مدة القراءة: 15 دقائق

 بقلم: علاء أسعد الصفطاوي، كاتب إسلامي مستقل.

مقدمه تاريخيه :

 

..يقصد بالنظام السياسي : هو مجموعه القوانين والأعراف والأطر السياسيه لمجموعه بشريه محدده تعيش في بقعه معينه بحيث تشكل قواعد وأسس تنظيم إداره الحياه اليوميه والعمرانيه لأبناء هذه المجموعه .

مع بدايه ظهور النتائج الأوليه لهزيمه الدوله العثمانيه في نهايه العام 1916 أمام تحالف الدول الغربيه بقياده بريطانيا وفرنسا وبعدما أحكمت الجيوش الغربيه السيطره العسكريه على ما سمي لاحقا ” بالوطن العربي “عن طريق الإحتلال المباشر لأراضي هذا الوطن وتمزيقه وتفتيته الى كيانات وأنظمه تفتقر لأدنى قدره للدفاع عن نفسها أو للإكتفاء الذاتي في مواردها ومقدراتها الإقتصاديه استنادا الى اتفاق سايكس- بيكو بين بريطانيا وفرنسا ،عمل الغرب على تأسيس أنويه لأنظمه الحكم الكيانيه العربيه وذلك عبر رسم الحدود السياسيه بينها ووضع الفواصل الماديه بين شعوبها على الأرض وقانونيا عبر اعلان الدساتير لكل دوله على حدى آخذا بعين الإعتبار تكريس أقصى قدر من الفوارق الجغرافيه والقانونيه والعرقيه والسياسيه بينها وانتهاءا بتكريس سياسه فرض تأشيرات الدخول ( الفيزا ) وأنظمه الجمارك على مواطني هذه الدول في الكيانات الجديده .

كان أحد أهم وأخطر النتائج المترتبه على اتفاق “سايكس-بيكو” وفرضه بقوه الاحتلال العسكري على الأرض أنه لأول مره ومنذ 1300 عام لإقامه النظام السياسي الإسلامي(الخلافه) أن لا يتمكن المواطن العربي من التنقل والدخول الحر الى باقي الأراضي العربيه .. بسبب الحدود الماديه وسياسه التأشيرات والجمارك التي أقيمت أساسا كي تمنعه من ممارسه هذا الحق الطبيعي والذي بفضل الإسلام ووحده الأمه مارسه عبر قرون طويله مضت ولم يكن يمنعه كذلك من ممارسه هذا الحق انشقاق بعض الأمصار عن الدوله الإسلاميه المركزيه ..فقط منذ فتره وجيزه لم تتجاوز المائه عام أضحى ممنوع على المواطن العربي التنقل والسفر من دوله عربيه الى أخرى إلا بعد أن يأخذ الإذن( التأشيره أو الفيزا ) من سلطه الكيان في الدوله العربيه المقابله التي يريد السفر اليها ..! أو من سلطه نظامه الكياني الذي يحمل جنسيته ..

وفي تقديري أنه لم يكن الهدف المركزي من فرض خرائط “سايكس- بيكو” على أبناء الأمه يتجسد فقط في السيطره على مقدرات الشعوب العربيه ونهب خيراتها وثرواتها الهائله خاصه النفطيه منها فيما بعد بعد تمزيقها وقطع التواصل الأخوي بين أبنائها..

بل كان الهدف الأخطر والخبيث من بقاء هذا الإحتلال المباشر لهذه الكيانات لفتره أربعين عاما فوق أراضيها يكمن في تمكين نخبه الجديده المتخرجه من المدارس والكليات الغربيه من إداره هذه التجمعات والأطر السياسيه الجديده وفق التصورات والرؤى الوطنيه الضيقه التي رسمها الاستعمار لكل شعب من شعوبها ، فضلا عن ( تعويد )

هذه الدول والكيانات الجديده ومجتمعاتها أن يعيش كيان فيها بشكل مستقل عن الآخر وتمارس كل دوله حكم نفسها بنفسها بعيدا عن الخضوع والتواصل مع مؤسسه الدوله المركزيه الأم .. ، ببساطه لا متناهيه ، لقد أراد أقطاب الهجمه الغربيه المعاصره بناء مواطن عربي من نوع جديد ، مواطن يتشرب في عقله ووعيه وسلوكه اليومي فكره “الكيانيه” ووجود الحدود بينه وبين امتداداته القوميه والسياسيه والعائليه والقبليه بل والعرقيه احيانا ..وأن تعلو هويته الوطنيه القوميه الضيقه على هويه الأمه كل الأمه وانتمائها السياسي الواحد وثقافتها الواحده..بحيث تصبح جنسيه (القبيله- الكيان ) الجديده هي الهويه الوطنيه الأولى لأبناء الكيان بعيدا عن الانتماء للأمه بمفرداتها العقائديه والتاريخيه والجغرافيه والحضاريه .. بعيدا مصدر قوتها وأساس كينونتها الثقافيه الإسلاميه التي تعبر عن وجودها المادي والمعنوي المستمرعلى مر التواريخ والأيام ..

