مدة القراءة: 9 دقائق
تنويه:
نود أن نلفت انتباه القرّاء الكرام إلى أنه تم إعداد هذا التقدير ونشره قبل الإعلان عن التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس في القاهرة يوم الأربعاء 27/4/2011، في وقت لم تكن فيه المؤشرات المتوفرة تدعو للتفاؤل كثيراً بقرب إمكانية التوصل لتفاهم حول النقاط الخلافية العالقة، وخصوصاً فيا يتعلق بالعقدة الأمنية. وننوه إلى أن ما حدث على أرض الواقع كان أقرب إلى السيناريو الثاني الوارد ضمن السيناريوهات المحتملة وفقاً لهذا التقدير، والذي يتضمن الاتفاق على تحقيق مصالحة شاملة. ونحن إذ نعبّر عن سعادتنا بهذا التطور لما له من انعكاسات إيجابية على القضية الوطنية الفلسطينية، فإننا نأمل أن تستكمل هذه المصالحة مسارها المفترض، مع التنبيه إلى أن الأيام القادمة ستشكّل اختباراً لمدى جدية الطرفين في تطبيق الاتفاق، في ظل وجود معوقات كبيرة، وبالنظر إلى وجود اتفاقات سابقة لم تصمد في وجه هذه المعوقات، والتي نأمل أن يتم تجاوزها بالتعاون الصادق بين كافة الأطراف، وبعيداً عن التدخلات والضغوط الخارجية.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
 

تقدير استراتيجي رقم (29) – نيسان/ أبريل 2011.

ملخص التقدير: “الثورات العربية”، وتحديداً المصرية، بدأت تعكس نفسها بشكل إيجابي على القضية الفلسطينية عموماً، وعلى التطورات الداخلية لهذه الساحة خصوصاً، حيث عادت الحياة إلى الشارع الفلسطيني في الضفة والقطاع، وانطلق الشباب مطالبا ً بـ”إنهاء الانقسام” و”زوال الاحتلال”؛ في الوقت الذي دعا فيه هنية عباس لزيارة غزة، وهي دعوة قبلها عباس بسرعة.

ولكن على الرغم من هذه التطورات، لا توجد بوادر تشير إلى قرب الوصول إلى مصالحة وطنية بين الأطراف الفلسطينية، حيث ما تزال أزمة الثقة بين فتح وحماس تشكّل عائقاً أمام أي اتفاق بينهما، بالإضافة إلى أن الإسرائيليين والأمريكيين سيواصلون وضع عوائق أمام المصالحة ما لم تستجب حماس لشروط الرباعية الدولية.

مما يبقي الوضع الفلسطيني مرهوناً بأحد أربعة احتمالات:

1-  إنهاء الانقسام الجغرافي.
2- إنجاز المصالحة الشاملة.
3-استمرار الانقسام السياسي والجغرافي، بانتظار مزيد من التحولات الداخلية والعربية والدولية.
4- سيناريو الحل الوسط، الذي يقوم على أساس تراجع كل من فتح وحماس عن بعض شروطهما والتقدم خطوة لتحقيق نصف مصالحة، على أن تستكمل بعد استحقاق إعلان الدولة المتوقع في أيلول/ سبتمبر 2011.


مقدمة:

رافقت “الثورات العربية” تطورات كبرى كان لها تأثير مباشر على الساحة الفلسطينية. فمن بين أهم التغييرات كان سقوط نظام حسني مبارك في مصر، وبزوال هذا النظام فإنه من المفترض أن تكون العلاقات الفلسطينية – الفلسطينية قد تحررت من الراعي العربي المنحاز، وبالتالي تم فتح الطريق أمام تعديل الورقة المصرية على طريق للمصالحة. وعلى وقع نبض الشوارع العربية تحرك الشارع الفلسطيني، هو الآخر، في الضفة الغربية وقطاع غزة، وخرج الشباب في 15 آذار/ مارس قائلاً بصوت عالٍ: الشعب يريد إنهاء الانقسام. وهو ما لقي تفاعلاً من حركتي فتح وحماس. في ضوء ما تقدم، بادر رئيس حكومة حماس في غزة، إلى دعوة رئيس حركة فتح محمود عباس للحوار الشامل فوراً من أجل التوصل للمصالحة، وتبعه عباس من موقعه في رئاسة السلطة مبدياً استعداده “الذهاب” إلى القطاع من أجل تشكيل حكومة وفاق وطني وإجراء انتخابات.

