مدة القراءة: 13 دقائق

المقدمة:
كان لقضية تحول مصعب يوسف، نجل القيادي في حركة حماس في الضفة الغربية حسن يوسف، من الإسلام إلى المسيحية وإعلانه ذلك من الولايات المتحدة الأمريكية حيث لجأ، وقعاً تأرجح بين الحقيقة والإشاعة، فضلاً عن أن الخبر شكل نوعاً من الصدمة لما لوالد هذا الشاب من طول باع في نشاط الحركة الإسلامية ودوره في الانتفاضة وعلاقاته مع الفصائل الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن هذه القضية في إطارها العام حادثة ليست كارثية كما حاول أن يصورها البعض، إلا أنها لا بد أن تدق ناقوس الخطر للانتباه لنوع جديد من الحرب اليمينية المتطرفة التي تتشابك من خلالها أيديولوجية التحطيم المعنوي التي يسعى إليها الاحتلال الإسرائيلي في صفوف مشروع المقاومة، وغاية التغلغل التنصيري التي يسعى لها غلاة الدين المسيحي في صفوف المسلمين من خلال اختيار شخصيات لها وقع إعلامي حين الحدث، لارتباطهم بشخصية لها ثقلها كما هو الحال في قضية مصعب.

كيف بدأت القضية:
لقد عبّر آفي يسخاروف مراسل صحيفة هآرتس في 31/7/2008 عن ذهوله حين شاهد مصعب حسن يوسف وهو إبن أحد قادة حماس في الضفة الغربية يهمس مع صديق رافقه إلى المطعم، حيث كان لقائهما، قَبْلَ أَنْ يبْدأُ عشائَهما، ويرتلون صلاة الشكر لله وللسيد المسيح لرزقهم بهذا الطعام. وكان مبعث الدهشة أن هذا الشاب هو ابن النائب عن حركة حماس في المجلس التشريعي والأكثر شهرة بين قيادات الحركة، كما أن مصعب كان مساعداً لوالده ولسنوات خلال قيامه بنشاطه السياسي. وعند بداية الحديث مع مصعب، يشير موضحاً أنه قد حول اسمه من مصعب إلى (يوسف). وهو بات يدرك أن أمله بالعودة وزيارة الأراضي المقدسة أصبحت صعبة نتيجة لتحوله هذا. ويشير أيضاً إلى أنه يعرف تماما أن ما قام به يعرض حياته للخطر، ومن الممكن أن يفقد بسببه والده، إلا أنه يعول على تفهم والده لهذا التحول، متمنيا ان يلهم الله والده بالصبر، ويمنح عائلته أيضا الصبر والإرادة للتبصر والهداية إلى طريق المسيح والمسيحية. وهو يأمل أن يأتي يوم يستطيع فيه العودة إلى فلسطين وإلى رام الله مع المسيح في مملكة الرب.
لم يخفي مصعب خلال الحديث مودته لـ”إسرائيل”، مبيناً في المقابل اشمئزازه من كل معطيات البيئة التي ترعرع فيها: المجتمع، الدين، الحركة. كما أنه لم يتوانى عن ارسال تحياته إلى “إسرائيل” التي يفتقدها، مبيناً احترامه وإعجابه بها كبلد.
لقد حذر مصعب اليهود بأن عليهم أن يدركوا أن من غير الممكن الوصول إلى سلام مع حماس، لأن الإسلام كعقيدة تلتزم بها الحركة تمنعهم من ذلك، كما أنهم يعتقدون أن النبي محمد قاتل ضد اليهود، مما يوجب عليهم أن يواصلوا ذلك حتى الرمق الأخير. وحين سؤاله إن كان ذلك دافعا أو مبررا للهجمات الإنتحارية، يجيب أن القضية أعمق من ذلك، حيث أن المجتمع برمته يقدس الموت ويقدس الإنتحاريين، كما أن الخلفية الثقافية الفلسطينية تعتبر أن الإنتحاري الإرهابي شهيداً بطلا، حيث يكثر المشايخ من الحديث على مسامع طلابهم عن بطولات ومكارم الشهيد.
إلا أن مصعب ورغم انتقاده ومقته للمكان الذي غادره، لم تستطيع كاليفورنيا حيث يعيش حاليا، أن تحجب حنينه إلى موطنه. فهو يعبر عن افتقاده لرام الله، والناس ذوي العقول المتفتحة، كما انه يفتقد والدته وإخوته وأخواته، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإنه يؤكد مجددا انه بات يدرك أن عودته إلى رام الله قريبا أصبحت صعبة للغاية.

