مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي رقم (32) . حزيران/ يونيو 2011.

ملخص التقدير: ما يزال الفلسطينيون متمسكين بحق العودة، ومستعدين لبذل التضحيات الغالية من أجله، وقد انطلقت الفعاليات الشعبية الفلسطينية الواسعة في 15/5/2011 مستفيدة من أجواء “الانتفاضات العربية”. ويمكن القول بأن هذه الفعاليات أقلقت الجانب الإسرائيلي، وجعلته يخشى على مستقبل رؤيته لمشروع التسوية بشكل يؤدي لتنازل اللاجئين عن حق العودة. 
ومع ذلك، فإن الاعتبارات الداخلية والالتزامات الدولية للحكومات العربية المعنية بهذا الاستحقاق، جعلتها تتخذ بعض المواقف أو تمارس بعض الإجراءات التي لم تساعد اللاجئين كي يطوروا موقفهم، ليتحول إلى أداة فعل حقيقية تؤدي لتحويل حلم العودة إلى حقيقة.

على هذه الخلفية، من الممكن أن تسير هذه الفعاليات باتجاه أحد السيناريوهات الثلاثة التالية:

1. تسجيل الموقف: أي اعتبار أن ما جرى “حدث تاريخي” يستحق التقدير والذكرى، وكفى.

2. الفعاليات الموسمية: حيث تشكل “التطورات العربية” بيئة مساعدة لتكرار الحدث في المناسبات الوطنية، ولكن من غير أن تصل إلى حد كسر الحدود ومباشرة العودة كأمر واقع.

3. الاستمرار والتراكم: يمكن لهذا الاحتمال أن يظهر إلى حيز الوجود في حال عثر القائمون على هذه الفعاليات والداعمين لها على هوامش سماح توفرها لهم الحكومات العربية المعنية، أو قدرة الضغط على القيادة الفلسطينية الرسمية لتوفير الغطاء السياسي والدعم القانوني لهذه الفعاليات.

المقدمة:

شكّل حق “العودة” هماً شغل بال اللاجئين الفلسطينين على مدار 63 عاماً، في كل مرة كانوا يجددون العهد على التمسك بها. وطوال سنوات اللجوء والشتات كانوا، في جميع أماكن تواجدهم، مواظبين على تلقين أبنائهم وأحفادهم حبّ فلسطين والتمسك بالعودة إليها.

في 15.5.2011 تحرك عشرات آلاف الفلسطينيين، من قطاع غزة مصر والأردن وسوريا ولبنان، في مسيرات شعبية سلمية نحو الحدود مع فلسطين المحتلة عام 1948، ورددوا جميعاً شعاراً واحداً قالوا فيه: الشعب يريد العودة إلى فلسطين.

نحو فلسطين:

بعد 63 عاماً من اللجوء، تحركت جموع كبيرةً من الفلسطينيين نحو الحدود للتأكيد على حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم. ولم تكن الطريق نحو فلسطين ممهدة، بل كانت محفوفة بالتهديد والوعيد، وأحياناً بالدماء والجرحى، وقد أحصت التقارير نحو 15 شهيداً وأكثر من 572 جريح. لذلك، يمكن القول بأن جميع عواصم دول اللجوء الأولى شهدت حراكاً فلسطينياً، ولكن كان لحدود كل دولة مشهدٌ مختلفٌ مع تلك الحشود، الراغبة بالعودة والرافضة لمشاريع التهجير، والتوطين، والوطن البديل.

من الجدير بالذكر أنه كانت لهذه الفعاليات عدّة مميزات، منها:

1. أنها جاءت على وقع “الثورات العربية” وبدافع من المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية.

2. كانت منسقة ومتزامنة في مختلف مناطق اللجوء والشتات، وخصوصاً في دول اللجوء الأولى المحيطة بفلسطين.

3. ضمت الأجيال الأربعة (الأجداد، والآباء، والأبناء، والأحفاد)، مما أسقط الاستراتيجية الصهيونية التي تقول: الأباء يموتون والأبناء ينسون.

5. غلب على المسيرت مشاركة الأجيال الفتية والشابة، حيث كان لعنصر الشاب الدور الأساسي في تحريك الفعاليات ومهاجمة الأسيجة الشائكة مع حدود فلسطين.