يبدو أنه كان من المحتم ألاّ تغادر الجيوش الغربيه هذه الكيانات العربيه الجديده في مرحله ماسمى لاحقا (الإستقلال) في بدايه سنوات الخمسينات من القرن الماضي إلا بعد أن تيقن من أنها أرست دعائم دوله (القبيله) في مواجهه دوله (الأمه) التي عاشها أبناء الأمه منذ ثلاثه عشر قرنا خلت .. ولم تغادر هذه القوى الغربيه الغاشمه الا بعد أن تأكدت كذلك أن هذه الكيانات ستدخل في مرحله بديله وهي مرحله “التبعيه” وأنها لن تقوى على العيش لوحدها في فضاء سياسي رسمت ملامحه القوى الغربيه الجديده المنتصره بعد الحرب العالميه الثانيه (1939-1945) .. لقد تحطم الضمير الجمعي العربي في وعي النخب العربيه الحاكمه الجديده ومعها النخب المفكره المستلبه ثقافيا بعد أن أصيبت بعدوى الانبهار أمام الظاهره الغربيه وحضارتها الماديه الجديده وهي الظاهره التي أطلق عليها المفكر العربي الجزائري مالك بن نبي : ( ظاهره القابليه للاستعمار) ،لقد أثرت هذه النخب التي أدارت مؤسسات الدول العربيه الكيانيه والثقافيه والتعليميه منها خاصه ، أثرت أيّما تأثير في إعاده صياغه أسس الوعي واتجاهات التفكيرعند المواطن العربي مما أسهم بشكل فاضح في التشكيك في مفاهيم الإسلام الأساسيه لديه بأبعاده السياسيه والعقديه والوحدويه ليحل محلها مبادىء ونظم وأفكار غريبه عن واقع الأمه وموروثها الثقافي .. وأنظمه تغريبيه خاويه ثقافيا، مستورده تحصر الاسلام في قضايا جزئيه صغيره لا تتجاوز فقه الحيض والنفاس والمواريث والزواج والطلاق ..

غادرت الجيوش الغربيه البلاد العربيه تاركه خلفها جيوشا من نوع جديد(ثقافيه) تشكل ظهيرا لها وخط دفاع خلفي لأفكارها ومعتقداتها .. تاركه لنا حدودا ماديه على الأرض تمثل عناوين بغيضه لأكثر من عشرين كيانا سياسياً هشّاً لا تملك جيوش هذه الكيانات المفبركه أدنى القدره على الدفاع عن حدودها دون الإستعانه بقوى الإستكبار الغربي حتى في مواجهه شعوبها فإنها لا تتمكن في غالب الأحيان من فرض الإستقرار بالقوه الجبريه الباطشه دون الإستعانه سرا وعلنا بخدمات الغرب وربيبته إسرائيل عبر أجهزه استخباراتها ومرتزقه جيشها .. ذهبت الجيوش الغربيه وخلّفت لنا ميراثا كبيرا من البؤس والشقاء يدنس شوارع الوطن ووجه الحياه الإجتماعيه فيه كان عنوانه ثلاثه مرتكزات (التجزئه ، التغريب ، التخلف ) .. تاركه لنا كذلك لقيطه اسمها:(اسرائيل) كامتداد عسكري سياسي اجتماعي للغرب وكرأس حربه للمشروع الامبريالي التوسعي الغربي في الشرق العربي المسلم ، أما المولود المشوّه الثاني والذي ولد بقرار (عربي) ولكن برغبه وإراده ساميه بريطانيه فتمثل بما سمي ( جامعه الدول العربيه ) – لاحظ تسميتها ب ” جامعه الدول

“..وليس الجامعه العربيه ، هذه المؤسسه الكرتونيه التي لم تفلح كل الدول و الحركات القوميه العربيه الجديده في جعلها أداه للترابط والتضامن العربي ..حتى قراراتها ومواثيقها ومن ضمنها (ميثاق الدفاع العربي المشترك) فإنه لم ير النور تطبيقا وعلى أرض الواقع ولو لمره واحده على الأقل منذ تاريخ انشائها (!!)..!

ومن نافل القول أن نذكر هنا أنه ومع ظهور النخب المثقفه الجديده والتي درس أغلب شخوصها في المدارس الغربيه منذ نهايه القرن التاسع عشر واستلامها لزمام القياده في أغلب الدول العربيه التي نالت استقلالها فيما بعد ، ظهر مااصطلح على تسميته بتيار الدفاع الاسلامي وكان على رأسه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده حيث وصف تلامذتهم في الحركه الاسلاميه المعاصره هذا التشرذم وحاله التجزئه الجديده ب (العوده الى عهود الجاهليه المظلمه) الأولى للأمه حين رجعت لتعيش (نظام القبيله) بكل أبعادها ومفرداتها السياسيه والعصبيه والوطنيه الضيقه ..وظهرت أول محاوله سياسيه للعوده الى النظام السياسي الآفل نجمه (الخلافه) حينما أسس الشيخ حسن البنا جماعه الاخوان المسلمين في مصر في العام 1928 محاوله إعاده إحياء فكره الدين والدوله كوجهان لعمله واحده ورافضا في ذات الوقت عبر أطروحاته نظام القبيله الذي يعني في أبسط معانيه أن كل قبيله تفكر في مصلحتها لوحدها .. وكل قبيله تقاتل وتدافع عن نفسها لوحدها .. وكل قبيله تخطط لوحدها ..وكل قبيله تضع دستورها وقوانينها الخاصه بها وترسم سياساتها الداخليه والخارجيه لوحدها .. وكل قبيله غير مسموح لها أن تتدخل في شئون القبيله الأخرى وإلاّ اعتبر ذلك تعديا على الحقوق وتقطيعا لأواصر الأخوه وانتهاكاً للسياده الوطنيه ،،

