مدة القراءة: 12 دقائق

إعداد: أمل دويكات – (خاص مركز الزيتونة).

هذا التقرير يعالج مسألة من أكثر المسائل حساسية في الواقع الفلسطيني، وهي قضية استطلاعات الرأي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي القضية التي أثارت، وما تزال، الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والثقافية الفلسطينية. ونطرح هنا تساؤلات عدة، أهمها: ما هو سبب الاختلاف بين نتائج استطلاعات الرأي في فلسطين والتقارير الغربية فيما يتعلق بالثقل السياسي للفصائل الفلسطينية، وبخاصة فتح وحماس؟ ما هو سبب الاختلاف بين نتائج استطلاعات الرأي ونتائج الانتخابات التشريعية التي حدثت عام 2006؟ ما هي درجة الارتباط بين مراكز استطلاع الرأي في فلسطين ومراكز صنع القرار من جهة، والجهات الممولة من جهة أخرى؟

وقبل البدء في مناقشة هذه المحاور، لا بد من الإشارة إلى أن الباعث الرئيس لإجراء هذا التقرير هو ما شاهده الباحث عياناً من قيام بعض الأشخاص بملء مئات النسخ من استبانات استطلاع الرأي لصالح أحد مراكز الاستطلاعات الفلسطينية مقابل مبلغ مالي، على أن يتم تحقيق نتائج معينة في نهاية المطاف، وذلك خلال النصف الثاني من العام 2009. ويؤكد الباحث بأن ما شاهده هو أمر مذهل بكل المقاييس، ويمثل طعنة نجلاء لنزاهة البحث العلمي وعمليات استطلاعات الرأي. ويرى أنه لا بد من البحث عن معالجة لمثل هذه الحادثة التي لا يمكن توفير ضمانة بأن لا تتكرر.

إن الباحث لم يتطرق لهذه الحادثة في تقريره هذا، ولذا، فإنه يتحفظ على نشر أسماء الأطراف ذات العلاقة بالحادثة المذكورة، بما فيها المركز الذي أجريت لصالحه عملية ملء الاستبانات؛ بغية عدم الخوض في قضايا قد يعدها البعض تشهيراً أو إساءة، مع استعداد الباحث لتحمل المسؤولية الكاملة عن مضمون هذا التقرير.

ولأن لاستطلاعات الرأي دورها الحساس في التأثير والتأثر بالرأي العام، كان لزاماً العمل على معالجة هذا الأمر بشكل أقرب ما يكون للأمانة العلمية، وتضمينه الآراء المختلفة المتعلقة بمصداقية استطلاعات الرأي في فلسطين، والسعي لتسليط الضوء على الموضوع من جوانبه المختلفة.

بين استطلاعات الرأي الفلسطينية والتقديرات الإسرائيلية والغربية
تمثل عمليات استطلاع الرأي في فلسطين مظهراً مهماً لرصد اتجاهات الرأي العام، حيث تقوم بها مراكز عدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، تكثف عملها بعد إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 1993. وتولي مراكز صنع القرار في فلسطين وفي الدول التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية بالسلطة الفلسطينية اهتماما كبيرا بنتائج هذه الاستطلاعات، وتعول عليها في رسم سياساتها، وتبني عليها خططها ومشاريعها في دعم السلطة والاستثمار في الأراضي الفلسطينية.

إن ما يسترعي النظر للمراقب على الساحة الفلسطينية هو ما تظهره نتائج الغالبية العظمى (إن لم يكن جميع) استطلاعات الرأي العام الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة من تراجع ملحوظ لشعبية حركة حماس، مقابل تقدم ساحق لحركة فتح في الآونة الأخيرة، وليس آخرها الاستطلاع الذي أجراه مركز الشرق الأدنى للاستشارات (نير إيست كونسلتنغ Near East Consulting) في السادس من كانون الثاني/ يناير 2010، وأبرزت نتائجه أن 45% سيدلون بأصواتهم لمرشح حركة “فتح” في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مقابل 9% لمرشح حركة “حماس”، و8% للمرشحين الآخرين، في حين سيمتنع 38% عن المشاركة أو التصويت في هذه الانتخابات، وكان هامش الخطأ في الاستطلاع (+- 3.4 بالمئة) مقابل معدل ثقة 95%.

