مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي رقم (30) – أيار/ مايو 2011.

ملخص التقدير:

إن ما يحدث في العالم العربي، وتحديداً في مصر، أشبه بهزة أرضية ضربت “إسرائيل”، إذ إنه فتح الباب أمام مستقبل قد يؤدي إلى اختلالات في موازين القوى في المنطقة، وإلى نكسات في اتفاقيات التسوية السلمية التي وقعتها، فضلاً عما قد يحمله ولو على المدى البعيد من أخطار وجودية على “إسرائيل”.  ستسعى “إسرائيل” حالياً إلى الاستمرار في مساعي إجهاض التحول الثوري في مصر أو إعاقته وتحويله إلى مجرد “حركة إصلاحية”، تؤول في النهاية إلى حكم ديموقراطي هدفه الإصلاح الداخلي دون هموم أو أعباء خارجية.  وستعمل على إدارة العلاقات مع الحكم الجديد بشكل يحول دون تفجير صراع لا تريده الآن. أما من ناحية استراتيجية فستسعى “إسرائيل” للاستعداد الكامل للصراع مجدداً مع نظام حكم مصري جديد، يمكن أن يعيد التعامل معها باعتبارها عدواً استراتيجياً؛ وعلى “إسرائيل” أن تضع في حساباتها أن تغيرات مهمة في خرائط التحالفات والصراعات الإقليمية قد تفرض نفسها قريباً، وهو ما يعني التأسيس لنظرية أمن إسرائيلية جديدة.

استحقاقات مبكرة

بسقوط نظام حسني مبارك في مصر يمكن القول بأن أحد أهم أركان نظرية الأمن الإسرائيلية قد سقط هو الآخر لسبب مهم، وهو أن “إسرائيل” اعتمدت بصفة أساسية على ضعف أو تواطؤ أطراف عربية في تأمين الجزء الأكبر من أمنها.

ولقد كانت اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية التي وقعها نظام أنور السادات هي المدخل الأهم لتطوير هذا الدور العربي في توفير الأمن الإسرائيلي ، إذ أنها وما أعقبها من التزامات واتفاقات إسرائيلية مع نظام حسني مبارك ابتداء من نهاية عام 1981 قد حققت لـ”إسرائيل” مكسبين استراتيجيين: الأول أن الجبهة الجنوبية الإسرائيلية مع مصر باتت مؤمنة ومحروسة بالتزامات مصرية واضحة،

أما الثاني فهو تلك الأدوار الخطيرة التي قام بها نظام حسني مبارك لتفكيك بنية المقاومة في العقل الاستراتيجي العربي والدفع بانحرافه نحو القبول بسلام المذلة والهوان، بالترويج لثقافة السلام على حساب ثقافة المقاومة، ومحاصرة وتشويه كل أشكال المقاومة العربية، والسماح بالتغلغل الإسرائيلي في بنية العقل والثقافة بل والإرادة العربية،

ومن ثم كانت المحصلة هي سيطرة تيار الاستسلام على القرار السياسي العربي، وتمكين الكيان الصهيوني من التفرغ لبناء قدراته العسكرية والاستراتيجية من ناحية، والتفرغ أيضاً لبناء تحالفاته الدولية والإقليمية والتوسع في خوض الصراع مع القوى الداعمة للصمود العربي على نحو ما يحدث الآن مع إيران، بعد الاطمئنان على إجهازه على قدرات الصمود والتحدي العربية.

إن “إسرائيل” الآن، ومع سقوط نظام مبارك أضحت مطالبة أولاً بتأسيس نظرية أمن جديدة، تقوم على قراءة دقيقة لواقع سياسي واستراتيجي بل وثقافي عربي جديد، وأن تسدد فواتير مكتسباتها من النظام السابق، بأن تعيد التفكير جيداً في إعادة بناء الجبهة الجنوبية وحشد القوات والقدرات والنفقات اللازمة لذلك، وأن تواجه من ناحية ثانية تحولات، قد تكون ثورية، في بعض الدول العربية، من شأنها أن تستعيد الثقة في خيار المقاومة وأن تجدد الالتزام بالقضية الفلسطينية كقضية عربية مركزية يمكن من خلالها إعادة التأسيس لنظام عربي جديد أكثر شعبية وأكثر تقدمية بما يتلاءم مع تيار الثورة العربية الجديد.