حتى اليوم ورغم مرو أكثر من ثمانين عاما على تأسيس جماعه الاخوان المسلمين لم تتمكن حركه اسلاميه واحده من استلام زمام الحكم في أي بلد عربي .. رغم نجاح نظيراتها في بلدان غير عربيه كإيران وتركيا بشكل متقارب ، وفي اعتقادي أن السبب في ذلك يكمن في أساليب عمل هذه الجماعه العريقه وطريقه تفكير قادتها ومنظريها ، فحتى اليوم يخلو الخطاب الحركي الاسلامي من حسم مسائل أساسيه وحيويه في مفردات النهضه المعاصره كمسأله الديمقراطيه وتبنيها .. ومسائل مهمه أخرى تتعلق بالحريات العامه وتداول السلطه وفصل السلطات وتحديد دور مؤسسات المجتمع المدني ومسأله استخدام العنف العسكري كاسلوب للتغيير ..

لقد مثل النظام الرسمي العربي الجديد وأدائه السياسيي والاجتماعي المتعثر في الواقع المعاش ولا يزال أكبر تحد لمختلف تيارات النهضه العربيه ، سواء كانت قوميه أم اسلاميه أم علمانيه ، والذي لا زلنا نعيش أسوأ ارهاصاته وتجلياته عبر تسجيل أعلى معدلات الفقر والبطاله بين شعوبها وتسجيل أدنى معدلات النمو في اقتصاديات دول التجزئه وعبر أربعه هزائم كبيره لحقت بالأمه في صراعها مع عدوها الأول اسرائيل وكان أخطرها سقوط القدس في يد الصهاينه بعد ما يقرب من ثمانمائه عام من تحريرها من الصليبيين .

مما يدعو للأسف أنه وبعد نحو خمسين عاما من الاستقلال (المفخخ) ، أضحى هذا “الإستقلال” ومعه السلام الوطني الكياني والعلم الرسمي عناوينا جديده للتمزق .. وبات الوطن (المايكروسكوبي) الجديد الذي أعطته “سايكس بيكو” لشعوب أمتنا اشاره صارخه للتجزئه والتفرق .. وتكرس واقع الحدود الماديه بين شعوب الأمه الواحده المطلوب حمايتها والدفاع عنها وباتت تجسيدا للتمزق والخصومه السياسيه و تكريسا للتبعيه الظالمه للقوى الغربيه المهيمنه و ربيبتها في المنطقه اسرائيل ..!

لا يختلف إثنان في وطننا العربي المغلوب على أمره أن الضحيه الأولى لاتفاق “سايكس بيكو” الإجرامي كانت “فلسطين” وشعبها العربي داخل الخارطه التي أعطتها اتفاقيه سايكس-بيكو للأمــه ثمنا لانتفاضتها في وجه الدوله العثمانيه الآفله المريضه آنذاك…. و تم الإستفراد بأهل فلسطين أبشع استفراد .. وإخضاعهم لأسوا حمله عنصريه تطهيريه عرقيه عرفها شعب من شعوب المنطقه منذ أن أشرقت شمس حضاره الاسلام فوق ربوعها..ولا زال الفلسطينيون يعيشون نتائجها على الأرض كل يوم تقتيلا وتهجيرا وذبحا وسجونا ومعتقلات دون أن تتمكن الأمه وشعوبها ا وعلى مدى سبعين عاما من الصراع من نجده إخوانهم في فلسطين وبقاع أخرى نجده حقيقيه فيما تعرضت بلدان عربيه أخرى للإحتلال والعدوان الغربي الغاشم في مصر والعراق ولبنان ومصر وسوريا..بل لقد طالت يد البطش الاسرائيليه تونس في الشمال الافريقي ..

كان منطق العصر التوراتي الجديد يفرض جبروته بالحديد والنار على الأمه من خلال الواقع الكياني المجزء .. ومن خلال حاله فكريه ثقافيه بائسه سادت في أوساط مفكري الأمه وقادتها ومثقفيها كانت عنواينها الأساسيه

* واقع ثقافي أساسه الانبهار الحضاري و القابليه للاستعمار..والنقل والتقليد بديلا عن الخلق والابداع..

* وواقع سياسي متخلف يتمظهر في أنظمه كرتونيه بوليسيه ضعيفه (أكثر من 23 نظاما سياسيا) أنظمه ضعيفه ، عاجزه ، متناحره .. يقف على رأس أولويات حكامها وحكوماتها الحفاظ على بقاء النظام الكياني واستمرار بقاء سلطته العاجزه المتعثره الخاضعه لحيثيات الاطار العام للسياسه التوسعيه للغرب عموما وربيبته في المنطقه اسرائيل المجرمه التي هجرت أكثر من نصف شعب فلسطين ولا تزال تحتلها ومعها هضبه الجولان وبعض أراضى جنوب لبنان

* فواقع اقتصادي بائس يعاني فيه حوالي تسعين في المائه من الشعوب العربيه من الفقر المدقع والحرمان فيما ينعم الباقي بالتمتع بخيرات الأمه ومقدراتها وهذا الجزء الأخير تعيش مجتمعاته واقعيا اقتصاديا فريدا حيث تشكل بلدانه سوقا استهلاكيه هي الأضخم مقارنه بعدد السكان في قاتي آسيا وأفريقيا مجتمعتين..

