مدة القراءة: 5 دقائق

 في إطار فعاليات الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009، عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات الخميس 16/7/2009 مؤتمراً علمياً  تحت عنوان “التراث الثقافي لمدينة القدس”، في فندق كراون بلازا في بيروت.

وقد شارك في المؤتمر نخبة متميزة من الأكاديميين والمثقفين والمعنيين بالشأن الثقافي والمقدسي، كان من بينهم النائب الدكتور عماد الحوت، والوزير السابق بشارة مرهج، والأب الدكتور أنطوان ضو، والدكتور عبد الجبار سعيد الأمين العام لهيئة علماء فلسطين في الخارج، والدكتور مهدي عبد الهادي رئيس الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية-القدس (PASSIA)، والأستاذ عبد الله كنعان أمين عام اللجنة الملكية الأردنية لشؤون القدس، والدكتور محمد عيسى صالحية أستاذ التاريخ والحضارة في جامعة اليرموك من الأردن، والدكتور سلامة الهرفي البلوي رئيس قسم التاريخ في جامعة الشارقة.

 وألقى الدكتور محسن صالح مدير عام مركز الزيتونة كلمة الافتتاح، حيث رحّب بالحضور وذكّر بالدور الثقافي والحضاري الريادي للمدينة، وبهدف المؤتمر الذي يسعى إلى تقديم قراءة نقدية علمية موضوعية للجوانب المختلفة لهذا التراث، ومكانته في الصراع ومحاولات الاحتلال المستمرة لالغائه وتزييفه، ثم استشراف مستقبل هذا التراث والاستراتيجيات المختلفة الممكنة لحماية هذا التراث.

   

ثمّ كانت كلمة للدكتور أنيس الصايغ عميد الأكاديميا الفلسطينية، ألقاها نيابة عنه الدكتور حسين أبو النمل.

وكانت كلمة الصايغ ملخصاً لتجربته الشخصية مع القدس، وما تعنيه له المدينة، مذكراً أنه في هذه التجربة لا يختلف عن الكثيرين، فبحسب الصايغ: “تجربتي مع القدس هي تجربة العالم بكل نواحيه والتاريخ بكل أزمانه”. ودعا إلى عدم ترك المدينة وحيدة في صراع، لأنها مدينة أعطت الكثير للعالم أجمع.

الجلسة الأولى

 أدار الجلسة الأولى النائب الدكتور عماد الحوت، عضو المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان، وقدّمت فيها ثلاثة أوراق. قدّم الورقة الأولى الدكتور صالحية، وحملت عنوان “إضاءات حول شخصيات مقدسية ودورها”.

   

وبدأ صالحية بالإشارة إلى أن حديثه يأتي عن جانب مختلف حول القدس، لا جانب الصراع بل جانب القدس المعلم الحضاري والثقافي الذي كان يشعّ على كافة أنحاء العالم؛ جانب كان، كما المدينة، غير محدود بديانة أو عرق أو حضارة بل غنيّ ومنفتح على الثقافات والحضارات الأخرى.

وقد ركّز صالحيّة في ورقته على إسهامات خمسة أعلام مقدسية، هم ابن الهائم المقدسي المبدع في العلوم الرياضية، ومجير الدين العليمي صاحب النظرة الشاملة في البحث والنظر العلمي التاريخي، خليل السكاكيني أحد رواد التربية في العصر الحديثة، ومحمد إسعاف النشاشيبي الداعي لاستيعاب التقدم العلمي الغربي والانفتاح على المدنية الحديثة، وعارف العارف أحد جذور الاتصال مع الثقافة الألمانية والتركية والفرنسية والإنجليزية.

ثمّ تحدّث الدكتور مهدي عبد الهادي عن “الرؤى والمشاريع المطروحة لتقسيم مدينة القدس في إطار التسوية السياسية للقضية الفلسطينية”. وقد أثارت ورقة عبد الهادي بعض الجدل بين المشاركين، عن إمكانية فصل الثقافة عن السياسة، وحماية الأولى من تداعيات الأخيرة وخاصة محاولة تقسيم القدس.

وتحت عنوان “القدس: العمارة والهوية”، قدّم الدكتور بديع العابد، المهندس الفلسطيني المتخصص في الهندسة المعمارية، الورقة الثالثة. وتناول فيها الدور الذي تلعبه المباني الدينية في تحديد هوية المدينة. وبحسب العابد، فإن مباني القدس تعكس تعايشاً مسيحياً إسلامياً ولا تعكس تاريخاً يهودياً كما يسعى الاحتلال دائماً لتزييف الصورة. وفنّد العابد المزاعم اليهودية المختلفة عن المباني الدينية اليهودية في القدس كالهيكل وحائط البراق وقبر داوود، وكذلك التشكيك اليهودي بالعمارة والتاريخ المسيحي كطريق الآلام وموقع كنيسة القيامة، وكذلك بالعمارة والتاريخ الإسلامي، حيث يأخذ التشكيك الأخير طابعاً أكبر، وصفه العابد بأنه صراع يهودي مع الحضور المعماري الإسلامي في المركز التقليدي ومحيطه، متطرقاً لأبرز المخططات الصهيونية في هذا المجال والمحاولات المستمرة لإلغاء هذا الحضور.

 

الجلسة الثانية

 أدار الجلسة الثانية الأب الدكتور أنطوان ضو، وضمّت أربعة أوراق عمل. قدّم الورقة الأولى فيها الدكتور سلامة البلوي، وكانت عن المؤسسات التعليمية والمكتبات في القدس.