“إسرائيل” والثورة: ردود فعل مبكرة

منذ اللحظات الأولى لثورة الشعب المصري على نظام حسني مبارك شعر الإسرائيليون بالخطر الداهم، وتخوفوا من احتمال خطر ظهور “إيران ثانية” إذا ما هيمنت جماعة الإخوان المسلمين على الثورة ثم على الحكم في مصر، كما تخوفوا من مصير معاهدة السلام التي يمكن أن تغرق كذبابة في رمال سيناء، لذلك شغلوا أنفسهم مبكراً بأسئلة مهمة حول مصير نظام مبارك وكيف سيؤثر سقوط هذا النظام على توازن القوى الإقليمي ومستقبل خرائط الصراعات والتحالفات.

سؤال مع من سيقف الثوار الجدد وبالذات في مصر، وإلى أين ستنتهي رياح هذه الثورة: هل هي فقط ثورة عربية، أم أن رياحها قد تمتد إلى داخل بعض القوى الإقليمية، شغل “إسرائيل” منذ الوهلة الأولى، ليس هذا فقط بل إن مخاوف “إسرائيل” لم تتوقف عند حدود إبداء الانزعاج، لكنها عبرت عن نفسها في شكل ضغوط إسرائيلية (صريحة) على الولايات المتحدة وأوروبا من أجل دعم بقاء الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك على رأس النظام في مصر. ضغوط “إسرائيل” تلك حاولت ترويع الأمريكيين والأوروبيين من الخطر الإيراني والخطر الإخواني (جماعة الإخوان المسلمين) الكامن وراء ما يحدث في مصر، وكيف أن إسقاط مبارك سيكون لصالح إيران والإخوان.

لكن بعد سقوط نظام مبارك وامتداد الثورة بقوة إلى العراق واليمن وليبيا وانتشار شعار الثورة المصرية في الدول العربية الثلاث: (الشعب يريد إسقاط النظام) وامتداد الشعار نفسه ولكن مع بعض التحويلات التكتيكية إلى بعض دول الخليج والأردن (الشعب يريد إصلاح النظام) لم يعد الأمر مجرد مخاوف، بل أصبح أمام “إسرائيل” واقع جديد، ينبغي الحذر منه والتحسب له، على صعيد تأثير هذه الحالة الثورية على توازن القوى الإقليمي وخرائط التحالفات والصراعات بعد سقوط نظم حكم كانت موالية للغرب، ولها علاقات بدرجة أو بأخرى مباشرة أو غير مباشرة مع “إسرائيل”، فقد ركز قادة “إسرائيل” على خطر الثورة العربية على توازن القوى الإقليمي وخرائط التحالفات والصراعات.

التحسبات الإسرائيلية تحولت إلى اضطراب في المواقف السياسية لم يستطع بنيامين نتنياهو إخفاءه بالرغم من محاولته التظاهر بالتفاؤل من انتصار الشعوب على الديكتاتورية. أسرع نتنياهو، بعد إبداء هذا الرأي، إلى التساؤل: هل يصل العالم إلى ما يصبو إليه؟. وحتى يبدد غموض السؤال أكمل ما يريده بالتحذير من أن إيران هي المستفيد من التطورات العربية وأنه لابد من مواجهة ذلك، حيث قال: “إن الأنظمة الديكتاتورية تتهاوى أمام التأثير الإيراني، وإن “إسرائيل” هي المكان الوحيد الذي لا يتأثر بالعواصف التي تضرب المنطقة”، كما أعرب عن خيبة أمله من عدم اكتراث الغرب لما يجري في إيران، في حين أن إيهود باراك وزير الحرب اعتبر أن “ما يحدث في العالم العربي صدمة تاريخية، إذ إن كل شيء انهار دفعة واحدة مع كل ما يتضمنه ذلك من أخطار وعدم استقرار ونكسات”، مؤكداً على أن “منطقة الشرق الأوسط صعبة ولا مكان فيها للضعفاء”.

وكان باراك قد حرص على البحث عن بعض التفاؤل، أو تهدئة بعض المخاوف الإسرائيلية من خلال المراهنة على متغيرين، يعتبرهما مهمين لضبط أداء الحكم الجديد في مصر نحو “إسرائيل”، والحفاظ على توازن الموقف المصري، وهما: قوة الجيش المصري وإمساكه بمصادر القوة، والتبعية الاقتصادية المصرية للغرب.

أما الإعلام الإسرائيلي فكان أقل انضباطاً في ردود فعله، تماماً كما كان وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان. فإذا كان ليبرمان لم يستطع إخفاء ذعره من خطوة إيران تسيير سفينتين حربيتين إيرانيتين عبر قناة السويس واعتباره ذلك “عملاً استفزازياً من إيران”،  فإن الصحافة الإسرائيلية أبدت ذعرها هي الأخرى، ولكن من قبول مصر للطلب الإيراني بمرور السفينتين في قناة السويس، وما يمكن أن تكون خلفية هذا القبول المصري على نحو ما كتب المحلل السياسي في صحيفة “هآرتس” ألوف بن، الذي ركز على “دلالات الخطوة الإيرانية، وخطورة أن تتحول مصر مرة أخرى إلى دولة مواجهة”.