هذه هي معالم النظام الرسمي العربي الحديث ..فهل من الممكن لأي مواطن بسيط أن يؤمن بهكذا نظام ..إلا في حاله جهله بمفردات الماضي والحاضرأو اصابته بالخرف وبالجنون ..؟!

..وفي تقديري إن الحقيقه الأخطر والأهم في هذا السياق هي أنه لم يكن من قبيل الصدفه أن تتزامن خطه سايكس بيكو التي جاءت لتمزيق الأمه وذلك بعد تحطيم نظامها السياسي المتمثل بما تبقى من النظام السياسي للأمه مع صدور وعد بلفور الذي أعلن عنه بعدها بعام و الذي أعطى فلسطين لليهود الغرباء ..

هذا يعني ببساطه شديده .. أن (القضاء على النظام السياسي الرسمي الاسلامي وتفتيت الأمه وتمزيقها الى كيانات كان المقدمه الطبيعيه والمنطقيه لاحتلال فلسطين وإعطائها للصهاينه.. فلذلك ..أعتقد أنه لن تعود فلسطين الى الأمه الاّ بعد أن تعود الوحده الى كيانات الأمه وتتوحد أقطارها في دوله واحده موحده ..

لقد فشلت كل الحركات والأحزاب النهضويه القوميه العربيه في إعاده تجميع الشعوب العربيه وتوحيدها في اطار نظام رسمي عربي واحد جديد يتمثل في دوله واحده عصريه قويه تجمع بين إرث الماضي وضروريات الواقع وآمال المستقبل رغم كثره المخلصين فيها ..وانتهت العديد من محاولات الوحده بين بين العديد من الأقطار الى فشل ذريع ومثلت تجربه الوحده بين مصر وسوريا(1958-1961) احدى أهم هذه التجارب الصارخه ، كان السبب الأساس في رأيي هو تغييب الاسلام كنهج ونظام حياه في الخطاب القومي المعاصر .. نعم .. أجد أن كلمه “تغييب” هي أقل كلمه يمكن أن أصف بها (مؤامره) وضع ثلاثه عشر قرنا من الحياه الاسلاميه على أرفف مكتبات النخب والمثقفين والسياسيين القوميين العرب المعاصرين ..! اضافه الى سبب أساسي لا يقل أهميه عن الأول ويكمن في عدم الجديه في حمايه دوله الوحده وتطلعاتها وسياسه التراخي التي واجهت بها دوله الوحده محاولات الانفصال بين أقطارها الموحده والعوده الى واقع التقسيم والتجزئه ، لقد أسهم تردد الرئيس المصري الراحل عبد الناصر في التصدى لرغبه الانفصال من قبل بعض السياسيين السوريين المرتبطين وقتذاك بالقوى الاقليميه والدوليه المستكبره الى تحطيم حلم أول دوله عربيه موحده ، فيما يجدر هنا كيل المديح الصادق الى الرئيس اليمني على عبد الله صالح الذي واجه محاولات الانفصال بعد توحيد اليمنين بالقوه المشروعه المسلحه وهو عمل داخلى مشروع أقره الشرع الحنيف كما أقرته كافه المواثيق الدوليه كأحد عناصر السياده للدوله وكحق من حقوقها لحمايه وحده أراضيها بكل الطرق والوسائل .

لكن الدرس الأهم الذي من المفيد هنا أن نذكره يكمن في ضروره العوده الى تبني فكره الاسلام ذاته كمنظومه ثقافيه وسياسيه واجتماعيه متكامله للدوله وللافراد ، الاسلام الذي وحّد الأمه بعد أن فرقتها القبائل والعصبيات..الاسلام الذي مثّل هويه ثقافيه راسخه وبديلا حضاريا متجددا و حقيقيا لكل ما هو طارىء ودخيل على ثقافه الأمه وأصالتها ..

وهنايجدر هنا أن لا ننسى المقوله الخالده للخليفه الراشد الثاني عمر بن الخطاب(رض) والتي تقدم العلاج الدائم لمشاكل الأمه وتمزقها حينما قال:

( نحن أمه أعزنا الله بالإسلام .. فإن ابتغينا العزه في غيره أذلنا الله .. )

الطريف في هذه المقوله الخالده أن صاحبها رضوان الله عليه قد قالها لأحد الصحابه وهم في الطريق لفتح بيت المقدس وقبيل تسلم الخليفه الثاتي مفاتيح مدينه القدس من مطرانها صفرونيوس ..!

