مدة القراءة: 4 دقائق

تقدير استراتيجي (41) – شباط / فبراير 2012

ملخص:

إن تصاعد الحملات الإعلامية بين “إسرائيل” والمقاومة الفلسطينية، وتطورها بين الحين والآخر إلى ضربات عسكرية ضد قطاع غزة، يوحي بأن حرباً قريبة قد تقع على قطاع غزة؛ غير أن العناصر الدافعة لشن حرب إسرائيلية على القطاع، أو لإنهاء الهدنة من قبل المقاومة ما زالت محدودة، إضافة إلى أن أجواء التغيرات في العالم العربي لا تعمل لصالح دخول “إسرائيل” في حرب جديدة على القطاع. كما أن البيئة الدولية غير مهيأة في ظل التغيرات العربية الجديدة في المنطقة.

ومن جهة أخرى فإن المقاومة الفلسطينية في أمس الحاجة إلى الهدوء، لتقوية نفسها سياسياً وعسكرياً في ضوء الاختلاف في ميزان القوى مع الجانب الإسرائيلي، وإلى أن يتشكل المشهد العربي الجديد على الأقل. لذلك، فمن المتوقع أن يقتصر الأمر في المدى القريب على معادلة “التهدئة مقابل التهدئة”، وأن يتركز المشهد في قطاع غزة على استهدافات ميدانية إسرائيلية محدودة للقطاع، مقابل مقاومة آنية ومحدودة تأتي غالباً في سياق رد الفعل.

السلوك الإسرائيلي:

لا يظهر أن “إسرائيل” جادة فعلاً في شن حرب قريبة جداً على قطاع غزة، كما قد تعكسه تصريحات بعض قادتها ووسائل إعلامها. على سبيل المثال ما كشفته صحيفة الجيروزاليم بوست الإسرائيلية في عددها الصادر في 18/1/2012، بأن هيئة الأركان العامة قد أصدرت تعليماتها للقيادة الجنوبية باستكمال الاستعدادات لعملية واسعة النطاق في قطاع غزة. إذ إن الهدوء النسبي الذي تنعم به جبهتها مع قطاع غزة، ونجاحها إلى حد كبير في تثبيت معادلة “التهدئة مقابل التهدئة”، بالإضافة إلى عدم وجود بيئة محلية أو عربية أو دولية دافعة للحرب، تُفقد هذه الحرب أبرز مبرراتها حالياً.

 التصعيد الإعلامي:

انطلقت موجة جديدة من التصريحات الإسرائيلية المعادية لقطاع غزة قبيل الذكرى الثالثة لعملية الرصاص المصبوب، فقد قال الجنرال الإسرائيلي يوآف جالنت في 5/12/2011، “إن الجيش الإسرائيلي سوف يضطر في نهاية الأمر للدخول إلى قطاع غزة بالبلدوزرات”، فيما قدر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بيني جانتس بـ “أنه لا مفر عاجلاً أم آجلاً من تنفيذ عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة”.

أسهمت هذه الأجواء الإعلامية التصعيدية بتوتير الأوضاع، بالإضافة إلى بعض التحرشات الإسرائيلية التي دفعت فصائل المقاومة إلى الرد، حيث أوضح تقرير للجيش الإسرائيلي إلى زيادة عمليات المقاومة الفلسطينية المنطلقة من القطاع خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر 2011 والتي وصلت إلى 30 عملية كان معظمها عبارة عن إطلاق صواريخ، مقابل تسجيل 11 عملية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، وهو ما أعاد إلى الأذهان فكرة إمكانية شن حرب إسرائيلية على القطاع.

المبررات الإسرائيلية للحرب على قطاع غزة:

1. انزعاج “إسرائيل” من استمرار حماس في قيادة قطاع غزة، كعدو لا يعترف بها، ويعمل ضد مشروع التسوية.

2. استمرار تراكم عناصر القوة العسكرية والمادية في قطاع غزة لدى حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.

3. استمرار حالة التوتر وانطلاق الصواريخ من قطاع غزة، بما يفقد نحو مليون إسرائيلي في المناطق القريبة من قطاع غزة أمنهم وإمكانية بناء حياة اقتصادية مستقرة.

المبررات الإسرائيلية لإبقاء الوضع على ما هو عليه:

1. تعطُّل ملف التسوية بسبب رفض “إسرائيل” لوقف الاستيطان، بما يخالف شروط قيادة م.ت.ف والسلطة الفلسطينية، ومطالبات الرباعية الدولية. وهو ما أزَّم علاقاتها بالسلطة وجعلها معزولة دولياً. وأي حرب تشنها “إسرائيل” ستجعل وضعها أكثر صعوبة. ولذلك فهي ترغب في إحداث اختراق في مسار التسوية، وإعادة أبي مازن إلى طاولة المفاوضات.

2. إن إسقاط الحكومة التي تقودها حماس في القطاع، وما قد ينتج عنه من تسليم الحكم للقيادة الفلسطينية في رام الله، قد لا يكون أمراً مرغوباً به في الفترة الحالية، إذ ما تزال أطراف إسرائيلية ترغب بالإبقاء على حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية، وعدم توفير بيئة مناسبة لإتمام المصالحة، وهو ما يعينها على فرض شروطها على الطرف الفلسطيني، أو الادعاء بعدم وجود من يمثل الفلسطينيين كلهم.

