مدة القراءة: 6 دقائق

 تقدير استراتيجي (47) – تموز/ يوليو 2012.   

ملخص:

بالرغم من مساعي التقارب ومظاهر التفاؤل التي تسيطر على تصريحات مسؤولي فتح وحماس، إلا أن الاختلاف بين مقاصد كلا الطرفين من تشكيل الحكومة ما يزال قائماً هو الآخر. ففي حين تصر حركة فتح على أن يأتي تشكيل هذه الحكومة ضمن شروط الرباعية وبرنامج عباس، وأن تكون جسراً للانتخابات الرئاسية والتشريعية، تتمسك حركة حماس بأن لا يكون لحكومة التوافق سقف سياسي يتعارض مع رؤيتها السياسية، وأن تكون في الوقت نفسه معبراً لإعادة إعمار القطاع، وبوابة للدخول إلى منظمة التحرير.

في ظل حالة التباين هذه، يظهر الموقف المصري الجديد بصورة إيجابية، عبر عنها الرئيس محمد مرسي، من المتوقع أن تؤثر في دفع عملية تشكيل الحكومة نحو الأمام، وإن بضمانات مباشرة من القاهرة. وفي المقابل يظل الفيتو الأمريكي قائماً، يحظر القيام بأي خطوة باتجاه المصالحة، ما لم تأت في سياق “إجماع” فلسطيني على “نبذ العنف”. أما الموقف الإسرائيلي، فهو يشكل عقدة الأمر الواقع التي يمكن أن تُعطِّل عمل الحكومة وإجراء الانتخابات، وإصلاح أجهزة السلطة؛ مما يعني أن الحكومة، بحسب المسار الحالي للمصالحة، ملزمة بالحصول على جواز مرور إسرائيلي.

المقدمة:

تُعد حكومة التوافق محور ارتكاز المصالحة الفلسطينية، حسب مسار المصالحة  الحالي، إذ ترى فيها حركة فتح بأنها، ما دامت غير ملونة فصائلياً وبرئاسة عباس، تشكل فرصة مواتية لتوحيد “شطري الوطن” ومؤسسات السلطة، والمعبر الوحيد نحو الانتخابات الرئاسية والتشريعية. كما ترى فيها حركة حماس بأنها الوسيلة الوطنية المتاحة لكي تتخلص من تركة الانقسام الثقيلة وتبعاته، واستعادة نشاطها وحيويتها في الضفة، وأداة كسر الحصار السياسي والاقتصادي المفروض عليها، في ظل تطورات عربية مواتية.

أولاً: المنطلقات:

تسعى حركة فتح لإنجاز تشكيل حكومة التوافق مع حركة حماس، في ظل أربعة محددات رئيسية، هي:

1. توفر القبول الدولي لهذه الحكومة، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية واللجنة الرباعية.

2.   عدم الاعتراض الإسرائيلي عليها، خصوصا أن الاحتلال ما يزال قائماً بشكلٍ مباشرٍ في الضفة الغربية، ويتحكم بمختلف مفاصل الحياة العامة هناك.

3. أن يسمح تشكيل الحكومة باستمرار الدعم المالي للسلطة، الذي تقدمه الدول المانحة لها.

4. أن تكون هذه الحكومة قادرة على إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع والقدس في الوقت نفسه.

وفي المقابل فإن موقف “حماس” من تشكيل الحكومة، هو الآخر، يقوم على أربعة مرتكزات أساسية، هي:

1. إطلاق الحريات العامة في الضفة، وإشاعة أجواء الثقة المتبادلة على امتداد الساحة الفلسطينية؛ بحيث تكون جاهزية مؤسسات الحركة العاملة في الضفة وكوادرها للمشاركة في العملية الانتخابية مؤشراً على إنجاز هذا الاستحقاق وتوفره.

2. تزامن إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية للسلطة مع انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير، بحيث يتم استكمال التحضيرات اللازمة لكليهما.

3. إنجاز الاستعدادات والتجهيزات اللازمة وتوفير الضمانات الكافية لإجراء الانتخابات بنزاهة وشفافية، بشكل يلمسه الجميع، وخصوصاً الحركة وكوادرها في الضفة، ويؤكدون عليه.

4. البدء بعملية إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ثانياً: العقبات الداخلية:

في ظل منطلقات فتح وحماس، ما تزال عملية تشكيل الحكومة أسيرة عدم التوافق على عدد من الاستحقاقات، لعل أبرزها تسمية وزراء الحقائب السيادية. ففي حين تتمسك حركة حماس بمنطوق اتفاق المصالحة الذي يحدد اختيار الوزراء بالتوافق، ترى حركة فتح بأنه لاجدوى من اختيار وزراء الحقائب السيادية وخصوصاً الخارجية والمالية، ما لم يكونا موضع ثقة المانحين وقبول أطراف الرباعية، وذلك بدعوى ضمان استمرار وصول المساعدات الخارجية للسلطة، والبدء بعملية إعادة إعمار القطاع. وهذا يقتضي عملياً، أن يكون هذان الوزيران من اختيار الرئيس عباس.