آفاق التغيير وشروطه :

 

لا شك أن عمليه تغيير هذا الواقع اللاانساني في المجتمعات العربيه أصبحت ضروره حتميه من ضرورات بقاء هذه الأمه التي استعصت -ولاتزال-عن الانحلال والزوال بالرغم من كل ماأصابها من محن وكوارث ..وفي رأييي أن هناك ثلاث طرق رئيسيه للتغيير :

أولا : التغيير من داخل النظام الرسمي

بمعنى استخدام المساحه المتاحه من قبل النظام الرسمي وادوات التغيير التي يمثلها يقدمها النظام من خلال بنيته السياسيه وهياكله الحزبيه لاحداث التغيير والقبول بأسس اللعبه السياسيه التي وفرها النظام لشرائح المجتمع ..سواء عبر أنظمه انتخابات مفصله على مقاسات مصلحه النظام أو عبر هياكل تمثيليه للشعب تعمل وفق شروط النظام وليس شروط المعارضه .. ولا شك أن هذا الأسلوب قد فشل أن يقدم إجابات حقيقيه للأمه ومشاكلها المزمنه .. وأدخل قوى المعارضه في شرك التبعيه لهذا النظام وليس الخصم له ..

ثانيا : التغيير من خارج النظام الرسمي

وذلك بأن يلجأ أقطاب التغيير الى استخدام وسائل خارج منظومه (المشروعيه) التي تعتمدها الدوله لاحداث التغيير ومنها الثوره المسلحه أو العنف المطلق أو الانقلاب العسكري أو الركون الى قوى حربيه خارجيه لتحطيم النظام كما حدث في العراق على سبيل المثال لا الحصر ، وهو الأمر الذي لم يعد يخفى على أي مراقب حصيف مخاطره وآثاره السلبيه على بنيه المجتمع وتركيبته الاجتماعيه واستقراره المستقبلي ..

ثالثا: التغيير السياسي الاجتماعي المدني

..وهو الذي يعتمد في الأصل على استنفار قوه الشارع وجماهيره ويرتكز أساسا على فلسفه أن الواقع السياسي ليس إلا مراكمه لمحصله مجتمعه من الممارسات والثقافات الجمعيه لقوى المجتمع وشرائحه وبالتالى فهو انعكاس له -حتى لو لم تكن ظاهريا تعبيرا كاملا عنه- ، ولذلك فالتغيير يجب أن يحمل خطابا ثقافيا جديدا يستند الى ثوابت الأمه ومحدداتها الفكريه المرتكزه على تراثها وأصالتها موجها أساسا وأولا الى هذه الشرائح في محاوله لمعالجه أزمتها الطارئه ومحتواها الثقافي المشوّه وأداء أفرادها المضطرب بالتوازي مع عمليه التغيير التي يفترض أن تطال النظام السياسي كهدف قريب ،

وهذا الأسلوب لا أجد بديلا عنه فهو يستند الى مبدأ مواجهه الخصم (الدوله البوليسيه) باستخدام السلاح الذي تخشاه الدوله هي نفسها وحلفائها لا السلاح الذي تخشاه حركات التغيير رموزا ونشطاء وتجمعات بشريه ..

فما تخشى منه حركات التغيير هو أمور كثيره تتراوح -على مستوى الأفراد- بين الطرد من الوظيفه العموميه أو السجن أو النفي أو التضييق في الرزق أو التشويه الشخصي وعلى مستوى الهياكل الحزبيه والنقابيه السعي لإخراج هذه الهياكل من تحت مظله القانون والتضييق عليها في موازناتها وقطع التواصل بينها وبين قواعدها الشعبيه ..

كل هذه الأدوات التحطيميه لا ينبغي على الحركات التغييريه أن تردعها عن القيام بدورها المجتمعي التغييري وعليها بالتوازي وهي تتصدي لهجمه النظام على مؤسساتها وأفرادها استخدام السلاح الذي يخشاه النظام الرسمي نفسه .

وللتفصيل هنا ينبغي أن الرجوع قليلا الى الخطاب الرسمي للدوله البوليسيه العربيه الحديثه ومقوماته .. فهذا الخطاب يستند في مشروعيته الواهيه الى العديد من العناصر أهمها .. أولا : أن النظام الرسمي يمثل القانون وهو أداته وكل حزب أو إطار سياسي أو تجمع مهني غير مرخص هو خارج نطاق المشروعيه وبالتالي فإنه يستحق العقاب سواء بالطرد من (رحمه النظام) أو بالاعتقال ..أو ..ألخ.. وثانيا: أن من يلجأ للاحتماء بقوي داخليه من خارج القانون أو قوى خارجيه – حتى لو كانت عربيه- فلا شرعيه له وثالثا : أن النظام هو الوحيد القادر على إرساء تنميه اقتصاديه حقيقيه للبلد وتحقيق أفضل توزيع للثروه بين أبنائه وكافه الاجراءات والخطط الاقتصاديه للنظام هدفها المصلحه العامه ..

هذه تقريبا هي مقومات ومعالم الخطاب الرسمي لتبرير تغوّل الدوله العربيه المعاصره وأدائها المتعثر، ولا شك أن الكثير من ادعاءات دول النظام الرسمي العربي ليست إلا غلافا براقا يغطي على عورات أعمالها وأدائها البائس على مختلف الصعد والميادين ….لذلك فإن أخشى ما تخشاه الدوله العربيه البوليسيه المعاصره هو أن تصبح قوى المعارضه قوه شعبيه حقيقيه لها ثقلها الكبير في الشارع العربي خلافا لكل خططها بعزلها .. لذلك فينبغي على المعارضه خلق وتطوير أداه فاعله لمخاطبه الشارع وتنظيم حركته الاحتجاجيه كي تستمر حاله الانسجام والتواصل بينها وبين القوى الحيه داخل المجتمع ..وهذه الأداه تتمثل في حزب أو إطار سياسي طلائعي جامع يمثل أغلب الشرائح السياسيه والاجتماعيه ويستمد قوته منها ويرتكز في محصله خطابه على برنامج سياسي تغييري واضح وشامل تلتف حوله كل قوى المعارضه وتعمل من خلاله ..

