعدّ موقف حسني مبارك من فلسطين وأهلها أحد أهم أسباب ثورة 25 يناير. ثم عدد نقاطاً لا بدّ من اعتمادها لتحقيق نصرة فلسطين تتمثل أبرزها بالتخلص من التبعية، وتنظيم دستور عادل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والعدل، بالإضافة إلى الأمن القومي. وخلص غزلان إلى أن المنطقة لن تستقر ما دام الكيان الصهيوني يعيش في قلبها، وأن تحرير فلسطين مسؤولية عربية لا بدّ أن تتكامل، وقال: “ندعم قيام دولة فلسطينية على حدود العام 1967، دون التفريط في حقّ الشعب الفلسطيني في باقي فلسطين”.

بعد ذلك، تحدث أبو عماد الرفاعي وذكر أن موقف حكومات ما بعد الثورات العربية من فلسطين، وموقع القضية الفلسطينية فيها، هو السؤال الأكثر إلحاحاً وحضوراً على أجندة نتائج الثورات العربية والمتغيرات والتداعيات التي أحدثتها، محذراً من اتجاه يميل إلى تأجيل طرح قضية فلسطين إلى ما بعد استكمال التنمية وبناء الدولة، وقال: “نحن نؤمن أن تحرير فلسطين وتحقيق التنمية والنهضة أمران لا ينفصلان، ولا يمكن تقديم أحدهما على الآخر… إن المزاوجة بين التنمية والتحرير ليست بالأمر المستحيل، ولا الصعب، بل يحتاج إلى إرادة حرة صلبة وقرار جدي وجريء وفاعل، يقوم على أساسين متلازمين: الأول: تحقيق نهضة حقيقية مقاومة… والثاني هو دعم المقاومة الفلسطينية ودعم صمود اللاجئين الفلسطينيين”.

ودعا الرفاعي حكومات ما بعد الثورات إلى “لعب دور أساسي في إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي، التي هي في جزء كبير منها انعكاس لحالة الانقسام والتشظي العربي، والذي من المفترض أن يتغير في مرحلة ما بعد الثورات، التي عليها أن تعيد تأكيد التزامها بدعم مشروع المقاومة”.

ثم ألقى أحمد كحلاوي الكلمة الأخيرة في هذه الجلسة التي افتتحها قائلاً: “الغرب، جديده وقديمه، ما زال مصاباً بعقدة الخوف من نهضة العرب التي حقَّقها الإسلام العظيم”. ثم قدم عرضاً تاريخياً سريعاً للاستعمار الغربي للعرب ودعمه للكيان الصهيوني وصولاً إلى وعد بلفور واتفاقية أوسلو، التي أشار إلى أنها كانت نهاية منظمة التحرير الفلسطينية وقراراً صريحاً لبيع فلسطين، إلى أن كانت المقاومة الفلسطينية المتمثلة بحركة حماس والجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى المقاومة الإسلامية في لبنان، والمقاومة العراقية من شأنها إعادة الروح لفلسطين، مشدداً على أن “مستقبل أي أمة مرهون بفلسطين وحرية فلسطين، وإن أي تنمية وأي حرية لا تتم إلا بفلسطين وعبر فلسطين”.

الجلسة الرابعة:

انعقدت الجلسة الرابعة حول محور الثورات والعلاقات الخارجية، وترأسها الدكتور طلال عتريسي، أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللُّبنانية، وتحدث فيها الدكتور عبد الله الأشعل، الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية المصرية، والدكتور وحيد عبد المجيد، المتحدث باسم الجمعية التأسيسية لوضع الدستور المصري.

