مدة القراءة: 22 دقائق

إعداد: د. حسين أبو النمل.

 مدخل: بعد مرور حوالي شهر ونصف على وقف حرب “إسرائيل” البربرية على قطاع غزة، والتي امتدت طيلة الفترة 27/12/2008 – 17/1/2009، عُقد في منتجع شرم الشيخ، ولمدة يوم واحد، مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة، وذلك بتاريخ 2/3/2009. شارك في المؤتمر نحو 70 دولة و16 منظمة اقليمية ودولية ومن مؤسسات التمويل الدولية، كالأمانة العامة للأمم المتحدة والجامعة العربية والبنك الدولي. وعلى ما أشار السفير سليمان عواد المتحدث باسم الرئاسة المصرية، فإن “الأمم المتحدة وفرنسا والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية والسعودية وإيطاليا هم رعاة المؤتمر”[1].

 وباعتبار أن مصر هي الدولة المضيفة للمؤتمر، فقد أُعطيت لها رئاسة جلساته، ولكن بالتناوب مع النروج، وذلك بصفتها رئيسة لجنة تنسيق المساعدات للشعب الفلسطيني منذ أن بدأ عمل تلك اللجنة.

الوثيقة الوحيدة التي قام عليها المؤتمر وكانت على طاولة البحث في مؤتمر المانحين هذا، كانت ” الخطة الوطنية الفلسطينية للإنعاش المبكر وإعادة الإعمار في غزة للعامين (2009)- (2010)”، والتي ” أُعدت من قبل وزارة التخطيط الفلسطينية بدعم من جميع الوزارات الفلسطينية الرئيسية ومن وكالات الأمم المتحدة والجماعة الأوروبية والبنك الدولي وشركاء آخرين”[2].

ما تقدم هو حسب الدكتور سمير عبدالله وزير التخطيط والعمل الفلسطيني في مقابلة مع وكالة “وفا”، والتي قال فيها أيضاً: ” كُلفنا من مجلس الوزراء الفلسطيني لقيادة وتنسيق إعداد هذه الخطة. وقمنا بهذا العمل بالتعاون مع كل مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة وبالتعاون مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، وكل الدول التي لها وجود قوى في العمل التنموي الفلسطيني”[3].

ذلك ربما كان السبب في اكتفاء المؤتمر بورقة واحدة، كانت أخذت بعين الاعتبار مواقف جميع الأطراف الدولية المذكورة. وبالمعنى المشار له، فإن الخطة الموضوعة، إنما هي خطة هؤلاء جميعاً، وليست خطة وزارة التخطيط الفلسطينية فقط. لا شك أن ذلك منح الورقة صدقية إضافية لدى المؤتمرين في شرم الشيخ لإعادة إعمار القطاع.

 تفاوت تقدير أضرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بين حكومتي فياض وهنية: دار الحديث ويدور حول “مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة”، وذلك باختصار الاسم الكامل للمؤتمر وهو “المؤتمر الدولي لدعم الاقتصاد الفلسطيني لإعادة إعمار [قطاع] غزة”. وبالمعنى المشار إليه، فنحن أمام عنوان مركب من شقين؛ شق عام، وهو دعم الاقتصاد الفلسطيني ككل، وشق خاص بغزة. كانت ترجمة ذلك طلب الخطة 2.8 مليار دولار من المانحين، موزعة بواقع: 1450 مليون دولار، أي 52.2% من إجمالي المبلغ، “لتمويل العجز في الإنفاق الجاري في موازنة السلطة للعام 2009″، و1326 مليون دولار، أي 47.8% من إجمالي المبلغ لبرنامج إنعاش مُبكر وإعادة إعمار ما دمره العدوان الأخير على غزة، يُنفذ على مدى عامي 2009-2010 [4].

 وضحت الخطة مجالات إنفاق أموال إعادة الإعمار، أي أنه تم توزيع مبلغ الـ 1326 مليوناً وجرى ربطه بأوجه صرف تفصيلية ومحددة، وذلك تجاوباً “مع تقديرات للاحتياجات في القطاعات المختلفة، مبنية على مسوح ميدانية نفذتها مؤسسات محلية ودولية متخصصة”[5]. وفق الخطة، تتسع عناوين الإنفاق إلى: توفير ملاجىء مؤقتة لمن دمرت منازلهم، إصلاح شبكة الكهرباء، اصلاح الآبار وشبكات المياه والصرف الصحي، إعادة إعمار المساجد والكنائس والمراكز الثقافية والمواقع التراثية، إعادة بناء 4036 منزلاً دُمرت كلياً، وترميم 11514 منزلاً دُمرت جزئياً، تقديم إعانات إيجارية لأصحاب هذه المنازل إلى حين الانتهاء من إعمارها، إعادة تأهيل الطرق والجسور، تعويض المزارعين عن خسائرهم، إعادة تأهيل وإعمار المنشآت الصناعية والتجارية والخدمية المتضررة … إلخ [6].

 وعلى ما أسلفنا، فإن تقديرات الخطة التي وضعتها وزارة التخطيط في حكومة الدكتور سلام فياض تبلغ 2.8 مليار دولار، منها مليار و326 مليون دولار لإعادة إعمار قطاع غزة. أما الدكتور يوسف المنسى وزير الأشغال والعدل في حكومة السيد إسماعيل هنية، فقدم تقديراً يقول فيه إن إعادة إعمار قطاع غزة تكلف مليارين و215 مليون دولار، أي بزيادة 889 مليون دولار عن قيمة إعادة الإعمار كما قدمتها خطة حكومة الدكتور سلام فياض، والبالغة 1326 مليون دولار. الفارق الكبير المشار إليه هو حصيلة فوارق تقدير البنود التفصيلية بين الجهتين المختلفتين [7].

 وعلى سبيل المثال، فإنه في حين تقدر ورقة حكومة فياض عدد المنازل المدمرة كلياً أو المتضررة جزئياً بـ 15 ألف و550 منزلاً، تقدر كلفة إعادة بنائها أو تصليحها بـ 348 مليون دولار[8]، فإن ورقة حكومة هنية تقدرها بعشرين ألف وحدة سكنية، تتطلب عملية إعادة إعمارها 850 مليون دولار، وتعطي المقارنات الإضافية نفس التفاوت المشار إليه. وكحصيلة إجمالية، بلغ تقدير حكومة هنية 167% من تقدير حكومة فياض لكلفة الأضرار، وبالتالي المبالغ المطلوبة لإعادة إعمار قطاع غزة. لا يفوتنا التنويه هنا إلى أن جزءاً من ضخامة تقدير حكومة هنية يعود إلى أنه احتسب 100 مليون دولار لإعادة بناء المطار والميناء، في حين لم تفعل حكومة فياض ذلك، باعتبار أن قضية المطار والميناء ليست من منتجات الحرب الأخيرة التي وقعت على قطاع غزة.

 اعتماد آليات السلطة لتحويل أموال إعادة إعمار قطاع غزة: لم يقتصر الخلاف بين الطرفين الفلسطينين المتنافسين على تقدير الأضرار، وبالتالي المبالغ المطلوبة لإعادة الاعمار، بل امتد إلى أحقية ومشروعية أي من حكومتي فياض وهنية في حضور مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة في شرم الشيخ، وتلقي المساعدات الممنوحة، وبالتالي الإشراف على الإعمار. بدأ السجال بين الطرفين المذكورين مبكراً، وذلك في 21/1/2009، حيث صرح أسامة حمدان، بلسان حركة حماس قائلاً:  “إذا كان البعض قد فشل في العودة إلى [قطاع]غزة عبر الدبابة الإسرائيلية فإنه لن يعود على ظهر خلاطة أسمنت أو أطنان من حديد الإعمار، فالناس لن تنسى لمن وقف شامتاً فيهم أثناء العدوان”[9].