كما أن أخشى ما يخشاه النظام هو أن نستفيد قوى المعارضه من بقائها داخل إطار القانون وليس خارجه وبالتالي فهو يسعى لخلق كافه المبررات لعزلها وإخراجها من داخل إطار المشروعيه .. لهذا على المعارضه أن تتمسك بوجودها القانوني داخل الاطر والهياكل السياسيه في المجتمع حتى لو أدى ذلك تكتيكيا الى التنازل عن بعض ثوابتها الاييولوجيه بالذات (قياسا للنموذج التركي ).. وبالتالى لابد للمعارضه من اطار حزبي شامل طلائعي مرخص وبغض النظر عن المسميات ..

وكذلك فإن أخشى ما يخشاه هو أن يتحول إطار المعارضه الى حاله شعبيه عارمه مؤطره تسود الشارع العربي من المحيط أقصاه الى أقصاه وتصبح مطالب الجماهير العربيه وشعاراتها واحده وموحده ، وبالتالي يصعب على نظام رسمي قطري بمفرده مواجهه هذا الاطار والتصدي له لهذا ينبغي على هذا الاطار التغييري أن يسعى الى بلوره إطار شعبي قومي فاعل يتمظهر بواجهه حزبيه واحده في كل الأقطار العربيه وترتبط بقياده توجيهيه شوريه واحده يتمثل فيها غالبيه هذا الأقطار ولكن بشرط أن لا يرتبط هذا الأطار بتاتا بأي من الأنظمه القائمه حتى لو تقاربت شعاراتها وخطابها الأيديولوجي من خطاب المعارضه وهنا سيكون من الصعب على الدوله الرسميه القطريه أن تحارب هذه الطليعه التغييريه تحت حجج عدم الانتماء للوطن والتبعيه والولاء لنظام محدد أو لأنظمه خارجيه … هذا الطرح يستمد منطقيته من كون أن النظام الرسمي أصبح يحارب قوى المعارضه بشكل جماعي وينسق بين أجهزه مخابراته ويوحد جهودها لضرب أيه محاوله نهضويه توحيديه ، لذلك ينبغي مواجهته بإطار جبهوي شعبي واحد تمتد فروعه ولجانه الفاعله في كل العواصم والمدن العربيه ، لكل ذلك لابد من أداه وإطار تغييري فاعل موحد ينشد التغيير القادم ، حزب طلائعي وحدوي جديد وبمسى جديد يعيد صياغه المشروع القومي الإسلامي المعاصر الذي وضع لبناته الأولى الإمام جمال الدين الأفغاني ومن بعده الشيخ محمد رشيد رضا..وتقديمه لجماهير الأمه في حلّه حركيه عصريه واعده تعيد الإعتبار لشعار الوحده بين الأقطار العربيه كمطلب حياتي وهدف مركزي قريب وهمّ يومي لأبناء الأمه وتكرس فلسطين كهدف قادم للتحرير.. وتجسد الإسلام سلوكا ومنهجا ونمط حياه في أطرها السياسيه وواقعها الإجتماعي . نحتاج في الشرق المسلم اليوم وفي شمال أفريقيا أن يكون هناك اطارا سياسيا جديدا جامعا لكل المخلصين الاسلاميين من أبناء الأمه والوطنيين الأصلاء .. وتشكيل نواه طلائعيه لهذا الحزب.. ترتبط بقواعد و فروع في كل البلدان العربيه وبقياده واحده يتمثل فيها كافه الجنسيات العربيه (المؤقته) والشرائح الإسلاميه أساسا والوطنيه الصادقه التى تؤمن بالإسلام كنموذج ومنهاج للدوله وتؤسس لنظامها السياسي الفريد وتدور فيها عجله الحياه الإجتماعيه والاقتصاديه استنادا للقرآن والتعاليم النبويه الكريمه وتضم كافه العلماء والمناضلين والمثقفين الذين يملكون تاريخا ناصعا من مقارعه النظام الحاكم وممن يتمتعون بنفس طويل للعمل .. ومستعدون لدفع التكاليف من جل وقتهم ومن مالهم الشخصي ومن أنفسهم وليس من فُضاله أوقاتهم ومالهم ..!!

