مدة القراءة: 5 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في مقره في بيروت حلقة نقاش حول الدور التركي المتصاعد وانعكاساته على القضية الفلسطينية، وذلك يوم الخميس 1/4/2010. وقد ضمت الحلقة نخبة من المفكرين والمتخصصين في الشأنين الفلسطيني والتركي، من بينهم الدكتور محمد نور الدين، والدكتور طلال عتريسي، والأستاذ حلمي موسى، والأستاذ صقر أبو فخر، والأستاذ أحمد خليفة والدكتور حسين أبو النمل وغيرهم.  وقد انقسمت الحلقة إلى جلستين، كانت أولاهما لتحليل وتبادل المعلومات، أما الجلسة الثانية فتناولت السيناريوهات المستقبلية للدور التركي.

الدور التركي: قراءة في الواقع

العميد الدكتور أمين حطيط رأى أن الدور التركي هو ثمرة تقاطع مصالح بين أطراف متعددة، وأنه لم يكن مقدراً له أن يكون بهذه الأهمية لولا هذا التقاطع، وأكد أن فهم الدور التركي في المنطقة ينطلق من فهم الدوافع الرئيسية التي فرضته، ومن أهمها: أولاً: المسألة التركية الداخلية التي تشهد وعياً إسلامياً متصاعداً يدفع بهذا الاتجاه.

وثانياً: المصلحة التركية تجاه الغرب، والتي فهمت أن باب أوروبا موصد أمام تركيا، حيث لا مركز استراتيجي ولا دور، ولا يوجد غير الشرق الأوسط كمدخل لدور استراتيجي، ومدخل الشرق الأوسط هو القضية الفلسطينية، وهو ما يتطلب أن لا تكون تركيا حليفاً لأي طرف في هذه القضية.

وثالثاً: وهن المشروع الغربي ووجود تقارير مختلفة ترسم علامة استفهام كبيرة حول إمكانية استمرار المشروع الغربي في الشرق الأوسط. ورابعاً: تصاعد المد الإسلامي بكل اتجاهاته في المنطقة، ورغبة تركيا بأن تدخل في هذه الموجة حتى لا تكون في مواجهتها.

وأضاف العميد حطيط أن تركيا تريد احتلال موقع استراتيجي في مرحلة إعادة ترتيب الشرق الأوسط، فخلال مرحلة إعادة الترتيب تتطلع كل فئة إلى تجميع ما يمكنها من القوى بحيث تكون في المكان الذي تريد.

وأوضح أن العرب باتجاهيهما الممانع وعرب الاعتدال، بحاجة إلى الدور التركي، فسوريا على سبيل المثال بحاجة إلى مساند لها، فيما عرب الاعتدال يريدون توظيف الدور التركي حتى لا تبقى إيران وحيدة في الساحة الإسلامية.

أما أمريكا فلها مصلحة بتجهيز تركيا لتكون بمثابة وحدة احتياط لاستخدامها في مناورة جديدة تختلف عما رسمته سابقاً للدور التركي. ولذلك، يمكن القول إن الدور التركي يستمر في السقف الذي تقتضيه هذه المصالح مجتمعة.

أما الأستاذ صقر أبو فخر، فرأى أن دور تركيا بدأ مع سقوط الاتحاد السوفياتي وخروج مصر من الصراع العربي الإسرائيلي، والدور المتعاظم لإيران بعد كسبها حربين دون خوضهما، وذلك في كل من العراق وافغانستان. وكل هذا جعل الولايات المتحدة تتغاضى عن الدور التركي المتعاظم في المنطقة.  وأشار إلى أن الدور التركي قائم في أساسه على الاقتصاد، وقد تلعب تركيا دوراً ضاغطاً من خلال الاقتصاد، ومن خلال موضوع المياه، حيث يمكن أن تضغط من خلالهما خصوصاً على سوريا والعراق. ومن ناحية أخرى، كما أن تركيا تمتلك جزءاً من المسألة السنية في العراق. 

في حين رأى الأستاذ زياد الحسن أنه من خلال التعاون المباشر مع حزب العدالة والتنمية يدرك المراقب أن الأتراك لديهم مفهوم آخر شبه متبلور هو مفهوم العالم التركي، حيث تتطلع تركيا إلى تشكيل كتلة أشبه بالاتحاد السوفياتي الأسبق، تمتد من البلقان إلى الصين. وأشار إلى أن تركيا تحتضن المفتين في دول القوقاز، وتعطي منح للطلاب القوقازيين، ولفت إلى أنه بموازاة مؤتمر دعم غزة أقامت تركيا ثلاثة مؤتمرات لبحث وضع مسلمي الإيغور.