 من جانب آخر، وفضلاً عن موقف حكومة فياض التي ترى نفسها الطرف المخول استلام أموال الإعمار، فإن غير جهة دولية مُقرِرة بشأن المساعدات رأت أن “أموال غزة ستُحول عبر السلطة” [10]، وذلك على ما صرح به الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا قبل عقد مؤتمر غزة. وأضاف سولانا:”لا داعي للبحث عن آلية أخرى تتولى إعادة إعمار قطاع غزة بديلاً عن السلطة الفلسطينية”[11]. تزامن هذا القول السابق على عقد المؤتمر مع حديث بالمعنى نفسه لحسام زكي الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية، الرئيس المشارك لمؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار قطاع غزة، حيث قال: “لن يتم إنشاء آليات جديدة لتمويل عمليات إعادة إعمار غزة”[12].

 وأضاف زكي: “إن ضخ الأموال سيتم من خلال السلطة الفلسطينية أو بالتنسيق معها في إطار تحقيق الأهداف التي وضعتها السلطة بالاتفاق مع الاطراف المانحة”[13]. حسم المؤتمر الأمور لصالح الآليات التي تضمنتها خطة حكومة سلام فياض التي قدمتها للمؤتمر. أفصح غير طرف عن حذر بشأن تسلم الأموال. فمن حديث لمسؤول في البنك الدولي عن “آلية لضمان عدم وصول الأموال لحماس”[14]، وذلك في تصريح قبل يوم واحد من المؤتمر وخلال زيارته لقطاع غزة، إلى هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية التي قالت: “عملنا مع السلطة الفلسطينية لتثبيت الضمانات التي تكفل استخدام تمويلنا حيث يجب، وأن لا تصل في نهاية المطاف إلى الأيدي الخطأ”[15].

 تبرعات المانحين تساوي 186% من طلبات خطة السلطة : والحال هذه، حسم أمر أحد ثلاثة عناوين أساسية اهتم بها المؤتمر، عنينا آلية تسلم الأموال وتكريس السلطة الفلسطينية باعتبارها الطرف المُعتمد لذلك. ينقلنا ما تقدم إلى العنوان الهام الثاني، وهو الخاص بالمبالغ التي طلبتها خطة حكومة سلام فياض، والبالغة 2.8 مليار دولار. وصلت قيمة المبالغ التي تعهد بها المشاركون، وفق البيان الختامي للمؤتمر، 4 مليارات و481 مليون دولار، أي بزيادة 60% عما طلبته الخطة الفلسطينية. تساوي الزيادة المشار لها ملياراً و681 مليون دولار[16].

 وإذ وصف أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية المصري، تلك التبرعات بأنها “فاقت التوقعات”[17]، فإنه أضاف في مؤتمر صحفي عقده بعد انتهاء المؤتمر قائلاً: “إذا ما أضفنا لهذا الرقم المبالغ التي أعادت بعض الدول التعبير عنها وتأكيدها الاستمرار في تحملها في هذا الصدد، يصل المبلغ إلى 5 مليارات و200 مليون دولار، وهو مبلغ تجاوز الكثير من حساباتنا”[18]. اعتماد الرقم الأخير والأكبر الذي أعلنه الوزير أبوالغيط، يعني أن المؤتمر قدم 186% مما طُلب في الخطة الاصلية التي تقدمت بها حكومة سلام فياض[19]. تساوي الزيادة المذكورة 2.4 مليار دولار، تُضاف لمبلغ 2.8 مليار دولار هي قيمة المبلغ المطلوب أصلا في الخطة الفلسطينية.

 توزعت المبالغ الممنوحة على الدول والتكتلات السياسية أو الاقتصادية الهامة، وفيما يلي ترتيب أكبر المانحين:
(1) المملكة العربية السعودية: مليار دولار.
(2) الولايات المتحدة: 900 مليون دولار.
(3) المفوضية الأوروبية: 554 مليون دولار.
(4) اليابان: 300 مليون دولار.
(5) قطر: 250 مليون دولار.
(6) الجزائر: 200 مليون دولار.
(7) الكويت: 200 مليون دولار، على مدى السنوات الخمس المقبلة.
(8) الإمارات العربية المتحدة: 174 مليون دولار.
(9) إيطاليا: 100 مليون دولار.
(10) تركيا: 50 مليون دولار.

والحال هذه، فإن 3728 مليون دولار، أي 83% من المبالغ الممنوحة هي من عشرة أطراف. وفيما لو استثنينا الجزائر وتركيا،  فإن ما تبقى من دول وإسهام كان من مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان [20].

 لم تسهم دولة “الاتحاد الروسي” بمبالغ نقدية، بل أعلنت فقط عن تبرعات عينية. أما جمهورية الصين الشعبية فلم تسجل وسائل الإعلام لها حضوراً مالياً يذكر. غرض الملاحظة الأخيرة التأكيد على طغيان اللون السياسي الواحد تقريباً على المبالغ الممنوحة. فضلاً عما تقدم وانسجاماً معه، أُعلن عن إطار خماسي لمتابعة أعمال مؤتمر شرم الشيخ، يضم أعضاء لجنة متابعة مؤتمر باريس، وهم: فرنسا، والنروج، واللجنة الرباعية، والمفوضية الأوروبية، وقد أُضيفت لهم مصر [21]. تحتل النروج موقع رئاسة اللجنة الدولية لتنسيق المساعدات، وبهذه الصفة أُعطي للنروج موقع الرئيس المشارك لمصر لمؤتمر شرم الشيخ. لا يفوتنا تذكير القارئ ، أن دولة النروج كانت عراب اتفاق أوسلو، والذي سمي تيمناً بعاصمتها. 

 مؤتمر شرم الشيخ يرث الوعود السابقة لإعادة إعمار قطاع غزة: تكررت منذ بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 27/12/2008، الوعود الرسمية بالإسهام في إعادة إعماره. أولها كانت من أمير قطر، حمد بن خليفة آل ثاني، الذي أعلن عن استعداده لتقديم مبلغ 250 مليون دولار كإسهام بإعادة إعمار قطاع غزة. كان ذلك الوعد في ذروة العدوان الإسرائيلي، وفور تدمير مجموعة كبيرة من المباني والمجمعات الحكومية في القطاع.

أما أكبر الوعود فهي تلك التي أعلن عنها العاهل السعودي، عبدالله بن عبد العزيز، حيث قدم وعداً بمليار دولار لإعادة إعمار قطاع غزة، وذلك خلال قمة الكويت الاقتصادية، التي عقدت في 19/1/2009. شهدت القمة المذكورة وعوداً بتبرعات من الكويت، الدولة المضيفة للقمة، بقيمة 200 مليون دولار، ومن الجزائر بقيمة 300 مليون دولار، منها 200 مليون دولار تبرعات من الحكومة، وأما الباقي، فعبارة عن تبرعات شعبية، كما أعلن.

جرى تأكيد كل هذه الالتزامات في مؤتمر شرم الشيخ.حمل ذلك معنى محدداً وتبدلاً نوعيا، هو أن الالتزامات المذكورة أصبحت من طبيعة دولية، وتُدفع من ضمن الآلية التي اعتمدها مؤتمر شرم الشيخ لتلقي وتوجيه أموال المانحين. وعلى ما هو معلن، فليس من تبرعات مالية رسمية أخرى ذات قيمة ومخصصة لإعادة إعمار غزة وجرى ضخها مباشرة إلى هناك.

