مدة القراءة: 19 دقائق

صدر حديثاً عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاب جديد بعنوان “صناعة القرار الإسرائيلي: الآليات والعناصر المؤثرة”، للمؤلف كريم الجندي.

ويحاول الكتاب، الذي ترجمته عن الإنجليزية أمل عيتاني وراجعه د. محسن محمد صالح، فهم عملية صناعة القرار الإسرائيلي، وتحديد أهم عناصر القوة والضعف فيها، ويسعى إلى سدّ ثغرة في الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع، من خلال استقراء منظومة العوامل الداخلية والخارجية وتداخلاتها. وهو يتميز عن العديد من الدراسات السابقة بمحاولته اعتماد مقاربة شاملة لعملية صناعة القرار، دون التركيز فقط على عملية صناعة القرار في أثناء الأزمات.


معلومات النشر:
العنوان: صناعة القرار الإسرائيلي: الآليات والعناصر المؤثرة.
تأليف: كريم الجندي/ ترجمة: أمل عيتاني/ مراجعة: د. محسن محمد صالح.
عدد الصفحات : 271 صفحة.
الطبعة: الأولى/ 2011.
السعر: 8$.
جهة الإصدار: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت.
Cover_Israeli_Dec_Mak_ar

– الكتاب متوفر للشراء، عبر: || || || ||


ويشرح الكتاب، الواقع في 271 صفحة من القطع المتوسط، كيفية تشابك العوامل والقوى داخل المجتمع الإسرائيلي لتضغط على آلية صناعة القرار، وعلى الطريقة التي تؤخذ بها القرارات المتعلقة بالأمن القومي والسياسة الخارجية. كما يتطرق إلى طبيعة العلاقة بين “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية، وكيف تؤثر هذه العلاقة على عملية صناعة القرار الإسرائيلي، وإلى العلاقة بين “إسرائيل” والمجتمعات اليهودية في الخارج.

ويشير الكاتب إلى أنه على الرغم من أن القانون الإسرائيلي ينصّ على أن “إسرائيل” دولة ديموقراطية برلمانية تتخذ قراراتها نظرياً على أساس القوانين والأنظمة التي تكفل الفصل بين السلطات، إلا أن آلية صناعة القرار في “إسرائيل” عملية معقّدة، تحكمها المكانة الشخصية بدرجة عالية، وهي مسيّسة إلى حدٍّ كبير، بالإضافة إلى كونها عملية مائعة وغير رسمية لا تحكمها سلطة واضحة وشاملة.

ويضيف أن هذه الآلية تتأثر بالمؤسسات والأفراد ذوي النفوذ، من خارج الإطار الرسمي لصناعة القرار، بشكل مباشر أو غير مباشر، وبالبيئة الخارجية المعقّدة التي تحيط بـ”إسرائيل”، موضحاً أن التوازن بين هذه العوامل المحلية والخارجية المختلفة هو الذي يقرر في نهاية الأمر أي سياسة يجب اعتمادها، ويختلف الوضع باختلاف طبيعة القضية المتناولة ومضمونها وظروفها وأبعادها وتوقيتها.

وتجدر الإشارة إلى أن النص الأصلي للكتاب، والمعدّ باللغة الإنجليزية، قد صدر ككتاب إلكتروني عن مركز الزيتونة، قبل صدور الترجمة المطبوعة بوقت قصير، وهو منشور على الموقع الإلكتروني للمركز.


– الكتاب متوفر للشراء، عبر: || || || ||


للانتقال إلى صفحة الكتاب (باللغة الإنجليزية) وتحميله، اضغط على الرابط التالي:
The Process of Israeli Decision Making


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 9/2/2011



عرض: نعيمة أبومصطفى.

من يحدد الأمن القومي الإسرائيلي؟ ما هو دور رؤساء الوزراء في صناعة قرارات الحرب؟ لماذا اختلفت الطوائف اليهودية حول القيادة السياسية؟ أنواع الطعام وأثرها في المطبخ السياسي الإسرائيلي! المسيح المخَّلص عند المسيحيين أم اليهود؟ حقيقة العهد الذي قطعه الله على النبي موسى، وعلاقته بالدولة اليهودية، “عش ودع غيرك يعيش” المقولة التي صنعت القرار الإسرائيلي، من صاحب قرار فكّ الارتباط مع غزة؟ أمريكا و”إسرائيل” هل ولدا من رحم واحد؟ على أي أساس تشن “إسرائيل” حروبها ضدّ العرب؟ ما هو السبب الرئيسي وراء هزيمة “إسرائيل” في الحرب على لبنان سنة 2006؟ وأخيراً ما هو موقف الصهيونية العالمية من “إسرائيل”؟

هذا ما يشرحه لنا الكتاب، من خلال تطور مراحل الحياة السياسية، والعسكرية، والاجتماعية في “إسرائيل”، بمختلف الطوائف، والمؤسسات الصهيونية داخل وخارج “إسرائيل”، ودور كل منها في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي. تضمن الكتاب 271 صفحة من القطع الكبير، وتمّ تقسيمه إلى ثمانية فصول، في كل فصل مباحث عدة.

تناول الفصل الأول، الآلية الدستورية لعمل المؤسسات السياسية، مركزاً على الكنيست، والحكومة والعلاقة بينهما، من خلال آليات تكوين الكنيست الإسرائيلي وحدود سلطاته، ووظائفه، ودوره في اتخاذ القرارت المتعلقة بالسياسات، ومراجعة أداء الحكومة، وانتخاب رئيس الدولة، ومراقبة الدولة، والمراحل التي تمر بها مشاريع القرارات قبل صياغتها، وآليات الموافقة عليها. كما تناول، في شرح مفصّل كيفية تشكيل الحكومة وإسناد المهام إلى الوزراء، وكيفية اختيارهم ومعهم رئيسهم وأنشطته الرسمية وأعماله اليومية، واللجان الخاصة بالوزارات، وكيفية عملها، ونوعية القضايا التي تناقشها، بالإضافة إلى سلطات مجلس الوزراء، والحكومة، والتكليفات التي تسند إليهما إذ هما السلطة التنفيذية للدولة، وسلطات رئيس الوزراء. كما شرح لنا المؤلف العلاقة بين مجلس الوزراء والكنيست، مبيناً صاحب اليد العليا في السلطة، وموظفو وزارة الخارجية وطبيعة عملهم، والأقسام والدوائر التي تتكون منها، لكي يصل بنا إلى مدى إسهامهم في الحياة السياسية، والمتمثل في دورهما الاستشاري في عملية صنع القرار، وتأثير كل منهما على الآخر، وهي النتيجة التي توصل إليها المؤلف، بعد شرح مطول لمكونات كل من الكنيست والحكومة.