وكذلك الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني لاستطلاعات الرأي، ونشرت نتائجه في الأول من شباط/ فبراير 2010  على عينة مكونة من 1450 مبحوثاً في قطاع غزة، والذي جاء فيه أن 57.6% من الجمهور الفلسطيني يؤيدون بقاء الرئيس أبو مازن رئيسا للسلطة الفلسطينية حتى إجراء انتخابات رئاسية قادمة، كذلك أيد 53.6% منهم بقاء محمود عباس رئيسا للسلطة الفلسطينية بعد 24/1/2010، في حين أيد 21.4% فقط تسليمها لعزيز الدويك، رئيس المجلس التشريعي، لحين  إجراء انتخابات رئاسية جديدة.

كما أظهرت نتائج الاستطلاع أن المرشح المفضل لرئاسة السلطة الفلسطينية في الانتخابات الرئاسية المقبلة هو محمود عباس، حيث حصل على نسبة 27.0%، يليه مروان البرغوثي 15.3%، و يأتي في المرتبة الثالثة إسماعيل هنية  9.8%.

وجوابا عن سؤال “لو أُجريت انتخابات رئاسية جديدة للسلطة الفلسطينية، وترشح محمود عباس عن حركة فتح، وإسماعيل هنية عن حركة حماس، لمن تصوت؟ ” أجاب 45.3% محمود عباس، وأجاب 17.7% إسماعيل هنية، وكان جواب 28.5% لن أشارك في الانتخابات، و 8.5% أجابوا “لا أعرف “.

إلا أن هناك تقارير تظهر بين الحين والآخر في وسائل الإعلام الغربية، وكذلك الإسرائيلية، تشير إلى نقيض ذلك في الوقت نفسه، ولا سيّما تلك التي تحتل جزءاً لا يستهان به من صفحات الرأي في تلك الصحف بأقلام كتّاب ومحللين كبار، ومن بينها صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية التي انفردت بتقرير خاص حول الانتخابات الطلابية في جامعة بير زيت، مشيرة على لسان مراسلها أن شعبية حركة حماس تزايدت بشكل واضح بين صفوف الطلبة، في إشارة إلى تقدم شعبية حماس على المستوى الشعبي في فلسطين. كذلك أشارت الصنداي تايمز في تقرير لها إلى أن “شعبية عباس، قائد حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، تراجعت بعد تأجيله التصويت على تقرير غولدستون الذي يدين إسرائيل بجرائم حرب في غزة”.

ويقر خبراء إسرائيليون أن “ازدياد قوة حماس من شأنه دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى عدم تقديم أي تنازل في إطار عملية السلام”. ومنهم المحلل الإسرائيلي ماتي ستينبيرغ الذي يشير إلى احتمال سيطرة حركة حماس على الضفة الغربية إذا لم يتم تحقيق تقدم في عملية  السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وفي حين تختلف مراكز استطلاعات الرأي الفلسطينية من حيث الأطر التي تعمل ضمنها وتوجهاتها الفكرية والسياسية، وكذلك من حيث درجة الاستقلالية، وآليات الاستطلاع وطبيعتها، ودرجة الدقة في النتائج، ينحو الجانبان الإسرائيلي والغربي منحى آخر بتقديراتهم على الأرض مستندان في الغالب على تقديرات استخبارية، أو تحليلات صحفية.