نحتاج لهذا الإطار السياسي الجامع المبني على أساس شوروي ديمقراطي حركي .. نعم ديمقراطي بكل مالهذه الكلمه من مضامين تطبيقيه معاصره -باستثناء ما خالف الشرع الحنيف- .. إطار يستند الى كل معاني الشوري والديمقراطيه في صياغه هياكله القياديه العليا وفي اتخاذ قراراته وفي طرح أفكاره وبلورتها.. وانتخاب قياداته الطلائعيه .. على مستوى الأمه كلها وليس على مستوى القطر الواحد .. حزب يضم السوري والمصري والأردني واللبناني والعراقي والفلسطيني والسوداني والخليجي واليمني و المغربي .. وكل الجنسيات التي كانت ولا زالت عناوينا للتمزق والتفرق .. لتنصهر جميعها ضمن هذا الإطار الطلائعي الجماهيري الواحد وتحت قياده توجيهيه واحده، واستناداً لبرنامج عمل واحد .. لا برنامجين ..شعاره الأساسي: السعي لتوحيد الأقطار العربيه في دوله وحده واحده ..حزب طلائعي عامل تقوده قياده آمره واحده لا قيادات متعدده .. قياده علماء ومثقفين باعوا أنفسهم وأرواحهم في سبيل الله .. ولم يفلح النظام الرسمي بشراء عقولهم أو ضمائرهم بمنصب دنيوي هنا أومركز اعتباري هناك ..شعارهم الأساسي:”المثقف أول من يواجه .. وآخر من ينكسر “ علماء يخرجون من مقابر الدعاه .. يحطمون هذه المقابر التى نصبت لهم ولكلماتهم السحريه منذ زمن الإنتداب الغربي .. ويقلبون الأرض عاليها سافلها .. ويحولون الواقع الساكن – المستنقع – الى ورشه عمل عظيمه وخليه نحل متفانيه علماء كبار حقيقيون .. يتجاوزون قوالب العمل التقليديه ..والإجتماعات الكرنفاليه الإحتفاليه ..والفتاوي المريحه خلف الفلل والمساكن المريحه التي ارتضاها البعض لأنفسهم .. علماء يخرجون الى الشوارع والأزقه والميادين العامه انتصارا لمصالح الأمه وآمالها وتطلعاتها..يرفعون أصواتهم ضد الظلم وضد المرحله .. وضد الإستكبار الغربي الغاشم والإرتهان لسياساته المجرمه .. علماء ومثقفين يتصدرون مقدمه التظاهرات في السلم ومقدمه الجيوش في الحرب .. علماء أبطال أشاوس من نسخه من سبقهم كإبن تيميه والعز بن عبد السلام وأسد بن الفرات وعبد الكريم الخطابي وبن باديس وعبد القادر الجزائري وعمر المختار وعز الدين القسام وأحمد عرابي .. بهذه النماذج وبأمثال هؤلاء العلماء وحدهم يمكن للأمه أن تصنع فجرها القادم لا محاله وأن تحقق نصرا عزيزا غاليا لطالما انتظرته الأجيال على مدى عقود طويله مضت ..حزب تقوده هذه الطليعه المؤمنه العامله التي ستنتصر حتما إن انتصرت لله عز وجل ومصالح الأمه كل الأمه وابتعدت عن كل أشكال العصبيات القبليه والفئويه والعرقيه والمذهبيه الضيّقه .. حزب يتبنّى في برنامجه التطبيقي سياسه حركيه واحده لا سياسات متعدده ومتباينه ، سياسه واحده لا تستند (لأكذوبه) “أهل مكه أدرى بشعابها”

التي سمحت ببعثره أوراق وصفوف الحركات الوطنيه والاسلاميه بما يتفق ويتلاءم مع وقائع سايكس بيكو على الأرض وأنظمته الكيانيه ..سياسه واحده تتحرك ضمن إطار عام يلحظ خصوصيات الأوضاع السياسيه والإجتماعيه في بعض الأقطار دون أن يغرق في تفصيلاتها التى يمكن أن تصطدم مع الإطار العام للسياسه الحركيه العليا..وبالتالي تقع بسببه الطليعه التغييريه في فخ النظام الكياني الهزيل وتفاصيليه التقسيميه المنتنه وهما تجدر الملاحطه الى أنه منذ وفاه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تراجعت كل الدعوات للوحده القوميه مع أنها مصير أمه وضروره حياه .. وانكفأت حتى الحركات القوميه والاسلاميه على نفسها.. وعلا فيها الخطاب القطري الوطني الضيق – خطاب القبيله -حتى بين بعض الجماعات الاسلاميه العريقه ..