 

معلومات النشر:

العنوان: صناعة القرار الإسرائيلي: الآليات والعناصر المؤثرة.
تأليف: كريم الجندي/ ترجمة: أمل عيتاني/ مراجعة: د. محسن محمد صالح.
عدد الصفحات : 271 صفحة.
الطبعة: الأولى/ 2011.
السعر: 8$.
جهة الإصدار: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت.

 

 

 

 

 

Cover_Israeli_Dec_Mak_ar

– الكتاب متوفر للشراء، عبر: || || || ||


أظهر الفصل الثاني العوامل الداخلية، والعمليات التي تقلب العلاقات والتوازنات الرسمية بين اللاعبين الأساسيين، وذلك من خلال سياسة الائتلاف، ومجلس الوزراء، وعدد مقاعد الأحزاب داخل الحكومة، وأنواع الأحزاب التي تتألف منها الحكومة، مثل الأحزاب الدينية ومنها الحريديم، وأحزاب ذات اتجاه ديني قومي، وأحزاب تحمل أجندة محدودة. وذكر الكاتب أن معدل حياة الحكومة لا يتعدى سنتين، واسترشد بإحصائية أجراها البنك الدولي سنة 2007، صنفت “إسرائيل” على أنها أقل الدول تمتعاً بالاستقرار السياسي، مما يؤثر سلباً على صناعة القرار السياسي فيها، ضارباً العديد من الأمثلة للحكومات المختلفة، التي شبهها بالمنتدى الحكومي، بدلاً من الجسم التنفيذي للدولة، الذي يتم الاعتماد عليه في صناعة القرار، كما وصفت هذه القرارات بالارتجالية المفاجئة.

أظهر هذا البند مرحلة بناء “الأمة الإسرائيلية”، منذ وجد أول كنيست، والإجراءات التي اتخذت للحد من هذه الحالة، ومدى تأثيرها على الأحزاب المشاركة في الائتلافات الحكومية، وتأثيرها على إضعاف السلطة المؤسساتية للكنيست، وأوضح لنا الكاتب كيفية تعيين الأحزاب لوزرائها، والأسس التي يتم اختيارهم بها، وكيف سيطرت سياسة “عش ودع غيرك يعيش” على عقلية الوزراء المعينين من قبل أحزابهم، ومدى سيطرة رئيس الوزراء على الحكومة، بنفوذه السياسي الشخصي.

أدت سياسات الائتلاف الحكومية إلى تراجع الانضباط الحزبي، مما اضطر رئيس الوزراء إلى تمرير قوانين تاريخية، لم يستطع الحصول على موافقة حزبية عليها، وأعطى مثال عندما احتاج مناحيم بيجن إلى دعم حزب العمل المعارض حينها، من أجل الحصول على موافقة الكنيست على “اتفاقات كامب ديفيد”، واحتاج شارون إلى دعم حزب العمل المعارض، من أجل تمرير خطة فكّ الإرتباط مع غزة. سلط الكاتب الضوء على اعتماد الوزراء السياسيين على مدى قدرتهم على إرضاء جمهورهم الحزبي، وليس على كفاءتهم في الأداء الوزاري، وكيف يتم تجاهل أغلبية القرارات التي يتخذها مجلس الوزراء. ومن الأمثلة التي ضربها المؤلف خلال تنفيذ عملية فكّ الارتباط مع غزة؛ كان وزير الخارجية غائباً، تماماً، عن متطلبات المفاوضات حول خطة فكّ الإرتباط، حيث عجز وزير الخارجية عن لعب أي دور في التفاصيل التي صاغها رئيس الوزراء، حينذاك، أريل شارون، ومستشاروه، بل إنه عجز، أيضاً، عن تقديمها، بطريقة فعالة، في الخارج، وأكثر من ذلك فإن وزارة الدفاع نفسها، ومعها الجيش الإسرائيلي دخلا على خطة فكّ الارتباط، في وقت متأخر، نسبياً. وربط الكاتب بين علاقة ميزانية الدفاع وعجز مجلس الوزراء عن التعاطي مع قضايا الأمن القومي ما يجعل الميزانية تتم اعتباطاً، لكونها عملية سياسية لا تخضع لتفاصيل المتطلبات، ولم يدلل الكاتب على ما ذكره بإحصاءات.

ناقش البند الثاني من هذا الفصل، خلفية البنية الاجتماعية، والأيديولوجيات، والبرامج، ودورها في السياسات الإسرائيلية، حيث الانقسامات العرقية، والأثنية لليهود المنحدرين من الدول التي هاجروا منها، ودورهم في تأسيس المشروع الصهيوني، ومدى تمثيلهم في الكنيست. وأظهرت اتجاهات هذه الأيديولوجيات السياسية للأحزاب الإسرائيلية ما هو متعلق بالوجود الفلسطيني تجاه السكان الإسرائيليين، وما هو متعلق بالقضايا السياسية، وشرح رؤية كل منهما، وشمل هذا المبحث جدولاً تضمن تعريفاً موجزاً للأحزاب السياسية المتمثلة في الكنيست، وبرامج هذه الأحزاب السياسية، ومبادئها.

استمر هذا البند في توضيح سيطرة المجموعات الصغيرة من القيادات السياسية داخل الحزب على صناعة القرار السياسي، وتحكمهما باختيار المرشحين لتولي مناصب سياسية، أو عامة، وكذلك تأثير البرامج السياسية التي تتغير، طبقاً لأسباب تكتيكية، أو تغير في اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي، على صناعة القرار، مثل انسحاب شارون الأحادي الجانب من غزة، وإعلان أولمرت عن نيته تنفيذ انسحاب أحادي الجانب من الضفة الغربية، وهذه أمثلة على براجماتية صنع القرار، مما يدل على أن السياسة في “إسرائيل” هي مهنة، أو وظيفة، نتيجة سيطرة السياسيين الموظفين على البيروقراطية السياسية، التي يمضون معظم حياتهم فيها، مما فتح الباب للبراجماتية السياسية، التي يتم تبريرها، باستخدام المنطق الإيديولوجي.