وأما فيما يتعلق بوزير الداخلية، فإن فتح ترى ضرورة أن يكون محل موافقتها كي يحظى بتجاوب الأجهزة الأمنية في الضفة وتعاونها، وإلاّ فإنها “تخشى” من عدم تجاوب هذه الأجهزة معه، وبالتالي فإن هذا الوزير سيبقى معزولاً عن مهامه، وخصوصاً الأمن. حماس من جهتها، تتبع المنطق نفسه لرفض حصر تسمية وزير الداخلية بفتح، لذلك تكرر موقفها الداعي إلى اعتماد التوافق في التشكيل وتسمية الوزراء.

مع العلم بأن لجنة الحوار كانت قد توصلت إلى حل جزئي لهذه العقبة، يتمثل في تشكيل لجنة عليا مهمتها إصلاح الأجهزة الأمنية وتوحيدها، حيث تتولى الحكومة التالية بعد الانتخابات إنجاز ذلك. في حين جرى الاتفاق على توحيد جهازي الشرطة والدفاع المدني، للإشراف على سير العملية الانتخابية ومتابعتها.

ثالثاً: الاعتبارات الخارجية:

ما دام تشكيل الحكومة مرتبطاً، بشكل مباشر، بتلبيتها للمعايير الدولية وقدرتها على تنفيذ المهام الموكلة إليها، وتحديداً إجراء الانتخابات وإعادة إعمار القطاع. فإن هذا الأمر يعني أيضاً خضوع الحكومة  لعدد من التأثيرات الخارجية، وهي:

1. التطور المصري:

لا يخفى أن للتطورات الجارية في مصر تأثيراً كبيراً على مجريات الأحداث في الساحة الفلسطينية عموماً، وعلى مستقبل حكومة التوافق على وجه التحديد. وذلك لاعتبارات متعددة، منها: أن مصر هي راعية المصالحة وصاحبة الدعوة لتشكيل الحكومة.

وقد أسهمت مواقف الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي، التي قال فيها إن المصالحة الفلسطينية أولوية مصرية، في إشاعة أجواء إيجابية لدى طرفي المصالحة. وكذلك تأكيد الرئيس مرسي نفسه على سياسة التوازن في النظر والتعامل مع كل الفصائل والأطراف الفلسطينية، إضافة إلى مراعاته البروتوكول في العلاقات المصرية – الفلسطينية؛ حيث حرص الرئيس المصري على استقبال رئيس السلطة ومن ثم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، كل ذلك أسهم في تعزيز قناعة الفلسطينيين وثقتهم بالدور الإيجابي الواعي لمصر في عهد مرسي تجاه الساحة الفلسطينية.

في هذا الإطار، عبرت حركة فتح على لسان عضو لجنتها المركزية محمود العالول، بأن سياسة الرئيس مرسي سوف تعزز سياسة مصر التقليدية تجاه القضية الفلسطينية. أما حركة حماس من جهتها فقد تكون غنية عن رسائل الطمأنة هذه؛ حيث أن حكومة تسيير الأعمال التي يقودها إسماعيل هنية في القطاع بدأت تتعامل مع التطورات بعد فوز مرسي وكأنها على أبواب عودة الأمور في قطاع غزة إلى طبيعتها التي كانت عليها قبل فرض الحصار. يزيد من ارتياح حماس لهذا الاستخلاص، ما صرح به رئيس السلطة معرباً عن رغبته في قيام مصر بإجراءات تخفيف الحصار وفتح المعابر مع القطاع، عازياً ذلك إلى أن القاهرة ليست طرفاً في اتفاقية المعابر الموقعة بين السلطة و”إسرائيل”.

2. الفيتو الأمريكي:

يبقى الموقف الأمريكي الذي يستند إلى شروط اللجنة الرباعية أمراً حاضر في وعي حركة فتح وقراراها، خصوصاً أن إدارة أوباما والكونغرس سبق لهما أن هددا بوقف المساعدات المالية واللوجستية للسلطة، في حال عدم الاستجابة للمطالب الدولية المتعلقة بالمصالحة مع حركة حماس.

في حين أن واشنطن بدأت في الفترة الأخيرة تتعامل بشيء من الحذر والدبلوماسية مع تطورات المشهد الفلسطيني، بسبب تحفز الشارع العربي والفلسطيني من تدخل الولايات المتحدة في الشؤون العربية، والانحياز الدائم لصالح الجانب الإسرائيلي. لعل ذلك ما يفسر اختفاء التصريحات الأمريكية المعلنة تجاه حكومة التوافق المزمعة أو ندرتها، وليس تجاهلها أو تغيير الموقف منها أو حتى رفع الفيتو عنها.