أما الأستاذ حلمي موسى، فأشار إلى أن تركيا تتطلع إلى أن ترى تعددية كبيرة، وذلك من خلال علاقاتها الاقتصادية، ورأى أن هناك فراغاً قيادياً في العالم العربي، مما يفسح المجال لدور مثل الدور التركي، لما لتركيا من تاريخ ومقدرات، حيث تحاول إيجاد دور لها في هذا المجال الحيوي.

بدوره رأى الأستاذ أحمد رمضان أن هناك ثلاثة أبعاد أساسية لتعاظم الدور التركي، وهي: موضوع الاستقرار السياسي إلى حد ما في الداخل، وقدرة حزب العدالة على الضبط الداخلي، وحسن الجوار وتصفير المشكلات مع جيرانها، والنمو أو العامل الاقتصادي الذي كان ركيزة أساسية في العلاقات الخارجية. وأشار إلى أن هناك حاجة أمريكية وأوروبية لتركيا، فأمريكا ترى في تركيا قوة توازن القوة الإيرانية، في حين أن أوروبا ترى في تركيا مربع استقرار فاصل بينهم وبين آسيا المضطربة. ورأى أن تركيا يمكنها أن تلعب دوراً في المسألة الفلسطينية يمنع إسرائيل من شن عدوان جديدة على غزة. وأكد أن دعوة تركيا للعب دور سياسي في القضية الفلسطينية يجعلنا بحاجة إلى تقديم ورقة سياسية أو رؤية تتحرك تركيا على  أساسها.

أما الدكتور طلال عتريسي، فرأى أن الخلفية الإسلامية ساعدت تركيا على تبني المواقف المؤيدة للقضية الفلسطينية. وأشار إلى أن قوة الدور التركي بدأت تتضح بعد سقوط العراق، حيث صعد الدوران الإيراني والتركي. أما على الصعيد الشعبي، فبدأت قوة الدور التركي تتضح بعد عدوان غزة. وأضاف أنه كان هناك استعداد من جانب سوريا وإيران للتعامل الإيجابي مع تركيا أكثر من الدول العربية الأخرى. ولفت إلى أن هناك نوعاً من التواطؤ على الدور التركي سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي. فهناك من يريد تركيا في مواجهة إيران، وهناك من يريد تركيا إلى جانب إيران. ولكنه من ناحية أخرى أشار إلى أن هناك تفاؤلاً مفرطاً في إمكانية تدهور العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة و”إسرائيل”. ورأى أن تركيا لا تستطيع لعب دور ضاغط على الغرب لإيجاد رؤية مختلفة للقضية الفلسطينية.

بدوره تحدث الأستاذ وليد محمد علي، فرأى أن التطور في الموقفين الأمريكي والأوروبي تجاه تركيا أدى إلى رفضهما دعم أي انقلاب عسكري يطيح بحزب العدالة والتنمية، خصوصاً وأن الإدارة الأمريكية لم تعد قادرة وحدها على إدارة الملف الشرق أوسطي.

ورأى أن الدور التركي أمام عدة تحديات، فهناك تحديات تفرضها البيئة الخارجية المتنوعة التي تحيط به، والتي تفرض ضغوطاً سلبية في بعض النواحي وإيجابية في نواحٍ أخرى، وهناك تحديات أخرى داخلية متمثلة بالضغوط التي يتعرض لها حزب العدالة والتنمية، سواء من الإسلاميين الآخرين مثل حزب السعادة، أم من قبل المؤسسة العسكرية التي ما زالت تحكم قبضتها على كثير من أوجه مفاصل المشهد التركي.

وأضاف أن تركيا الآن في دور انتقالي، حيث ما زال بينها وبين “إسرائيل” 60 معاهدة أمنية مفعلة، وهذا الأمر يحتاج إلى قراءة معمقة. وأشار إلى أن النزعة الاستعلائية عند الصهاينة ستفيد في تطور الموقف التركي. فالصهاينة لا ينظرون إلى الآخرين نظرة تكامل، بل نظرة استعلاء، وهذا ما يؤمل أن يسرع في تغيير الدور التركي ليصبح دوراً تكاملياً مع المنطقة.