 في ختام تناولنا لهذه النقطة، ثمة ضرورة لتبديد انطباع خاطئ جراء المبالغة في التركيز على إسهام بعض المانحين مقابل التعتيم على دور البعض الآخر.وبكلمة محددة، كان وزن الدول الغربية في تقرير الجانب السياسي والإجرائي أكبر من إسهامها بالتبرعات المالية، على عكس الدول العربية التي أسهمت في المال أكثر مما أعطي لها من دور في تقرير السياسة والآليات، التي كانت على مقاسات الولايات المتحدة وغيرها من أطراف الرباعية ومن في صفهم. لقد توزعت المبالغ الممنوحة كما أسلفنا على الدول والتكتلات السياسية أو الاقتصادية الهامة، وهو مايفيد أن أكبر المانحين كانت العربية السعودية، التي قدمت ما يزيد على إسهام الولايات المتحدة. أما قطر والكويت والجزائر فقدمت كل منهما ضعف إسهام إيطاليا التي حظيت على إبراز وكلمة سياسية عالية ومسموعة.

 في حين قدمت المفوضية الأوروبية، باسم كل دول المجموعة الأوروبية، على ثراء معظم دولها الفادح، والتي تضم في صفوفها دولاً بأهمية بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا، 554 مليون دولار، فإن ذلك المبلغ لا يساوي إلا حوالي ضعف إسهام قطر أو نصف إسهام السعودية، ولكن في السياسة كان حظ ودور أوروبا مقرراً وحاسماً، عبر الحضور الفرنسي ومعه الإيطالي، فضلاً عن الأمريكي. غرض هذه النقطة إعادة الاعتبار للنقاش الذي يجب أن لا ينقطع حول كيفية تحويل القوة الاقتصادية العربية إلى قوة سياسية تقرر لنفسها ما تفعل، لا أن تكون رهينة قرارات الآخرين . 

 الفلسطينيون يبادرون لمساعدة أنفسهم قبل مؤتمر شرم الشيخ وخلافه: دون خروج عن السياق، والذي هو “إعادة إعمار قطاع غزة” ، لكن مقتضيات الإنصاف تفرض الإشارة إلى أن مساعدة الفلسطينيين لأنفسهم لم تنتظر أو تتأخر، وإن في حدود قدراتهم التي قد تكفي للإغاثة العاجلة والمؤقتة، لكنها غير كافية من قريب ولا بعيد لإعادة الإعمار. وعلى ما هو معروف ، ابتدأت الآليات الاجتماعية التقليدية بالعمل والفعل التضامني التقليدي، كأن يستوعب الأهل أو الجيران ويحتضنوا المتضررين ما أمكنهم ذلك.

أما على الصعيد الرسمي فقد أعلنت حكومة إسماعيل هنية، بلسان طاهر النونو الناطق الرسمي باسمها، أن الحكومة قررت صرف ألف يورو لكل أسرة شهيد و500 يورو لكل جريح. وفيما يخص أصحاب المنازل المدمرة أوضح النونو أن الحكومة قررت البدء في تقديم مساعدات إيواء عاجلة لإيواء الأسر التي تهدمت منازلها أو تضررت، مشيراً إلى أنها ستقوم بصرف 4000 يورو لكل رب أسرة تهدم منزله، وألفي يورو لمن تضرر منزله جزئياً.

كان ذلك وفقاً لشبكة الإسلام اليوم في 24/1/2009. بناء للمصدر نفسه، بلغ إجمالي المساعدات حتى التاريخ السابق ما يتراوح بين 35 و40 مليون دولار، دُفعت للإيواء وليست تعويضاً عن المنازل المهدمة.

 لاحقاً، واستناداً لمصادر الأخبار بتاريخ 14/2/2009، أُعلن عن ارتفاع التعويضات المقدمة إلى 55 مليون دولار وفق بعض المصادر، و52 مليون دولار وفقاً لمصادر أخرى، هي قيمة الإغاثة العاجلة المقدمة من حكومة إسماعيل هنية حتى تاريخه. يعود ارتفاع الأرقام إلى اتساع نطاق المشمولين بالإغاثة، فضلاً عن زيادة نصيب ما قدم للمتضرر الواحد. من ناحيتها أعلنت حكومة سلام فياض أن جهود الإعمار والاغاثة بدأت قبل مؤتمر شرم الشيخ. فقد أشار فياض في الخطة التي قدمها للمؤتمر المذكور أن حكومته قدمت 50 مليون دولار لتوفير ملاجئ مؤقتة لمن دُمرت منازلهم و11 مليون دولار لإصلاح شبكة الكهرباء و6 ملايين دولار لإصلاح الآبار وشبكات المياه والصرف الصحي.

 بعد مرور حوالي ثلاثة شهور على انتهاء العدوان الإسرائيلي، وفي تاريخ 12/4/2009، عنونت جريدة الأيام الفلسطينية تحقيقاً لها من غزة كالتالي: “بيت لاهيا: اللاجئون الجدد يستعدون لقضاء صيف طويل داخل مخيمات الإيواء”.

تحدث التحقيق عن أن “عدد اللاجئين الجدد يزيد على ثلاثين ألفاً، يسكن معظمهم مخيمات أُقيمت خصيصاً لهم بالقرب من مناطق سكناهم، حيث يتركز هؤلاء في مناطق شرق مدينتي غزة وجباليا وغرب مدينة بيت لاهيا”. كان عدد الذين دمر العدوان منازلهم كلياً 50 ألفاً وفق تقدير سلام فياض الذي قدمه إلى مؤتمر شرم الشيخ.

وهذا يعني أنه لم يتم إيواء سوى 20 ألفاً، ومن تبقى أقام في الخيام. يعكس ما تقدم عجزاً أرجح أنه يعود للنقص  في المباني الفارغة المعروضة للإيجار، نظراً للاكتظاظ السكاني في القطاع وفائض الطلب على المساكن حتى قبل العدوان. وبمقدار ما يؤشر ما سبق على جهود فلسطينية مبذولة لاستيعاب نتائج العدوان وإغاثة المنكوبين، فإنه يؤكد على الحاجة الماسة لجهود الخارج ومساعدته في إعادة إعمار قطاع غزة.

 هل يتكرر مع وعود إعمار قطاع غزة مصير وعود إعمار نهر البارد : لقد احتل عناوين وسائل الإعلام الخبر القائل بأن مؤتمر شرم الشيخ جمع 5.2 مليار دولار، مع أن المبلغ المطلوب كان (2.8) مليار دولار فقط! إذ نرجو أن تترجم الوعود في حيز الفعل، ولكن وقائع الأمور تفرض حذراً شديداً وتخوفاً أشد من عدم الوفاء، كلياً أو جزئياً على الأقل، من طرف أو آخر. وفي هذا السياق، نشير إلى جملة مسائل منها، أن المبلغ الإضافي الذي تحدث عنه الوزير أحمد أبو الغيط لم يرد في البيان الختامي الذي اقتصر على ذكر 4 مليارات و 481 مليون دولار، مما يعني عدم وجود التزام رسمي وموثق بالمبلغ الإضافي، الذي يرفع المبلغ الإجمالي إلى 5 مليارات و200 مليون دولار.  

 فضلاً عما تقدم، فإننا نجد، في ثنايا الأرقام والوعود، ملاحظات واستدراكات تستحق منا بعض التوقف. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن دولة الكويت ألحقت التزامها بدفع مبلغ (200) مليون دولار لإعمار قطاع غزة بتحفظ مسبق يفيد أن مبلغ التبرع سوف يدفع على مدى خمسة أعوام، مما يعني أن المبلغ الذي سيدفع على مدى الخطة الموضوعة لسنتي 2009-2010 هو 80 مليون دولار فقط، أي بواقع قسطين من أصل خمسة أقساط على خمسة أعوام وزع عليها المبلغ الإجمالي.