شرح لنا الكاتب دور رئيس الوزراء، بشكل مفصل في البند الثالث من هذا الفصل، ومدى نفوذه على رأس السلطة التنفيذية، وهو الهرم في صناعة القرار في “إسرائيل”، وصلاحياته في اتخاذ القرارات النهائية، وكيفية إحالته والارتباط بينه وبين وزير الدفاع، ووزير الخارجية، بصفتهم القيادة العليا للبلاد.

تمّ التركيز على تاريخ منصب رئيس الوزراء، منذ سنة 1948، حتى سنة 2008، وصفات وخصائص كل فترة زمنية، وعلى أي أساس تمّ اختيار رئيس الوزراء لكل فترة، وحدود سلطاته، ونوعية القضايا التي يكون له كلمة الفصل فيها. كما تطرق الكاتب إلى شخصنة القيادة العليا، وزيادة اهتمام الرأي العام بالسياسة، حيث أن الوزن السياسي أخذ ينتقل إلى الجرأة في أخذ القرارات، وخاصة الحرب والسلام، وإدارة علاقة “إسرائيل مع حلفائها”، والتركيز على القرارات الجماعية. وذكرت الدراسة ميل الإسرائيليين إلى رئيس وزراء قوي، يحل المشاكل خيراً من النقاشات والمداولات والقوانين. وكرر الكاتب أشكال منصب رئيس الوزراء وكيف تغير من شخصيات تاريخية، تتمتع بخبرة واسعة وشعبية عالية، إلى شخصيات هي نتاج تاريخ عسكري، و”كاريزما” شعبية، مثل باراك، ونتنياهو، كما أوضح لنا بعض الشخصيات التي تولت هذا المنصب، وآراء الشارع الإسرائيلي فيها، خلال فترة حكمها، ورأي الأكاديميين في شخصنة القيادة السياسية.

عانى رؤساء الوزراء من تسييس مجلس الوزراء، الذي أدى بهم إلى سياسة الارتجال في صناعة القرار السياسي، وعدم تمكن رؤساء الوزراء من طلب النصيحة، أو الإسرار لوزراء الائتلاف، مثل وزير الدفاع، ووزير الخارجية، ومدى تأثير ثقافة استبعاد فرق العمل المساعدة على كيفية اتخاذ القرار، وتأثير القادة السياسيين بشكل واضح، بثقافة مبجلة في “إسرائيل” في ظلّ غياب الضوابط والموازين خلال صياغة السياسات، مما أدى إلى زيادة الاعتماد على الحكم الشخصي على الأمور، وهو ما أوجد حالات ارتجال، وإدارة أزمات، كبديل عن التفكير المنهجي، والتخطيط، والوقاية، واتباع “إسرائيل” سياسة التجربة ثم التخلي، في ظلّ غياب تحليل منهجي وإطار عمل استراتيجي أساسي لعملية صناعة القرار، وهي ما وصفه الجندي بسياسة الارتجال في عملية صناعة القرار الإسرائيلي، ومراحل تطور هذه السياسة في الحياة السياسية الإسرائيلية وعرض محاسنها ومساوئها، وكيفية تأثير العوامل الثلاثة، القيادية الشخصانية، وتسييس مجلس الوزراء، وسيادة سياسة الارتجال، ومن أمثلة هذه السياسات، سياسة غولدا مائير، واستخدامها “المطبخ الوزاري”، ورابين، وبيريز، وخصوصيتهما في حلّ الأمور، وشامير ما سمي بـ”منتدى رؤساء الوزراء”، الذي كان يضم بيريز، ورابين، وشامير نفسه، وأولمرت كان يستشير سبعة وزراء، فيما عرف بـ”مجموعة السبعة”. وأكد الكاتب، في نهاية الفصل، على شخصانية القرار، بل وصفه بأنه مائع وغير رسمي، وغير مبني على العمل المؤسسي.

تناول الفصل الثالث تأثير الجيش، والمؤسسات الأمنية على عملية صناعة القرار السياسي، من خلال عرض ستّ نقاط، أولاً الهواجس الأمنية والعقيدة العسكرية، وكيفية تأثر صناعة القرارات السياسية بفكرة “إسرائيل الملاذ الآمن لليهود”، وناقشت فيه عدة هواجس أخرى، مثل صغر حجم السكان، مقارنة بالدول المجاورة، وصغر المساحة الجغرافية، التي وصفها الكاتب بـ”تهديدات وجودية”، مما دعا “إسرائيل” إلى زيادة قوتها العسكرية، وتوقيع معاهدات سلام مع الجوار، والحصول على دعم الولايات المتحدة الأمريكية؛ وبالرغم من ذلك، فإنه لم يقض هذا على الشعور الداخلي بعدم الاستقرار. ناقش الكاتب المبادىء العملياتية للعقيدة العسكرية الإسرائيلية، وبناء القدرة اللازمة لتوفير نظام تحذير استراتيجي رفيع المستوى، وردع الأخطار الخارجية، عن طريق سياسات عسكرية متتالية، وبناء مجتمع مسلح يقوم فيه الرجال والنساء بالواجبات العسكرية، وكذلك المبادىء النفسية للعقيدة العسكرية، من خلال أولوية الأمن، واللجوء إلى القوة لحل المشاكل الأمنية، والاعتماد على الذات، في القوة العسكرية، لضمان بقاء الوجود الإسرائيلي، والتغيرات التي طرأت على العقيدة العسكرية الإسرائيلية، منذ “اتفاقية كامب ديفيد”، والأحداث التي جرت بعدها، من انتفاضات، ومعاهدات سلام مع الفلسطينيين، والسوريين، وتخوف “إسرائيل” من امتلاك العراق وإيران أسلحة الدمار الشامل، وتطور المنظومة الصاروخية لحزب الله في لبنان، كل هذا جعل “إسرائيل” تغير في عقيدتها العسكرية، والاعتماد على معاهدات السلام أكثر من المواجهات العسكرية. كما حدثت تغيرات في الخدمة العسكرية، رصدها الكاتب، من خلال تغيير التركيبة السكانية، وتوضيحها بإحصاءات، حيث حصل بعض الفئات على إعفاء من الخدمة العسكرية، وخاصة بعد إجراء استطلاعات للرأي العام، أكدت عزوف الإسرائيليين عن التطوع في الوحدات العسكرية. كما قادت الهواجس الأمنية، التي تعيشها “إسرائيل”، صَّناع القرار إلى تطوير آليات صناعة قرارات غير متزنة، تعتمد على الأجهزة العملياتية في المؤسستين، العسكرية، والأمنية، وانتخاب قادة سياسيين لهم خلفيات أمنية.