قضايا الاختلافات وعوامل الفشل:

منذ 15/6/2007 ولغاية هذا التاريخ، ما تزال الساحة الفلسطينية ترزح تحت نير الانقسام، وقد فشلت مساعي المصالحة بسبب عدّة اعتبارات وعوامل كان من أبرزها:

1. حالة عدم الثقة بين الطرفين، وشعور كلٍّ منهما أن الآخر يرغب في الاستئثار بالسلطة، ويتعامل تكتيكياً مع المصالحة، وتبني الطرفين رؤيتين مختلفتين بشأن إنهاء الاحتلال وعملية التحرير، والخبرة السلبية الناتجة عن الاشتباكات والصدامات بين الطرفين، والتعامل الأمني مع أنصار كلٍّ منهما، وخصوصاً الفلتان الأمني والحسم العسكري.


2.
قرار اللجنة الرباعية، التي جعلت من نفسها المرجعية الدولية للقضية الفلسطينية، فرض ثلاثة شروط للسماح لحركة حماس بدخول الحياة السياسية الرسمية، هي (الاعتراف بـ”إسرائيل”، نبذ المقاومة، والالتزام بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية).


3.
وضع الولايات المتحدة الفيتو على المصالحة، ما لم تتم وفق شروطها، وذلك باستخدام أوراق الضغط الكثيرة، التي تملكها، مثل: وقف المساعدات المالية للسلطة، وقف إعطاء السلطة شهادة حسن سلوك أمنية، والمقاطعة، والحصار وغيرها.


4.
رفض “إسرائيل” أي تقارب بين فتح وحماس، خصوصاً أن “إسرائيل” كانت تهدد بشكل دائمٍ بالعمل على تقويض مؤسسات السلطة والعبث بأمنها، وتعطيل عملية الانتخابات، في حال أُقرت مصالحة فلسطينية، تؤدي للإخلال بالالتزامات التي تفرضها “إسرائيل” على السلطة.


5.
تعامل النظام المصري السابق، وإن بشكل غير مباشر، مع حركة حماس بوصفها خطراً؛ باعتبارها امتداداً لحركة الإخوان المسلمين، ولأن تيارها المقاوم يخالف السياسة المصرية التي تتبنى مشروع التسوية، وتدعم محمود عباس. ولذلك تشددت الحكومة المصرية في ضرورة عدم فتح الورقة التي أعدتها للمصالحة، في حين كانت حماس ترى فيها محاولة لإخراجها من الباب الذي دخلت منه إلى السلطة.

على خلفية هذه الاعتبارات، توقفت عملية المصالحة، بين فتح وحماس، أمام عدّة عقبات، كانت فتح تصر على موقفها منها، وقد تمثلت في: مرجعية الأجهزة الأمنية ولجنة الانتخابات، التنسيق الأمني بين السلطة و”إسرائيل”، وتوسيع م.ت.ف. إلاّ أن حوارات دمشق في خريف 2010 تمكنت من حلحلة معظم المشكلات العالقة بين الطرفين، وبقيت معضلة الأمن (التي تتعلق بالأجهزة الأمنية والتنسيق الأمني)، تقف عائقاً جوهرياً وحيداً يحول دون عودة المياه إلى مجاريها في الحياة الفلسطينية.