ولكنه رأى أن المعضلة الرئيسية تكمن في الواقع العربي الذي ليس لديه دولة أم ولا نظرية أمن قومي، وهو عاجز عن بلورتهما حاليا.

أما المهندس عبد الله بابتي فرأى أن نجاح حزب العدالة والتنمية كان باتجاهين، أحدهما داخلي يتجلى بوضوح في الناحية الاقتصادية، والآخر في مواجهة الجيش الذي أصبح عاجزاً عن القيام بانقلاب، حيث أن حزب العدالة والتنمية حمل على عاتقه تذليل عقبات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. أما على الصعيد الخارجي، فقد نجح حزب العدالة والتنمية في تبديد أجواء الخلافات مع الجوار، دون استنفار الداخل والخارج. وشدد على أن الفراغ الهائل الذي تعانيه الساحة العربية سهل تعاظم الدور التركي في المنطقة.

وتحدث الأستاذ تيسير الخطيب فرأى أن قوة الدورين التركي والإيراني قوة طبيعية قادرة على ملء منطقة فراغ عميق، بما يسمح لهما بالتمدد، ولا يتصور إمكانية التناقض بينهما. ورأى أنه على الرغم من الوضع الصعب، فإن الفلسطينيين باتوا يتمتعون بحماية أفضل بسبب مساندة حزب الله، وإيران، والدعم التركي الحالي. ودعا الفلسطينيين إلى ترتيب أوضاعهم لضمان الاستفادة من هذا الدعم الإقليمي.

السيناريوهات المستقبلية للدور التركي

وفيما ما يتعلق بالسيناريوهات، رأى الدكتور محمد نور الدين أن تركيا تعطي أولوية للعمق الحضاري والتكامل الاقتصادي الإقليمي، وهي تأمل بحلول 2023 بأن تكون حدودها مفتوحة مع كامل محيطها. ولا يمكن أن يتأتى هذا الدور بالاعتماد على القوة العسكرية أو النزعة الدينية. أما على الصعيد الفلسطيني، فإن تركيا لا يمكنها أن تتحرك خارج سقف القرارات الدولية.

أما الدكتور أمين حطيط، فرأى أن هناك سيناريوهات مستقبلية لتركيا، أولها أن تنجح سوريا في بقائها نقطة وسط، وثانيها، أن تقوم بتفعيل العلاقات مع سوريا وإيران إلى درجة إنشاء منظومة تفاهم استراتيجي، وثالثها أن تنجح الضغوط الأمريكية الإسرائيلية بجعل تركيا قاعدة لمنظومة إقليمية ضد إيران. ولكن الدكتور حطيط رجح السيناريو الأول.

بدوره رأى الأستاذ محمود حيدر أن الدور التركي سيبقى محدوداً في إطار الدور الوسيط، أما الدكتور طلال عتريسي فرأى أن الحد الأقصى للدور التركي أن تعمل تركيا على دعم المشروع السلمي في المنطقة، معتبراً أن الذهاب إلى أبعد من ذلك في التوقعات هو إفراط في التفاؤل، واستبعد وجود تحولات تركية عميقة بسبب الوضع المركب في النظام التركي، والاستراتيجية التركية القائمة على تصفير المشاكل وتبني السلام في الداخل والخارج.

أما الأستاذ صقر أبو فخر فتحدث عن تحديات تواجه الدور التركي في المنطقة، ومن أهمها، احتمال التصادم مع إيران، بسبب التنافس الاستراتيجي، والتحديات الداخلية التي تواجه حزب العدالة والتنمية، وإمكانية حصول تصادم بين الولايات المتحدة وتركيا في البحر الأسود، بسبب رفض تركيا للوجود الأمريكي المسلح فيه، خوفاً من تداعيات الصراع بين واشنطن وروسيا.

فيما أكد الأستاذ حلمي موسى أن هناك مشاعر عالية على الصعيد الشعبي والرسمي التركي، ولكن سياسياً فإن تركيا لن تخرج عن سقف الشرعية الدولية والمبادرة العربية. وفي نهاية حلقة النقاش شدد الدكتور محمد نور الدين مرة أخرى على أن الأولوية لدى تركيا هي تحصين الداخل باتجاه علمانية حقيقية وديمقراطية كاملة، ومهما تعاظم الدعم الشعبي لحزب العدالة والتنمية، ومهما تعاظم التعاطف مع القضية الفلسطينية، فإن ذلك لن يدفع حزب العدالة والتنمية إلى خيارات أكثر تقدماً في الخارج.


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 3/4/2010