تقلب الرأي العام
ومن الملاحظ لمتتبع الأحداث على الساحة الفلسطينية الداخلية في الأعوام القليلة الماضية تذبذباً واضحاً في ارتفاع وهبوط شعبية حركة حماس مقابل حركة فتح تبعاً لمجريات الأوضاع في الفترات التي تنشر فيها نتائج استطلاعات الرأي. وعلى سبيل المثال أشارت استطلاعات عدة في منتصف العام 2008 إلى انخفاض شعبية حماس، ومنها الاستطلاع الذي أجراه مركز الشرق الأدنى للاستشارات  Near east consulting في أيار/ مايو 2008 وأبرز أن 40% من العينة المبحوثة يثقون بحركة فتح، مقابل 16% يمنحون ثقتهم لحماس، في حين أظهر استطلاع مركز استطلاعات الرأي والدراسات المسحية التابع لجامعة النجاح الوطنية الذي أشار أيضاً أنه في حال أجريت انتخابات جديدة فإن 36.7 % سيمنحون أصواتهم لحركة فتح و18.6%لحركة حماس.

بينما تشير استطلاعات الرأي مع مطلع العام 2009 (الفترة التي أعقبت الحرب على غزة)  إلى تغير ملحوظ في توجه الرأي العام الفلسطيني سياسياً، ومنها استطلاع المركز الفلسطيني للدراسات السياسية والمسحية في آذار من عام 2009 وجاء فيه أن  شعبية حركة حماس ترتفع من 28% قبل ثلاثة أشهر من تاريخ الاستطلاع إلى 33%، وشعبية حركة فتح تهبط من 42% إلى 40% خلال الفترة نفسها، وأنه  لو جرت انتخابات رئاسية في تلك الفترة وكان المرشحان هما إسماعيل هنية ومحمود عباس يحصل الأول على 47% والثاني على 45%.  وكذلك استطلاع مركز أبحاث المستقبل  الذي يشير إلى ارتفاع شعبية حماس بعد الحرب على غزة إذ حصلت على 38.7% من تأييد الشارع، بارتفاع حوالي خمس نقاط عن آخر استطلاع أجراه المركز في فترة ما قبل الحرب، وأن حركة “فتح” جاءت في المرتبة التالية بحصولها على 25.2%.

وبهذا يتضح أن استطلاعات الرأي الفلسطينية في ظل الوضع الراهن، ظاهرة تسترعي الانتباه والمتابعة كونها تمثل العامل الأهم في التعبير عن اتجاهات الرأي العام على أرض الواقع، واضعين نصب أعيننا البحث في أسباب التباين الواضح في الأرقام والنسب والمؤشرات السابقة. ولا شك أن عوامل متعددة تؤثر بشكل عميق على توجهات الرأي العام، مع الأخذ في الحسبان حالة الاستقطاب غير المسبوقة في الساحة الفلسطينية بين فتح وحماس، فضلا عن التيارات السياسية الأخرى.

آليات الاستطلاعوبما أن النتائج ترتبط بالمقدّمات
والأسباب، وتتعلق بكيفية إجراء الاستطلاع، فإنه من البديهي أن يكون لكل مركز آليته وأدواته التي يقوم من خلالها بإجراء الاستطلاع واستخلاص النتائج. فهناك من يلجأ إلى أسلوب ما يسمى “إعادة الوزن”، كما يذكر د. خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث والسياسية والمسحية، والذي يقوم على “إجراء استطلاع أوليّ، وليكن حول الأحزاب والكتل المشاركة في العملية الانتخابية، بحيث تُقارَن نتائج الاستطلاع الأولي مع النتائج الحقيقية للانتخابات السابقة.

فإذا حصلت الكتلة (أ) مثلاً على نسبة 40% من الأصوات في الانتخابات السابقة وعند إجراء الاستطلاع الأولي تبين أن 30% من المستطلعة آراؤهم سيصوتون للكتلة نفسها حال إجراء الانتخابات المقبلة، عندها يعاد توزين النسبة الأخيرة ورفعها إلى 40%، أي إلى النتيجة الأصلية… وإذا حصلت الكتلة (ب) في مقابل ذلك في الانتخابات على نسبة 10% من الأصوات، بينما أشار الاستطلاع الأولي أن 20% من المبحوثين سيصوتون لها في الانتخابات المقبلة، تخفض نسبة 20% إلى 10% وذلك باستخدام عملية إحصائية متعارف عليها… وهكذا”.

