مدة القراءة: 4 دقائق

تقدير استراتيجي (42) – شباط / فبراير 2012

مقدمة:

بالرغم من توالي التصريحات عن أن الانتخابات، الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني الفلسطيني، ستجري في موعدها المحدد في مايو/ أيار 2012. إلاّ أن اعتبارات الأطراف المعنية بهذه العملية، وتحديداً حركتي فتح وحماس، والظروف الميدانية على الأرض من جهة والاحتلال الإسرائيلي من جهة ثانية، ما تزال غير متلائمة مع إمكانية إجرائها.

موقف حركة فتح:

تنظر حركة فتح إلى الانتخابات من زاوية أن صناديق الاقتراع هي الآلية الديمقراطية المعتبرة لتجديد شرعيتها في قيادة الشعب الفلسطيني، وبما يحمي ضمناً، خياراتها المتمثلة في: السلطة ومسار التسوية السياسية؛ وفي مواجهة الشرعية التي اكتسبتها حماس في انتخابات 2006.

وقد يبدو للوهلة الأولى أن إجراء الانتخابات في مناطق السلطة، خصوصاً في الضفة الغربية، سيعيد لفتح شرعيتها الشعبية ويكرِّس قيادتها للشعب الفلسطيني. غير أن هناك عدداً من المخاوف التي يجب أن تضعها في اعتباراتها:

1. لا يوجد سجل إنجازات ملموس لتقديمه شعبياً سواء على صعيد إدارة الضفة الغربية أو إدارة ملف التسوية أو إدارة م.ت.ف.

2.
ما تزال فتح تعاني من العديد من المشاكل الداخلية التنظيمية والبنيوية وهو ما قد ينعكس سلباً على أدائها الانتخابي.


3.
إن خفوت صوت حماس في الضفة الغربية، ليس بسبب ضعفها، بقدر ما هو متعلق بالإجراءات الأمنية للسلطة ولقوات الاحتلال. وإن تهيئة أجواء حقيقية من الحرية للأفراد والمؤسسات في الضفة لبضعة أشهر تسبق الانتخابات بحيث تسترجع حماس وضعها الطبيعي، قد يُثبت أن حماس ما تزال تتمتع بنفوذ لا يستهان به.


4.
إن الانتخابات لن تقتصر على السلطة في الضفة والقطاع وإنما ستتمدد لتشمل المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج وإعادة تشكيل قيادة م.ت.ف ومؤسساتها. وهو ما لا ترغب به الكثير من القيادات الفتحاوية، لأن ذلك سيكسر احتكار فتح لـ م.ت.ف، ويفتح الآفاق لدور واسع لحماس وفصائل المقاومة في قيادة وتوجيه م.ت.ف ومؤسساتها.

وإذا كانت فتح قد سعت سابقاً لتجنب شراكة حماس في قيادة السلطة، فلن يكون العديد من قادة فتح سُعداء بتوسيع حماس لدائرة تأثيرها من السلطة إلى م.ت.ف.

ولذلك، فقد تسعى العديد من القيادات الفتحاوية إلى حصر الانتخابات في مناطق السلطة فقط، وتعطيل مسارها فيما يتعلق بـ م.ت.ف في تكرار للمشهد الذي حدث سنة 2006. وهو قد يواجه برفض شديد من باقي الفصائل الفلسطينية وخصوصاً حماس.

موقف حركة حماس:

ينطلق موقف حركة حماس من الانتخابات باعتبار أنها تمهد الطريق للحركة من أجل المشاركة الفاعلة في مؤسسات العمل الوطني (المنظمة والسلطة). مع العلم أن حماس ترى في نفسها الكفاءة اللازمة والقدرة الكافية لتفعيل هذه المؤسسات بل قيادتها، إضافة إلى تجديد شرعية خيارها في المقاومة المسلحة، بما يؤكد مكانة هذا الخيار الاستراتيجية لدى الشعب الفلسطيني.

وما تزال حماس تتمتع بشعبية كبيرة في الداخل والخارج، كما تتمتع بتماسك تنظيمي وبنية مؤسسية قوية مقارنة بفتح، وتسيطر على قطاع غزة وعلى مؤسسات السلطة وأجهزتها فيه وهو ما يجعلها في وضع قوي. وما تزال الحركة تصر على ضرورة مراعاة الشروط المتفق عليها في ورقة المصالحة لإجراء الانتخابات، وهي:

1. إنهاء ملف الاعتقال السياسي، وضمان الحريات العامة بالتساوي بين جميع الفصائل وأبناء الشعب الفلشسطيني في الضفة، بما يُتيح للحركة ولباقي الفصائل الفلسطينية إطلاق برنامجها الانتخابي والترويج له، وبما يتيح لجماهيرها ومؤيديها حرية التعبير عن مواقفهم الداعمة لخيار المقاومة واختيار من يمثلهم ويعكس إرادتهم بدقة وشفافية.

2.
ضمان إجراء الانتخابات بصورة نزيهة، في قطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك شرقي القدس.


3.
إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية للسلطة، بالتزامن مع انتخابات (أو تعيينات) المجلس الوطني للمنظمة، في الداخل والخارج؛ بما يتيح للحركة وباقي الفصائل المشارَكة الفاعلة في منظمة التحرير بصورة قانونية عادلة، وانضمامها إلى قيادة اللجنة التنفيذية بشكل طبيعي وأصيل يعبر عن حقيقة حجمها ومكانتها في الشعب الفلسطيني.