  أما هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها وبعد أن أعلنت في المؤتمر قيمة ما ستقدمه من منحة، أي 900 مليون دولار، وذلك بواقع 600 مليون دولار لدعم ميزانية السلطة الفلسطينية، و300 مليون دولار ، أي ثلث المبلغ فقط، لإعادة إعمار قطاع غزة، فإنها استدركت الأمر قائلة بأن أمر مبلغ المنحة سيرفع للكونغرس من أجل الموافقة، مع ما قد يحتمله الأمر جدياً من تأخير أو رفض كلي أو تخفيض للمبلغ أو تشديد اشتراطاته السياسية.

 السيد فؤاد السنيورة رئيس الوزراء اللبناني كان في مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار قطاع غزة، حيث وعد بتبرع يبلغ مليون دولار، ولكنه أضاف “ألفت عنايتكم إلى أنه لا تزال أمامنا في لبنان أيضاً مسؤوليات إعادة إعمار مخيم نهر البارد، الذي لم تكتمل المساعدات من الدول الشقيقة والصديقة بشأنه، وهو بحاجة للمساعدة للانطلاق وإعادة بنائه مجدداً”. وللتذكير فإنَّ معارك نهر البارد بدأت في آيار/ مايو 2007، وعقد من أجله مؤتمر إعادة إعمار في السراي الحكومي ببيروت في أيلول/سبتمبر 2007. كما عقد مؤتمر فيينا لإعادة إعماره في حزيران/ يونيو 2008، حيث طلب لإعادة الإعمار مبلغ 450 مليون دولار بينما وعد المؤتمرون بـ122 مليون دولار، ولكن ما دفع منها فعلاً حتى 7/4/2009 لم يتعد 52 مليون دولار. وعلى الرغم من ذلك فقد احتفل بوضع حجر الأساس لإعادة إعماره في 9/3/2009. والغرض مما تقدم تذكر أمثولة ما حدث في مسألة نهر البارد راجين أن لا يتكرر في قطاع غزة .

     لا تقع أمثولة ما حدث ويحدث في نهر البارد، من حيث عدم الوفاء بالوعود، في نطاق الأخلاق بل في نطاق السياسة العليا، التي أظن أنها السبب وراء عدم تمويل المجتمع الدولي إعمار نهر البارد. لم يتم إخفاء ذلك بدليل تواضع الوعود التي قدمها المانحون في مؤتمر فيينا قياساً بالمبالغ المطلوبة، والمبالغ المدفوعة في ضوء المبالغ التي وعد بها. لا أجازف كثيراً لو قلت أن لا مصلحة سياسية لأصحاب المال والقرار من محليين ودوليين في إعادة إعمار أو تثبيت تجمع فلسطيني ضخم، كنهر البارد أو سواه، فمن شأن ذلك أن يصعّب أمر تصفيته لاحقاً. وبناءً عليه فإن إعادة إعمار المخيم جزئياً بذريعة نقص الأموال يبدد ما تبقى من سكانه الذين سيستقرون حيث هم الآن، أو يهاجرون لخارج لبنان. وبناء على ما تقدم فإن السؤال السياسي يجب أن يبقى حاضراً عند استشراف أمر إعمار غزة، بكلمة أخرى، تتوقف الأمور على وجود أو عدم وجود مصلحة سياسية للدول المانحة بتنفيذ وعود الإعمار. 

 الأطروحات السياسية لخطباء مؤتمر المانحين في شرم الشيخ لإعمار قطاع غزة: العنوان الثالث والأخير، الذي لا بد من تناوله في هذا المجال، هو العنوان السياسي العام الذي خيم على مؤتمر شرم الشيخ، والذي نجده فيما تضمنته كلمات بعض الوفود المشاركة من أمور سياسية. لقد أكد حسني مبارك، الرئيس المصري في خطابه الافتتاحي للمؤتمر، فيما أكد، على: ضرورة وأولوية التهدئة الفلسطينية- الاسرائيلية والمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، وعلى “تشكيل حكومة وفاق وطني، تتولى الإشراف على إعادة الإعمار، وبالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وتضمن وصول فوائدها للشعب في غزة ولا تتعامل مع مواردها المالية كغنائم حرب وتنأى عن الفصائل”. ودعا مبارك أيضاً إلى إيجاد “آلية دولية تحظى بثقة المانحين، تتولى تلقي مساهماتهم وتوجهها لعملية إعادة الإعمار في إطار من الشفافية والمحاسبة”، وكذلك “تفعيل دور الأمم المتحدة كمظلة لجهود إعادة الإعمار، وتحقيق التنسيق بين وكالاتها ذات الصلة”. كما أكد أخيراً على “أن الأولوية الرئيسية الآن هي التوصل لإتفاق التهدئة”[22].

 ولقد رأى الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، “إعادة فتح المعابر في قطاع غزة أولوية”، و “أنه يجب ألا تكون غزة سجناً ذا سموات مفتوحة”، وبالتالي “يجب أن تفتح إسرائيل المعابر” مع قطاع غزة وأكد في الوقت نفسه على أنه” لا توجد حلول عسكرية في غزة” و شدد على أن “العام 2009 يجب أن يكون عام السلام”. كما استطرد الرئيس الفرنسي قائلاً: “لا حل إلا الحل السياسي مع إسرائيل”. وأضاف ” أن بلاده ستقدم المساعدة لحكومة الرئيس محمود عباس للمساهمة في مساعدة المتضررين”.

  ولقد دعا رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني إلى خطة مارشال لبناء الاقتصاد الفلسطيني، وأنه سيطرحها لاحقاً على اجتماع مجموعة الدول الـ(18) الكبرى، وكذلك على اجتماع الدول الثماني الصناعية الكبرى هذا من جهة. ومن جهة ثانية عرض برلسكوني تمويل إيطاليا كافة تكاليف استضافة مفاوضات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الامريكية فقالت للمؤتمرين “أن الولايات المتحدة ملتزمة بالسلام بين إسرائيل وجيرانها … وسنعمل بنشاط على حل الدولتين للصراع”. وبعد أن أشادت كلينتون بجهود الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، أشارت إلى أنها “عملت مع السلطة الفلسطينية لتثبيت الضمانات التي تكفل استخدام تمويلنا فقط، حيث يجب أن لا يصل [يقع] في نهاية المطاف في الأيدي الخطأ”[23].

 بعدما أشار الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى أن المؤتمر هو لبحث الاقتصاد الفلسطيني  وإعادة إعمار غزة، نبه المؤتمرين إلى أن ذلك يحتاج إلى أساس هو السلام الدائم. وشدد على حفظ الدور الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة بوصفه البداية في إعمارقطاع غزة، كما وازن بان كي مون بين دعوته لفتح المعابر وبين ضمان عدم دخول أسلحة غير شرعية لقطاع غزة. وقد أعلن أيضاً  أهمية مساندة المؤتمر للسلطة الفلسطينية ومساعي المصالحة والوحدة الفلسطينية تحت رعاية مصر.   