ويضيف الشقاقي أن عملية إعادة الوزن هذه تقلل من نسبة الخطأ، منوهاً إلى أن كثير من مراكز الاستطلاع لا تتبنى خطوة إعادة الوزن التي يرى أنها من أفضل الطرق لتقليص الفجوة الكبيرة بين نتائج استطلاعات الرأي وما تتمخض عنه الانتخابات اللاحقة، مستشهداً على ذلك بعملية الاستطلاع التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية قبيل انتخابات عام 2006، إذ أشار الاستطلاع إلى أن حركة فتح حصلت على 51% من الأصوات المستطلعة بينما حركة حماس حصلت على 22%، إلا أنه وبعد إجراء إعادة الوزن تقلص الفارق بحيث أصبح 43% لحركة فتح مقابل 27% لحركة حماس (النسب تقريبية)، بمعنى أن الفارق انخفض من 29نقطة وصولاً إلى 16 نقطة بين الحركتين باتباع هذه الخطوة، وهو أمر بلا شك يحد من نسبة الخطأ عملياً، وجدير بالذكر أن إعادة الوزن تُجرى قبل إجراء الانتخابات اللاحقة أو المرتقبة.

إلا أن الشقاقي يستدرك بالقول أنه ليس من السهل التنبؤ بنتائج أي انتخابات، وهو ما حدث فعلاً في عام 2006، وأن الآليات المستخدمة، حتى لو كانت الأفضل عالمياً، لا بد وأن تتضمن نسبة خطأ، وأن تحدث المفاجآت التي تلغي كافة التوقعات، “فما بالنا حين تكون الآلية ضعيفة وتأتي بنتائج غير دقيقة”، وهي بلا شك إحدى العوامل التي تزيد نسبة الخطأ. أضف إلى ذلك طبيعة السؤال الموجه للمبحوثين أو المستطلعين، ومثالاً عليه، كما يضيف الشقاقي، فإن سؤال المستطلَع عن رأيه في قضية ما، ولتكن عملية السلام أو المصالحة الوطنية، يختلف عن سؤاله فيما إذا كان سيصوت لهذا الحزب أو ذاك، لأن السؤال الأول متعلق بالرأي، وعادة ما يتسم الرأي بالثبات إلا أن السؤال الثاني متعلق بالسلوك، والأخير لا يتسم بالثبات بل بالديناميكية والتغير وفقاً لظروف وعوامل ذاتية خاصة بالفرد نفسه، أو موضوعية تشمل الأحوال والتغيرات الخارجية المحيطة وتجدد الأحداث.

ويذكر مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن القاعدة البيانية، ومنها النتائج التي تحصل عليها الأحزاب والكتل المتنافسة في الانتخابات، مهمة وضرورية لمراكز الاستطلاع كي تستطيع البناء عليها والتنبؤ للمرحلة اللاحقة، مضيفاً أن المشكلة التي صادفت مركزه كما كان حال المراكز الأخرى عدم وجود قاعدة بيانية خاصة بحركة حماس قبيل انتخابات عام 2006، كونها لم تشارك في الانتخابات التشريعية الأولى التي أجريت عام 1996، إلا أن القاعدة البيانية لا تكفي من وجهة نظره إذ يجب العودة إلى إعادة الوزن في كل مرّة.

ومن جهته يذكر مدير المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي، د. نبيل كوكالي، أن اختيار عينة البحث ليس أمراً هيناً، بل يمر في عدة مراحل، أولها تقسيم البقعة الجغرافية المبحوثة ( الضفة الغربية وقطاع غزة) إلى حوالي الألف منطقة، ومن ثم تتم عملية اختيار المناطق عشوائياً عن طريق برامج محوسبة، بحيث يطلق على المنطقة الواحدة طبقة، ويعقب ذلك عملية اختيار الوحدات السكنية (المنازل) باستخدام العينة المنتظمة، وداخل الوحدة السكنية الواحدة يتم اختيار المبحوثين من خلال طريقة إحصائية متعارف عليها علمياً.