6. ضمت مختلف الاتجاهات السياسية والفصائل الفلسطينية، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني والمستقلين.

7. احتفظت بطبيعتها السلمية، سوى من الحجارة التي اقتلعها الشباب ليردوا بها على جنود الاحتلال الذين بادؤوهم بإطلاق النار لمنعهم من ممارسة حقهم في العودة.

8. رددت شعاراً واحداً يقول: الشعب يريد العودة إلى فلسطين، ورفعت علماً واحداً؛ الذي يرمز إلى فلسطين التاريخية التي هجِّر منها اللاجئون، الذين يبلغ تعدادهم بحسب إحصائيات العام 2010 أكثر من ستة ملايين إنسان من أبناء فلسطين المحتلة سنة 1948، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من أبناء الأراضي المحتلة سنة 1967.

9. حظيت بدعم جماهيري عريض من مختلف دول العالم، فعلى سبيل المثال، تحركت مسيرات في كل من دول المغرب العربي، مثل تونس ومورتانيا، ومن دول العالم الإسلامي مثل تركيا وإيران، ومن الدول الغربية مثل المملكة المتحدة وغيرها.

وبالرغم من العقبات والعراقيل التي اعترضت طريق هذه المسيرات، إلاّ أنها انطوت على عدّة دلالات مهمة، منها:

1. كشفت يأس جماهير الشعب من “عملية التسوية” مما أسهم في تحركهم، آخذين بأيديهم زمام المبادرة، وهو الأمر الذي يفتح الباب أمام فعاليات شعبية قادمة.

2. استعادة الثقة بالنفس، واليقين بأن الشعب قادرٌ على إنجاز مهمته بنفسه، ولم يعد الأمر يحتمل الاعتماد على الساسة والمفاوضين.

3. أثبتت أن الشعب الفلسطيني، بمختلف أطيافه وأماكن تواجده، ما يزال متمسكاً بالحق ومصراً على العودة. 

وقد تعرضت هذه المسيرات لإجراءات متباينة، أثّرت بشكل مباشر، على خط سير هذه الحشود وعلى غايتها المرجوة، وقد ظهرت هذه التباينات على الشكل التالي:

1. تمكنت مسيرات لبنان وسوريا من الوصول إلى الشريط الحدودي مع فلسطين، وتمكن عدد من المشاركين من ملامسة الشريط، بل استطاع العديد من الأفراد من تجاوزه لأمتار، سوى رجلٍ واحدٍ تمكن من الوصول إلى يافا بلدة أبويه.

2. غيّرت مسيرات مصر وجهتها، بعد “مناشدة” الحكومة للمنظمين مراعاة “الأوضاع الخاصة التي تمر بها البلاد”، وجرى التوجه نحو السفارة الإسرائيلية.

3. لم تستكمل المسيرات في الأردن، هي الأخرى، خط سيرها، بسبب منع الأجهزة الأمنية لها وتوجهت أعدد من المشاركين للاعتصام أمام السفارة الإسرائيلية في عمان.

4. تحركت مسيرات الضفة الغربية في مختلف المدن والبلدات، وجرت مواجهات دامية مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في أكثر من موقع وخصوصاً عند معبر قلنديا.

5. تعرضت حشود المتجمهرين على الحدود الشرقية لقطاع غزة إلى قصف مدفعي إسرائيلي وبالأسلحة الرشاشة مما أدى إلى وقوع العديد من الشهداء والجرحى.

عقبات في الطريق:

لم تكن الطريق نحو فلسطين ممهدة ولا حتى سالكة أو آمنة، وكذلك الممرات المؤدية إلى الشريط الحدودي الذي يفصل اللاجئين عن ديارهم وممتلكاتهم التي هُجِّروا منها؛ كانت هي الأخرى دامية، أوقعت شهداء وجرحى. وقد اتخذ  كل طرف، معني بهذا الحدث، موقفه بشكل متناسب مع اعتباراته الخاصة، التي ظهرت على الشكل التالي:

أولاً: الجانب الإسرائيلي:

ترفض “إسرائيل” أي فكرة تتعلق بعودة اللاجئين. وترفض تحمُّل أية مسؤولية مادية أو أخلاقية بسبب تهجير الفلسطينيين، وترى أن مشكلة اللاجئين يجب أن تحل في إطار إقليمي ودولي، يؤدي إلى توطين اللاجئين في أماكن هجرتهم، أو يسمح لهم بالعودة إلى الدولة الفلسطينية الموعودة في الضفة والقطاع ضمن ترتيبات محددة. ووفق هذا المبدأ صاغت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ بداية عملية التسوية مع الفلسطينيين، مواقفها من “مشكلة” عودة اللاجئين الفلسطينيين.

