مدة القراءة: 5 دقائق

حاورت وكالة “قدس برس” المدير العام لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، د. محسن محمد صالح، عن مركز الزيتونة وفعالياته، وقراءته في المشهد السياسي والاستراتيجي في المنطقة. وفي ما يلي نصّ الحوار الذي أجراه الزميل ياسر علي في بيروت:

– بعد أن باتت بصمات المركز واضحة في المشهد البحثي والثقافي الفلسطيني، هل تعتقد أنّ مركزكم حقق أهدافه بموازاة سنوات عمله التي اجتازها؟
* نحمد الله أنّ المركز قد خطا خطوات واسعة نحو تحقيق أهدافه، إذ أصبح مرجعاً ومصدر معلومات معتمداً، خصوصاً في الشأن الفلسطيني، والصراع العربي – الإسرائيلي. وأخذ المركز مكانته المعتبرة لدى أساتذة الجامعات وطلبة الدراسات العليا وكافة المتخصصين والمعنيين بالدراسات الفلسطينية. وكانت كتبه ومؤتمراته وترجماته وتقديراته الاستراتيجية ونشرته اليومية مصادر لا يمكن الاستغناء عنها. والمركز يتجه بخطى ثابتة ليكون أحد مراكز التفكير Think Tanks الأساسية المعنية بالقضية الفلسطينية، وليس مجرد مركز معلومات أو أبحاث.

كما نحمد الله أنّ المركز يلقى الترحيب والاحترام من كافة الاتجاهات السياسية ومن الأكاديميين، وهو ما يؤكد خط المركز العلمي المحترف المستقلّ.

– بالأرقام.. ما هي إنجازات المركز حتى الآن، وما هي أبرز هذه الفعاليات؟ وماذا عن الانطباعات والتغذية الراجعة؟

* بعد مرور خمس سنوات من عمره، بات المركز يملك رصيداً كبيراً من الكتب والدراسات الأكاديمية المتميزة، إذ أصدر حتى اليوم 55 كتاباً، أبرزها التقرير الاستراتيجي الفلسطيني السنوي الذي أصبح أحد أهم المراجع المعتمدة للقضية الفلسطينية، والوثائق الفلسطينية، وسلسلة أوَلَسْتُ إنساناً، وسلسلة تقارير المعلومات، وكتاب السياسة الخارجية الأمريكية والعالم الإسلامي الذي صدر باللغة الإنجليزية، وتجري ترجمته للغة العربية.

وحديثاً صدر عن المركز كتاب دراسات في التراث الثقافي لمدينة القدس، في إطار شراكتنا في الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009. بالإضافة إلى عشرات العناوين الأخرى. كما رعى المركز جائزة القدس في مسارها العلمي، والتي شارك فيها أكثر من مائة باحث.

أمّا المؤتمرات وحلقات النقاش التي عقدها المركز حتى الآن فقد بلغ عددها 14 مؤتمراً وحلقة نقاش، من أبرزها مؤتمر منظمة التحرير الفلسطينية تقييم التجربة وإعادة البناء، ومؤتمر التراث الثقافي لمدينة القدس، ومؤتمر “إسرائيل والقانون الدولي”؛ وهي مؤتمرات لقيت ترحيباً واسعاً في الأوساط الأكاديمية لأهميتها وجديتها ومادتها العلمية.

هذا بالطبع بالإضافة إلى أنشطة المركز وخدماته الأخرى، كالموقع الإلكتروني ونشرة فلسطين اليوم التي صدر منها حتى الآن أكثر من 1700 عدد، والتقدير الاستراتيجي، والترجمات العلمية المتخصصة التي صدر منها نحو 50 ترجمة، وغيرها.

– طرحتم في البيان الختامي لمؤتمر “إسرائيل والقانون الدولي” مشروعاً لآليات ملاحقة الجانب الإسرائيلي قانونياً.. هل من خطوات عملية في هذا المجال؟
* نحن دورنا علمي أكاديمي بالدرجة الأساسية. وقد وفّر المركز مظلّة مناسبة للقاء الخبراء والمختصين في القانون الدولي، الذين قدّموا نحو 20 ورقة عمل. وقد تركنا لهؤلاء الخبراء متابعة المبادرات لما بعد المؤتمر باعتباره مجالاً تنشط فيه مؤسسات مدنية وحقوقية أخرى. وقد لاحظنا عدداً من الشواهد الإيجابية لهذا التحرّك من عدد من الفعاليات التي شاركت في المؤتمر.