وذكر موقع الهيئة القبطية الأمريكية ، نقلا عن محرر صحيفة هارتس: أن مصعب وهو الآن في الثلاثين من عمره، يقول أن طفولته كانت كطفولة أي شخص في عائلة متدينة للغاية، ويقول أنه اعتقل في سن الثامنة عشر لمقاومته الاحتلال، ويصف أباه بأنه رجل محب مستعد أن يفعل أي شيء من اجل أطفاله، مبيناً أن والده اعتنى به وبإخوته، وأنه كان يجلب لهم الهدايا دائماً. ويقول مصعب انه عرف حماس من خلال أبيه المتواضع لذلك أحبها ولكنه في شهور سجنه في سجن مجدو، عرف المنظمة على حقيقتها كما يقول، قادة يتسلمون أفضل الطعام وزيارات مطولة وأفضل المعاملة ويصفهم بعديمي الأخلاق والكرامة ولكنهم ليسوا بغباء أعضاء حركة فتح الذين يسرقون في وضح النهار. ويوضح أن أعضاء حماس يتسلمون الأموال بطريقة غير شريفة ويستثمرونها في أماكن سرية ويعيشون حياة بسيطة أمام العامة، فلا أحد يعرف كيف يعملون مثلي. ويضيف مصعب – جوزيف: إنه لم يخبر أهله عن تحوله للمسيحية وأنه أحاط تحوله بالسرية حتى وقت هذه المقابلة فإن أباه لا يعرف شيئاً، ويخاطب المراسل قائلاً سترى… هذه المقابلة ستفتح عيون كثيرين، “أنا لا أبالغ” وسوف تهز الإسلام في الأعماق. اما حول تعرفه على المسيحية فيقول أن الأمر بدأ قبل ثماني سنوات، عندما كان في القدس حيث تسلم دعوة ليسمع عن المسيحية، فذهب مدفوعاً بالفضول، ويضيف: كنت متحمساً حول ما سمعته وبدأت أقرأ الإنجيل كل يوم وتابعت الدروس الدينية، كل هذا بالسر. كنت أسافر إلى التلال المحيطة برام الله، وأجلس بمكان له إطلالة رائعة وأقرأ بالكتاب المقدس. آيات مثل “أحبوا أعدائكم” كان لها أثر كبير علي. ويوضح قائلاً: في ذلك الوقت كنت لا زلت مسلماً، وظننت أنني سأبقى كذلك. و لكنني كنت يومياً أرى أموراً مروعة ترتكب باسم الدين من هؤلاء الذين يظنون أنفسهم “مؤمنين عظماء”، ويضيف درست الإسلام بتمعن أكثر ولم أجد أجوبة.. وأعدت فحص القرآن ومبادئ الإيمان ووجدت كيف أنها مخطئة ومضللة، حيث أن المسلمين استعاروا طقوساً وعادات من كل الاديان المحيطة.

ويضيف قائلاً: المسيحية ليست دين بل إيمان وانا الآن أرى الله من خلال المسيح وأستطيع أن أخبر عنه لأيام، بينما المسلمون لا يستطيعون قول أي شيء عن الله، أنا أعتبر الإسلام كذبة كبرى، الناس الذين من المفترض أنهم قدموا الدين أحبوا محمد أكثر من الله، قتلوا أناس أبرياء باسم الإسلام، ضربوا زوجاتهم وليس لديهم أي فكرة ما هو الله، وليس لدي أدنى شك أنهم سيذهبون لجهنم، ولدي رسالة لهم هناك طريق واحد للجنة، وهو الطريق التي ضحى يسوع بنفسه على الصليب من أجلنا جميعاً. ويكمل قائلاً، قبل أربع سنوات قررت أن أتحول ولم يعرف أحد من عائلتي بذلك، فقط المسيحيون الذين قابلتهم وأمضيت معهم وقتي عرفوا بذلك. و قبل أربع سنوات ساعدت والدي ورافقته وهو لم يكن يعرف أنني قد تحولت و كنت دائماً أرفض الإرهاب، و يضيف مصعب تركت ورائي في رام الله ممتلكات كثيرة كي أحقق حلمي، أردت أن أحصل على محيط أهدأ يساعدني على فتح أعين المسلمين حول المسيحية، لانقلهم من الظلمة إلى النور وأخرجهم من سجن الإسلام، أريد أن أصحح أخطائهم ليصبحوا أشخاص أفضل كي يحل السلام في الشرق الأوسط، أنا لا أعطي الإسلام فرصة لينجو أكثر من 25 سنة. ويشير قائلاً سيكرهني الكثيرون بسبب هذه المقابلة و لكنني اخبرهم أنني احبهم، حتى الذين يكرهونني، وأنا ادعوا الناس بمن فيهم الإرهابيين ليفتحوا قلوبهم، وانا الآن أحاول تأسيس منظمة عالمية لتعليم الناشئة المسيحية، وأحب ان أعلمهم الحب والغفران لأنه الطريق الوحيد لأمتين كي يتغلبا على مشكلات الماضي و يعيشا بسلام.