التطورات الأخيرة والاعتبارات الجديدة:

حملت التطورات العربية معها حكومة مصرية جديدة، لم تعد تحمل التحفظات التي كانت لدى الحكومة السابقة، وهو ما أدى إلى رفع الشمع الأحمر عن الورقة التي ورثتها من النظام السابق، وأشعرت الفلسطينيين بأن لا مانع لديها من مراجعتها، وإنما المطلوب هو التوصل إلى المصالحة في أقرب وقت ممكن، كما أشارت إلى عدّة توجهات إيجابية تجاه الوضع الفلسطيني والعلاقات الفلسطينية الداخلية، منها:

1. الامتناع عن الضغط على أي طرف لحساب الطرف الآخر.
2. التمهيد لفتح معبر رفح بشكل طبيعي ونهائي، في ضوء المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية.
3. ارتفع مستوى التعامل الرسمي مع حركة حماس، ولم يعد مقتصراً على الجهات الأمنية، حيث التقى وزير الخارجية المصري قيادات الحركة، كما من المتوقع أن يزور رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل القاهرة للقاء بقيادات سياسية.

أما على المستوى الدولي، فكما هو معروف، ما تزال اللجنة الرباعية تتمسك بموقفها التقليدي وقد عبر عنه مؤخراً توني بلير، الذي قال: إن التزام حماس بشروط الرباعية أمر أساسي لاستعادة الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين. إن موقف الرباعية هذا، بالرغم من كل التغيَّرات، يُظهر أنها ما زالت ترهن موقفها السياسي للإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية.

من جهتها لزمت الإدارة الأمريكية، على غير عادتها، الصمت حيال تطورات المشهد الفلسطيني، ولم تتدخل بشكل علني ومباشر على خط السجال الفلسطيني – الفلسطيني الأخير، الذي نشأ في ظل مبادرة هنية ورد عباس. وجُلّ ما قامت به إدارة أوباما هو إرسال مندوب من المستوى المنخفض تمثل بأحد معاوني جورج ميتشيل للبحث مع عباس ونتنياهو، عن فكرة أو تصور يساعد كلا الرجلين على العودة إلى طاولة المفاوضات العلنية المباشرة، أملاً بتحقيق انطلاقة جديدة لمسار التسوية الفلسطيني – الإسرائيلي.

لعل الموقف الأمريكي الجديد جاء، من جهة أولى، منسجماً مع حساسية واشنطن من تحركات الشوارع العربية عموماً، ومن تحركات الشارع الفلسطيني على وجه الخصوص؛ ومن جهة ثانية، لكي يعطي فرصة جديدة لكلٍ من “إسرائيل” والسلطة للإفلات من استحقاقات التغييرات العربية وتداعياتها، حيث بدأت تسقط أنظمة وتتغير سياسات، وتخشى أن تضرب الهزات الارتدادية السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، فتسقط السلطة في شكلها الحالي، وتتهيأ أجواء أفضل للعمل المقاوم، وللسعي لإزالة الاحتلال.

أما “إسرائيل”، فما تزال ترفض أي تقارب بين فتح وحماس، لأنها ترى بأن الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني يمثل فرصة تاريخية لها، فهو في حساباتها يمهد الطريق أمام تفتيت القضية الفلسطينية، ويدفعها إلى تجاوز استحقاق الدولة الفلسطينية. لذلك، بادر نتنياهو إلى تحذير عباس من الاختيار بين “إسرائيل” وحماس.

ومن جهة أخرى، فإن إدارة أوباما، تتفادى إظهار نفسها وكأنها ضد المصالحة الفلسطينية، وبصورة يظهر فيها موقفها وكأنه يأتي متعارضاً مع رغبة الشارع الفلسطيني، أو لا يأخذ بعين الاعتبار تطورات الموقف الشعبي والرسمي الجديد في مصر.

وبالتالي فإنه ما لم تعثر حكومة نتنياهو على تصور سياسي يرضي محمود عباس وتتبناه الإدارة الأمريكية، سيبقى رفضها للمصالحة الفلسطينية من غير أثر فعلي على السلطة وعلى فتح وعلى رئيسهما أبو مازن.