موقف الحكومة الإسرائيلية:

يأتي الموقف الإسرائيلي من الانتخابات الفلسطينية وفقاً للاعتبارات التالية:

1. عدم السماح بتكرار تجربة 2006؛ بما يؤدي إلى توفير غطاء متجدد، من خلال الشرعية الديمقراطية، لخيار المقاومة المسلحة، ودخول حماس إلى مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، الأمر الذي يُهدد العديد من المصالح والامتيازات التي تحصل عليها حالياً، مثل: التعاون الاقتصادي، والتنسيق الأمني، وغيرها…

2.
عدم السماح للحركة الوطنية الفلسطينية بإنجاز الوحدة الجغرافية بين الضفة والقطاع، واستعادة الشرعية الدستورية لأي حكومة وحدة تكون حماس وقوى المقاومة جزءاً منها، وعدم السماح لفتح أو القيادة الفلسطينية من الاستفادة من هذا الإنجاز في ملف عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة.


3.
فرض شروطها على الطرف الفلسطيني، والتي تتمثل في: أ- وقف طلب عضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، ب- التراجع عن شرط تجميد الاستيطان، ج- العودة إلى “عملية” المفاوضات.

ولا يظهر أن الحكومة الإسرائيلة، التي يُهيمن عليها التيار اليميني المتشدد والديني المتطرف، ستسمح بفتح أبواب العمل السياسي والاجتماعي الحر لحماس وفصائل المقاومة في الضفة الغربية للتهيئة لانتخابات حرة ونزيهة، بحجة أن ذلك سيسمح لحماس وقوى المقاومة من إعادة البنى التحتية للعمل المقاوم المسلح.

وبالتالي فما دام الاحتلال قائماً في الضفة الغربية فإن فرص العمل الحر لتيارات المقاومة ستكون ضعيفة، إن لم تكن معدومة، وهو ما يعني أن فرص الانتخابات الحرة نفسُها ضعيفة أيضاً.

عدم إجراء الانتخابات:

ينسجم هذا الاحتمال مع عدم توفر بيئة مناسبة لإجراء الانتخابات، بما في ذلك عدم تمكن حركة فتح من إحراز إنجاز سياسي ذي قيمة، لكي تقدمه للشعب الفلسطيني بين يدي الانتخابات. وعدم إحراز تقدم جدّي في الضفة على مستوى الاستجابة للمعايير المتعلقة في الانتخابات.

في حين تتوالى مواقف الحكومة الإسرائيلية وخطواتها، التي تؤكد عدم السماح بإجراء الانتخابات، مثل: إعلان عدد من وزراء الحكومة الإسرائيلية رفض إجراء الانتخابات وخصوصاً في القدس، التي تصر حركتا فتح وحماس بأن لا انتخابات بدونها. وقيام سلطات الاحتلال باعتقال أكثر من عشرين نائباً من حماس، بمن فيهم رئيس المجلس التشريعي الدكتور عزيز الدويك.

تأجيل موعد الانتخابات:

يقوم هذا الاحتمال على الأسس التالية أو بعضها:

1. ظهور موقف أمريكي ضاغط على حكومة نتنياهو، من أجل السماح بإجراء انتخابات فلسطينية، تماشياً مع التطورات “الديمقراطية” في أكثر من بلد عربي. وهذا الدور الأمريكي مستبعد، على الأقل لحين ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية، ما يعني بأن إمكانية تفعيل هذا الاعتبار مؤجلة حتى نهاية العام الجاري 2012.

2.
حدوث اختراق ذي قيمة على مسار المفاوضات، الأمر الذي يُعد مستبعداً خصوصاً بعد إعلان فشل “جولة” لقاءات عمان؛ “بسبب تعنت حكومة نتنياهو” ورفضها الاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية المتمثلة في خط الرابع من حزيران 1967.


3.
اطمئنان الجانب الإسرائيلي/ الأمريكي لخسارة حماس في الانتخابات، وارتفاع وتيرة التغييرات في العالم العربي بشكل واسع ومؤيد للفلسطينيين ومعادٍ للإسرائيلين، بحيث يدفع الحكومة الإسرائيلية لتقديم تنازلات تحول دون انهيار مسار أوسلو ومسار التسوية، يكون من بينها السماح بإجراء الانتخابات في مناطق السلطة.  

مقترحات:

1. أن يستمر رئيس السلطة السيد محمود عباس في رفض شروط نتنياهو؛ باعتبار أن الانتخابات حق فلسطيني والتزام إسرائيلي، وإذا حاولت حكومة نتنياهو تعطيلها، فعليها أن تتحمل تبعات ذلك، على المستوى الدولي والعربي، وأمام ردة فعل الشارع الفلسطيني.

2.
أن تُبادر حركة فتح إلى تنفيذ دعوتها لإطلاق المقاومة الشعبية في الضفة الغربية بالشراكة مع كافة الفصائل، لأنها تشكل الضمانة المتاحة لإنهاء الاحتلال؛ الأمر الذي يُعد مقدمة طبيعية لتجسيد السيادة الفلسطينية، التي تُنتج انتخابات ديمقراطية ودورية.


3.
أن تتوافق كافة الفصائل والقوى الفلسطينية على تسريع إعادة بناء م.ت.ف وانتخاب المجلس الوطني وتشكيل اللجنة التنفيذية، وإطلاق حكومة توافق وطني تتولى تنفيذ كافة بنود المصالحة واستحقاقاتها، كما تتولى إدارة شؤون الضفة والقطاع، وعدم انتظار الموافقة الإسرائيليلة لإجراء الانتخابات، أو الرهان على “عملية” المفاوضات التي ثبت عقمها وعدم جدواها. 

* كتب مسودة هذا التقدير مشكوراً الأستاذ معين مناع، الباحث في مركز الزيتونة.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 22/2/2012