تحول مصعب يوسف إلى المسيحية بين النفي والتأكيد
في 1/8/2008 نشرت صحيفة القدس العربي عن زهير اندراوس مراسلها من الناصرة: أن السيدة أم مصعب، عقيلة الشيخ حسن يوسف، أكدت أنّ مصعب الذي نشأ في بيت مسلم ووالدته مسلمة ووالده الشيخ حسن يوسف، من غير الممكن أن يقوم بفعل شيء من هذا القبيل. وتابعت قائلة: إن الأخبار الكاذبة التي قامت صحيفة هآرتس بنشرها لا أساس لها من الصحة. مضيفة أن الصهاينة أرادوا الدخول إلينا من باب الدين، بهدف الطعن بديننا، وهذا ما تبقى لهم، لأنّهم وعلى الرغم من محاولاتهم، لم يتمكنوا من الدخول إلي بيت الشيخ حسن يوسف ولا من أي باب، فبقي لهم أن يحاولوا طعننا في ديننا. وتؤكد قائلة: إنّ ابني مسلم والحمد لله رب العالمين، وهو على اتصال دائم معنا، مشيرة إلا أنه اتصل بهم وطلب منهم أن لا يهتموا لكلام الناس، وهذا الخبر كاذب، وأكد أن نفسيته باتت متعبة للغاية بعد سماعه الخبر من هذا القبيل. وأشارت إلى أن الصهاينة يملكون القدرة لدبلجة الأخبار ووضع ونشر الصور، لكن ربنا أعلم بالموضوع، ونحن نأمل أن يثبت ربنا ابننا علي الإسلام ويدحض الأعداء ويبعد شرّهم عنّا. وهنا تجدرالإشارة إلى أن مراسل هارتس آفي يسخاروف أوضح أنه في المرة الأولى التي التقى فيها بمصعب، كانت قبل أربعة أعوام عندما كان والده يستعد لإطلاق سراحه من سجون الاحتلال بعد أن قضى فترة في غياهب السجن بتهمة العضوية في حركة حماس، ولفت إلى أنه فوجئ عندما التقى بالشاب، لأول مرة، حيث كان غريباً كثيراً عن الشباب الفلسطيني من أتباع حركة حماس. فمصعب لم يكن ملتحياً، أو حتى له لحية قصيرة، قصة شعره على الطراز الغربي، بنطال جينز، وسترة من الجلد تشبه السترات التي يرتديها سائقو السيارات في المسابقات. ومن جهة أخرى ذكرت هارتس أن مصعب – جوزيف، يزور الكنيسة في كاليفورنيا حيث يقيم بشكل دائم.

أما صحيفة الشرق الأوسط فقد أوردت في 1/8/2008 أن صهيب حسن يوسف، شقيق مصعب، أكد قائلاً “إن أخي الموجود في الولايات المتحدة أكد لنا بطلان هذه الرواية، وأنه مازال على الإسلام وملتزما بدينه والحمد لله، ولن يتراجع عنه مهما كلفه الأمر”. وذكر أنه أجرى اتصالاً بالصحافي الذي نقل الخبر في صحيفة هآرتس، حيث أنكر لقاءه بمصعب، وأكد أن الخبر نقله عن مصادر أخرى لم يفصح عنها، وهذا خلافا لما جاء بخبر الصحيفة. وقد انتقد صهيب بشدة وسائل الإعلام التي نشرت الخبر، لافتاً إلى أنهم نقلوا الخبر بدون التثبت والرجوع إلى العائلة. وأشار إلى أن عائلته تدرس الرد المناسب على مثل هذه الأخبار الكاذبة والمفبركة.