– عموماً، وقبل الدخول في الأسئلة المحددة؛ كيف تقوِّم عام 2009 في البعد الاستراتيجي للقضية الفلسطينية على المستوى الدولي، بالأخص عهد أوباما وتقرير غولدستون، والأوروبي، بالأخص الشراكة الاقتصادية وموقف السويد في أثناء رئاستها الاتحاد، والعربي والإسلامي؟
* على المستوى الدولي اتسم عام 2009 بفشل الجهود الدبلوماسية الدولية في تحقيق أي تقدّم حقيقي فيما يتصل بالموضوع الفلسطيني ومسار التسوية، حيث تراجع أوباما عن ضغوطه على الجانب الإسرائيلي لتجميد الاستيطان أمام عناد حكومة نتنياهو، وفشل المجتمع الدولي في تخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة، وفي الالتزام بالوعود التي قطعها لإعادة إعمار القطاع الذي دمره العدوان الإسرائيلي أواخر عام 2008 ومطلع عام 2009، التي بلغت قيمتها نحو 4.5 مليار دولار.

على المستوى العربي أظهر عام 2009 استمرار حالة العجز العربي الرسمي تجاه قضية فلسطين، وكان من الملاحظ فشل الطرف الفلسطيني بخاصة والعربي بعامة في استثمار الحالة الأمريكية الراهنة في تحقيق أية اختراقات، مع أنّ الولايات المتحدة تعيش تدهوراً قياساً بالعقود السابقة.

أما على المستوى الإسلامي فلم تحقق منظمة المؤتمر الإسلامي إنجازاً يُذكر على صعيد القضية الفلسطينية في عام 2009، في الوقت الذي شهد فيه العالم الإسلامي مزيداً من التعاطف والتفاعل مع القضية الفلسطينية، خصوصاً في أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي كان مؤشراً على مركزية قضية فلسطين في وجدان شعوب العالم الإسلامي.

– بالتحليل، هل سيكون عام 2010 عام الحرب في المنطقة؟ ما هي الاحتمالات؟ وأين؟ وهل في حال وقوعها سيكون احتمال “الحرب الشاملة” جدياً؟

* ما تزال احتمالات اندلاع حرب إسرائيلية في المنطقة قائمة، خصوصاً مع الأحاديث المتكررة عن هجوم على حماس وحزب الله وضربات لإيران وسورية. ولا بد من الإشارة إلى أنّ “إسرائيل” تستخدم التهديد بالحرب كعنصر ابتزاز سياسي، أو كأداة ردع؛ غير أنها قد تَدخل في الحرب، خصوصاً على ما تعتبره الحلقة الأضعف في قطاع غزة، إذا ما استكملت استعداداتها، وهيّأت “مسرح العمليات” أو البيئة المحلية والإقليمية والدولية لذلك.

وقد تجد المنطقة نفسها مُنجرَّة إلى الحرب إذا ما حدثت مسارات حرجة مفاجئة، كضربات نوعية تُوجَّه إلى “إسرائيل”، أو من قِبلها، إلى حماس أو حزب الله، أو إيران؛ بحيث لا يمكن التحكم بردود الفعل المتوقعة.

غير أنّ “إسرائيل” تعاني إشكالية حقيقية مرتبطة بعدم قدرتها على ضمان نتائج أية حرب، مع التطوّر النوعي للمقاومة وإرادة القتال العالية لرجالها، في الوقت الذي تراجعت فيه نوعية المقاتل الإسرائيلي.

– لكلّ حرب إرهاصات ومقدِّمات، ولكن ماذا عن المفاجآت، كالمسارات الخطرة التي قد تُفجر المنطقة في أي لحظة؟
* قد تحدث أحداث تأخذ طابع المسارات الحرجة؛ كاغتيال شخصيات قيادية إسرائيلية أو فلسطينية أو من حزب الله، أو عمليات إنزال إسرائيلية مفاجئة في قطاع غزة أو جنوب لبنان، أو ضربات إسرائيلية مفاجئة لعدد كبير من الأهداف في وقت واحد.. كل هذه الأحداث قد تؤدي إلى ردود فعل متبادلة ومتصاعدة وغير محسوبة.. مما يدفع باتجاه توسيع المواجهات لتتحول إلى حرب حقيقية شاملة.