 وفي مؤتمر شرم الشيخ أكد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في خطابه بالمؤتمر على “أن جهود الإعمار والتنمية ستبقى قاصرة وعاجزة ومهددة في ظل غياب الحل السياسي”، وقال “إننا نبذل كل جهد ممكن لكي يخرج الحوار [الفلسطيني] بنتائج إيجابية… تفتح الطريق أمام تشكيل حكومة وفاق وطني تحترم وتلتزم بالالتزامات الوطنية والدولية، وتدير شؤون الوطن، وتعد لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها الـمحدد في كانون الثاني الـمقبل” . وأضاف رئيس السلطة الفلسطينية “أن الـمجتمع الدولي ينتظر ويطالب بأن تؤكد الحكومة الإسرائيلية الجديدة التزامها بحل الدولتين والاتفاقات الـموقعة… إننا نرى ضرورة التحرك السريع في هذا الـمجال من قبل إدارة الرئيس باراك أوباما، وبقية أطراف اللجنة الرباعية، ودول العالـم كافة؛ لإحياء عملية السلام، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لجميع الأراضي الفلسطينية التي احتلت العام 1967، ومن أجل قيام دولة فلسطين الـمستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، كي تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل”.

 ومن جهته دعا الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، “الأشقاء الفلسطينيين إلى احتواء الخلافات الداخلية، وتغليب المصالح الوطنية، وحماية الوفاق الوطني، واللجوء إلى الحوار لحل الخلافات”، كما أعرب عن دعم جهود مصر على هذا الصعيد. ومن ناحية ثانية شدد على أن “إعادة الإعمار لن تكون مجدية ومفيدة في ظل افتقاد الأمن والاستقرار، وأنه من غير المقبول أو المعقول أن يتم الإعمار وتأتي إسرائيل لتدمير ما بُني وتحيله ركاماً”. ولذا، طالب “المجتمع الدولي بتحميل إسرائيل التبعات القانونية والمالية لعدوانها، وعدم النظر بمعايير مزدوجة”، حيث وصف وضع غزة بأنه “كارثة إنسانية”[24].

 وكان أن تحدث عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية، في الاتجاه نفسه قائلاً: “إن إعفاء إسرائيل من الالتزام بالقانون الدولي هو كارثة سياسية”، و”إن الحجة الإسرائيلية السقيمة بأن كل مبنى إنما يخفي إرهابياً، وكل شجرة إنما تظلل فدائياً، هي حجة مرفوضة وكاذبة”[25].
أما وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، فقد أكد في كلمته على”دعم بلاده للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ولشرعية الرئيس محمود عباس، ومنظمة التحرير، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”. ومن ناحية أخرى قال “نثمن الجهود المصرية الجادة في مبادرتها للتهدئة والسعي للم الشمل الفلسطيني”[26].

 لقد عرضنا في الفقرات السابقة لأبرز ما ورد على لسان خطباء مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار قطاع غزة من أمور سياسية وفكرية مهمة. نقدم فيما يلي ملخصاً لأبرز ما تقاطع عليه الخطباء من ضرورات ومسلمات برأيهم وهي: التهدئة الفلسطينية- الاسرائيلية؛ والمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية؛ وآلية دولية تحظى بثقة المانحين تتولى تلقي مساهماتهم؛  ولا توجد حلول عسكرية في غزة؛ ولا حل إلا الحل السياسي مع إسرائيل؛ ودعم حكومة الرئيس محمود عباس وشرعيتها؛ ودعم حل الدولتين للصراع؛ وضمان عدم دخول أسلحة غير شرعية لقطاع غزة؛ ودعم رعاية مصر للحوار والمصالحة والتهدئة؛ وتشكيل حكومة وفاق وطني فلسطيني تحترم الالتزامات الوطنية والدولية؛ وإقامة دولة فلسطينية. ومن نافل القول هنا إن ما تقدم من آراء وأفكار هي الأحمال السياسية لبرنامج إعادة إعمار قطاع غزة.

 البيان الختامي لمؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة : بعد ديباجة افتتاحية تتحدث عن عقد المؤتمر بمبادرة من مصر وبرئاستها، ترافقها مشاركة مع النروج، ورد في البيان الختامي ما يلي: ” أعرب المشاركون عن قلقهم لعدم التوصل حتى الآن إلى اتفاق حول تثبيت التهدئة في غزة، كما أعربوا عن دعمهم للجهود المصرية المتواصلة لتثبيت الوقف الهش لإطلاق النار ولتحقيق تهدئة طويلة الأمد. أكد المشاركون على أهمية تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية … وأعربوا عن دعمهم للجهود التي تبذلها مصر في هذا الشأن … واعتبروا أن تحقيق المصالحة والتهدئة متطلبان ضروريان لإنجاح جهود إعادة الإعمار”.

 كما “شدّد المشاركون على أن قطاع غزة يعد جزءاً لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي احتلت عام 1967 التي ستقام عليها الدولة الفلسطينية مستقبلا “، “ورحّب المشاركون بالتجاوب المكثف من جانب المجتمع الدولي للاحتياجات الإنسانية الفورية للشعب الفلسطيني في غزة التي تسببت فيها الأعمال العدائية العسكرية … وأكد المشاركون على الحاجة إلى أن يكون ضخ هذه المساعدات وفق المبادئ الإنسانية الرئيسية من عدالة ونزاهة ووفق الاستقلالية العملياتية”.

 وأضاف البيان : “رحب المشاركون بالخطة الفلسطينية الوطنية للإغاثة المبكرة وإعادة  الإعمار …كما أكدوا أن الخطة سترتبط بشكل واضح بالأولويات التي عرضت في الخطة الفلسطينية للإصلاح والتنمية، التي تم إطلاقها في مؤتمر باريس للمانحين الذي عقد في كانون الأول/ ديسمبر 2007، وشدّدوا على أن الخطة ستمثل الأساس لحشد موارد وجهود المجتمع الدولي والمانحين للاستجابة للاحتياجات التي عرضتها السلطة الوطنية الفلسطينية لعامي 2009-2010. ولهذا الغرض تعهد المشاركون بمبلغ 4.481 مليار دولار للعامين المقبلين … وأعرب المشاركون عن نيتهم في ضخ مساعداتهم للخطة من خلال حساب الخزانة الموحد، وكذلك من خلال الآليات والصناديق الدولية والإقليمية القائمة بالفعل”، وعبروا “عن أملهم في قيام الفلسطينيين والإسرائيليين بسرعة استئناف محادثات سلام جادة بينهما، بهدف إنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين”[27].

 سخاء في الاقتصاد والمال يستدرج سخاءً في الفكر والسياسية: يعكس البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر جملة من العناوين أو الأفكار التي وردت على لسان المعنيين بإعادة الإعمار، سواء تلك التي قيلت قبل المؤتمر أم تلك التي تضمنتها الخطب التي ألقيت خلاله، وخصوصاً الكلمة الافتتاحية الشاملة، الإجرائية والاشتراطية، للرئيس المصري. وغرض المقارنة هنا هو إعادة التأكيد على جدية الإعداد للمؤتمر من قِبل المبادرين الرئيسيين إليه. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى سياسة الرزمة، حيث إن قرارات المؤتمر هي وحدة لا تتجزأ، فهي رزمة قرارات تربط بقوة بين المساعدات “السخية” وبين محدداتها التنظيمية والإدارية، أي آليات المتابعة والإشراف على تنفيذها، وبين النواظم السياسية والأطر الفكرية لها.

 يؤكد ما تقدم أن الدول المانحة ليست جمعيات خيرية، بل هي مصالح ووظائف سياسية لما تقدمه الدول من أموال. وبالمعنى المشار له، فإن مؤتمر شرم الشيخ، استناداً إلى الكلمات التي ألقيت فيه والبيان الختامي الذي صدر عنه، هو مؤتمر سياسي له وظيفة سياسية محددة تسبق وظيفته الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن المجازفة في ضوء ما تقدم، باستنتاج فرضيتين؛ أولاهما: استحالة الفصل بين المساعدات وآليات تقديمها وبين إطارها السياسي الناظم. أما الثانية: فهي أن من وجه الأمور كي تقدم الدول المانحة وعوداًً بتبرعات سخية لإعادة إعمار غزة ودعم مالية السلطة الفلسطينية، إنما يتوقع الحصول على نتائج سياسية سخية فيما يتعلق بالرؤية والممارسة العملية لحل الصراع العربي _ الإسرائيلي أيضاً.