تناول البند الثاني من هذا الفصل، وضع المؤسسات العسكرية والأمنية داخل التجمع الإسرائيلي، التي أصبحت محوراً للأنشطة المدنية، والدينية، وللطقوس، والاحتفالات، لتشكل عقلية الدولة الحامية، أو “الأمة المسلحة”، التي لا تتجزأ من النسيج الاجتماعي الإسرائيلي.

أوضح البند الثالث، التسلسل القيادي، وبنية المؤسسات العسكرية، من خلال عرض للقوى العسكرية، التي لها مساحة من الاستقلالية، وتشمل جيش الدفاع الإسرائيلي بقياداته، وكذلك القوى الأمنية، وتتكون من خدمات الاستخبارات، والشرطة الإسرائيلية، وشرطة الحدود، وخدمات السجون، وغيرها من المؤسسات، التي شرحها المؤلف بإسهاب، لتوضيح وظيفة كل إدارة، ووضعها في شكل بياني، ليوضح البنية الأساسية للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية.

أظهر البند الرابع، مدى تأثير المؤسسة العسكرية على الاقتصاد والمجتمع، من خلال شرح لأنواع الإنفاق العسكري المخصص لميزانية الدفاع، والاستهلاك الدفاعي، من مجمل التكلفة الدفاعية. وعزز الكاتب شرحه، بعدة نسب لاستهلاك المؤسسة العسكرية، ترتفع في مجملها عن الدول العربية، والكثير من الدول الأخرى، مثل، كندا، وأستراليا، وتركيا، وكيفية تمويل هذه الميزانية، منذ الستينيات وحتى 2007، وجهات الإنفاق التي تمولها المؤسسة العسكرية، مثل التعليم، وخدمات اجتماعية للمهاجرين اليهود، وافتقد هذا المبحث الربط بين صناعة القرار، ومعدلات الإنفاق، وأثرها على صناعة القرار.

ركز البندان الخامس والسادس على تحليل تطور المركب الصناعي – العسكري، الذي ينبع من المؤسسة العسكرية، مثل الجيش، والأجهزة الأمنية، وممثلي لجنة الطاقة الذرية، والدفاع المدني، وكيف تمّ تمويل هذه المؤسسات، وأن هذه النقطة تكراراً لسابقتها، وتمّ صياغتها بتفصيل آخر لحركة القيادات في الجيش، وخاصة المتقاعدين، وكيفية إعادة توظيفهم في الحياة السياسية، وخاصة في الأحزاب السياسية. ولقد اتضحت علاقة المركب الصناعي – العسكري بالمؤسسة السياسية، وعملية صنع القرار، من خلال توضيح جهات الإشراف على الجيش، ومدى تأثر كل منهما بالآخر، معززاً سلطة الجيش، أو المؤسسة العسكرية على السياسة، وليس العكس، ولم يستطيع المؤلف الفصل بينهما، نظراً لطبيعة الحياة السياسية الإسرائيلية التي تعتمد على عسكرة جميع المؤسسات، وتسييسها، واستعان بكاتب آخر، وهو يورام بيري، الذي أكد اندماج المؤسسات العسكرية في المجتمع السياسي، والمدني وتأثر المجتمع بالقرار. كما شرح الكتاب كيفية تأثير القيادة العسكرية على صناعة ذاك القرار، بسبب السيطرة التامة للمعلومات الاستخباراتية التابعة للقيادة العسكرية، التي يتلقاها الجسم السياسي، وذلك لعدم خضوع المؤسسة العسكرية للحكومة المدنية، لأن الجيش منفصل عن وزارة الدفاع، فيما يكمل كل منهما الآخر.

جاء الفصل الرابع، ليناقش دور المستشارين، وخزانات التفكير، وتأثيرها على عملية صناعة القرار. تناول البند الأول المستشاريين الرسميين، متمثلين في دائرة الأبحاث في “الموساد”، المسؤولة عن إصدار المواد الاستخباراتية، ودائرة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية، وتقديم تقديرات حول قضايا الأمن القومي، ودائرة الأبحاث في وزارة الخارجية، وهي دائرة استشارية حكومية، غير مرتبطة بالمؤسسة العسكرية. وبحث البند الثاني أمر المستشاريين والهيئات الاستشارية المستقلة، ومدى إسهامها في عملية صنع القرار الإسرائيلي، والمتمثلة في المستشارين والمساعدين لرؤساء الوزراء، وهم متخصصون في مناهضة الإرهاب، والقضايا المتعلقة بالسكان العرب داخل “الخط الأخضر”. بخلاف المستشارين، هناك ما يسمى بخزانات التفكير المستقلة، وهي حوالى 21 مركز دراسات، رصدها الكاتب، وقام بتعريف كل منها، وكيفية تمويله، الذي يتم في الغالب من المتبرعين الأمريكيين اليهود. ومهمة هذه الخزانات دعم صناعة القرار، وأغلب الدراسات منصبة على قضايا الأمن القومي. ومن أهم هذه المؤسسات مؤسسة دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ومركز هرتسليا التخصصي، ومؤسسة الدراسات السياسية والاسترتيجية المتقدمة، ومؤسسة القدس للدراسات حول “إسرائيل”، ومؤسسة دراسات الأمن القومي في جامعة حيفا، ويعد هذا الفصل من أهم فصول الكتاب، من حيث ارتباطه الوثيق بمضمون الدراسة، وإن لم يوفق الكاتب في شرحه، بشكل أكبر، بالرغم من وقوعه بين أكبر الفصول مساحة (الثالث، والخامس)، حيث استطرد المؤلف في تناولهما، ليربطهما بصياغة القرار.