الفئة الصامتة.. فئة الحسم!
من خلال الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بإدارة د. خليل الشقاقي في الفترة ما بين 17- 19 كانون الثاني/ يناير 2006، تبين أنه، وعلى مستوى قوائم الوطن (نظام التمثيل النسبي)، هناك 42% سيصوتون لقائمة حركة فتح، و 35% سيصوتون لقائمة حركة حماس (قائمة التغيير والإصلاح)، و13% سيصوتون للكتل الأخرى، وهناك 7% لم يقرروا بعد. في حين كانت النتائج الرسمية وفق لجنة الانتخابات المركزية كالتالي: 42% لقائمة حركة فتح، و44% لقائمة حركة حماس (قائمة الإصلاح والتغيير)، و14% تقريباً موزعة على القوائم الأخرى.

واللافت في الأمر أن نسبة الذين لم يقرروا بعد، والتي عادة ما ترد في نتائج بحوث واستطلاعات الرأي، لم تأت في الحسبان، أي أن 7% قد تحسم النتيجة. وهو ما يؤكده د. حسين أحمد مدير مركز استطلاعات الرأي والدراسات المسحية التابع لجامعة النجاح الوطنية، مؤكداً أن كثيرين يخطئون قراءة نتائج استطلاعات الرأي بصورتها الكاملة، وأن القارئ لا ينظر بإمعان إلى نسبة الذين لم يقرروا بعد، حيث تلعب هذه النسبة دوراً مهماً في حسم النتيجة غالباً لصالح فريق دون آخر.

ويردف د. أحمد أن اختيار العينة هو الأساس الذي تقوم عليه بقية الخطوات، فإن كان هذا الاختيار دقيقاً ويتبع أسلوباً علمياً ممنهجاً، فإن النتائج غالباً ما تتقارب مع الواقع. ويؤكد أن الطواقم العاملة في مجال المسوح الميدانية واستطلاعات الرأي يجب أن تكون مؤهلة علمياً ومدرّبة لتلافي الأخطاء، منوهاً إلى أن نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز استطلاعات الرأي والدراسات المسحية التابع لجامعة النجاح الوطنية كانت الأقرب إلى النتائج الرسمية في انتخابات عام 2006 حيث حصلت قائمة حركة فتح على 42.8% من أصوات المبحوثين وقائمة الإصلاح والتغيير التابعة لحماس 34.2% من تلك العينة، وأنها لم تتعد نسبة الخطأ المسموح به إذ بلغت نسبة الخطأ (+- 2%) يذكر أن هامش الخطأ المسموح به وفق ما ذكر د. أحمد (+-5%).

وعن الفارق الكبير بين نتائج الحركتين (فتح وحماس) في استطلاعات الرأي مؤخراً، يؤكد د.نبيل كوكالي أن الأمانة هنا أمر متعلق بالمبحوث نفسه وليس الباحث، “فإذا لم يصدق المبحوث مع نفسه فأنى لنا بنتائج صادقة ومعبرة عن الواقع؟ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن هامش الخطأ أمر يسترعي الانتباه إذا كانت نتائج الاستطلاع متقاربة، فمثلاً” – والحديث لكوكالي- “إذا حصل الفريق الأول على نسبة 48% والثاني على نسبة 46%، وكان هامش الخطأ (+-3%) فهذا يعني أن الأول قد يحصل على 51% (بزيادة ثلاثة) وقد يحصل على 45% (بنقصان ثلاثة)، وهكذا بالنسبة للثاني الذي قد يحصل على نسبة 49% أو نسبة 43% وبالتالي تتعرض النتيجة هنا لعدة احتمالات وفق هامش الخطأ المذكور”.