 بناء على ذلك، فإن مؤتمر شرم الشيخ أكثر جدية، سواء فيما قدم من دعم اقتصادي أم فيما يريده من ثمن سياسي لذلك، من أن يوصف بـ”المسرحية” على حد قول محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس، في تعليق له مباشرة بعد انتهاء أعمال المؤتمر، والذي قال فيه: “إن معيار نجاحه[المؤتمر] لا يقاس بمشاركة (87) دولة، ولكن بكيفية إيصال المساعدات إلى غزة”. وزاد قائلاً: “لا يمكن لأحد إجراء أي عملية لإعادة الإعمار إلابالتوافق مع الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة برئاسة إسماعيل هنية”. كان هذا القول لنزال على أرضية أنه “من غير الجائز تسييس قضية إعادة إعمار[قطاع] غزة، وربطها باعتراف حماس بشروط اللجنة الرباعية”، وذلك على ما نسبته “الجزيرة نت” إلى نزال، الذي دعا، وفق المصدر نفسه، إلى “عدم ابتزاز حماس بهذا الصدد” ، أي إعادة إعمار قطاع غزة[28].

 يقع في سياق حديث نزال نفسه، تصريح د.يوسف رزقة، المستشار السياسي لرئيس الحكومة إسماعيل هنية، الذي رأى في استبعاد حركة حماس عن المؤتمر “انحيازاً لأطراف فلسطينية، وتسييساً للمؤتمر الإنساني”[29]. وبعد رفضه تسييس المؤتمر أوضح د.رزقة أنه “لا غنى عن دور لحكومة حماس في الإعمار، مؤكداً أن المؤتمر توجه إلى العنوان الخطأ حين دعا حكومة تصريف الأعمال برئاسة سلام فياض، معتبراً أنها ليست الحكومة التي تمثل العنوان الصحيح، وتمثل الغالبية بالمجلس التشريعي”[30]. كذلك” أوضح د. رزقة أن حكومته تتمنى أن تشرف على الإعمار جهة دولية تتميز بالشفافية والنزاهة، أو أن تذهب أموال الإعمار إلى مستحقيها، أو [عبر]جهات دولية وعربية تتشارك في الإعمار”[31].

 عملية إعادة الإعمار: إنسانية أخلاقية أم سياسية ميكيافيلية ؟ أكد فوزي برهوم، الناطق باسم حركة حماس، على رفض تسييس العملية الإعمارية قائلاً: “إن [عملية] إعادة الإعمار إنسانية وأخلاقية ونرفض تسييسها على حساب شعبنا وحقوقه المشروعة”، مؤكداً “أن ما لم يحققه الاحتلال الإسرائيلي لن نسمح بتحقيقه بالطرق السياسية”[32]. تتناغم تصريحات المسؤولين الثلاثة، نزال ورزقة وبرهوم، وتعكس النسق العام لخطب قادة حماس تجاه خطط إعمار قطاع غزة، بما في ذلك مؤتمر شرم الشيخ.

 إن السؤال الذي يطرح نفسه، في ضوء ما عرضنا له عن مؤتمر شرم الشيخ وردود فعل حركة حماس عليه، هو: هل كان مؤتمر شرم الشيخ مسرحية، كما قال محمد نزال، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، أم أنه كان ومازال عملاً منسقاً جداً ويعرف منظموه جيداً وعلى نحو محدد ودقيق طبيعة المشكلة المطروحة وما الذي يريدونه من المؤتمر؟ أما السؤال الثاني فهو: هل عملية الإعمار إنسانية وأخلاقية، وبالتالي مرفوض تسييسها، أو استخدامها لابتزاز حماس، كما قال فوزي برهوم، الناطق باسم حماس، أم أنها وبالدرجة الأولى والأخيرة، عملية سياسية واضحة جداً ولا يخجل أصحابها من الإعلان عن طبيعتها السياسية هذه ؟ والأكثر من ذلك، فإن السياسة محل الحديث، ووفق ما تدل الممارسة، هي فعل مصلحي كي لا نقول، ولا تعوزنا القدرة على برهان ذلك، إن السياسة، كما تمارس فعلاً هي فعل ماكيافيلي ولا أخلاقي، رغم كل إدعاءات السياسيين بأنها غير ذلك.

 وليس أدل على ما تقدم من حديث عن لاأخلاقية السياسة، من أن المجزرة التي استمرت طيلة 22 يوماً، كانت تتم تحت سمع العالم وبصره. ومن لم يدر ظهره صامتاً بتواطؤ، برر العدوان وكان ينتظر ثماره السياسية. فعلى سبيل المثال، إذا كان موقف بوش وإدارته واضحاً ومعروفاً في تبنيه للعدوان، فإن باراك أوبامالم ينبس ببنت شفة ولم يحرك ساكناً لإيقاف شلال الدم، إلا حين صار ثمة احتمال بأن يغطي الدم المتدفق من جرح غزة على الصورة المرجوة لاحتفالات أمريكا بتنصيبه رئيساً.

 حركة حماس وإعادة إعمار قطاع غزة : من يضغط على من؟: إن عملية إعادة الإعمار ليست عملية إنسانية وأخلاقية يقوم بها فاعلو خير لا يبتغون شيئاً إلا مرضاة الله تعالى. إنها  عملية سياسية ومنظمة تتم وفقاً لميزان القوى القائم ومقدار أوراق الضغط والصمود التي يمتلكها كل طرف في لعبة عض الأصابع المتبادلة، والتي يشارك فيها أكثر من فريق دولي وعربي وفلسطيني واسرائيلي. بداهة أن لكل طرف أوراقه وأهدافه، ومن ضمن هؤلاء، فإن حركة حماس، تملك السلطة في قطاع غزة، هذا فضلا عن شرعية قانونية / انتخابية محققة، إضافة إلى شرعية وشرف الإنجاز والصمود في قطاع غزة الذي سجل لها، دون أن نسقط حقيقة أنه أيضاً إنجاز الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بكل قواه.

مع الأسف الشديد، يستطيع أي طرف من الأطراف المختلفة وصاحبة العلاقة بقطاع غزة وإعادة الإعمار فيه، أن يعرقل عملية اعمار غزة. فلا إعمار للقطاع إذا لم تدفع الأموال التي وعد بها المانحون في مؤتمر شرم الشيخ.

كذلك لا إعمار لغزة إذا لم تسمح بذلك حركة حماس بوصفها السلطة في قطاع غزة. ولا إعمار لغزة أيضاً إذا لم تسمح “إسرائيل” بذلك عبر فتح المعابر على نحو يكفل تدفق المواد اللازمة للإعمار. وبالتالي فإن كل طرف من الأطراف الثلاثة يملك حق الفيتو وتخريب عملية إعادة الإعمار التي تحتاج إلى موافقة الأطراف الثلاثة المشار لها.

لم ننس دور السلطة الفلسطينية في عملية إعادة الإعمار، ولكنها لا تملك أوراقاً خاصة بها على هذا الصعيد، بل إن دورها في إعادة الإعمار مستمد من الدول المانحة التي توافقت على أن تتم العملية المذكورة من خلال آليات السلطة الفلسطينية وأجهزتها، وبالتعاون مع العديد من أذرع وآليات الدول المانحة.