موقف حركة حماس:

جاءت مواقف حركة حماس منسجمة مع فهمها للتطورات العربية، والتغيير المصري، وتحركات الشارع الفلسطيني، وقد تجلت هذه المواقف من خلال العناوين التالية:

1. التغيير المصري: التقطت قيادة حماس التوجهات الجديدة للسياسة المصرية ما بعد ثورة 25/1/2011، على أنها لن تتماهى مع سياسات الرباعية التي تدعو إلى استمرار الضغط على قطاع غزة من خلال الحصار، كما لم تعد تلتزم بشروط الرباعية بنفس الدقة التي كان يطبقها “سلفها” نظام مبارك؛ أي أن زمن ممارسة الشكل الذي كانت تضغط به مصر على حماس قد ولى وانتهى، وهو ما ينطبق أيضاً على حصار غزة. وبات الدور المصري يشكل عاملاً مساعداً للفلسطينيين ومسهلاً لعودة مياه فتح وحماس إلى مجاريها الطبيعية.

2. تحركات الشارع الفلسطيني: تعامل رئيس الحكومة في غزة بإيجابية مع رسالة الشارع الفلسطيني الذي يريد إنهاء الانقسام، وهو ما عكس نفسه بشكل سريع من خلال المبادرة التي أطلقها إسماعيل هنية في 15/3/2011، عشية تحرك التظاهرات الشبابية المشتركة في الضفة والقطاع، وكأنه يقول: ما دام هذا المطلب يمثل وجهة نظر حماس فلماذا لا تستثمر الحركة هذه الهبة الشعبية لتحقيق المصالح الوطنية المشتركة، وهكذا كان. وقد ظهر ذلك من خلال مشاركة جماهير حماس بكثافة في الفعاليات المطالبة بإنهاء الانقسام، وزوال الاحتلال، وإطلاق سراح المعتقلين.

3. الحوار: الاعتباران السابقان (التغيير العربي وخصوصاً المصري، ومطلب الشارع الفلسطيني) دفعا حماس لرفع سقف مطالبها من الأخذ بملاحظاتها على الورقة المصرية، إلى الدعوة إلى الحوار الشامل، خصوصاً أن الحركة ترى بأن هذه التغييرات تدفع باتجاه إعادة النظر في الورقة ككل. وجاءت دعوة هنية لعباس لزيارة القطاع من أجل الحوار كتعبير عن جدية الحركة في الوصول إلى نتائج حاسمة باعتبار أن عباس هو الشخص الوحيد (بصفاته المتعددة في رئاسة م.ت.ف والسلطة وفتح) القادر على البت في هذه القضايا.

4. البرنامج السياسي: ترى حماس ضرورة التوصل إلى برنامج سياسي مشترك يحفظ الثوابت الفلسطينية، ويشكل مرجعية أطر العمل الوطني (المنظمة والسلطة) وبالتالي انتظام عمل  المؤسسات والأجهزة التابعة لهما وفق سياسات هذا البرنامج ومعاييره. وبحسب الحركة، إن لم يتم التوصل إلى هذا البرنامج فإن الذهاب إلى انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، سوف يسهم في تكريس الانقسام وليس في إنهائه، وبالتالي يتم تعقيد إمكانية المصالحة أو إجهاض فرص التوصل إليها.

5. مرجعية القرار الوطني: لضبط أداء الساحة الفلسطينية وتنسيق مواقفها في سياق استراتيجية وطنية شاملة، تصر حركة حماس على ضرورة قيام عباس بدعوة الأمناء العامين لكافة الفصائل، لتكوين المرجعية المؤقتة للقرار الوطني، واستئنافها دورها القيادي، حتى إجراء انتخابات المجلس الوطني وتشكيل اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف.

وترى حماس أن الذهاب إلى انتخابات تشريعية دون ضمان أن يتوافق ذلك مع تفعيل م.ت.ف واستعادتها مكانتها السياسية، سيؤدي إلى تغييب دورها كمظلة وطنية حامية لخيار المقاومة. مع العلم بأن حماس تعتبر أن القضية الفلسطينية ما تزال في مرحلة مقاومة وتحرر، ولم تعبر إلى مرحلة الدولة والاستقلال بعد.

