مدة القراءة: 9 دقائق

نظم مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات حلقة نقاش لمدة يومين (30-31 أيار / مايو 2006) تحت عنوان: “منظمة التحرير: تقييم التجربة وإعادة البناء” في أوتيل كراون بلازا في بيروت. وفي كلمته الافتتاحية قال مدير المركز الدكتور محسن صالح: يأتي عقد هذه الحلقة في الذكرى الثانية والأربعين لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، تلك المنظمة التي نشأت سنة 1964 والتي سعت إلى التعبير عن الهوية الوطنية الفلسطينية وعن إرادة الشعب الفلسطيني في الحرية والتحرير والعودة والاستقلال؛ وأضاف أن موضوع إعادة بناء منظمة التحرير من أهم المواضيع الساخنة على الساحة الفلسطينية، والشعب الفلسطيني أمام مفترق طرق عليه أن يقرر فيه إما المضي في عملية إصلاح البيت الفلسطيني والوصول إلى برنامج وطني فلسطيني جامع، والاتفاق على التداول السلمي للسلطة، وحرمة الدم الفلسطيني، وتحقيق أقصى درجات الشفافية، واستغلال كافة الطاقات من كافة الاتجاهات لتحقيق تعبئة وطنية حقيقية في مواجهة المشروع الصهيوني؛ وإما الوقوع في مزيد من التدهور والتراجع سيستفيد منه الطرف الاسرائيلي في فرض شروطه وبناء حقائق جديدة على الأرض.

بعدها بدأت أعمال الحلقة بالجلسة الأولى التي أدارها الأستاذ محمود سويد وقدمت فيها ورقتان الأولى لممثل منظمة التحرير الأسبق في لبنان الأستاذ شفيق الحوت تحدث فيها بشكل عام عن منظمة التحرير الفلسطينية فقد سرداً موجزاً عن الماضي والواقع معتبراً أن ذلك ضروري لاستنباط العبر والدروس وترشيد تطلعاتها، وقال إنه لا بد من الاتفاق على لغة موحدة بين الجميع حول معظم المصطلحات التنظيمية كنقطة انطلاق، فعن أي منظمة تحرير يجب التحدث، وعن أي وطن؟ وعن أي شعب؟ وتساءل لماذا عن مغزى الحديث عن حق العودة وإهمال الحديث عن الحق في التحرير. وأضاف أن الفلسطينيين بحاجة إلى تجمع جديد يقرب بالتعددية وتداول السلطات ويكون وحده المرجعية الوطنية صانعة القرار. وشدد على ضرورة استرجاع المنظمة خاصة وأن لها رصيد قوي عربي ودولياً، ولأن جميع فصائل الثورة (ما عدا حماس والجهاد) عملت داخل إطار المنظمة لعقود من الزمن ولا شك إنها تملك من التجربة ما يساعد على إحداث عملية التغيير المطلوبة. وأكد أن أي حل يمس الثوابت الفلسطينية هو حل مرفوض بالإجماع، ودعا إلى تعبئة الشعب الفلسطيني من أجل الصمود والمقاومة في وجه أسوأ الاحتمالات وحذر من تقسيم الشعب الفلسطيني إلى شعوب ودعاه إلى التمسك بالثوابت الوطنية كما دعا إلى وقف الابتزاز المشين للشعب الفلسطيني بالشتات. ودعا الفصائل والقوى الفلسطينية لتشكيل لجنة تحضيرية لتضع تصوراً مشتركاً حول كيفية استرداد منظمة التحرير الفلسطينية.

 الورقة الثانية كانت بعنوان: “تطور الوعي الفلسطيني بمنظمة التحرير”، تحدث فيها الأستاذ نافد أبو حسنة عن تكوين المنظمة وما رافقه من اتجاهات ومواقف، ثم عرض لوضع منظمة التحرير ما بين مرحلة التكوين والنكبة الثانية، وتحدث عن التغييرات التي طرأت على بنيتها وهياكلها وبرنامجها وتأثير الانتفاضة وما رافقها من صعود نجم الحركات الإسلامية على المنظمة، كما تحدث عن الجمود الذي أصاب المنظمة بعد أوسلو وأكد على ضرورة إطلاق إعادة تأسيسها، ببرنامج وطني واضح، تكون هي أداة تحقيقه، مؤكداً أن هذا هو ما يريده الشعب الفلسطيني من المنظمة خصوصاً وهي محط إجماع القوى مجدداً، والملاذ الذي يمكن اللجوء إليه لإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني كله. وحتى لا يتكرّس افتراق نهائي بين المنظمة كنظام رسمي هش ومتهالك، وبين الشعب الذي ما يزال مشرداً أو تحت الاحتلال.