وقال طلال عتريسي إن هناك حالة خاصة لكل بلد انتصرت فيها هذه الثورات، والتأثيرات ستكون مختلفة، بمعنى أن تأثير العلاقات الخارجية لتونس أو ليبيا لن يكون له نفس المقدار لما ستكون عليه علاقات مصر الخارجية، مشدداً على أن السؤال هو: هل يمكن أن نفصل بين أولويات داخلية وبين سياسيات خارجية؟ وإلى أي مدى يمكن للوضع الاقتصادي الصعب أن ينفصل عن العلاقات الخارجية؟

وقدم الدكتور عبد الله الأشعل لمحة سريعة عن نظام حكم الرئيس مبارك، ومدى تواطئه مع الكيان الإسرائيلي، وقال: إن “مصر أعد لها نظام خاص في عهد مبارك بمعايير أمريكية”، منتقداً وسائل الإعلام وأجهزة الأمن التي أبدعت في تضليل الرأي العام، وصولاً إلى عمالة النظام لـ”إسرائيل”. وألمح إلى دور شبكات الموساد في محاولات الإيقاع بين المصريين والفلسطينيين، ورأى أن محاولات الرئيس المصري محمد مرسي إخراج العناصر الفاسدة، التي كانت تتحالف مع العدو، هو عين الصواب، وصنف وجود ثلاثة مستويات في العلاقات الخارجية وهي: ما يريده الشعب المصري، وما تراه الدولة، وما هو الممكن بين هذه وتلك. مؤكداً أن مصر دخلت في مرحلة جديدة، وقال إن علاقة مصر مع إيران ستكون درعاً واقياً وسنداً مهماً للخليج.

وعن القضية الفلسطينية قال الأشعل: إنها اليد المجروحة لمصر، واعتبر أن معاهدة كامب ديفيد لا تمنع مصر من التحرك بهدوء، ومصر في تقديره الاستراتيجي هي البداية والنهاية.

ثم تحدث الدكتور وحيد عبد المجيد عن الصعوبات التي تواجه الإبحار في الأجواء المضطربة، وهذا هو الوضع في المنطقة وفي مصر حيث يصعب التوقع لأكثر من المدى القصير، ورأى أن مستقبل المنطقة يتوقف على تغير السياسة الخارجية المصرية. ولفت النظر إلى التركات الثقيلة في مصر داخلياً، وقال: لا سياسة خارجية طبيعية بدون وضع سياسي داخلي متماسك، وتابع قائلاً إن هناك أزمة ثقة عميقة في مصر، كما أن التدخل الأجنبي هو أحد عوامل فشل مصر. وأعطى مثالاً على أن الفجوة بين الرغبة والقدرة هو ما حصل تجاه رفع الحصار عن غزة حيث لم يتم رفع الحصار حتى الآن. وأبدى مخاوفه من تعطل عملية التحول في السياسة الخارجية، محذراً من إقدام مصر على التوقيع على اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لأن فيه ارتهاناً كبيراً، كما شجع على نظام رأسمالي رشيد بدلاً من رأسمالية المحاسيب القائمة، داعياً إلى قيام شراكة وطنية واسعة النطاق بين مختلف القوى.

الجلسة الخامسة:

وفي الجلسة الخامسة، التي أدارها الدكتور بسام حمود، المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في جنوب لبنان، قُدمت قراءة عن محور التعددية والحريات للمؤتمر، وتحدّث خلالها الكاتب والمفكر السعودي محمد محفوظ، والكاتب السعودي نواف القُديمي، وأحمد عبد الجواد، المنسق التنفيذي لحزب مصر القوية.

بداية تحدث الدكتور بسام حمود عن حقوق الإنسان في الإسلام، فرأى أن الإسلام كفل حقوق الإنسان ولم يميز بين الناس على أساس الدين والاعتقاد، وكفل له حرية الرأي والتعبير، وبين أن حقوق الإنسان في الإسلام لا تميز أيضاً بين الرجل والمرأة، وأن الأربعة عشر قرناً الماضية أثبتت مكانة المرأة في الإسلام في الفكر والدعوة والتربية والجهاد.