أكمل الفصل الخامس ما جاء في سابقه، بالتأكيد على تأثير جماعات المصالح على عملية صناعة القرار، والطريقة التفصيلية نفسها، غاص الجندي في تفاصيل هذه الجماعات، التي تعج بها “إسرائيل”، وركز على مجموعتين كبيرتين، هما الحريديم، والموشاف، وجماعات السلام. وذكر المؤلف تأثير الحريديم (اليهود الأرثوذوكس) المتطرفين غير الصهاينة، من خلال دراسة خلفية الطيف الديني الإسرائيلي، سواء الذي يطالب بيهودية الدولة، أو الذي يطالب بعلمانيتها، وتطرقت هذه النقطة إلى كثير من تفاصيل حياة هذه الأطياف، وعاداتهم، وانتماءاتهم، وخلفية اليهود الحريديم، واندماجهم في الحياة السياسية، ومعتقداتهم الدينية، ومدارسهم الدينية، ودور المرأة في الحياة السياسية والعامة. كما عالجت نقطة أخرى بنية السلطة في الحريديم، والتي وصفها الكاتب في الأحزاب الثلاثة بأنها ليست ديموقراطية، لأن رؤساء الأحزاب الدينية خاضعون للقيادات الدينية. وكذلك تأثير الحريديم على “دولة إسرائيل”، فيما يتعلق بالشريعة اليهودية، وكيفية خضوع اليهود للمحكمة الروحية اليهودية، فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، ودور الحريديم، كشريك أساسي في الائتلافات الحكومية، من خلال الأحزاب الحكومية التابعة لها، والتي تمثل ثالث أكبر كتلة في الكنيست بعد “الليكود” و”العمل”، وضرب لنا المؤلف عدة أمثلة على تأثير الحريديم في الحياة الإسرائيلية، من خلال القضايا الدينية والسياسية على سبيل المثال مدى تغلغلهم في المدارس الدينية وغيرها، لبث العقيدة بين طرفيها، وإيجاد جيل متدين، بالاستعانة بالمساعدات المالية الحكومية واستطاع الحريديم تحديد سلسلة من القوانين والأنظمة الإدارية، مثل قانون “إجازة السبت” لليهود، ومنع تربية الخنازير في “إسرائيل”، ونوع الأطعمة التي يفضلونها، ومعارضة حاخامات الحريديم الانسحاب من السويس، التي احتلت القوات الإسرائيلية أطرافها، في حرب أكتوبر 1973.

تأثرت صناعة القرار في “إسرائيل” بالحركة الدينية القومية، والجوش أمونيم، عرضها الكاتب من خلال، خلفية عن الداتيم لوميم، والحزب القومي الديني (المفدال)، والجوش أمونيم، وهي حركة دينية صهيونية قديمة، خصصت تمويل أنشطتها الاستيطانية، في جعل الدين جزءاً من القومية، أسهمت في بناء “دولة إسرائيل”، من الناحيتين العسكرية والاجتماعية. وشرح لنا الجندي مراحل تطور هذه الحركة، منذ سنة 1897، حتى سنة 2006، ودورها في الحياة السياسية، كقوة ضاغطة على الدولة، للوصول إلى تنفيذ ما يسمونه بأوامر وقوانين الله، التي يعتقدون بأنها تدعو إلى بناء “أرض إسرائيل”، من خلال نشر بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية.

عرفت عقيدة الخلاص، أو المسَّيا، أو الماشيح (المسيح المخلص)، عند القوميين المتدينيين، أو الداتيم لوميم، وهي عقيدة صهيونية، تؤكد بأن خلاص “الشعب اليهودي” قد بدأ بالفعل، وما إنشاء “دولة إسرائيل” إلا الخطوة الأولى في هذا الخلاص، بناءً على عهد قطعه الله على موسى، في جبل سيناء. إنهم يؤمنون بالظهور الوشيك للمسيح الخاص باليهود، وتسمح لهم عقيدتهم بسلب غير اليهود، مما يدل على تأثيرهم الأيديولوجي في سياسات “إسرائيل” التوسعية، إسناداً إلى النص التوراتي في سفر التثنية (11:24): “كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم، من البرية من نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم”. وهذا ما يبرر لماذا الجوش أمونيم استمرأت طرد أكبر قدر من الفلسطينيين. شرح لنا الكاتب هذه العقيدة، ليطلعنا على مدى تأثيرها في صناعة القرار الإسرائيلي، من خلال اندماج العديد منهم في الجيش الإسرائيلي، وإيمان الجوش أمونيم بأن بناء المستوطنات يمنحها القدرة على التأثير على أكثر المجتمع الإسرائيلي، من خلال إدارة شؤون المجتمع، عن طريق مجلس المستوطنات، الذي تقوده أربع مجموعات أساسية، هي: رؤساء المجالس الإقليمية، والمستوطنون الذين يُنتخبون أعضاء في الكنيست، والقادة والناشطون الشعبيون، والحاخامات.

أثر “مجلس المستوطنات” والجوش أمونيم في صناعة القرار، من خلال تنظيم جماعات في 2005، لمناهضة خطة فكّ الارتباط مع غزة، التي وضعها شارون، كما استخدم “مجلس المستوطنات”، “بناء المستعمرات” ذريعة للوجود العسكري، عن طريق تأثير الجوش أمونيم على القيادات السياسية، من مختلف الأطياف، بما تتلقاه من دعم من الإسرائيليين عامة، ويهود الشتات خاصة، بالإضافة إلى علاقة “مجلس المستوطنات” على صناعة القرار، من خلال علاقته القوية بالرسميين، والهيئات السياسية، والعسكرية، وكذلك التأثير العسكري؛ حيث انضم للمؤسسة العسكرية الكثير من الجوش أمونيم، والتأثير الأيديولوجي، ونظرتهم إلى العالم، وكيف أنهم رفضوا الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، الذين وصفتهم الجوش أمونيم بأن “أيديهم ملوثة بدم يهودي”، وفي الوقت ذاته لم تتردد في إطلاق سراح السجناء الذين قتلوا فلسطينيين، وهذا يوضح نظرتهم التعصبية للدم اليهودي وغير اليهودي، وظهور بعض فتاوى للحاخامات بمعاقبة الطفل الفلسطيني، كأنه رجل راشد، وليس كالطفل اليهودي. كما اعتبر الجوش أمونيم عملية السلام، وفكّ الارتباط مع غزة، من ضمن التحديات التي يواجهها، مما يجعله ينصاع لأوامر الدولة.