ولعلها مناسبة للقول بأن رهان البعض على الأنفاق للإلتفاف على الحصار وتأمين مواد الإعمار ليس واقعياً، وذلك نظراً لطاقة الأنفاق المحدودة واستخدامها في تأمين احتياجات أخرى ربما أكثر أولوية. ولا أجازف لو قلت إنه حتى لو استمر فتح الأنفاق وتوفرت الإمكانات المالية فإنها تبقى أعجز من استيعاب مقتضيات الإعمار.

 هل يجري تعريض حركة حماس لمناورتي “الإعياء” و “دع الجراح تتعفن” ؟  قام خطاب حركة حماس على أنه “لا يمكن لأحد إجراء أي عملية لإعادة الإعمار إلا بالتوافق مع الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة برئاسة إسماعيل هنية”، وفق قول محمد نزال عضو المكتب السياسي لحركة حماس[33]. هذا الدور المقرر، وخصوصاً إذا كان سلبياً، بشأن إعادة الإعمار ليس قاصراً على حركة حماس كما أسلفنا. حيث يمكن للجهات المانحة، واستطراداً السلطة الفلسطينية، وكذلك “إسرائيل”، أن تقول أيضاً ما قالته حماس بشأن القدرة على منع أو تسهيل إعادة الإعمار. هذا التساوي السلبي الظاهر في قدرة الأطراف المختلفة على منع إعادة الإعمار يخفي تفاوتاً بالغ الأهمية بينها على صعيد القدرة على تحمل مترتبات الضغط الهائل، وعض الأصابع المتبادل، وتأخير ما أمكن من عملية إعادة إعمار قطاع غزة. 

 إن السؤال الحاسم الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: ما الذي يضير “إسرائيل” أو الدول المانحة فيما لو تأخرت عملية إعادة إعمار قطاع غزة، خاصة إذا ما حملت حماس، عن حق أو باطل، مسؤولية التعطيل؟ إن الجواب هو أن ذلك لن يضيرها بشيء. أما الأمر بالنسبة لحماس فمختلف كلياً، فهي المسؤولة عملياً ومعنوياً عن قطاع غزة، حيث ينتظر الكثير من الغزيين وعلى أحر من الجمر عملية إعادة الإعمار. وبالمعنى المشار إليه، فإن الطرف الآخر  هو من يتمنى أن تقوم حماس بعرقلة إعادة الإعمار ولأطول فترة، ولا مانع من إلغائه إن أمكن. إن ذلك وحده هو الذي يوجد ظروفاً اجتماعية مناسبة لتوليد الاحتجاج على مواقف حماس، وفي مرحلة لاحقة على وجودها في السلطة.

 لا تقع أعباء القطاع في حدود ما خلفه العدوان الأخير من خسائر مادية تقدر بمليارات الدولارات، ولا في العبء الاجتماعي الذي خلفه وقوع آلاف الضحايا من شهداء وجرحى فقط. كما لم يبدأ العبء التراكمي هنا، بل في سنوات الحصار الطويلة السابقة، التي عطلت البناء وحل المشاكل  المختلفة لسنين طويلة. وللتوضيح أتت أزمة الإسكان مثلاً، لتضيف وتراكم ما هو متفاقم أصلاً.

إن البعد التراكمي للأزمة لن يتوقف ولو للحظة عن العمل، فعدد سكان القطاع يقارب المليون ونصف المليون، ويشهد ولادات تبلغ حوالي 50 ألف حالة سنوياً، وحسب أقوال همام نسمان، الناطق باسم وزارة الصحة في قطاع غزة، وفي تصريح نقلته “الجزيرة نت” في 8/2/2009، بلغ عدد المواليد خلال الفترة  27/12/2008- 17/1/2009، أي فترة العدوان ، 3 آلاف و700 مولوداً ، خلال 22 يوماً .

لو أخذنا الرقم الأخير كمتوسط عام فهذا يعني أن عدد المواليد المتوقع خلال سنة 2009 يبلغ 61 ألفاً تقريباً. يرسم لنا ما تقدم حجم الفئة العمرية السنوية، ويمكننا من تقدير عدد الذين سيبلغون سن الزواج في العام الحالي 2009.

 وبافتراض أن عدد هؤلاء يبلغ في المتوسط حوالي 55 ألف نسمة موزعين ذكوراً وإناثاً، فهذا يعني أننا أمام حوالي 27.5 ثنائي، وبالتالي حالة زواج محتملة. من البديهي أن ذلك العدد يهبط جراء تأخير الزواج أو السفر …إلخ من الأسباب، ولكن مهما هبط الرقم فإننا نبقى أمام عدد كبير من طالبي الزواج، وبالتالي المحتاجين للمساكن. ما تقدم يعطي فكرة عن المشكلة الناتجة عن الحالة الطبيعية التي تضاف للمشكلة الإسكانية الناتجة عن العدوان وتدمير المنازل كلياً أو جزئياً. وبهذا فإننا لا نجازف لو قلنا إن مشكلة الإسكان ستتضاعف مع نهاية العام، وذلك في سلسلة تراكمية من المشاكل  لا تنتهي.

  تقع في إطار ما تقدم “مناورة الإعياء”، لصاحبها الجنرال والمفكر الفرنسي الشهير أندريه بوفر، والتي ذكرها في كتابه “الاستراتيجية العسكرية”، والتي كانت معتمدة في ثقافة حلف الأطلسي الذي كان بوفر قد احتل فيه موقعاً مهماً. تتحدث “مناورة الإعياء” عن تعريض طرف ما لضغط زائد، وتبديد طاقاته، وهو ما يضعف قدرته على المقاومة. تتسع المناورة المذكورة لكل ما يؤدي إلى إضعاف قوة الطرف محل المواجهة. ولعل المناورة الأسوأ هي مناورة “دع الجراح تتعفن”، لبوفر نفسه، هي لاأخلاقية بامتياز، كونها تدعو، بدلاً من معالجة جروح المجتمع، إلى انتظار تعفنها، مع ما يترتب على ذلك من نتائج. لا أظن أن المناورتين المشار إليهما يمكن أن تغيبا عن بال المخططين الاستراتيجيين على الضفة الأخرى. فبديهي أن استخدام المناورتين المذكورتين، وسواهما من استراتيجيات الضغط، إنما هو بهدف كسر إرادة الطرف المتعرض لهما.

 رب قائل: كنا في إعمار غزة فصرنا في مناورتي “الإعياء” و”دع الجراح تتعفن” ؟. من يسأل ويستهجن، يتجاهل فرضية أنه ما كان لتدمير واسع جداً ومقصود بحد ذاته أن يحدث في قطاع غزة، لولا أنه، من وجهة نظر المتسببين به، سوف يستدعي لاحقاً تعميراً واسعاً ومكلفاً جداً وسيستخدم هذا من أجل القضاء على حكم حماس تحت ضغط السلاح الاقتصادي بعد أن فشل العدوان العسكري في تحقيق ذلك الهدف.

إن السؤال الذي يطرح نفسه والحال هذه هو: هل من إمكانية واقعية للفرضية المذكورة ، أم أن الهدف المذكور انتهى؟ بناء عليه: ما هو الهدف الاستراتيجي الآن؟ هل هو إعمار قطاع غزة فقط أم إسقاط حكم حماس أيضاً ، ولأي منهما الأولوية؟ إن الجواب المباشر هو أنه لا صعوبة في تنسيق الهدفين معاً واستخدام إعمار غزة لإسقاط حكم حماس .كيف ؟ عبر تطبيق مناورتي “الإعياء” و”دع الجراح تتعفن”.