ورأى محمد محفوظ أن الظاهرة الإسلامية الحديثة أضحت من الحقائق الثابتة في المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في المنطقة العربية، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان تجاوز هذه الحقيقة أو التغافل عن مقتضياتها ومتطلباتها. وأكد أن انفتاح السلطات السياسية على التيارات الإسلامية، وفسح المجال لها للنشاط العلني، سيسهم في استقرار الحياة السياسية والاجتماعية، وفي تهذيب نزعات التيارات الإسلامية وبناء الأوضاع السياسية على أسس الحرية والديمقراطية، وصيانة حقوق الجميع في العمل والتنافس في المجال العام. وخلص المحفوظ إلى أن الاستقرار السياسي العميق في المنطقة العربية، ليس وليد القوة العسكرية والأمنية، بالرغم من ضرورة ذلك في عملية الأمن والاستقرار، وإنما هو وليد تدابير سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، معتبراً أن الدولة التي تمارس السياسة بعقلية الاستئصال والتوحش، وتمنع شعبها من حقوقه ومكتسباته السياسية، هي دول مهددة في استقرارها وأمنها.

ورأى نواف القديمي أن الثورات العربية لم تُربك فقط الفضاء السياسي في العالم العربي، بل أربكت كثيراً مساحة الأفكار والتنظيرات الفكرية والفلسفية والشرعية. وهو أمر سينقل الفكر الإسلامي من مرحلة التعامل بفقه الضرورات والاستضعاف، إلى فقه الحرية والتمكين. وانتقد الخطاب الذي يلوم حكومات الربيع العربي لضعف دعمها لفلسطين، ولكنه لا يلوم من كان وما زال يتاجر بقضية فلسطين ويقتل آلاف الفلسطينيين والسوريين اليوم تحت مشجب النظام المُقاوم والمدافع عن فلسطين.. الخطاب الذي يجعل هناك مفاضلة ومساومة بين المقاومة والحرية.. والذي يثق في دعم أنظمة ولا يثق في دعم الشعوب. والذي لا يؤمن أن حق الشعوب في الحرية والكرامة والديمقراطية هو حق مقدس، تماماً كقداسة حقنا في تحرير فلسطين.

وقال أحمد عبد الجواد إن نجاح ثورة مصر العظيمة، التي أطاحت بأعتى الأنظمة المستبدة والفاسدة في المنطقة العربية، أتاح لشعب مصر أن يؤسس لمرحلةٍ تاريخية فاصلة، وفريدة تركز على نهضة الوطن، وعمران المجتمع، وبناء الإنسان، لتشمل كل مجالات الحياة التي تعيد لمصر مكانتها، ودورها بين الأمم. وقال: إن مفهوم تطبيق الشريعة ليس ما يشيع لدى البعض حول حصرها في تطبيق الحدود؛ بل هي مفهوم شامل يتعلق بتحقيق مصالح البشر الأساسية المتعلقة باحتياجاتهم الضرورية، إن الإسلاميين بحاجة ماسة إلى اجتهاد يتناسب مع الواقع الذي تعيشه دول الربيع العربي فنحن بحاجة إلى فقه سياسي رشيد يتجاوز فكر المحنة وفكر التشدد والانغلاق نحو فقه السنن وفقه المقاصد، والأولى بالحركات الإسلامية وقد بلغت أشدها أن توجه خطابها إلى المخالفين لها في الفكر فاتحة صدرها للحوار.

الجلسة السادسة:

أما الجلسة السادسة والأخيرة من المؤتمر، والتي أدارها الدكتور عباس خامه يار، المستشار الثقافي الإيراني في الكويت، فقد ناقشت موضوع الوحدة الإسلامية، وتحدّث خلالها السيد جعفر فضل الله، والأستاذ محمد كمال إمام، مستشار شيخ الأزهر.