لعل من أهم جماعات المصالح التي تؤثر على الرأي العام الإسرائيلي، اتحاد العمال “الهستدروت”، وتعني الاتحاد العام للعمال، ويستخدم كوسيلة لدعم الأحزاب السياسية، وممارسة النفوذ السياسي لتحقيق مطالبه، ولم يعطه الكاتب مساحة من التحليل، كما فعل فى حريديم والموشاف، بالرغم من أهميته، وأنه جاء في أكبر الفصول مساحة في هذه الدراسة، التي قصد بها الكاتب التركيز على بنية المجتمعات اليهودية، وتأثيرها على صناعة القرار، وتوجهاتها السياسية، المنبثقة من عقيدتها.

عرض لنا الكاتب في الفصل السادس، تاريخ العلاقة الإسرائيلية مع الولايات المتحدة، وتأثيرها على عملية صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، منذ 1896، عندما أشار ثيودور هرتزل فى كتابه “الدولة اليهودية”، ثم بعد تأسيس “دولة إسرائيل”، سنة 1948، واعتبرت “إسرائيل” نفسها حامي الحضارة الغربية في الشرق، ثم “مبدأ بن جوريون”، القائل بأن “إسرائيل” يجب أن تحظى، دائماً، بدعم دولة كبرى، من مبادىء عقيدة الأمن الإسرائيلية، وبدأ يظهر هذا الشكل مع أمريكا، منذ سنة 1967، ونصر “إسرائيل” على العرب. واستمر الكاتب في سرد بعض الوقائع، والاتفاقيات الرسمية، سياسياً، وعسكرياً، وأغلب هذه المساعدات يصب في مصلحة الصناعات العسكرية الأمريكية، بخلاف الدعم السياسي الدبلوماسي، من خلال استخدام حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، لأي مشروع قرار يدين “إسرائيل”، كما عرض الكاتب وجهات نظر مختلفة حول مَن منهم يؤثر في الآخر، من خلال رصد لمواقف كل دولة، لمساندة الأخرى.

ناقش الكاتب في البند الثاني من هذا الفصل، تأثير هذه العلاقة على صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، حيث يتم التعاون الأمني، والعسكري، بشكل دائم، ومكثَّف بينهما، لدرجة أنه ينظر إلى إمكانات أمريكا، فيما يتعلق بصناعة القرار، على أنها امتداد لإمكانات “إسرائيل”؛ فإن اللوبي الأمريكي يحل الخلافات عن طريق إظهار المصالح الإسرائيلية باعتبارها مصالح أمريكية، بالرغم من وجود تناقضات، مثلاً حول بناء المستوطنات التي تدعمها “إسرائيل”، فيما تطالب أمريكا بوقفها، وفي الوقت ذاته، ترسل بالأموال للمساعدة في بنائها. كما قصفت “إسرائيل” المفاعل النووي العراقي، سنة 1981، قبل الحصول على موافقة أمريكا، فضلاً عن العديد من القرارات التي وصفها الكاتب، بأنها فردية، بدون مباركة أمريكية، مثل ضمّ شرق القدس، سنة 1980، والجولان، 1981، واجتياح لبنان، 1982. وقدم الكاتب عدة تفسيرات للسلوك الإسرائيلي، بعضها ديني، وبعضها سياسي، وتاريخي، مستشهداً بمواقف موالية ومعادية لأمريكا، وعرض الكاتب، هذه الاختلافات على موقف صانع القرار الإسرائيلي، وأمريكا، بعضها محافظ وبعضها واقعي، ولكنه يتم الاتفاق على أن الاثنين يمثلان الأمن والسلامة لكل منهما. أفرد الكاتب لكل مجموعة منهما نقطة تفصيلية، القوميون المتطرفون، مثل حزب الليكود، تحيا، وتزومت، وأخرى، والذي يأتي منها رؤساء الوزراء مثل، إسحاق شامير، وأريل شارون، ومناحيم بيجن، وكلهم متطرفون في أفكارهم، ويدعون إلى وحدة “أرض إسرائيل”، وهو ما يتعارض مع مبدأ “الأرض مقابل السلام”، الذي تتبناه أمريكا.

المحافظون، وهو اتجاه براجماتي، من أهم أحزابه الليكود، وأهم شخصياته رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وإيهود أولمرت، ويتشابه مع القوميين المتطرفين، في اعتقادهم بأن “إسرائيل” يجب أن تحتفظ بالأرض التي احتلتها، سنة 1967، والمستعمرات، ويرون أن دور أمريكا في العملية السلمية دور تسهيلي، يسعون إلى تقليصه، ولكنهم يخشون انهيار “العملية السلمية”.

الواقعيون، مثل حزب العمل، ورؤساء وزرائه إسحاق رابين، وإيهود باراك، معظمهم من ضباط الجيش، وهم مقتنعون بموضوع “الأرض مقابل السلام”، ودور أمريكا المهم بالنسبة لأمن “إسرائيل”.

التقدميون، حزب ميرتس، ومن وزرائه، شمعون بيريز، يرون بأنه لا يمكن تحقيق الأمن دون السلام، إذ أن الأمن لا يمكن تحقيقه بالقوة العسكرية، وحدها، ويؤيدون توقيع اتفاقية دفاع مع أمريكا.

جاء الفصل السابع مكملاً لسابقه، حيث ناقش العلاقة مع المجتمعات اليهودية خارج “إسرائيل”، وتأثيرها على عملية صنع القرار، من خلال تناوله لبنية المجتمع اليهودي، ولوبي “إسرائيل”، الذي يعد الأكثر تأثيراً بين مجتمعات الشتات، خاصة في أمريكا، وضمّ عشرات المنظمات اليهودية، التي هدفت إلى جمع التبرعات، وقد مثلت تلك المجتمعات حوالي 155 تجمعاً يهودياً مستقلاً، وأغلبها تتدخل، بشكل مباشر، في العملية السياسية الإسرائيلية، من خلال لجانها المتعددة، التي تمثل جماعات ضغط، يليها المجتمع اليهودي الأوروبي.