– الضعف العربي، انسداد الأفق التفاوضي، حصار المقاومة، التواطؤ الدولي، كلها عوامل جمود القضية الفلسطينية، وقد طال هذا الجمود، فكيف سيكون المخرج والحلّ لهذا الجمود برأيك؟
* هذا التوصيف صحيح، ولكنّ المنطقة تتفاعل فيها الأحداث وتتراكم التأثيرات باتجاه انفجارات محتملة، كما حدث في انتفاضة الأقصى، وفي حرب تموز/ يوليو 2006، وفي العدوان على غزة. وقد تسير عجلة التغيير التاريخي ببطء، لكن المسار الاستراتيجي للأحداث يؤكد صعود تيارات المقاومة، وتراجع المشروع الصهيوني والأمريكي في المنطقة، ويشير إلى تراجع في القناعات الرسمية والشعبية تجاه حلّ الدولتين، وإمكانية أن تتحوّل السلطة الفلسطينية إلى دولة حقيقية يوماً ما، وتجاه أن تكون هناك أية تسوية سياسية يمكن أن تسمى “عادلة” للقضية الفلسطينية. ولذلك، فإنّ حالة الجمود لن تستمرّ، وقد يحمل المستقبل القريب بعض المفاجآت.

– هل من علاقة لاحتمالات الحرب بالوضع الداخلي الإسرائيلي، والوضعين الداخليين الفلسطيني واللبناني؟
* ربّما لا يسمح الوضع الداخلي الفلسطيني واللبناني بشنّ حرب على الكيان الإسرائيلي في مثل هذه الظروف. ولكنّ الوضع الداخلي الإسرائيلي قد يدفع باتجاه الحرب لأنه لن يرضى أن تستمر قوى المقاومة في زيادة قوتها وتأثيرها، خصوصاً في غزة وجنوب لبنان، كما لن يرضى بأن يتطوّر البرنامج النووي الإيراني ولا الاحتضان السوري لفصائل المقاومة. غير أنّ الإسرائيليين قد يفضِّلون عدم شنّ الحرب في الظرف الراهن لعدم قدرتهم على ضمان النتائج، أو لأنهم يفضِّلون استمرار الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

– بخصوص الوضع الداخلي الفلسطيني، لا أطلب موقفاً، فالوحدة وإنهاء الانقسام مطلب الجميع، لكنّ السؤال: ما هي سيناريوهات إنهاء الانقسام؟
* الانقسام الفلسطيني ليس مجرد تنازع على السلطة، وإنما هو انعكاس لخلاف سياسي عميق، واختلاف بين رؤيتين لم تتمكنا حتى الآن من التوافق على قضايا مرتبطة بالاعتبارات الإيديولوجية، وبأولويات العمل الوطني، وبطريقة إدارة الصراع مع الاحتلال، وبمساريْ التسوية والمقاومة، وبعمليات التكيّف مع الشرعيات العربية والدولية.

ولا يمكن إنهاء هذا الانقسام ما دامت هناك أطرف تتقبل الضغط الخارجي في صياغة قرارها السياسي. كما لا يمكن للمصالحة أن تتمّ إلاّ إذا تم ترتيب الوضع الداخلي وفق أجندة وطنية خالصة ودون تدخل خارجي، ويجب أن يكون أي اتفاق هو اتفاق رزمة شاملة يعالج مختلف الاستحقاقات وينفذ في خطوط متوازنة، كما يجب أن يحدث برنامج بناء ثقة على الأرض يسبق استحقاقات الانتخابات. وبالتالي فإنّ المعطيات الحالية لا توفّر فرصة حقيقية لمصالحة فلسطينية مبنية على أسس متينة.

– بشأن الوضع الداخلي الإسرائيلي؛ ما مدى الاستقرار في المشهد السياسي الإسرائيلي، وهل سيستمر نتنياهو واليمين المتطرف في الحكم؟ وهل لذلك علاقة باحتمالات الحرب في المنطقة؟
* المجتمع الإسرائيلي أخذ يميل أكثر إلى اليمين وإلى مزيد من التطرف طوال الثلاثين سنة الماضية؛ وقد تزايدت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة مع ذوبان وتراجع أحزاب اليسار. غير أنّ هذا لا يؤثر بشكل جوهري على السلوك الإسرائيلي عندما يرتبط ذلك بقضايا كبرى مرتبطة بالأمن والاستيطان والقدس وعودة اللاجئين. وما زال أكثر عروض التسوية الإسرائيلية «كرماً» لا تصل إلى الحد الأدنى الذي يقبله أكثر الفلسطينيين المؤمنين بالتسوية “اعتدالاً”. إنّ احتمالات الحرب قائمة، وهي لعبة مارسها اليسار واليمين الإسرائيلي كلما ملك القدرة والجاهزية واقتضت مصالحه الاستراتيجية ذلك.

قدس برس 11/3/2010