كما أجرى مقارنة بين دلالات عبور غواصة إسرائيلية نووية من طراز “دولفين” للقناة المصرية إلى البحر الأحمر قبل عام ونصف، وبين دلالات عبور السفينتين الإيرانيتين، فقال: “إن الإبحار غير المألوف (للغواصة “دولفين”) عبَّر عن تعزيز التعاون الاستراتيجي بين “إسرائيل” ومصر، وفُسِّر على أنه رسالة تهديد لإيران”، ورأى أن عبور السفينتين الإيرانيتين “يمثل التحول الذي بدأ يظهر في توازن القوى الإقليمي في أعقاب سقوط حسني مبارك”، وأن “مصر ترسل إشارة مفادها بأنها لم تعد ملتزمة بالملف الاستراتيجي مع إسرائيل ضد إيران، وأنها أصبحت مستعدة للتعاون مع إيران، مثلما تفعل تركيا بالضبط في السنوات الأخيرة”.

هذه التحسبات تحولت إلى مخاوف ثم إلى حقائق بعد التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية المصري الجديد الدكتور نبيل العربي بخصوص العلاقة مع إيران، وتأكيده على أن إيران ليست عدواً، ثم لقائه رئيس بعثة رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، وتسلمه رسالة من نظيره الإيراني علي أكبر صالحي، ترحب بتطوير العلاقات بين البلدين وتدعوه لزيارة طهران للبحث في سبل تعزيز العلاقات المشتركة.

هذه الحقائق دفعت وزير الحرب الإسرائيلي إيهود باراك إلى تصوير التحولات الثورية العربية بأنها أشبه بـ”هزة أرضية تاريخية”، سوف تدفع بحدوث ما يعتبره “تسونامي دبلوماسي” في ذات اللحظة، من شأنها أن تدفع باتجاه إفقاد “إسرائيل” شرعيتها بالكامل.

إذا كان هذا هو إدراك وزير الحرب فالأمر إذن وصل إلى مرحلة الخطر الحقيقي، وهو إدراك حاول أن يقرأه بعناية شلومو أفنيري، أستاذ العلوم السياسية والمدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية، بقوله إن جدول الأعمال الذي سيفرض نفسه في “إسرائيل” بسبب التحولات السياسية التي تحدث في الدول العربية هذه الأيام، سيختلف حتماً عن نظيره في أوروبا وأمريكا. ويقول: “إذا كُنتَ تعيش في أوروبا، وقد تحولت مصر إلى فوضى (!!) فهذا سيئ، أما هنا ]في إسرائيل[ فليس الأمر فقط سيئاً جداً، بل هو تغيير حياة، لقد كان لدينا سلام مع مصر على مدى ثلاثين عاماً.. أما اليوم فلا نعرف”.

غياب اليقين هذا أحدث إرباكاً سريعاً في ردود الفعل الإسرائيلية وبالذات لدى المسؤولين الأمنيين حتى قبل سقوط نظام مبارك، حيث طلبت وزارة الدفاع برصد ميزانيات إضافية قدرت بحوالي 200 مليون دولار لتخصيص ميزانيات إضافية للجيش، واعُتبر ذلك بمثابة مرحلة أولى سوف تتبعها حتماً مراحل أخرى أكثر جدية لتوظيف المزيد من الميزانيات والأموال للأهداف الأمنية والعسكرية المستجدة.

في مقابل ذلك، تحرك العقل الاستراتيجي الإسرائيلي ليضع يديه على حقائق الموقف كما هو، وجرى الكشف عن هذا الواقع خلال جلسات مؤتمر هرتزيليا، الذي كان قد بدأ أعماله يوم 16/2/2011 بالإعلان عن “تراجع المناعة القومية” من خلال دراسة النتائج التي تم التوصل إليها، عبر المؤشرات العلمية الأساسية المتفق عليها، باعتبارها مؤشرات للمناعة القومية التي يمكن اعتبارها مصطلحاً نفسياً، يعكس قدرة صمود الأفراد والمجتمع في واقع صراع متواصل، على مواجهة الضغوط والتحديات، وإبداء مرونة كافية تمكن من عدم الانكسار وصيانة الاستقرار من ناحية المعتقدات والمفاهيم الأساسية، التي تبني معاً النسيج الاجتماعي – السياسي للمجتمع.