قام الكاتب بشرح مفصَّل لأنشطة اللوبي، وتأثيره على صناعة القرار، والآلية الرسمية للمجتمعات اليهودية و”إسرائيل”، والتي تتمثل في شكل تبرعات مباشرة، أو سندات خزانة لإسرائيل، من خلال “مؤسسة تطوير إسرائيل”، وهي معفية من الضرائب، وتمثلها “المنظمة الصهيونية العالمية”، وذراعها “الوكالة اليهودية”، والتي لديها مؤسسة تخطيط السياسات للشعب اليهودي، مسؤول عن تقديم الدراسات المتعلقة بالقضايا الأساسية التي تهم اليهود، في أنحاء العالم، والمنظمة الصهيونية أداة، يقدم فيها يهود الشتات وجهات نظرهم، التي يتم تعيينها من قبل المؤتمر الصهيوني العالمي، مرة كل أربع سنوات، ويتم تمويلهم من خلال التبرعات، والجاليات، والمؤسسات اليهودية، والتي شرحها الكاتب باستفاضة.

تساءل الكاتب عن علاقة مختلف المجتمعات اليهودية و”إسرائيل”، عما إذا كانت علاقة ذات اتجاه واحد أم اتجاهين؟ وقدم لنا المؤلف عدة تفسيرات مختلفة، سواء فيما تعلق بالدولة الإسرائيلية، أو بالواجب الإجتماعي، أو بكونهم مجتمعات تاريخية، أو الملاذ الآمن لليهود، أو أن اليهود الأمريكان يشعرون بحاجة إلى شراكة مع الإسرائيليين باعتبارهم إسرائيليين، ثم ناقش الكاتب، من خلال مسح تاريخي للعلاقة بين “إسرائيل” ويهود الشتات، في تكرار لما سبق وذكره، لتجمع اليهود، منذ 1948، ما مرت به “إسرائيل” من حروب. ناقش الجندي التحديات التي تواجه العلاقات بين “إسرائيل” ويهود الشتات، مستعيناً بنسبة تراجع التبرعات التي يتم جمعها لليهود، وتراجع عدد السياح اليهود إلى “إسرائيل”. وأرجع الكاتب هذه التغيرات السلبية، للخلاف حول تعريف من هو اليهودي الذى يحق له الهجرة إلى “إسرائيل”، وبناء المستعمرات فى الأراضي الفلسطينية، وأيضاً تغير سلوك القادة الإسرائيليين، الذين أصبحوا إسرائيليين، أكثر منهم أوروبيين، وقادة المجتمع اليهودي الأمريكي الذين أصبحوا أمريكيين، أكثر، وتراجعت بينهم هذه اللغة المشتركة، والتنافس على السلطة بين القيادات في “إسرائيل”، وقيادات المجتمع اليهودي في أمريكا، ثم عرض المؤلف أمثلة عديدة لذلك.

تابع الكاتب تحليله لموقف “إسرائيل” من يهود الشتات، وتأثير ذلك على عملية صناعة القرار السياسي الإسرائيلي، من خلال موقف حزب الليكود الذي يؤمن بالتضامن مع اليهود في كل أنحاء العالم، وموقف حزب العمل، الذي يرى أن “إسرائيل” قوية بما فيه الكفاية، ولا تحتاج إلى يهود الشتات، لتقيم علاقات رسمية مع أمريكا، والحزبين – كما هو معلوم – يتناغمان مع “عملية السلام”.

استعان الكاتب بدراسة حالة معينة في الفصل الثامن، لتوضيح كيفية صناعة القرار في الحكومة، قبل ثلاثة أشهر من القصف الجوي الإسرائيلي للعمق المصري، سنة 1970، والتي كانت العلامة الفارقة في نهاية “حرب الاستنزاف”، ومقارنة بينهما، وما حدث خلال حرب، صيف 2006، على لبنان. حيث تمّ طرح خيار توجيه ضربة عسكرية في العمق المصري، وذلك لتسليم “إسرائيل” دفعة من طائرات فانتوم أف-4 من أمريكا، مما يسمح لها بالقيام بعملية كهذه، وكانت الموافقة من الخبراء العسكريين، وهدف هذه الضربة إنهاء “حرب الاستنزاف”، وإجبار الجيش المصري على وقف إطلاق النار، وكانت إشارة الضوء الأخضر من الأمريكيين، في تأكيد على أن الاتحاد السوفييتي يواجه عقبات سياسية وتكنولوجية، تمنعه من التدخل المباشر إلى جانب المصريين، واتخذ القرار الإداري بالقيام بالعملية، وتمت بنجاح وإن لم تضعف الروح المعنوية للمصريين، كما لم تفضي إلى الإطاحة بجمال عبد الناصر، أو العودة لوقف إطلاق النار، كما توقع القادة الإسرائيليون، بل زادت شعبية عبد الناصر. انتقل الجندي ليصف القرارات التي اتخذت في حرب 1967 بأنها قرارات متقنة، لأنها أدت إلى النصر، أما فيما يخص قرارات ضمّ القدس، ومرتفعات الجولان، فوصفها المؤلف بأنها قرارات غير ناضجة، وأيضاً لم يذكر أهداف هذه القرارت، كما حدث في حالة حرب 1970، ولم يوفق في عقد مقارنة بين القرارات في دراسة هذه الحالات، على الرغم من حرص الكاتب الشديد على التمسك بموضوع الدراسة، فكان من الأفضل أن يختار الحالات التي أشار إليها بالمساحة نفسها، التي تناولها للحالة، واستنتج الكاتب من هذه الحالة:

• غياب السياسة المتماسكة، وأكد ذلك مستعيناً بتقرير فينوغراد، الذي صدر سنة 2008، بعد فشل “إسرائيل” في حرب لبنان 2006، وذلك لعدم تحديد الأهداف الواضحة والضربات العسكرية، على الرغم من أنه لم يذكر ما هي الأهداف في حرب لبنان 2006، كما ذكرها في الحالة الأولى.

• غياب البحث الجدي، أو الخيارات الأخرى المتوافرة، غير الضربات الجوية، وتمّ حصر المسألة في قبوله، أو رفضه. وأرجع الباحث حالة الفشل في استطلاع الخيارات إلى نقص فريق العمل، ونقص المعلومات لدى الوزراء. وذكر المؤلف ما جاء في تقرير فينوغراد، الذي وصفه بغياب المرونة، ونقص فرق العمل، معتبراً أنها من أسباب فشل الحرب على لبنان 2006، وشبهها المؤلف بأنها الطريقة نفسها التي تمت الموافقة فيها على قرار سنة 1970.