   

وبحسب البلوي، يكتسب الحديث عن مثل هذه المؤسسات في هذه اللحظة التاريخية التي تتعرض فيها القدس لأشرس عملية نهب لتراثها ومسخ لهويتها وتزييف لتاريخها، أهمية أكبر لأنه حديث عن جذور المدينة الثقافية الضاربة والمستعصية على مختلف أشكال الاجتثاث والاستئصال.

وتناول البلوي خمسة محاور، الأول تاريخ المؤسسات التعليمية في القدس وخصائصها، والثاني الواقع المأساوي للمؤسسات التعليمية في القدس اليوم، والثالث تاريخ المكتبات العربية العامة والخاصة ومكتبات المدارس، والرابع مكتبات الأديرة والكنائس والنوادي والجمعيات، والخامس أنظمة المكتبات المختلفة من أجهزة إدارية وأنظمة اطلاع واستعارة وتزويد، آملاً أن تسهم الدراسة في تفعيل هذه المؤسسات واعادة الاعتبار لها لتكون على قدر التحدي والدور المطلوب منها اليوم.

 ثمّ كانت ورقة الدكتور إبراهيم عبد الكريم، رئيس تحرير مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، بعنوان “الممارسات الصهيونية لتغيير الوجه الحضاري والثقافي لمدينة القدس”. وقد سعى عبد الكريم في بحثه إلى تتّبع الخطوط التي تسير وفقها المساعي الصهيونية لتهويد القدس، والمنطلقات والمساعي المختلفة لذلك من خلال التركيز على بنية الخطاب الصهيوني-الإسرائيلي، وتعبيراته العملية والسياسية والدعائية.

وكانت الورقة الثالثة في هذه الجلسة للدكتور رياض ياسين، مسؤول قطاع الثقافة والاتصال في اللجنة الوطنية لليونسكو في الأردن، بعنوان “التراث الثقافي لمدينة القدس في المعاهدات والقرارات الدولية”. وافتتح ياسين حديثه بالتنبيه إلى الحاجة لتعريف مصطلح “التراث الثقافي” من وجهة نظر القانون الدولي، والذي يشير عادة إلى “الممتلكات الثقافية” . وعن القدس تحديداً، تناول ياسين الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الاحتلال بحق تراث المدينة من وجهة نظر القانون الدولي، من خلال عرض أبرز البنود المتعلقة بتحديد هذه الانتهاكات في بابين رئيسيين، الأول في الاتفاقات الدولية والثاني في الأمم المتحدة وضمنه قرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن واليونسكو.

 وقدّم الدكتور سامي الصلاحات، مستشار المعهد الدولي للوقف الإسلامي في ماليزيا، الورقة الرابعة والأخيرة في هذه الجلسة، عن “مؤسسات الوقف في القدس”، عرّف فيها بمنشأة الوقف الإسلامي وتطورها التاريخي في مدينة القدس، ودور هذه المؤسسات في عصور الخلافة الإسلامية المتعاقبة، ثم الدور الذي لعبته سلطات الانتداب والاحتلال البريطاني تجاهها، وما انتهت إليه في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي صادر معظمها بزعم أنها من أملاك الغائبين، وسياسة الاحتلال من اعتداءات متكررة عليها بحجج واهية بهدف إزالة الهوية الإسلامة عن المدينة.

 

الجلسة الثالثة 

 وأدار الدكتور حافظ الكرمي الجلسة الثالثة والأخيرة من المؤتمر، والتي قدمت فيها ثلاثة أوراق عمل ركزت على الدور المطلوب لحماية التراث الثقافي لمدينة القدس.

   

تناولت الورقة الأولى من الجلسة “دور العلماء والأكاديميين في الحفاظ على التراث الثقافي لمدينة القدس” وأبرز الخطوات العملية الممكنة في هذا المجال، وقد قدّمها الدكتور عبد الجبّار سعيد، الأمين العام لهيئة علماء فلسطين في الخارج.

 في حين تناولت الورقة الثانية من الجلسة “الدور العربي والإسلامي في الحفاظ على التراث الثقافي لمدينة القدس”، وقد قدمها الأستاذ عبد الله كنعان، وعرض فيها للجهات العربية والإسلامية والعالمية المعنية أو الملزمة بحماية هذا التراث، بمن فيها الدول والمؤسسات، والفعاليات والجهود المطلوبة في هذا المجال.

أما الورقة الثالثة، فقد قدمها الدكتور محمد أكرم العدلوني، الامين العام لمؤسسة القدس الدولية، عن “دور مؤسسات المجتمع المدني في حماية التراث الحضاري والثقافي لمدينة القدس”. وقد قدّم  العدلوني بدايةً نبذة عن الجهود المبذولة في الإطار الثقافي، مصنفاً إياها بحسب المؤسسات والاهتمامات في خمسة أبواب رئيسية: حماية المسجد الأقصى، والمؤسسات الثقافية والفنية، ومراكز الدراسات، والمسرح، والمكتبات الثقافية. ثم تحدّث العدلوني عن مؤسسة القدس الدولية كنموذج ضمن العديد من المؤسسات الأخرى العاملة للقدس الموجودة في الداخل والخارج، لافتاً النظر إلى أن جميع الجهود المبذولة تظل قليلة أمام ممارسات الاحتلال وضغوط الواقع.

كما ضمّ برنامج المؤتمر ورقة عن مكانة القدس المركزية للمفكر الدكتور محمد عمارة، والذي حالت ظروفه الصحية دون حضور المؤتمر.
ثم اختتم الدكتور محسن صالح المؤتمر، شاكراً الحضور ومنوهاً بما تمت مناقشته من تاريخ وواقع وتوصيات، آملاً أن تسهم في حماية التراث الثقافي لمدينة القدس.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت 16/7/2009