إلا أن كفاح زبون مراسل الصحيفة في رام الله أورد تقريراً في 17/8/2008 جاء فيه أن الفلسطينيين ربما يحتاجون وقتا أطول، ليصدقوا أن حمساويا سابقا أصبح فجأة، يدين بالمسيحية، ويبشر بدينه الجديد ويهاجم السابق. مبيناً أن قصة اعتناق نجل حسن يوسف، للدين المسيحي، تثير جدلا كبيرا في الضفة الغربية، وتسبب حرجاً أكبر، لعائلة القيادي الحمساوي، ومناصري الحركة. ويكاد لا يصدق الفلسطينيون أن مصعب حسن يوسف الذي ينتمي لعائلة متشددة، وأب يعتبر من قادة حماس الأوائل ومؤسسيها، في الضفة، ارتد عن الإسلام. حيث أن من المعروف أن حركة حماس تبدي اهتماما شديدا في تربية أبنائها وأبناء قادتها وكوادرها منذ الطفولة. وبالعادة تتحول الأسرة التي يقودها حمساوي إلى عائلة تناصر حماس بأكملها. وذكر أن عائلة مصعب تعيش تحت ضغط المجتمع المسلم في رام الله الذي لم يتعود ولا يتقبل ارتداد مسلم عن دينه، فكيف إذا كان ينتمي لعائلة حمساوية. فقد عاد صهيب عن نفيه لهذا الحادث ليقول: “نحن مصدومون أكثر من الجميع”. وتابع قائلاً: نحن نعاني من ضغط المجتمع ونعاني من ضغوط من العائلة أيضا.. فهناك أسئلة متكررة حول لماذا ذلك، والاتصالات أتعبتنا.. لذا نحتسب هذه الضغوط عند الله. ورغم حالة الذهول التي تعيشها العائلة، إلا أن صهيب أكد أنهم لا يريدون التخلى عنه أبدا، مضيفاً بالقول “هو الآن ارتد عن الدين، ونحن لا نريد ان نتخلى عنه، وواجبنا الشرعي ان نقف معه وندعو أن يرده الله إلى الإسلام”.

 وتبذل عائلة يوسف جهودا مضاعفة في إقناع مصعب بالعودة إلى الإسلام، وقال صهيب “أحضرنا له رجال دين من رام الله وجنين لديهم خبرة كافية بالدين المسيحي، وعقدوا معه عبر الانترنت، عدة جلسات كانت تستمر أحيانا 3 ساعات. ويؤكد صهيب قائلاً “سنواصل معه.. علاقتنا به طيبه ونجادله في الدين”. وأضاف “ندعو له ان لا يدخل النار وإن شاء الله يرجع للإسلام”. ويتضح من حديث صهيب أن والده أصيب بصدمة شديدة داخل سجنه، وقد طلب إليهم أن لا يخسروا مصعب ويدعوه إلى الإسلام وان يعود عن فكرته.

يشار إلى أن مصعب غادر إلى الولايات المتحدة قبل عام ونصف، بهدف زيارة شقيقته وعمه، والبحث عن عمل، لكنه ما زال عاطلا. وهو يقول لأشقائه، انه لولا الكنيسة وصديق مسيحي له لأصبح مشردا. ومن جهة أخرى، ينفي صهيب أن يكون شقيقه قد اعتنق المسيحية أثناء وجوده في رام الله. موضحاً أنه “لغاية سفره كان يصلي لكنه كان يعمل على دراسات مقارنه بين الإسلام والمسيحية.. كان عنده إنجيل وقرأه، وسأل داعية إسلامي في رام الله عن بعض الاستفسارات ولم يجبه عن جميع الأسئلة”. ويشير صهيب إلى أن شقيقه غير متعصب، ويريد العودة إلى رام الله ومشتاق للوطن وأهله ناسه. ولم يوجه صهيب إصبع الاتهام لجهة بعينها بأنها ساعدت على تنصير أخيه، وان كان لا يخفي شكوكا بان جهات محددة تعمدت “اصطياد” ابن احد ابرز قيادات حماس. أما حول هجوم صهيب على حركة حماس التي كان ينتمي إليها، فيعقب صهيب بقوله “إن لديه قناعات سياسية وقد اخبرنا بها وما نقله عن حماس في السجن كان صحيحا لكنه ليس مبررا ليتحدث للإعلام حوله”. لافتاً إلى أن هناك فرق بين اعتقاده الديني والسياسي. تجدر الإشارة هنا أن مصعب يحمل شهادة بكالوريوس في الجغرافيا والتاريخ من جامعة القدس المفتوحة في رام الله.