• غياب التقييم الدقيق لعواقب عملية القصف، ولم يتم حساب تكلفة الدخول في حرب مع دولة عظمى، كروسيا.


• الفشل في النظر إلى القضية، والأبعاد المختلفة.


• غياب التخطيط الطويل.


• الميل للمبالغة في تقدير النتائج.

لخص الكاتب، في النهاية، استنتاجاته حول الخصائص الأساسية في عملية صناعة القرار، في نقطتين، الأولى البراجماتية (الواقعية السياسية)، في مواجهة الأيديولوجية، وكيف أن هناك ازدواجية بينهما. سياسة البراجماتية، التي تتبعها “إسرائيل”، هي قيام صنَّاع القرار باستغلال البيئة المحيطة بهم، بحثاً عن فرص التعاون، مثل قنوات السلاح، والعمل الاستخباراتي، والمساعدات النفطية، والمساعدات العسكرية، والحرب، وهذه القنوات تستلزم تعاوناً مع دول أخرى، مثل تركيا، وإيران، وأثيوبيا، وذلك لمقولة “عدو عدوي صديقي”، بالإضافة إلى أمريكا، الحليف الاستراتيجي لإسرائيل.

أما الواقعية التي تعنيها “إسرائيل”، فتجلت في اختيار فلسطين العثمانية كمكان مستقبلي للوطن القومي لليهود، بغض النظر عن السكان الأصليين، وإعلان قيام “دولة إسرائيل”، سنة 1948، على أراضي فلسطينية، بقوة السلاح، المصادقة على “قانون العودة”، الذي يسمح لليهود في العالم بالهجرة إلى “إسرائيل”، بالرغم من عدم توافر موارد لستيعابهم. وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل، وإصرار الإسرائيليين على عدم إعادة الأراضي التي احتلوها في سنة 1967، وهذه القرارات تتنافى مع الواقعية السياسية، وتتماشى مع العقيدة الصهيونية، التي تتمركز حول “شعب الله المختار”، الذي يعتبر أن “إسرائيل مللك الشعب اليهودي”.

عالج المبحث الثاني، عوامل القوة والضعف في عملية صناعة القرار، وصاغ آليات الضعف، في عدة نقاط:

• سيطرة النظرة، أو المقاربة قصيرة الأمد، واتخاذ القرار في ردة فعل للحدث، وثقافة الارتجال.
• تسييس آلية صناعة القرار.
• تدهور القدرات الحكومية.
• غياب مأسسة آلية صناعة القرار.
• سيطرة المركب الصناعي – العسكري.
• الطبيعة الجامدة للنخبة السياسية.
• الاعتماد على الخبرات السابقة في الأزمات.
• المقاربة المحدودة للمشاكل.
أما آليات القوة، فتمثلت في:
• القيم المشتركة.
• مؤسسة صغيرة محكمة البناء.
• سهولة التواصل.
• السرعة والمرونة.
• عملية صناعة القرار الديناميكية والبراجماتية فيما يتعلق بقضايا الأمن القومي.
• العلاقات السياسية، والعسكرية القوية.
• الشفافية.
• الاستجابة لبيئة معقدة تحت الضغط.
• الاستشارة.
• الديموقراطية.
• تخصص عملياتي ممتاز.
• الدوافع والقيادات النوعية.

بهذا العرض المطول، والمفصل للكتاب، الذي ناقش صناعة القرار الإسرائيلي، والآليات والعناصر المؤثرة فيه، والنتائج التي توصل إليها الكاتب، بعد تكرار للنتائج نفسها في النقاط التي تمت معالجتها، ومؤداها أن القرارت تؤخذ نتيجة الموقف، من منطلق الحفاظ على “الدولة اليهودية”، وبناءً على هذا الهدف، يتم انتقاء جميع أجهزة الدولة، لتصب في هذا الإطار الصهيوني، حيث أن أجهزة الدولة الإسرائيلية تميزت بالترابط فيما بينها، لخدمة الصالح العام للدولة، وباستلهام العقيدة الصهيونية. لقد رأينا التوجهات، السياسية والعسكرية والتعليمية، وحتى على مستوى نوعية الطعام، كلها تصب فى إطار يهودية الدولة.

أخفق الكاتب في تحديث البيانات، والمعلومات، حتى لحظة إصدار الكتاب، حيث أغلب البيانات توقفت حتى سنة 2008، ولم يتم التطرق لموضوعات هامة تمت في الفترة الأخيرة مثل نجاح حماس الساحق في الانتخابات البرلمانية (2006)، وموقف “إسرائيل” من حصار غزة بعد حسم حماس أمر السلطة هناك (صيف 2007)، وكذلك بناء جدار الفصل العنصري، الذي أثار بناؤه حفيظة العالم العربي، وتسبب فى إهدار أراض فلسطينية واسعة.

نجد أن الكاتب ركز على موضوعات وأحداث معينة، وتغاضى عن أخرى، بالرغم من الإسهاب غير المبرر في شرح البنية والتركيبة للمؤسسات اليهودية، ولو أن الكاتب تناول وقائع معينة وكيفية دراستها من الجانب الإسرائيلي، لألم بصورة شاملة بشتى جوانب العملية المتنوعة في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي.

بالرغم من الشرح المفصل، فإن الكاتب لم يوفق في توزيع الفصول بدرجة متناسقة، من حيث المساحة، ولكن الكتاب متماسك في موضوعاته، والنقاط التي عالجها المؤلف، كلها تصب في مضمون الكتاب الذي صدر في توقيت زاد التآمر الصهيوني الأمريكي على المنطقة العربية بأكملها، وليس فلسطين فحسب، وتوالي الثورات في الدول العربية، بحثاً عن التحرر من الحكام الخانعين، كما يرشدنا هذا الكتاب إلى كيفية بناء المؤسسات في الدولة الصهيونية، وكيفية التعامل مع الفكر اليهودي الصهيوني، المبني على يهودية الدولة.


للانتقال إلى صفحة الكتاب (باللغة الإنجليزية) وتحميله، اضغط على الرابط التالي:
The Process of Israeli Decision Making


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 30/1/2012


– الكتاب متوفر للشراء، عبر: || || || ||