فقد توصل البروفيسور جبرائيل بن دور أحد الخبراء البارزين في هذا المجال، إلى أن نتائج الاستطلاع الجديد لمقياس المناعة القومية، تظهر انخفاضاً جوهرياً في منسوب وطنية اليهود في “إسرائيل”، وجاهزيتهم للقتال من أجلها، كما لم تشهده الاستطلاعات التي بدأت قبل عشرين عاماً، مشيراً إلى أثر اتساع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية والفساد وأزمة القيادات وغيرها.
النتيجة المهمة التي يمكن اعتبارها خلاصة الموقف جاءت على لسان مدير قسم الشؤون السياسية والاستراتيجية في مركز هرتزيليا أليكس مونتس، الذي قال “إن الزمن لم يعد في صالح إسرائيل التي كانت تراهن على ضعف العرب وخلافاتهم”. أما التوصية المهمة للتحرك الإسرائيلي العاجل لإنقاذ الموقف فجاءت على لسان داني روتشيلد رئيس مؤتمر هرتزيليا بدعوته “إسرائيل” إلى استباق التطورات المستقبلية في المنطقة و”اتخاذ قرار حاسم، وإنجاز صفقة مع الفلسطينيين قبل أن يفوت الأوان”.

هذه التطورات المتزامنة والمتلاحقة بين التداعيات المحتملة للتحولات الثورية العربية والانهيار المحتمل لرهانات “إسرائيل” وتحالفاتها مع ما كان يسمى بـ”محور الاعتدال العربي” الذي أضحى مهدداً بالتصدع، وبين “تآكل المناعة القومية الإسرائيلية”، وتراجع ما كان يسمى بـ”الإبهار الإسرائيلي” كنموذج للتقدم والديموقراطية، تضاعفت أخطارها مع تحول “إسرائيل” إلى عبء بالنسبة للولايات المتحدة، وتنامي دعم الرئيس الأمريكي باراك أوباما لدعوة إعلان قيام الدولة الفلسطينية المقترحة في الاجتماع القادم للجمعية العامة للأمم المتحدة. فحسب ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، تلقى بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية تحذيراً من أزمة آخذة بالتصاعد بين حكومة “إسرائيل” والإدارة الأمريكية، حيث يصر الرئيس الأمريكي على دعم خيار إعلان الدولة الفلسطينية، متأثراً بموجة الثورات في العالم العربي التي عززت، حسب قول الصحيفة، هذا الخيار، وزادت من غضبه على السياسة الإسرائيلية، حتى إن شمعون بيريز رئيس الدولة الصهيونية، لم يستطع خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض خلال زيارته لواشنطن، “ترميم” العلاقة المتداعية بين أوباما ونتنياهو.

خيارات إسرائيلية صعبة

هذه التطورات مجتمعة اعتبرها عاموس جلعاد رئيس الطاقم السياسي الأمني في وزارة الدفاع “الإسرائيلية” بأنها توازي “إعلان حرب على وجود إسرائيل”. مثل هذا الإدراك ليس له غير معنى واحد، هو أن تخوض “إسرائيل” الحرب ضد ما تعتبره خطراً استراتيجياً وجودياً، وهذا الخطر يتركز الآن على التحول الثوري الذي مازال يتفاعل داخل مصر والعديد من الدول العربية. فهذه التحولات الثورية العربية هي الخطر الأول، الذي يمكن أن يتفاقم عندما تتحول الحركات والتحولات الثورية إلى نظم ثورية حاكمة.

هذا يعني أن “إسرائيل” سوف تكون معنية، بخوض الحرب على مستويين:

الأول: هو إجهاض عملية التحول الثوري الراهنة، وذلك من خلال التحالف مع قوى الثورة المضادة. والحرص على عدم استفزاز الحكم الانتقالي في مصر، توطئةً للدفع بخيار الاستقرار، وتمكينه من تأسيس نظام مصري ديموقراطي، لكن غير ثوري وغير عدائي لـ”إسرائيل”.

 أما الثاني: فهو الاستعداد الكامل للصراع مجدداً مع نظام حكم مصري جديد يمكن أن يعيد التعامل مع “إسرائيل” باعتبارها عدواً استراتيجياً. هذا المستوى من الصراع هو الأهم، وهو الذي سوف يفرض على الإسرائيليين التأسيس لنظرية أمن “إسرائيل” جديدة تأخذ في اعتبارها أن عدواً استراتيجياً أضحى موجوداً على حدودها الجنوبية، وأن تغيرات مهمة في خرائط التحالفات والصراعات الإقليمية قد تفرض نفسها على مستويين، أولهما: تفكيك حلف أو محور الاعتدال العربي، وانفراطه، وثانيهما تأسيس لشراكة مصرية – إيرانية – تركية قد تضع “إسرائيل”، في حالة حدوثها، أمام مأزقها التاريخي الذي ظلت تخشاه وتتحسب له، وعندها ستكون مطالبة بالإجابة على أسئلة “وجودية” بالأساس.