إن أقصى مدىً وصل إليه “الكرم” الإسرائيلي، بخصوص العودة إلى الأراضي المحتلة سنة 1984، هو التداول الشفهي غير الملزم، في العام 2000، حول إمكانية عودة 100 ألف لاجئ على مدى عشر سنوات بواقع 10 آلاف في العام الواحد. مع العلم بأن الذي جرى الحديث حوله، بين محمود عباس وإيهود أولمرت، بعد مؤتمر أنابوليس في أواخر العام 2007، هو عودة رمزية لخمسة آلاف أو 10 آلاف فرد خلال 10 سنوات!!.

ومن الواضح أن فعاليات ومسيرات ذكرى النكبة أصابت الإسرائيليين بالكثير من القلق والإرباك، إذ إنهم على مدى سنوات لم يكونوا جاهزين للتعامل مع هكذا سيناريو، ولا قادرين على التعامل مع حشود ضخمة زاحفة باتجاه الحدود؛ مع قدرة عالية للفلسطينيين على التوظيف السياسي والإعلامي للحدث، وجعله محط أنظار العالم واهتمامه.

من هذه المنطلقات، وعلى خلفية فعاليات النكبة هذا العام، صرح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بالقول: لا عودة للاجئين إلى “إسرائيل”. ثم استطرد مهدداً: سنمنع بالقوة وبكل الوسائل كل من يحاول دخول حدود “دولتنا”.
ولذلك، سعى الموقف الإسرائيلي إلى إغلاق الطريق في وجه فعاليات العودة، والتصرف بشكل حاسم، لتيئيس المتظاهرين من إمكانية نجاح مسيراتهم، وهو ما يفسر القمع الدموي الذي مارسه جيش الاحتلال في مواجهة المحتشدين، حيث جرى إطلاق النار بشكل مستهدف ومباشر نحو صدور اللاجئين “الراغبين” بالعودة.

ثانياً: الموقف المصري:

سلكت الحكومة المصرية خط التفاعل مع استحقاق 15/5 والتظاهرات المواكبة له، عبر طريقتين. تمثلت الأولى في: الحديث عن اقتراب موعد فتح معبر رفح بشكل دائم، الأمر الذي أسهم في تهدئة خواطر المتظاهرين إلى حد كبير، حيث ارتأوا بأنهم تمكنوا، بفضل جهودهم هذه، من تحقيق جزء من الغاية التي خرجوا من أجلها. بينما جاء الثاني: من خلال مناشدة القائمين على أمر المسيرات ومطالبتهم بضرورة تفهم “أوضاع البلاد الاستثنائية”.

قد تكون خلفية موقف الحكومة في مصر هي نفس ما عبرت عنه، ومع ذلك فإن تحويل فعاليات ذكرى النكبة إلى غير وجهتها، قد أسهم في إضعاف زخم الفعاليات، كما أنه يرسل، لمن يهمه الأمر، رسالة واضحة مفادها بأن مصر لا تريد الانخراط في لعبة الضغط الشعبي على “إسرائيل”، لعلم القاهرة بأن هذا النوع من المواقف لا تقبله واشنطن ولا تتحمله “إسرائيل”، وهو يعدّ من كلا الطرفين على أنه تجاوز للخطوط الحمراء، وهذا ما لا تريد القيادة الجديدة في مصر المساس به، حالياً على الأقل.