موقف حركة فتح:

أدركت قيادة فتح بأن السياسات المصرية، ما بعد مبارك، سوف يتراجع زخمها المؤيد لمسار التسوية وقيادة السلطة في رام الله، بينما ستتفهم بشكل أكبر حماس ومطالبها، وبالتالي فإن فتح سوف تفتقد الظهير العربي الذي كان يقف إلى جانبها. وبالتالي، سوف يتأثر برنامجها السياسي بشكل مباشر، خصوصاً في ظل تجاهل نتنياهو لعباس، وإصرار حكومته على عدم تجميد الاستيطان، مما يكرس تعطيل المفاوضات العلنية المباشرة، ويبقي مسار التسوية أمام حائط مسدود.

وأدركت أيضاً بأن ما يجري على الساحات العربية، مرشح أن ينتقل إلى الساحة الفلسطينية. وفعلاً بدأ الشارع الفلسطيني، وبشكل أسرع من المتوقع، ينادي: الشعب يريد إنهاء الانقسام، الشعب يريد زوال الاحتلال، ومطالب حيوية أخرى.

في ضوء إدراك حركة فتح بأن كلا المطلبين، يتطلبان دفع أثمان قد تؤدي بشكل مباشر إلى ما يمكن أن يراه الطرف الإسرائيلي إخلالاً من السلطة بالتزاماتها السياسية والأمنية، بادرت قيادة الحركة للتعامل مع نبض الشارع، بعناوين تنسجم مع مواقفها وتوجهاتها المعتمدة ويخفف عنها الضغط المطلبي. لذلك، تعاملت مواقف حركة فتح ومقترحات محمود عباس المتعلقة بالدعوة لإنهاء الانقسام بالتركيز فقط على تشكيل حكومة مؤقتة، وعقد الانتخابات، مع عدم الرغبة في فتح أية ملفات أخرى.
إن جُلّ ما كان يشغل بال محمود عباس، هو ضرورة تجاوز الحراك
 الشعبي، بطريقة تضمن له القفز عن حالة الانقسام السياسي، للتوصل إلى تحقيق الوحدة الجغرافية بين الضفة والقطاع، على أبواب استحقاق سبتمبر/ أيلول 2011، حيث تستعد السلطة للإعلان عن استكمال بناء مؤسسات الدولة، وبالتالي مطالبة اللجنة الرباعية والجمعية العامة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

ومع ذلك، وبسبب دخول العامل المصري الجديد، على خط المصالحة الفلسطينية، أظهرت بعض التقارير بأن فتح وافقت على عقد لقاءات حوار مع حماس، في سياق التحضير لزيارة عباس إلى القطاع، في إشارة إلى أن فتح أجرت تعديلا شكلياً على موقفها من الحوار، الأمر الذي يدعو إلى إثارة السؤال التالي: هل من الممكن أن ينعكس هذا التعديل على مضامين مواقف فتح من قضايا الخلاف ذاتها؟

السيناريوهات المتوقعة:

لا شك بأن التطورات العربية وتحركات الشارع الفلسطيني، أثرت في مواقف الأطراف المعنية بملف المصالحة. ولكن على ما يبدو، أن التغيير الحاصل لدى فتح وحماس، ليس بالقدر الكافي للتوصل إلى مصالحة كاملة. لذلك، من المتوقع أن تسير العلاقات الثنائية بينهما في أحد المسارات الأربعة التالية:

1. إنهاء الانقسام الجغرافي: من خلال تشكيل حكومة الوفاق الوطني، والدعوة لعقد الانتخابات، يمكن النظر إلى هذا السيناريو باعتباره يمثل محاولة للقفز عن استحقاقات المصالحة المتعلقة بـ: البرنامج السياسي الوطني المشترك، مرجعية الانتخابات والأجهزة الأمنية والقرار الوطني. يكتفي هذا الاحتمال بتحقيق الوحدة الجغرافية بين الضفة والقطاع، في سياق ترتيبات التحضير لاستحقاق سبتمبر/ أيلول القادم، موعد إعلان استكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، ولعل هذا الخيار هو ما يرغب محمود عباس في الوصول إليه في نهاية المطاف.