يذكر أن المركز الفلسطيني لاستطلاعات الرأي يجري سنوياً من 10- 12 استطلاعاً للرأي، أي بمعدل استطلاع واحد شهرياً.

الإعلام: تهويل أو تهوين
ومن جانبه يعزو نادر سعيد، مدير مركز أوراد لاستطلاعات الرأي، تلك الضجة التي تحدثها بعض نتائج استطلاعات الرأي إلى تسليط الإعلام الضوء عليها. ويرى سعيد أن وسائل الإعلام المحلية تحديداً لا تزال “غير ناضجة” في التعامل مع عملية استطلاع الرأي العام برمتها، كونها تجربة جديدة بالنسبة للشعب الفلسطيني من ناحية، وكون ممارسة التجربة الانتخابية أيضاً حديثة عهد في فلسطين، من ناحية ثانية.

ويفسر سعيد “عدم النضج” بقوله أن الكيفية التي يطرح بها الإعلام المحلي نتائج الاستطلاع يعتريها شيء من التهويل واستباق الأحداث لا مبرر له، وذلك لصالح فئة معينة، أو تهوين مبالغ به ضد فئة أخرى.

ويتابع مدير مركز أوراد أن القائمين على وسائل إعلامنا غالباً ما لا يدركون مفردات نتائج الاستطلاع كافة، وبالتالي يهملون هامش الخطأ المأخوذ بالاعتبار دائماً، كذلك هناك الفئة الصامتة، وهي التي يمكن أن تلعب دورا في تغيير النتيجة عند الانتخابات. ويضيف سعيد أن قلة الوعي تصل حد الإشكال في قراءة الفروق بين النسب. فنسبة 45% لهذا الحزب مثلاً مقابل 40% لحزب آخر، ليست فارقاً هائلاً أو مؤشراً كافياً للحسم. كذلك فإن تغير الظروف يسهم في تغيير النتائج من حيث ندري أو لا ندري، وهذا ما يجعل وسائل الإعلام تقع في فخ “الانتقائية” ،سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة.

ويدلّل سعيد على صحة كلامه بأن مراكز الاستطلاع تجري بحوثا واستطلاعات سياسية وغير سياسية بشكل دوري مستمر، فلماذا تختار وسائل الإعلام استطلاعاً معيناً وتظهره بشكل لافت وصاخب، وكأن المقصود توجيه الرأي العام وجهة معينة في مرحلة وتوقيت محددين؟

وفيما يتعلق بالفجوة بين نتائج استطلاعات الرأي والنتائج الرسمية للانتخابات وتحديداً عام 2006، يستنكر سعيد ما أسماه “جلد الذات” بقوله أن الخطأ في التقدير شيء وارد في كل استطلاعات الرأي عربياً وعالمياً، فلماذا لا نغفر لأنفسنا ونعيد تصحيح ما أخفقنا به؟ فتجربتنا لا تزال جديدة، موضحاً أن نظام الدوائر الانتخابية (وهو جزء من النظام الانتخابي المختلط المعمول به في انتخابات 2006 ويشمل بالإضافة إلى الدوائر نظام التمثيل النسبي)  يصعّب المهمة في تحديد أو محاولة تحديد المتقدمين في الاستطلاع، على العكس من نظام التمثيل النسبي الذي يمكن التنبؤ به.

ويعقب د. نبيل كوكالي أن انتخابات عام 2006 بأنها لم تمثل مقياسا أو مؤشرا حقيقيا للواقع. فالداخل الفتحاوي كان يعاني مشكلات أدت بكثيرين إلى أن ينتخبوا حركة حماس رداً على واقع فتح ذاتها، متسائلاً: أيهما أفضل: مراكز استطلاع أم عدمها؟ ويتابع “فما مصلحتي كمركز استطلاع أن أقوم بهذا الجهد البحثي الهائل لأضلل الناس وأنشر نتائج وفق أهوائي”؟  

أما د. حسين أحمد فيلقي باللائمة، ليس فقط على الإعلام، وإنما على تلك المراكز التي تسقط جزءاً أو أجزاء من نتائج الاستطلاع نفسه، بحيث تنتقي وتبرز البعض الآخر للإعلام وفقاً لرؤية وسياسة الجهة الداعمة أو الممولة.