ثالثاً: الموقف الأردني:

مع أن الحكومة الأردنية تعلن بشكل دائم أنها تؤيد حق اللاجئين في العودة، وترفض المقولة الإسرائيلية التي تدعو لجعل الأردن بمثابة الوطن البديل للفلسطينيين. ولكنها هذه المرة، لجأت، بشكل رسمي وآخر غير رسمي، إلى استخدام القوة والعنف لمنع المسيرات من الوصول إلى الحدود، مع أنها تطالب بنفس مطالب الحكومة (بحق العودة ورفض التوطين والوطن البديل)، ومع أنهم تحركوا بشكل سلمي. موقف الأردن هذا يقدم تفسيراً مفاده أن ما تفعله الحكومة مختلف عما تقوله؛ ويكمن وجه الاختلاف تحديداً في أنها تحصر رفض التوطين بالممارسة اللفظية والتصريحات الإعلامية، بينما تلتزم بعدم السماح بالتعبير العملي عن هذا الرفض إذا جاء، بحسب تقديرها، بشكل يؤدي إلى إثارة الحدود مع “إسرائيل”، وإيجاد أجواء توتر تعرض العلاقات السياسية الأردنية – الإسرائيلية للضرر، خصوصاً في ضوء التزام الأردن باتفاقية وادي عربة 1994.

رابعاً: الموقف السوري:

اعتبر الكثيرون سماح الحكومة السورية لمسيرات العودة بالاتجاه نحو الحدود مع الجولان المحتل، نقطة تحول مرتبطة بالأوضاع الداخلية الصعبة التي تشهدها سورية، ونوعاً من تحويل الأنظار باتجاه العدو الإسرائيلي. إذ إن الحدود السورية مع قوات الاحتلال الاسرائيلية كانت الأهدأ طوال العقود الأربعة الماضية. ومهما يكن من أمر، فلعل السوريين أرادوا إفهام الامريكان والإسرائيليين بوجود أوراق قوة ما تزال بأيديهم. غير أن اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم لم يكن يعنيهم “التوظيف السياسي” لجهات أخرى للموضوع بقدر ما يعنيهم التعبير السياسي والشرعي والقانوني عن حقهم في العودة.

وربما تبقى قدرة اللاجئين على السير باتجاه الحدود مرهونة بالظروف والحسابات السورية الداخلية والخارجية، لكن اللاجئين لم يترددوا في التعبير عن حقهم بكل إمكاناتهم المتاحة.

خامساً: الموقف اللبناني:

قالت مصادر فلسطينية مسؤولة، بأن الفصائل تعهدت للأجهزة الأمنية اللبنانية برعاية وضبط فعاليت 15/5/2011، على هذا الأساس، كما يقال، سمحت الجهات الأمنية المعنية، لمسيرات اللاجئين بالانطلاق نحو الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.

وبالرغم من حالة الانفعال والهياج العاطفي الذي انتابت مشاعر جماهير المحتشدين، إلاّ أن أياً من اللاجئين لم يمس أمن الجيش اللبناني أو الأجهزة الأمنية التي كانت متواجدة هناك. واستمر سلوك المتظاهرين ملتزماً باحترام أصحاب البزات المرقطة، والتعامل معهم باعتبارهم ضمانةً لحمايته ولأمنه. على هذا الأساس ارتكزت العلاقة بين الأمن اللبناني واللاجئين الفلسطينيين، وبسب هذه الخلفية انضبطت انفعالات الحشود. ما يعني بأن لا خطر أو خشية من الانفعالات التي كانت تسود أجواء يوم الأحد 15/5 على أمن لبنان الداخلي أو أمن الأجهزة الأمنية.

قدّر مراقبون أعداد المشاركين في المسيرات بنحو 50 ألفاً، وكان تفاعل الناس كبيراً حين هجم الكثيرين من الشباب على السياج الحدودي.

وقد سعى الأمريكان لدى السلطات اللبنانية لوقف المسيرات، ومنع تكرارها، وقد ترافق ذلك مع إعلان مسؤولين لبنانيين، محسوبين على فريق سياسي محدد، إدانتهم لما يقوم به الفلسطينيون في الجنوب، واعتبروا أن ما يجري هو تهديد للأمن، وطالبوا الأجهزة الأمنية بضرورة إعادة الوضع إلى ما كان عليه، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار مثل هذه الفعاليات، وهذا ما حصل بالفعل.