بداية، ذكر خامه يار أن الحركات الإسلامية تواجه استحقاقات عديدة، في ظل عدم احتكار فصيل حركي معين للمشهد الإسلامي. ثمَّ عدد مكاسب عديدة حصدتها الحركات الإسلامية، ثم أشار إلى أن الدور الغربي والصهيوني في تأجيج الفتنة بين المسلمين، داعياً إلى توجيه الأمة إلى مواجهة الكيان الصهيوني، معتبراً ذلك من أهم أسباب وأد الفتنة. وأشار إلى عدة نقاط من شأنها الحؤول دون وقوع هذه النزاعات، بما في ذلك تعميم ثقافة الوحدة، والتنبه لخطر الفضائيات التي تحض على الفتنة، وحصر النقاشات العقائدية بين أهل العلم، بالإضافة إلى جعل مسألة القدس مسألة أولوية.

ثم كانت الكلمة الأولى في هذه الجلسة للسيد فضل الله الذي رأى أن اللقاءات التي تتم حول موضوع الوحدة أمرٌ ضروري ومهم، لكنه شدد على أن هذه اللقاءات تعني التفاعل الحركي الذي يرتكز على الإسلام، من حيث أن الحركة الإسلامية تسعى إلى تقديم تجربة إسلامية في العمل السياسي، مشدداً على أن الوحدة تتطلب توزيع الأدوار بين كافة الفعاليات الإسلامية، على اعتبار أن موضوع الوحدة هو “أسلوب عيش ومنهج حياة، لا قضية ترفٍ فكري أو موضوع ثقافي تجريدي”. ودعا فضل الله إلى ضرورة مواكبة التنظيم الفكري والتشريعي للحركة السياسية في الخطاب والمواقف، والابتعاد عن ميزان الفتنة المذهبية، والإسهام في التخفيف من حدتها، عبر تعميم الثقافة الدعوية التي من شأنها التعريف بالآخر المختلف في المذهب، من خلال الذات التي تقابل الذات، لا الذات التي تقابل موروث الذات الأخرى.

ثم ختم بالحديث عن القضية الفلسطينية، فأكد على أهمية التخلص من حساسية تعدد المصطلحات وتبني مصطلح يعبر مباشرة عن الهدف وهو مصطلح “تحرير فلسطين”، كما دعا إلى التنظير الفقهي للقضية الفلسطينية، وصوغ قراءة فكرية عابرة للمذاهب، وعلى اعتبار القضية الفلسطينية ميزاناً لقياس مبدأ الإخلاص للإسلام، وتفعيل النشاط الإسلامي تجاه قضية التحرير إلى جانب النشاط العسكري.

بعد ذلك، ألقى محمد كمال إمام كلمته التي تحدث فيها عن الدور الجديد للأزهر بعد ثورة 25 يناير، قائلاً: “بدأ التفكير في تجديد الدور الوطني للأزهر مع الحفاظ على ثوابت عدم الانزلاق إلى الدور السياسي”. ثم أشار إلى أن المؤسسة العلمية للبحوث الإسلامية باتت مؤسسة وظيفية، وإشكالية تحوّل الأزهر إلى طابع علماني. وأضاف أن التفكير بات يتمحور حول محاور ثلاث، تتمثل في كيفية استعادة دور الأزهر في ظل قانون لا يضمن له ذلك، وكيفية تحقيق استقلال مالي وإعادة الأوقاف إلى الأزهر، وكيفية تكريس ثقافة الأزهر الوسطية كجزء من النسج الثقافي للمجتمع والأمّة. وخلص إلى أن الأزهر لعب دوراً جديداً، لأنه شكل قاعدة للتواصل بين الجماعات المختلفة. وختم بأن الأزهر قد اتجه صوب الوحدة الإسلامية، ولم يتوصل للفروع بل انطلق نحو الأمور الجامعة، وأنه مستمر في مدّ يده لكافة العالم العربي الإسلامي للتأسيس للحوار والتوافق والإجماع.

واختتم المؤتمر بكلمة شكر باسم المؤسسات الداعية للمؤتمر ألقاها مدير مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر الدكتور نجيب نور الدين، أكد فيها على أهمية النقاشات التي تمت خلال المؤتمر، وضرورة الاستفادة منها لحماية الثورات العربية ومتابعة ما طرح من أفكار واقتراحات.

 

 

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 18/9/2012