قضية تحول مصعب كما رآها بعض الكتاب والمحللون
كتب خالد حربي في مقال له حول هذا الموضوع نشر على الموقع الإلكتروني طريق الإسلام بتاريخ 20/8/2008 ، أن  أسلوب التغطية الإعلامية لخبر تنصر مصعب، كان انتصاريا متشفيا لأبعد الحدود على قناة فوكس الأمريكية ثم على قناة تنصيرية مصرية فيما بعد. ففي مقابلة (فوكس) أخذ يكيل الاتهامات لحماس، ويحذر من إرهابها. أما في مقابلة القنوات التنصيرية العربية تهجم على الإسلام وعقيدته تماما مثل مذيعي القناة المسمومة. وبدأ مصعب يحكي عن تنصره لكن بطريقة مختلفة عما عهدناه من قبل، فراح يوغل في شرح معاناة أهله في ظل اعتقالات والده المتكررة وفي تجربته القصيرة مع قيادات حماس في السجون اليهودية وهي تجربة تستحق الدراسة، ولم يستطع مصعب أن يحمل تجربة المعتقل أكثر مما تحتمل فاعترف بأنها أخطاء شخصية لا يمكن أن نحملها للدين وهذا حق لا مراء فيه. لكن الخطة الإعلامية المرسومة لتنصيره أجبرته أن يتراجع سريعا عن هذا الإنصاف ليقول بعدها :”أنا أعتبر الإسلام كذبة كبرى، الناس الذين من المفترض أنهم قدموا الدين أحبوا محمد أكثر من الله، قتلوا أناس أبرياء باسم الإسلام، ضربوا زوجاتهم، وليس لديهم أي فكرة ما هو الله، وليس لدي أدنى شك أنهم سيذهبون لجهنم”. لم يتحدث مصعب عن الإيمان المسيحي، ولا عن الدوافع الروحية لتنصره، وعندما تطرق إلى هذا الجزء من السيناريو تخبط. وأشتد تخبطه عندما حاول أن يستدل على إيمانه بالمسيحية، فنجده أكثر توترًا وأشد عصبية وتكلفًا في الحديث، فراح يقص علينا قصة قديمة اعتاد المنصرون أن يضعوها كسيناريو متكرر لكل قصص التنصير الملفقة، ويحدثنا عن دراسة متأنية وعميقة استمرت لسنوات، ويستشهد مصعب بالكتاب المقدس مرتين وفي المرتين كلتيهما يخطأ خطأً شنيعا لا يستقيم مع مثقف عادى، فضلا عن شخص قضى سنوات في دراسته المزعومة. فحين يبرر إيمانه، يستشهد بنص يعلم القاصي والداني أنه محرف بشهادة علماء النصرانية أنفسهم: “عظيم هو سر التقوى، الله ظهر في الجسد”. فالنص الأصلي يقول: “عظيم سر التقوى الذي ظهر في الجسد”. ويستمر مصعب في التخبط فيخطئ خطأً آخر أشد شناعة في المسيحية، وذلك حينما حاول أن يثبت ألوهية المسيح فيقول :”عندما يقول المسيح أنا في الآب والآب فيَّ بمعني أنا والآب واحد، إله واحد، الإله الذي ظهر في الجسد”. وهنا يسقط مصعب في تصور خاطئ يبين أنه تنصر نكاية في حماس التي اعتاد أن يهاجمها قبل تنصره، وتمردا على أوضاعه القهرية تحت الاحتلال، وظروفه القاسية مع أسرته، وتجربته الصعبة في أمريكا. فهذه العقيدة التي تصور مصعب أنها المسيحية التي اهتدى إليها، هي في الحقيقة عقيدة منحرفة تحرمها الكنائس وتكفر قائلها وتسميها هرطقة (سابيليوس)، ذلك القس الذي ولد في نهاية القرن الثاني ومات عام 261م وحرمه البابا (كاليستوس) وأتباعه عام 220م لأنه قال نفس كلام مصعب عن أن وحدانية الأب والابن وحدانية مطلقة، والغريب بعد هذا أن يتهجم جوزيف (مصعب سابقا) على المسلمين متهما إياهم بالجهل وقلة الفقه بدينهم!!!. ثم يردف بأن تحوله إلى النصرانية ناتج عن عملية عقلية وحسابات دقيقة، لكنه ينضم إلى طابور العجزة والمعاقين العاجزين عن شرح التثليث أو فهمه وهو جوهر العقيدة النصرانية، هذا الطابور ممتد على مدار ألفي عام حتى الآن. ويضيف كاتب المقال قائلا: الحقيقة، ومن خلال تجربتي في مجال التنصير، لا أجد في قصة تنصر مصعب جديداً فهي نفس القصة المتكررة منذ عشرات السنين اصطياد للنفس البشرية في أضعف حالاتها ثم رسم حبكة بلهاء لتغطية هذا الضعف وتلك الظروف ثم تأتي الزفة الإعلامية التي لا تجد ما تقوله من الحقائق والبراهين فتلجأ للدجل والخداع وصناعة الأحداث الوهمية. فهذا الـ(جوزيف) (مصعب سابقا) لم يجد وسيلة إعلامية يعلن من خلالها عن تنصره سوى صحيفة هآرتس التي أجرت لقاء مطولا معه نسى فيه قضية فلسطين ونسى بلده وراح يرسل أشواقه وحبه لـ”إسرائيل” ويعتبرها الضحية، ويحذرها من حماس!!