وهذا الرأي يتوافق معه د. عبد الستار قاسم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس، مضيفاً أن التمويل لطالما كان “غير محايد”، منطلقاً من أن العنصر الرئيس لأي استطلاع رأي هو توافر المعرفة، وكذلك الحرية. فالمعرفة، في رأي د. قاسم، هي وعي الجمهور بالقضايا والأشخاص المطروحين، ونقص وعي الجمهور مشكلة بحد ذاتها في الوقت الراهن، والحرية أساسية، لكنها وللأسف، غائبة في الواقع الفلسطيني.

ولا يستبعد قاسم تدخل المستوى السياسي في عمل مراكز الأبحاث والاستطلاعات، منوهاً إلى أن القائمين عليها غالباً ما يتوافقون مع الخط السياسي القائم.

وبدوره يتساءل د. فريد أبوضهير، أستاذ الصحافة في جامعة النجاح الوطنية، عن إمكانية ارتباط نتائج استطلاعات الرأي بالأهداف السياسية للفصائل، أو القوى ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية، مضيفاً أن انسجام نتائج استطلاعات الرأي مع توجهات أطراف معينة لا يخدم أي قضية، بل على العكس من ذلك. ويفسر ذلك قائلا أن رغبة بعض الأطرف بتقدم فصيل معين في استطلاعات الرأي، والافتراض بأن بعض المراكز تفبرك نتائج الاستطلاعات لإرضاء تلك الأطراف، هو عمل مضلل لها، ولا يساعدها على تقدير الأمور بشكل دقيق.

ويشير د. أبوضهير إلى أن عملية “الفبركة” إن صحت، فإنها لا تخدم إلى أمرا واحدا، هو تضليل الجمهور على الصعيد الإعلامي، وحشده لمناصرة طرف ضد طرف آخر. وهو أمر، كما يقول، أيضا لا يعقل، لأن القوى السياسية الفلسطينية تسعى لمعرفة وزنها الحقيقي على الساحة بشكل شفاف، ودون تزوير.

ويوضح د. أبوضهير أن التفسير الوحيد لاختلاف نتائج استطلاعات الرأي عن نتائج الانتخابات، وصعوبة الاقتناع بالفروق التي تشير لها الاستطلاعات بين شعبية حماس وفتح، تتعلق بشكل أساس بآليات إجراء الاستطلاع من جهة، وبتحليل الأرقام والنتائج من جهة أخرى.

المرآة الإسرائيلية
ولمّا كانت المراكز الفلسطينية متنوعة في طرق عملها ونتائج أبحاثها، وأوقات استطلاعاتها، وظروفها، الأمر الذي يؤثر في دقة مخرجاتها، فإن للطرف الإسرائيلي بعداً أو أبعاداً أخرى يرى من منظورها الوضع الراهن في الداخل الفلسطيني وتوجهات الرأي العام هناك.

ويكشف الصحفي الإسرائيلي روني شاكيد الجزء المتبقي من رواية الإعلام الإسرائيلي حول تقدم حركة حماس وارتفاع شعبيتها في الشارع الفلسطيني، ويقول إن الصحافة الإسرائيلية فيها عدد كبير من الإعلاميين الذين تخرجوا من المؤسسة الأمنية، بما فيها الجيش الإسرائيلي. لذلك، يضيف شاكيد، فإن منطلقات الآراء في الإعلام الإسرائيلي تنبع من المرآة السياسية التي وصفها بأنها مشكلة الشعب الإسرائيلي وصحافته أيضاً.