ومع ذلك، فإنه خلال جولة وزيرة الخارجية الأمريكية الأخيرة للمنطقة، تحدثت هيلاري كلينتون، بشكل عام، عن دعم بلادها لـ”اتفاقية السلام” الفلسطينية الإسرائيلية، ودعت الفلسطينيين، إلى ضرورة “الإجماع” على “نبذ العنف” واختيار طريق التسوية والمفاوضات مع “إسرائيل” كسبيل وحيد لقيام الدولة الفلسطينية، في سياق “حل الدولتين”.
ما تقدم يعني أن تشكيل حكومة التوافق وإجراء الانتخابات، كما تنص اتفاقية المصالحة، ما يزالان أمرين مرفوضين أمريكياً وخاضعين للفيتو.

3. الموقف الإسرائيلي:

يُعد موقف رئيس الحكومة الإسرائيلة بنيامين نتنياهو، الذي خيَّر فيه رئيس السلطة محمود عباس بين حماس و”إسرائيل” وبين “الإرهاب” والتسوية، هو أساس الموقف السياسي والميداني للكيان، وطريقة تعامله مع فتح والسلطة فيما يتعلق بالمصالحة وتبعاتها.

وقد بدأت حكومة الاحتلال باستخدام العصا الغليظة مع السلطة في كل مرة حاولت فيها حركة فتح تجاوز خطوط الكيان الحمراء، ومن بين هذه الإجراءات حجز عائدات الضرائب للسلطة، وامتيازات الـVIP لكبار الشخصيات الفلسطينية، وإعادة تشغيل “الإدارة المدنية” في الضفة، فضلاً عن قدرتها على عرقلة العملية الانتخابية في الضفة ومنعها في القدس.

صحيح أن عباس كان قد رد على نتنياهو باختياره حماس، واصفاً إياها بأنها جزء من الشعب الفلسطيني، ولكن ذلك لا ينفي بأن التهديد الذي تلوح به الحكومة الإسرائيلية والضغط الذي تمارسه، يؤثران في خلفية التفكير واتخاذ القرار لدى عباس، الأمر الذي يعني بأن موافقته على حكومة التوافق ما تزال محكومة بشروط الكيان، أو على الأقل بما لا يرفضه.

الموقف الإسرائيلي هذا يجعل محمود عباس في حالة بحث دائمة عن معادلة ترضي حماس ولا تغضب “إسرائيل”، ما دام مصراً على أولوية الانتخابات كمهمة تبرر وجود الحكومة، وكمدخل للمصالحة. وعلى ما يبدو فإن عباس لم يصل بعد إلى هذه المعادلة، وهو ما يفسر تكرار الحديث عن التوافق وعن اقتراب موعد تشكيل الحكومة، ولكن من غير أن نرى دخاناً أبيض يبشر باقتراب موعد إعلانها.

رابعاً: المقترحات:

1. ربط تشكيل حكومة التوافق بالانتخابات يؤدي، بشكل غير مباشر، إلى ربط المصالحة بالموافقة الإسرائيلية، الأمر الذي يدعو حركتي فتح وحماس إلى مراجعة أولويات الحكومة والمصالحة، بحيث يجري إبعاد المصالحة، باعتبارها شأناً وطنياً داخلياً، عن التأثيرات الخارجية.

2. الإصرار على التزام وزراء الداخلية والخارجية والمالية ببرنامج عباس، وقبول شروط اللجنة الرباعية الدولية والمانحين، سيُبقي المصالحة في درجة التجمد. وإن فرص عودة الحرارة للحياة السياسية الفلسطينية تقتضي إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني المشترك، الذي من المفترض أن يقوم على أساسه برنامج أي حكومة وطنية، سواء كانت حكومة توافق أم غير ذلك.

3. في ظل “الموت السريري” للتسوية، لم يعد الإصرار على أولوية انتخابات السلطة أمراً ذا جدوى وطنية، في حين أن منظمة التحرير هي ثمرة النضال الوطني ومظلته، وما دامت تحظى بالاعتراف العربي والإسلامي والدولي، فإن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني من خلال تفعيل المنظمة ومؤسساتها بطريقة تحقق عدالة التمثيل في مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، من شأنه أن يُشكل الأولوية الوطنية في المرحلة القادمة، والمطلوب إنجازها في أقرب فرصة ممكنة.

* كتب مسودة هذا التقدير مشكوراً الأستاذ معين مناع، الباحث في مركز الزيتونة.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 25/7/2012