فأي عقيدة تلك التي أنسته آلام أمته وشعبه وسجن والده الذي لا يزال يذكره بالخير ويفرق بينه وبين باقي المسلمين حسب قوله!!، من يعرف (جوزيف) يؤكد أنه سيعود إلى الإسلام بعدما تستقر حالته النفسية والفكرية.
أما الكاتب محمد رياض فقد تساءل من خلال مقال له في 17/8/2008 إن كانت قضية تحول مصعب وهو ليس بالشخص العادي المغمور إلى النصرانية مجرد صدفة. مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية منذ نحو ثمانية أعوام قد قررت شن حرب إعلامية على ما يسمى “بالإسلام المتطرف” وأن مكتباًَ متخصصاًَ بالحرب الدعائية في وزارة الدفاع الأمريكية كان يعمل في مجال الدعاية المضادة  للشيوعية قد أعيد إفتتاحه في العام 2004م بعد أن كان قد أغلق في العام 1999 م بأمر من الرئيس كلينتون في حينها. ومع أن ميزانية هذا المكتب لم تكن معروفة على وجه الدقة إلا أن ما رشح حولها من معلومات تشير إلى أنها كانت تقدر بالمليارات. وقد كان من الأساليب المتبعة في عمل هذا المكتب بالإضافة لبث الدعايات التحريضية ضد الشيوعية تجنيد أو استدراج رموز فكرية أو سياسية أو حتى سينمائية شيوعية “مرتدة”، واستخدامها في بث دعايات مضادة للفكر الشيوعي عن طريق مهاجمة أنظمة الحكم الشيوعية والاشتراكية وإيديولوجياتها. ومن الملاحظ أن هذا المكتب كان يعمل بتنسيق شديد مع البابوية في الفاتيكان والكنائس الأخرى الأنجيليكية حول العالم، حيث أنه وفي أحيان عديدة كانت الكنائس تشكل غطاءاًَ لتحرك عملاء المكتب تحت ذريعة العمل التبشيري الديني، وفي أحيان أخرى شكلت الكنائس أوكاراًَ لتجنيد واصطياد السذج. وبالنسبة لمصعب فالسيناريو هو نفسه الذي كان يستخدم مع الشخصيات الشيوعية: شخصية إسلامية معروفة – لجوء لأمريكا – كفر بالإسلام – مهاجمة فكر الحركة الأم – الإشادة بالنمط الفكري والحياتي الغربي – لجوء سياسي ثم ظهور في وسائل الإعلام. ومصعب يستمد مكانته الرمزية في حركة حماس من موقع أبيه التنظيمي. فهو قد صرح لهاّرتس بأنه بدأ يتعرف على المسيحية حين تلقى دعوى لحضور محاضرة عن المسيحية في القدس!! وهنا تقع علامة السؤال الأولى، لماذا يتلقى شاب من حماس في الثانية والعشرين من عمره دعوة لحضور ندوة عن المسيحية؟. ويفهم من حديث مصعب للجريدة انه وطوال ثماني سنوات قد تمت متابعته وبصورة يومية من قبل مجموعة من المبشرين، وأن هذه المتابعات قد بلغت ذروتها منذ أربع سنوات حين قرر التحول إلى المسيحية. وهنا لابد من القول أن استهداف شاب قليل الدراية والخبرة في مكانة مصعب بما يمثله أبوه من ثقل تنظيمي مهم في حركة إسلامية،  ثم متابعته يومياًَ وبلا كلل لثمان سنوات متواصلة، هو عمل من المستبعد أن يكون قد تم خالصاًَ لوجه الله أو المسيح. ويتابع مصعب لهاّرتس (في تلك الفترة تعلمت عن الإسلام ما لا يعرفه معظم المسلمين!!.. مثل أن النبي محمد كان له خمسين زوجه..!!، الإسلام كذبة كبيرة..!! المسلمون لا يعرفون الله ويقدسون محمداًَ أكثر منه…!! يقتلون الأبرياء باسم الدين… يضربون النساء…). والعجيب في الموضوع أن هذه هي نفس الجمل التي لم تكف المرتده السورية الأصل وفاء سلطان عن ترديدها وعلى نفس قناة فوكس نيوز اليمينية، وحكايتها شبيهة بحكاية مصعب إلى حد ما، والعجيب أنها تقيم في نفس المنطقة التي يقيم فيها مصعب “جنوب كاليفورنيا”!!. كذلك فإنه من المثير للاهتمام أيضا أنه وخلال السنوات الأربع الماضية بالتحديد لمع نجم ثلاثة أشخاص من  أجنحة “فتح” العسكرية (كما يدعون) ممن كانوا قد ارتدوا عن الإسلام ليعتنقوا المسيحية ثم ليعلنوا عن دعمهم المطلق لـ”إسرائيل”، وهم وليد شعباط من بيت لحم، وكمال سليم وزكي عناني من فلسطيني لبنان، وهؤلاء يحظون برعاية الكنيسة الإنجيليكية ذات النفوذ الكبير في أمريكا. والغريب حقاًَ أن جميعهم يتحدثون حول نفس الأمور ويرددون نفس الجمل التي رددها مصعب بلا كلل ولا ملل، (بالإضافة لعبارات التأييد لـ”إسرائيل” طبعاًَ) وكأنهم لا يحفظون غيرها، ولكن لم لا إن كان الشيخ المدرس واحد!!