وهذا المستوى هو الذي يشغلها الآن بصفة أساسية، سواء على مستوى إجهاض التحول الثوري وإعاقته، أو على مستوى إدارة العلاقات مع الحكم الجديد بشكل سلس وهادئ، يحول دون التعجيل بتفجير صراع لا يريده الإسرائيليون الآن، بحيث يحرص هؤلاء على إفشال الثورة في مصر وتغذية الشركاء من رجال الأعمال والإعلاميين، وكل من نجح الإسرائيليون في تجنيدهم أو إغوائهم لاحتواء الثورة وتحويلها إلى مجرد “حركة إصلاحية”، تؤول في النهاية إلى حكم ديموقراطي هدفه الإصلاح الداخلي دون هموم أو أعباء خارجية. كما سيعمل الإسرائيليون في اتجاه التهدئة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، وممارسة ضغوط غير مباشرة لعرقلة التقارب مع إيران، سواء عبر شركاء عرب أو أوروبيين أو أمريكيين أو حتى أفارقة.

وأما على الصعيد الفلسطيني، سواء بالنسبة لما يحدث في غزة أو محاولات المصالحة الفلسطينية، أو التوجه الدبلوماسي الفلسطيني لإعلان الدولة من الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن الإسرائيليين يجدون أنفسهم مضطرين للقبول بأيٍ من الخيارات الصعبة التالية التي قد تعجل بالصدام مع الحكم في مصر:

1. هو اتباع سياسة الضربة الوقائية العسكرية لقطاع غزة، بهدف إرباك كل الحسابات لدى الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية، وخلق أزمة لصرف الأنظار عن جهود المصالحة الوطنية الفلسطينية أولاً، وعن التوجه نحو الأمم المتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية ثانياً، لكن هذا الخيار شديد الخطورة في هذا الوقت بالذات، وقد يصعب على الكيان تحمل عواقبه وتداعياته.


2.
هو القيام بانسحاب تكتيكي من الضفة الغربية وفق سيناريو “الدولة الفلسطينية المؤقتة” الذي سبق أن دعا إليه شاؤول موفاز رئيس الأركان الأسبق والقيادي البارز في حزب كاديما، أو وفق المبادرة غير الرسمية التي تقدم بها حديثاً 40 شخصية “إسرائيلية” وتتلخص في إقامة دولة فلسطينية في معظم الأراضي المحتلة عام 1967، مع تبادل في الأراضي بحدود لا تزيد عن 7%، والهدف هو إخراج “إسرائيل” من عزلتها وأزمتها.


3.
هو الخيار الدبلوماسي، سواء بالتحرك للدعوة لتجديد استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، أو بإجهاض التوجه الفلسطيني لإعلان الدولة الفلسطينية، بضغوط تمارس على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

 خيارات صعبة لكنها ضرورية، ولا فكاك منها رغم ما يمكن أن تحدثه من تداعيات على صعيد العلاقة مع الحكم الجديد في مصر، وهي علاقة يدرك الإسرائيليون أنها حتماً سوف تتجه إلى الصدام عاجلاً أم آجلاً.

المقترحات:

1. السعي لحماية الثورة من الثورة المضادة ومن الاختراق الإسرائيلي، بما يضمن سير الثورة نحو تحقيق أهدافها الوطنية والقومية.
2. التوازن في تحقيق الأهداف الداخلية والخارجية لثورة 25 يناير، بما يحقق لمصر سيادتها الوطنية ومكانتها الدولية والإقليمية.
3. تقديم أولوية القضية الفلسطينية؛ باعتبارها أحد أهم مطالب الشعب المصري والجماهير العربية عامة.
4. فك الحصار عن قطاع غزة، وفتح معبر رفح بشكل نهائي.
5. متابعة الرعاية المصرية للمصالحة الفلسطينية، وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني على أسس متينة، وبعيداً عن الضغوط والاعتبارات الإسرائيلية والأمريكية.
6. الدعم المصري لتطوير دور الجامعة العربية، ورفع السقف السياسي العربي فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني والقضايا العربية.

* يتقدم مركز الزيتونة للدكتور محمد السعيد إدريس بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 30/4/2011