3. عدم وجود ما يبرر ضرورة الحرب في الوقت الحالي، فالوضع لا يمثل تهديداً خطيراً يستحق شن حرب على القطاع، إذ إن قاعدة “التهدئة مقابل التهدئة” التي فُرضت منذ عملية الرصاص المصبوب ما زالت قائمة، ويتضح ذلك من حجم الصواريخ المطلقة من قطاع غزة، فقد سجلت الإحصاءات الإسرائيلية سقوط 680 صاروخاً وقذيفة على المستعمرات والمدن الإسرائيلية خلال سنة 2011، وذلك مقابل 3,720 صاروخاً وقذيفة أطلقت في سنة 2008 قبيل عملية الرصاص المصبوب، بالرغم من أن تلك السنة شهدت تهدئة لمدة ستة أشهر. كما كان معدل إطلاق الصواريخ على الجانب الإسرائيلي بعد انتهاء التهدئة 50-70 صاروخ يومياً.

4. استمرار حالة الحصار، فعلى الرغم من المحاولات الفلسطينية لكسر الحصار عن غزة، إلا أن “إسرائيل” ما تزال تفرض قيودها البرية والبحرية على القطاع، مع استمرار القيود المصرية في معبر رفح.

5. النجاح النسبي الذي حققته منظومة القبة الحديدية في صد صواريخ المقاومة الفلسطينية، فقد سجل الجيش الإسرائيلي خلال فترة التصعيد في نهاية 2011 نجاحاً لهذه المنظومة بنسبة 75%.

6. عدم توفر بيئة عربية مناسبة للحرب، في ظل التغير الذي طرأ على أنظمة الحكم في بعض الدول العربية بما فيها مصر، فإن قيام “إسرائيل” بإشعال حرب قد يدفع التيارات الإسلامية الصاعدة لسدة الحكم، لتوحيد جهودها بما يصب لصالح  القضية الفلسطينية وتيارات المقاومة وخصوصاً حركة حماس، وهو ما لا ترغب به “إسرائيل”.

7. عدم توفر البيئة الدولية المناسبة للحرب، إذ إن الإدارة الأمريكية منشغلة في الوقت الحاضر في محاولة إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، خصوصاً بعد خروجها من العراق، بالإضافة إلى التحضير للانتخابات الأمريكية الرئاسية، ومحاولتها الخروج من أزمتها الاقتصادية.

السلوك الفلسطيني:

اتسم السلوك الفلسطيني طوال السنوات الثلاث التي تلت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بالتهدئة، فقد التزمت بها حركة حماس ومعها معظم الأطراف الفلسطينية. وعلى الرغم من سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، إلا أنها لا ترغب وقد لا تستطيع منع فصائل المقاومة من الرد على عمليات الاغتيال الإسرائيلية. كما أن هناك بعض المجموعات الصغيرة التي لها اجتهاداتها ويصعب ضبطها، مما قد يدفع إلى تصعيد عسكري متبادل لم يتطور حتى الآن إلى بناء بيئة حرب.

إن توفير بيئة هادئة في القطاع يتيح لفصائل المقاومة وخاصة لحركة حماس إمكانية تطوير قدراتها العسكرية، والتركيز على كسر الحصار، وإعادة إعمار غزة. كما أن  الأجواء الشعبية والفصائلية في قطاع غزة لا ترغب في استعجال دفع أثمان مشابهة للحرب الأخيرة على القطاع؛ دونما مردود حقيقي على الأرض.

على ما يبدو فإن الطرف الفلسطيني وخاصة حركة حماس المعنية مباشرة في إدارة القطاع، والتي لا تتعدى جهوزيتها العسكرية كونها جهوزية دفاعية، غير راغبة بالدفع نحو حرب ترى أن ضررها أكثر من نفعها في هذه المرحلة.

السيناريو المحتمل:

بناءً على المعطيات السابقة فإنه من المستبعد قيام “إسرائيل” بحرب شاملة على قطاع غزة في المدى المنظور، كما هو مستبعد إعادة احتلال جزء من قطاع غزة، لما في ذلك من تعارض مع عدد من حساباتها السياسية والتكتيكية، وعدم توفر البيئة المحلية والإقليمية والدولة. لذلك فإن السيناريو المحتمل هو استمرار “إسرائيل” في توجيه ضربات محدودة لقطاع غزة والحد من تأثير الصواريخ على سكان المستعمرات والمدن الإسرائيلية باستخدام منظومة القبة الحديدة.

 التوصيات:

1. متابعة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي والاتفاق على أجندة فلسطينية موحدة بين كافة القوى السياسية الفلسطينية.

2. استمرار المقاومة الفلسطينية في تدعيم إمكانياتها العسكرية، واللوجستية.

3. مطالبة القوى السياسية العربية الصاعدة لتحديد استراتيجياتها في خدمة القضية الفلسطينية.

4. نشيط حملات فك الحصار عن قطاع غزة، خصوصاً الحملات الدولية.

* كتب مسودة هذا التقدير مشكوراً الأستاذ وائل سعد، الباحث في مركز الزيتونة.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 11/2/2012