سادساً: الموقف الفلسطيني في الضفة والقطاع:

بالرغم من المصالحة التي احتفل الفلسطينيون بها في 3/5/2011، إلاّ أن موقف قيادة السلطة في رام الله وقيادة م.ت.ف ما يزال مختلفاً عن موقف فصائل المقاومة من مسألة “العودة”، الأمر الذي انعكس بشكل أو بآخر على “مسيرات العودة” وعلى دعمها لوجستياً وسياسياً فضلاً عن الغطاء الدبلوماسي والقانوني.

لا تبدي السلطة الفلسطينية جدّية كافية في التعامل مع “حق العودة”، خصوصاً في أجواء شائعات متزايدة عن استعدادها للتنازل عن هذا الحق ما دام ذلك يساعد في “قيام دولة فلسطينية” بحدود 1967. وبما أن السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة تحصر جهودها من أجل استحقاق أيلول/ سبتمر (موعد إعلان قيام الدولة)، فإن ذلك يرتب على السلطة موقفاً ملتبساً من مسيرات العودة. فهي، من جهة، معنية باستثمار اللحظة السياسية للذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة والتفاوض من أجل “قيام الدولة”، ما يعني عدم استعداد السلطة لدعم فعاليات النكبة. ومن جهة ثانية، لا تستطيع التصدي لهذه الفعاليات لأن ذلك سيضعها في مواجهة المد الشعبي الغاضب على عملية التسوية مع الإسرائيليين واليائس منها.

ما تقدم يجعلنا ندرك: لماذا لم تهلل السلطة لهذه الفعاليات؛ مع أنها لم تعترض عليها، وكان تفاعلها معها بارداً في الضفة الغربية.

أما فصائل المقاومة، فإن موقفها يقوم على أساس تبني حماية الحق ودعم مسيرات العودة، على المستويات اللوجستية والسياسية، وقد كان بادياً الدعم المحدود، الذي قدمته هذه الفصائل: سواء كان من خلال المنظمات الأهلية التابعة لها أو من خلال التسهيلات اللوجستية المواكبة للحدث. وبطريقة أخرى، يمكن القول بأن فصائل المقاومة مع أنها تشجع هذه الفعاليات وتدعمها، إلاّ أنها لم توفر لها الدعم اللازم؛ سواء كان ذلك بسبب قلة الإمكانات أو بسبب عدم بذل الجهد المطلوب.

ومن جهتها، الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة والفصائل الفلسطينية هناك، أعلنت موقفها المساند لحق جماهير الشعب الفلسطيني التعبير عن رأيها في التمسك بحق العودة بكافة الوسائل المتاحة، وهذا ما جرى تنفيذه على أرض الواقع، حيث خرج وزراء الحكومة ونواب المجلس التشريعي في القطاع وقادة كافة الفصائل وكوادرها في مقدمة المسيرات التي سارت في مَواكِب حشدة نحو الحدود مع فلسطين المحتلة عم 1948.

ينطلق هذا الموقف من قناعة هذه القوى بضرورة الاستفادة من حالة الاندفاع الشعبي و”الثورات العربية” لإطلاق فعاليات شعبية تنفذها الجماهير الفلسطينية، في خطوة للتعبير عن حق الفلسطينيين أخذ زمام المبادرة في أيديهم، والاعلان عن تمسكهم بحق العودة والإصرار على تطبيقه.

على طريق العودة..

ما بين اختلاف أجندات القيادات الفلسطينية، وتعدد اعتبارات الدول العربية المضيفة، من جهة. وموقف الكيان الإسرائيلي، من جهة ثانية. يبدو أن مسيرات العودة الفلسطينية من المتوقع لها أن تتحرك ضمن أحد السيناريوهات الثلاثة التالية:

1. تسجيل الموقف: ما جرى في 15/5/2011 عموماً، وفي سوريا ولبنان تحديداً، يستحق أن يطلق عليه اسم “حدث تاريخي” استطاع الشعب الفلسطيني من خلاله توصيل رسالة قوية إلى المعنيين بعملية التسوية وإلى المفاوض الفلسطيني، بأنهم لا يملكون حق التنازل عن حق العودة. وأن هذا الحق هو حق فردي وجماعي غير قابل للشطب أو المقايضة؛ حتى لو كان موضوع المقايضة هو “الدولة الفلسطينية” بحدود 1967. وبالتالي فإن كافة الاتفاقيات التي وقعت ضمن مسلسل التسوية أصبحت بحكم الملغاة ومن غير أي أثر حقيقي.