وبالعودة لمصعب الذي يتابع حديثه لهاّرتس قائلاًَ: (أبقيت أمر تحولي للمسيحية سراًَ عن جميع من هم حولي باستثناء رفاقي المسيحيين الذين علموا بأمري منذ البداية… الذين كنا نتدارس معاًَ…)، فهل يتحدث مصعب عن خلية ما تنشط في الضفة ومركزها في القدس!!!. ثم يتابع مصعب  الحديث عن قراره بالسفر إلى أمريكا بعد أربعة أعوام من تدارس ديانته الجديد في الضفة بصورة سرية وداخل (أسرته المغلقة)، وهنا يثار تساؤل آخر، كيف تمكن مصعب ابن قيادي حماس البارز، وهو الذي سجن شخصياًَ بتهمة الانتماء لحماس لما يقارب السنتين في سجون الاحتلال من الحصول على تأشيرة سفر من القنصلية الأمريكية في القدس؟ حيث أنه من المعروف أن السفارات الأمريكية في العالم تتشدد في منح تأشيرات دخول لأصحاب السوابق الأمنية من الفلسطينيين خاصة أولئك المشتبه بعلاقتهم بحماس، ناهيك عن كون المتقدم بالطلب نجل قائد حماس نفسه، ومسجون سابق بتهمة الانتماء لحماس، فهل كان للمجموعة المشرفة السالفة الذكر والمعنية بمتابعة مصعب دور بتسهيل حصوله على الفيزا من القنصلية؟؟