2. إنجاز المصالحة الشاملة: يمكن التعامل مع هذا السيناريو باعتباره أقرب إلى رؤية حركة حماس، إذ تسعى الحركة من خلاله لضمان توفير مظلة سياسية وأطر وطنية تعمل جميع القوى الفلسطينية تحت سقفها وتؤمن لها المشاركة، بشكل طبيعي ورسمي في الحياة العامة، وتضمن من خلالها ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي على أسس حماية الثوابت والاحتفاظ بالمقاومة كخيار وطني، كما يفتح أبواب سجون السلطة لإطلاق سرح مئات المعتقلين السياسيين والمقاومين، ويرفع سقف الحريات، وينفذ برنامج بناء ثقة على الأرض قبل الانتخابات.

3. استمرار الانقسام: يمثل سيناريو الأمر الواقع، ويقوم على أساس تمسك كل طرف بمواقفه السابقة، أو أن تكون تنازلات كل طرف أقل من الحد المطلوب للتوصل إلى المصالحة أو لإنهاء الانقسام. يزيد من إمكانية استمرار هذا الواقع أن ضغط كل من النظام الجديد في مصر والشارع الفلسطيني ليسا بالقدر الكافي لجعل أي من الطرفين يجري مراجعة جدية لمواقفه أو أن يتراجع عنها.

4. سيناريو الحل الوسط: من الممكن أن ينشأ مثل هذا السيناريو في حال تم التوافق بين فتح وحماس على حل لوسط بينهما، حول: المعتقلين السياسيين، حرية العمل الشعبي، تشكيل حكومة وفاق وبرنامجها السياسي. وتأجيل البت في: الانتخابات، الأجهزة الأمنية لما بعد استحقاق أيلول/ سبتمبر المتعلق بالإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية بحدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس. وفكرة السيناريو مبنية على أساس أن تتم بلورة استراتيجية عمل وطني جديدة تقوم على أساس قيام الدولة الفلسطينية، وتحتفظ للشعب الفلسطيني بحقه في استخدام كافة الخيارات المتاحة لتحقيق ذلك. والذي يعزز فرص تقدم هذا الاحتمال هو قيام محمود عباس بتوجيه الدعوة لكافة الفصائل من أجل إطلاق المرجعية المؤقتة لقيادة القرار الوطني؛ غير أنه من المستبعد أن توافق حماس على سيناريو لا يشمل ترتيبات البيت الداخلي الفلسطيني، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية… .

وبشكل عام، فإن أزمة الثقة بين فتح وحماس ما تزال تشكل حجر عثرة في وجه أية اتفاقات، كما أن انتظار الطرفين للاستفادة من عوامل التغيير في العالم العربي، قد يبطئ من الوصول إلى مصالحة نهائية؛ فضلاً عن أن الأجواء لا توحي بأن الإسرائيليين والأمريكيين سيرحبون برفع الضغوط عن حماس في الضفة والقطاع، أو بمشاركة فاعلة لها في الانتخابات.
ولذلك، لا تظهر بوادر قريبة للوصول إلى مصالحة وطنية بين الأطراف الفلسطينية، وخصوصاً فتح وحماس.

المقترحات:

1. التركيز على هدف “إنهاء الاحتلال”، حتى لا يضيع في تفصيلات الخلافات الفلسطينية الداخلية، وجعله في رأس أولويات تحركات الشارع الفلسطيني، في الضفة والقطاع، كما في الداخل والخارج.

2.
تفعيل ضغط الشارع على أساس عناوين واضحة ومحددة تحقق المصالحة بين فتح وحماس، وممارسة الضغط المباشر على الأطراف غير الجادة في مسعى المصالحة.


3.
القيام بإجراءات بناء ثقة من قِبَل سلطتي رام الله وغزة، تتضمن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع سقف الحريات، وعودة المؤسسات التابعة للحركتين للعمل بحرية في مناطق السلطة.


4.
إنهاء التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، حيث فقد هذا التنسيق مبرره الذي تحتج به سلطة رام الله، بعد إصرار “إسرائيل” على مواصلة الاستيطان، بالإضافة إلى أنه معوّق رئيسي من معوقات المصالحة الوطنية.

* كتب مسودة هذا التقدير مشكوراً الأستاذ معين مناع، الباحث في مركز الزيتونة.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات

آخر تحديث: 28/4/2011