ومع ذلك، في هذه الحالة، وبسبب إجراءات القمع والمنع أو التضييق والتحويل، سيبقى هذا الفعل “المشرف” بحدود الرمزية الوطنية، التي تستحق أن يجدد الشعب الفلسطيني الاحتفال بها سنوياً عند كل ذكرى للنكبة.

وعند ذلك فإن أياً من دول اللجوء العربية ستشجع هذا الاحتفال وترسل مندوبين رسميين يمثلونها في هذه المناسبة “القومية العظيمة”؛ المهم أن تبقى هذه الفعاليات ضمن إطار الفلكلور الوطني ليس أكثر.

2. الفعاليات الموسمية: يستفيد هذا الاحتمال من حالة النهوض، واستمرار “الانتفاضات العربية”. في هذه الحالة سيجد القائمون على هذه الفعاليات والداعمين لها واقعاً عربياً يساعد على تكرار هذه الأنشطة وتطويرها، ولكن بشكل لا يصل سقفه إلى كسر الحدود واختراقها ومواجهة جنود الاحتلال. إذ إن سياسات التقييد والتضييق التي تمارسها هذه الدولة العربية أو تلك، سوف تضع حاجزاً أمنيا صلباً يحول دون تطوير هذا المسار ليصل إلى هذا الحد.

3. الاستمرار والتراكم: يحتاج هذا السيناريو إلى قدرة القائمين على هذه المبادرة والداعمين لها على إيجاد هوامش تحرك ضمن مساحات السماح السياسية أو الاعتبارات القانونية المرعية الإجراء، في هذه الدولة أوتلك. كما يتطلب أن تمتلك هذه الجهات القدرة اللازمة على ممارسة الضغط على الحكومات ذات الشأن، بهدف تسهيل عملية استمرار الفعاليات وتراكمها. هذا في حين يكون مستحقاً أن تحوز هذه الجهات الإمكانات المالية اللازمة لتوفير الدعم اللوجستي، والقدرة على الضغط على القيادة الفلسطينية الرسمية، من أجل توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي والقانوني لهذه المسيرات.

وقد يتضمن هذا السيناريو ألاّ يظل اللاجئون أسرى القيود الرسمية والأمنية العربية، فيبادروا بأنفسهم لعمل تحشيدات هائلة تحاول اختراق الحدود وفرض عملية العودة بالأمر الواقع، وإشغال المجتمع الدولي بها، حتى لو أدى ذلك إلى تضحيات كبيرة.

المقترحات:

1. توسيع فعاليات “دعم حق العودة” في دول الشتات والاغتراب، وخصوصاً الدول الغربية، مثل أوروبا، وإسكندنافيا، وأمريكا، وأمريكا اللاتينية.

2. إعداد البرامج أو الروزنامة الوطنية التي تضمن استمرار الفعاليات بوتير مستمرة أو متصاعدة، بما يحقق التراكم والتأثير.

3. ممارسة الضغط على القيادة الفلسطينية الرسمية للتمسك بحق العودة، ولتوفير الدعم السياسي والدبلوماسي على المستويين العربي والدولي.

4. الوصول إلى قواسم مشتركة وهوامش تفاهم والتقاء مع الجهات المعنية الرسمية العربية ذات الحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، بما يؤمن استمرار هذه الفعاليات وتطورها.

5. تعميق روح الوحدة الوطنية وروح التعامل المشترك لدى كافة الاتجاهات والفصائل، والاهتمام بالأجيال الشابة، وإطلاق إمكاناتهم في المبادرة والعمل والإبداع.

6. توثيق الفعاليات، وخدمتها قانونياً وسياسياً وإعلامياً، وجعلها بمثابة مادة تعبوية لتحفيز جماهير اللاجئين على المثابرة والتضحية لتحقيق حلم العودة. 

* كتب مسودة هذا التقدير مشكوراً الأستاذ معين مناع، الباحث في مركز الزيتونة.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 24/6/2011