تطبيق يقوم على قاعدة أنه إذا فشلت “إسرائيل” في مطاردة حماس عسكرياً داخل كل بيت في قطاع غزة، فلتخلق لها مشكلة اجتماعية في كل بيت إذن.

 حين راحت السكرة وأتت الفكرة : لقد انتهى مؤتمر إعمار غزة وسط أوسع عملية ترويج إعلامي منذ فترة ليست قصيرة ، ولكن لم يحدث شيىء يذكر على صعيد الإعمار من الناحية العملية. ما تم أولاً هو بدء التعامل مع الاشتراطات الإجرائية، وبكلمة أدق السياسية، المطلوبة وأولاها “المصالحة الفلسطينية”. لم يعد سراً أن الشروط الواجبة لإتمام المصالحة المذكورة إنما تقررها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وتتمحور حول مسألة الاعتراف بـ”إسرائيل”. من أجل ذلك رفعت اجتماعات القاهرة في أواسط آذار/مارس بانتظار عودة الوزير عمر سليمان من سفره للولايات المتحدة وأوروبا لمقابلة المعنيين واستطلاع رأيهما بشأن “الجملة السياسية” وهل أن كلمة “التزام” هي شرط واجب لإتمام المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة فلسطينية لا تكون محل حصار ومقاطعة الرباعية!؟

 عاد وفدا فتح وحماس إلى القاهرة لاستئناف مباحثات المصالحة، وذلك مع أوائل شهر نيسان/أبريل، لينفض اجتماعهما على عجل وخلاف بسبب أن الوزير عمر سليمان أبلغهما بضرورة استخدام كلمة “التزام” كشرط لا تتنازل عنه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما لا يوافق عليه وفد حماس.كان أحمد قريع (أبو علاء)، رئيس وفد فتح لمباحثات القاهرة، في غاية الصراحة والوضوح وهو يتحدث عن الاعتراف بـ”إسرائيل” دون التباس؛ اعتراف شفاف كالكريستال، حسب ما نسب إليه. وجرى حديث عن العودة للاجتماع في أواخر نيسان/أبريل. إن قيمة التأجيل لمدة شهر من الزمن ليست واحدة بالنسبة للمؤتمرين من ناحية، ومنتظري الإعمار في العراء بغزة من ناحية أخرى.

  تحدث عزام الأحمد في حديث له بعد تعليق اجتماع القاهرة بين حركتي حماس وفتح عن 3 خيارات: (أ) التزام حماس بالشروط المذكورة لأن ذلك هو وحده الكفيل برفع الحصار. (ب) تشكيل حكومة دون أن تلتزم الشروط المطلوبة وهذا ما يؤدي إلى استمرار الحصار وتوسيعه ليشمل الضفة. (ج) يمكن لحماس أن لا تشارك في الحكومة وتلتزم دعم حكومة من شخصيات مستقلة [34]. إن أي مقترحات سابقة أو لاحقة قد تختلف في الديباجات ولكن لتغليف جوهر المقترحات السابقة.

 وهكذا، فإن عزام الأحمد، باسم وفد فتح لمؤتمر المصالحة، وتحت ضغط تلبية الشروط الدولية، وضع حماس أمام 3 خيارات تفضي جميعاً إلى خسارتها. فهي إما أن تتنازل عن موقفها السياسي الذي بررت به وجودها وتمايزها، وإما أن لا تتنازل وتتسبب في استمرار الحصار وتوسيعه ومنع إعادة إعمار القطاع، وإما أن تتنازل عن موقعها في الحكم لصالح حكومة مستقلين، لن يكونوا محسوبين عليها بالضرورة، وبالضرورة ، لابد وأن يكون مرضياً عليهم أمريكياً وأوروبياً. والحال هذه فإن حماس أمام احتمال أحد 3 خسارات باهظة: إما خسارة جوهر موقفها السياسي، وإما خسارة موقعها في السلطة، وإما استمرار الحصار وتأخر إعادة إعمار قطاع غزة وبالتالي “تعفن الجراح” إلى ماشاء الله.

 رب قائل: ولكن أما من خيار بديل يقوم على فصل الإعمار عن العملية السياسية، وذلك من أجل تجاوز عقبة “الجملة السياسية”، على ما هو معروف. يقع في هذا السياق ذلك الحديث المتواتر عن اقتراحات بتشكيل حكومة فلسطينية، وإن تعددت صيغها، وذلك لمهمة واحدة هي إعادة الإعمار ولا يتعرض برنامجها للقضايا السياسية. هذا الاحتمال/السيناريو قائم من الناحية النظرية ولكنه يفتقد إلى العملية. ربما يوافق على هذا الخيار الطرفان الفلسطينيان المتنافسان كمخرج من الأزمة، ولكن الأمر المؤكد أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن في موقفهم، لن يقدموا هذه الخدمة للفلسطينيين، وبكلمة أدق لحماس. وإذ أختم هذه النقطة، وربطاً بكل ما تقدم، أخلص قائلاً إن أحداً لم ولن يقدم مالاً أو اقتصاداً للفلسطينيين دون ثمن سياسي باهظ جداً يدفعه هؤلاء . هذا ما تقوله التجربة وأمثولة التاريخ القريب والبعيد، إلا إذا نسينا أن السياسة الممارسة هي اقتصاد مكثف.

إعداد: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات  2009/4/23

المصادر

[1] جريدة “الشرق الأوسط” – لندن، عدد يوم 2/3/ 2009

[2] جريدة “الأيام”، رام الله، عدد يوم 2/3/ 2009

[3] جريدة “الأيام”، رام الله، عدد يوم 4/3/ 2009

[4] المصدر نفسه. النسب مستخرجة.

[5] جريدة “الأيام”، رام الله، عدد يوم 2/3/2009

[6] المصدر نفسه
[7] جريدة “الشرق الأوسط”، عدد يوم 22/1/2009

[8] مستخرج في ضوء المصدرين السابقين (6) و (7)
[9] جريدة “الشرق الأوسط”، لندن، عدد يوم 22/1/2009

[10] جريدة “الأيام” رام الله، عدد يوم 1/3/2009

[11] المصدر نفسه
[12] جريدة “الشرق الأوسط” وجريدة “الأيام” عدد يوم 2/3/2009
[13] المصدر نفسه
[14] جريدة “الأيام” رام الله، عدد يوم 2/3/2009

[15] جريدة “الأيام” رام الله، عدد يوم 3/3/2009

[16] جريدة “الشرق الأوسط”، لندن، عدد يوم 3/3/2009. راجع أيضاً: نشرة “فلسطين اليوم” عدد يوم 3/3/2009
[17] نشرة “الجزيرة نت” عدد يوم 3/3/2009

[18] جريدة “الأيام” رام الله، عدد يوم 3/3/2009

[19] النسب والفوارق مستخرجة في ضوء المصادر السابقة.
[20] جريدة “الأيام” رام الله، “الجزيرة نت” عددي يوم 3/3/2009
[21] جريدة “الأيام”، رام الله، عدد يوم 4/3/2009
[22] جريدة “الأيام”،  رام الله، عدد يوم 3/3/2009
[23] المصدر نفسه
[24] المصدر نفسه
[25] المصدر نفسه
[26] المصدر نفسه
[27] جريدة “الشرق الأوسط”، لندن، عدد يوم 3/3/2009

[28] “الجزيرة نت” عدد يوم 3/3/2009
[29] “الجزيرة نت” عدد يوم 2/3/2009

[30] المصدر نفسه
[31] المصدر نفسه
[32] المصدر نفسه
[33] “الجزيرة نت” عدد يوم 3/3/2009
[34] جريدة “الشرق الأوسط”، لندن، عدد يوم 3/4/2009