وبناء عليه تأتي مثل هذه التقارير متوافقة مع رؤية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وتقديرات روادها الذين يمسكون بناصية صحافة الرأي وغيرها في اسرائيل.

ويؤكد شاكيد أن المثير في التقارير المتعلقة بالشأن السياسي الفلسطيني هو أنها لا تقوم على أساس علمي، وإنما تتناغم مع وجهة النظر السياسية لأصحابها.

ومن هنا يبدي البعض شكوكه حول مثل هذه التقارير المطروحة من قبل الإعلام الإسرائيلي؛ حيث تبدو برأيهم أداة لتأليب الرأي العام الإسرائيلي الداخلي والعالمي الخارجي، من خلال الحديث عن تزايد خطر التيارات الإسلامية “المتشددة” وعلى رأسها حركة حماس مما يُشكل ذريعة لصناع القرار الإسرائيلي من أجل تبرير المزيد من العدوان على الشعب الفلسطيني في غزة.     

إن الإرباك الذي تخلقه استطلاعات الرأي في فلسطين غير مبرر من الناحية الموضوعية. وبالرغم من أن استطلاعات الرأي تعطي مؤشرات مهمة لتوجهات الرأي العام، إلا أن هناك تفاصيل بين السطور يصعب على الكثيرين قراءتها وإدراك كنهها. ولكن صناع القرار بالتأكيد لهم رأي في نتائج هذه الاستطلاعات.

ويمكن، بناء على ما سبق، أن نجمل عددا من الأمور التي تسلط الضوء على ما تحتويه المساحات الواقعة بين السطور والكلمات، وفق ما أبداه القائمون على الاستطلاعات، والخبراء في هذا المجال، كما يلي:

1- إن حداثة استطلاعات الرأي في فلسطين، وحداثة التجربة “الديمقراطية”، وعدم وجود تجربة سابقة لمشاركة حماس في الانتخابات التشريعية في فلسطين، كل ذلك من شأنه أن يغفر لأي خطأ، أو عدم دقة في نتائج الاستطلاعات.

2- إن استطلاعات الرأي أمر، والانتخابات أمر آخر. وليس بالضرورة تطابق استطلاعات الرأي مع نتائج الانتخابات، وإن كانت الأولى تعد مؤشرا لا بديل له، ولا يمكن الاستغناء عنه، للتكهن بنتائج الانتخابات.

3- إن وجود نسبة من المستطلعة آراؤهم تمتنع عن الإدلاء برأيها، أو تفضل الصمت خلال فترة الاستطلاع، يمكن أن يكون لها دور في تغيير النتيجة عند صندوق الاقتراع.

4- إن هامش الخطأ أمر لا بد من أخذه في الاعتبار عند قراءة نتائج الاستطلاعات.

5- تعد عملية إجراء الاستطلاعات في أجواء لا تتسم بالحرية في كثير من الأحيان، وكذلك علاقة مراكز استطلاع الرأي بالممولين من جهة ثانية، هي من الأمور التي يرى البعض أنها تؤثر في نزاهة النتائج.

6- تعد التقارير الإسرائيلية التي تركز على تعاظم قوة حركة حماس، وسيلة سياسية مهمة للضغط على الرأي العام الإسرائيلي وعلى حلفاء إسرائيل في دعم السياسة الإسرائيلية المناهضة لحركات المقاومة الإسلامية من جهة، وفي استخدامها كذرائع لعدم تقديم أية تنازلات للسلطة. 

وبناء على ما كل ذلك، فإن فلسطين، والتي حملت في رحمها مفاجآت كثيرة خلال العقود الماضية، تحمل أيضا مفاجآت في مجال استطلاعات الرأي، وهو ما ثبت في تجارب الانتخابات السابقة، وأبرزها انتخابات المجلس التشريعي. وتبقى استطلاعات الرأي رهن بالتطورات السياسية، وبالظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وبالضغوط التي تمارس على الجمهور، وغير ذلك من العوامل.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2010/2/10