ولا يستهينن أحد بما يمكن أن تحققه الأمه لو اجتمعت وتوحدت وأعادت ارساء أسس نظامها الرسمي العربي الجديد فثمرات الوحده هي أكثر مما يمكن تعداده..ومنها : اعاده توزيع الثروه الوطنيه وخاصه الثروه النفطيه الهائله بين أبناء الأمه وولاياتها..كما أن وحده الأمه من ثمراتها تعزيز الإستقلال الإقتصادي وتفسيخ نظام التبعيه والإرتهان الإقتصادي للغرب الحاصل حاليا ومنذ عقود طويله خلت ، وذلك بإقرار وتفعيل سياسات التكامل الإقتصادي بين مختلف الولايات العربيه بعضها ببعض لسند النقص الذي تعانيه بعض الولايات من بعض المنتجات عن طريق التزود بها من ولايات أخرى تنتج هذه المنتجات يزيد فائض الإنتاج منها عن حاجتها،وهو ما يؤدي الى تحرير الإقتصاد الوطني من التبعيه للإقتصاديات الغربيه الربويه و تعزيز أسس الصناعه الوطنيه وركائزها خاصه الصناعات المتقدمه وذلك بالاستفاده من عشرات مليارات الدولارات المستثمره في البنوك الغربيه وتحويلها للإستثمار في قطاعات البنيه التحتيه للصناعه الوطنيه وعبر تشغيل ملايين العمال والفنيين العاطلين عن العمل الذين لا يزالوا يثقلوا كاهل العديد من اقتصاديات الولايات العربيه كمصر وسوريا..إن كل ذلك سينعكس ايجابا كذلك على قدره الأمه وشعوبها على الدفاع عن نفسهاوذلك عبر إعاده بناء الجيش العربي المصطفوي جيش الدوله العربيه الإسلاميه الواحده جيشا واحدا موحدا لكل الولايات العربيه الإسلاميه ، جيشا مجاهدا مخلصا متفانيا عصريا يتشرّب جنوده أسس الثقافه التعبويه الدينيه وروح الفداء والشهاده في الإسلام ومدافعا عن قضايا الأمه ساعيا للمشاركه في تحرير الأراضي الاسلاميه المحتله من الصهاينه وحلفائهم المعتدين في فلسطين وفي لبنان وفي العراق وفي أيه أرض عربيه اسلاميه يُعتدى عليها ،(هزني من أعماقي ماسمعته من أحد الخبراء العسكريين المصريين وهو لواء متقاعد حينما سألته مقدمه إحدى الفضائيات العربيه عن سبب تسميه الجيش المصري بالجيش الثاني والجيش الثالث ..متسائله أين الجيش الأول ..؟ فأجاب : إنه الجيش العربي السوري ، وهذه المسميات الثلاثه ماتزال باقيه من موروث الوحده ويتمسك بها الجيش المصري الباسل .. طوبى لك من جيش مصري عربي أصيل والنصر حليفك بحول الله ومشيئته ..يا من جنودك هم خير جند الأرض ..)

وأخيرا فلا شك أن من أهم ثمار الوحده.. هو أن تستأنف الأمه ومن جديد أداء رسالتها الخيريّه والإنسانيه لكل بني البشر .. الرساله التي خولها لها رب العزه لنشر تعاليم الإسلام والدعوه لتوحيد الله عز وجل ومكافحه الظلم والطغيان وذلك بعد أن تتوحد شعوبها وتقيم أسس دولتها الإسلاميه العصريه التي ينبغي أن يُضرب بها المثل كنموذج إيماني عصري فريد للدوله الاسلاميه المعاصره وسلطاتها الشوريه وأطرها ومؤسساتها القياديه الفاعله ومجتمعها المدني العامل ، ومن خلال تعدديه دينيه تعيش وفقها الطوائف والأديان كما عاشت في العهود الأولى استنادا لنسق إيماني حضاري واحد مترابط ومتسامح ومتكافل ..

.. الأمه تحتاج اليوم لتحقيق نصر حقيقي تفرح به جماهيرها من طنجا وحتى البصره وما بعدها .. نصرُ تنجزه هي عن طريقها هي وبإرادتها وبامكاناتها هى مجتمعه ..كل ذلك ..وبعد أن تكون قد أعدت العده كاملا ووحدت الأفراد والجهود والطاقات عسكريا ولوجستيا ومعنويا واقتصاديا وفق مقتضيات شرع ربها .. كي يقدم لها الله عز وجل العراق أبتداء وبعدها فلسطين وبيت المقدس كأجمل هديه للإنتصار التاريخي الكبير ..ثمره لوحدتها وتوحدها ..ومكافأه لها على انتصارها للدين ولقيم الاسلام ومبادئه ، ولن تتسلم الأمه كل الأمه هذه الهديه .. الا بعد أن تستحقها .. ولن تستحق الأمه فلسطينها ..وبيت مقدسها إلا بعد أن تدفع الثمن وتبذل الغالي والرخيص من دمها ومهجها وأرواحها وجهدها ومالها وعرقها ..هكذا فعل النبي موسى عليه السلام وهكذا فعل رسولنا وقدوتنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وخليفته من بعده عمر بن الخطاب وهكذا فعل الناصر صلاح الدين الأيوبي والقاده المجاهدين من بعده

وختاما يجدر بنا هنا الوقوف عند حقيقه تاريخيه في هذا السياق وهي تتعلق بالنصر ، فدائما وأبدا كان النصر يأتي بعد الوحده .. دائما وأبدا كانت الشام ومصر عنوانان مركزيان للوحده ،عنوانان مركزيان للإنتصار .. بدونهما من العبث الحديث عن نصر حقيقي أو وحده فاعله ..فأي نصر يتحقق باستبعاد أحدهما دون الآخر أو كلاهما هو نصر تلفزيوني وهمي ناقص .. وأي وحده تتحقق في دنيا العرب والمسلمين بدونهما هي وحده واهيه ركيكه عرجاء ..أما الدرس الثاني في هذا السياق فيكمن في أن مسأله قوه وتماسك الساحه الوطنيه الداخليه و حمايه البنيه الداخليه لدوله الوحده وطلائعها وهما شرطان أساسيان للحيلوله دون انهيار دوله الوحده وتعرضها للتفسخ والإندثار وتجربه الرئيس عبد الناصر ما زالت ماثله للعيان ..!

*