ويضيف مصعب  لمراسل هاّرتس ( حين قدمت لأمريكا لم يكن لدي أموال ولا عمل ولا سكن، ولولا مساعدة الكنيسة والتي أمنت سكني مع “أخ مسيحي” لكنت الآن متسولاًَ في الشوارع). فهل قرر مصعب الهجرة لأمريكا هكذا اعتباطا وبدون تخطيط مسبق، ولا علم بما ينتظره هناك؟ أم أنه سافر لأنه تلقى وعوداًَ بتأمين دعم مادي حال وصوله، ومن من؟؟ وهل تم التقطير على مصعب في البداية حين وصوله كنوع من قرص الأذن لحفزه أو إبتزازه للإدلاء بتصريحاته هذه وربما بالمزيد منها في المستقبل؟؟ حيث اخبر الأخير مراسل هاّرتس أن وزنه قد نقص بدرجة ملحوظة بعيد وصوله لأمريكا بسبب عدم قدرته على شراء ما يكفيه من الطعام وأنه لم يكن معه أموال وكان مهدداًَ فعلاًَ بالتحول لمتشرد، فهل عانى الرجل الأمرين من نقص في المال والطعام وعدم وجود مأوى منذ وصوله قبل أشهر وحتى قبيل موعد إجراء المقابلة مع هاّرتس (حيث قامت الكنيسة بتأمين سكن له قبل وقت قصير نسبياًَ من الإدلاء بتصريحاته الأخيرة)  لأنه رفض في البداية إصدار تصريحات تهاجم حماس أو الإسلام؟؟؟؟. ثم هل ما تزال الخلية المشرفة ذات النفوذ في القنصلية الأمريكية والتي أوقعت بمصعب تنشط في الضفة؟ ومن هو ضحيتهم المقبل؟؟؟. ولو افترضنا جدلاًَ أن كل ما سبق عبارة عن تكهنات، وان اعتناق مصعب للمسيحية جاء نتيجة لعملية دراسة بريئة علمية ومحايدة وغير مسيسة، فلماذا تركز جل حديثه لهاّرتس وفوكس على مهاجمة عمليات حماس والتهجم على الثقافة الإسلامية وتمجيد “إسرائيل” والتأكيد على حقها في (الدفاع عن النفس)، هل كل هذا مكتوب في الإنجيل؟؟؟
أما أسامة أبو ارشيد فقد كتب في 29/8/2008 أن بعض الأبواق الإعلامية المحسوبة على حركة فتح بدأت تروج لخبر تنصر مصعب وتحتفل به، ووجدت فيه مأتما ضائعا تبحث عنه وترتجيه لتشبع فيه نفسها نحبا، ووجها لطما، وشعرها شدا، وذلك في سياق صراعها المحموم مع حركة حماس. وغاب عن تلك الأبواق الساقطة، أن خبرا كهذا، إن صح، على أساس أنه كان في حينها مجرد “إشاعة”، فإنه يمثل قضية انتقاص من الإسلام، والذي هو دين فتح كما هو دين حماس، لا انتقاصا من حركة حماس فحسب. أقول هذا الكلام، ذلك أن المقابلة التي نشرتها إحدى الصحف الإسرائيلية مع مصعب، والتي كانت إلى حينها مجرد خبر غير مؤكد بعد، حمل هجوما من قبل مصعب على الإسلام، أكثر مما حمل هجوما على حماس، كما أنه هاجم الفلسطينيين ودافع عن “إسرائيل” المحتلة لهم، أكثر مما كان نقده منصبا على الإسلاميين.. والأولى كان أن يكون مثل هذا الكلام مدعاة للوقوف صفا واحدا لرد هذه الإهانات التافهة للإسلام وللشعب الفلسطيني والمنسوبة إلى مصعب حينها، بدل أن تستخدم وتوظف في سياق معارك فصائلية وحزبية هامشية.

خاتمة:
لم تكن قضية تحول مصعب هي الأولى ولن تكون الأخيرة، خصوصا أن في القضية تشابك مصالح على مستوى الدين والسياسة. وإن كانت قضية مصعب حالة حقيقية نابعة عن تأثر هذا الشخص بالظروف التي أحاطت فترة نشأته، وما رافقها من رفد تنصيري صور له أن هناك طريق للخلاص من الظروف التي يعيشها، أم كانت القضية استكمالا لقضية أسر بدأت في السجون الإسرائيلية وانتهت خارج فلسطين حيث مورس على الشاب نوعاً من المسح الدماغي للسيطرة عليه وتوجيهه نحو إضعاف والده القيادي في حركة حماس والنيل من عزيمته. فإن كلا الحالتين تفرض أن لا يترك الشاب في محنته، وأن يتم تدارك الأمر والوقوف على مكمن العلة ومحاولة إنقاذه مما هو فيه لأن القضية ما هي إلا جزء من المعركة بين مفهومي المقاومة والاحتلال.

 

المصدر: قسم الأرشيف والمعلومات
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات 2008/9/10