وفي الجلسة الثانية التي أدارتها الدكتورة بيان نويهض الحوت قدم الأستاذ تيسير الخطيب ورقة بعنوان: “قراءة نقدية في الميثاق الوطني-نحو ميثاق وطني جامع” قال فيها: إنّ الوقائع الراهنة تؤكدُ أهمية إعادة بِناء منظمة التحرير الفلسطينية على أُسسٍ جديدة وإعادة صياغة ميثاقٍ وطنيٍّ فلسطيني أو الاتفاق على اعتماد الميثاق الوطنيّ الفلسطيني قبل إلغاءِ بعض بنودِهِ استجابةً للضغوط الأميركية ولا يمكن أن يتمَّ ذلك كلُّه إلا من خِلال آلياتٍ واضحة ومُحددة ومعايير دقيقة لا تختزِلُ القضية الفلسطينية في فئةٍ مُحددّة أو فصيلٍ مُعيّنٍ ولا تُميّز بين الفلسطينيين المرابطين في فلسطين والفِلسطينيين اللاجئين إلى خارج فلسطين وتُعطي دوراً حقيقياً في صياغةِ هذا المشروع الوطنيّ للمفكرين والمثقفين والجمعيات الأهلية الفلسطينية في داخل الوطن وخارجه.

أما الورقة الرابعة فقدمها الدكتور محسن صالح تحت عنوان : “المجلس الوطني الفلسطيني إعادة التشكيل وعدالة التمثيل” دعا فيها أن يسعى الفلسطينيون بمختلف فصائلهم وشرائحهم إلى الوصول إلى برنامج وطني مشترك، بحيث يتمكنون من العمل ضمن بناء مؤسسي موحَّد، والاتفاق على ميثاق شرف يؤكد على حرمة الدم الفلسطيني، وعلى التداول السلمي للسلطة، وعلى تفعيل م.ت.ف ومؤسساتها، وعلى تكريس مبادئ المحاسبة والشفافية. وعمل جدول زمني محدّد، يؤدي (بالسرعة الممكنة) إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني. بالإضافة إلى تشكيل لجنة عليا فاعلة، وذات صلاحيات تنفيذية حقيقية، لعمل الترتيبات اللازمة لإنشاء مجلس وطني فلسطيني جديد. وتشكيل لجان محلية في الأقطار المختلفة للتحضير، لانتخاب ممثليها في المجلس الوطني. وتشجيع مؤسسات المجتمع المدني في الداخل والخارج حتى تؤدي دورها في التوعية، وفي عمل مجموعات الضغط باتجاه تشكيل مجلس وطني تمثيلي حقيقي للشعب الفلسطيني. ودعا أيضاً إلى التنسيق مع الحكومات والأنظمة الرسمية، ومؤسسات البحث العلمي المهتمة بالشأن الفلسطيني، لحصر أعداد الفلسطينيين وتسجيلهم وترتيب مشاركتهم في انتخابات المجلس الوطني.

الورقة الخامسة في الحلقة كانت للدكتور أحمد سعيد نوفل (أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك) بعنوان: “نحو علاقة صحيحة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية” شدد فيها على ضرورة  التأكيد على ثوابت القضية الفلسطينية في جميع جوانبها، وإعادة بناء المهام الوطنية الفلسطينية المطلوبة التي على المنظمة القيام بها. مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع الجديد في بنية النظام السياسي الفلسطيني والاتفاق على برنامج مشترك يشكل القاسم المشترك بين جميع الفصائل الفلسطينية الفاعلة حسب قوتها في الشارع الفلسطيني. ودعا إلى توزيع عضوية المجلس الوطني الفلسطيني على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والفلسطينيين في الشتات ووضع ميثاق جديد لمنظمة التحرير حسب ما تقرره الأغلبية المنتخبة داخل المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية بعد تشكيل المجلس الوطني الجديد ودخول حركتي حماس والجهاد الإسلامي للمنظمة. كما أكد على ضرورة تقوية المنظمة ومؤسساتها، لكي ترسم السياسات وتضبط التحرك وتفعّل الطاقات الفلسطينية. ورأى أن تقوية المنظمة سيؤدي إلى تقوية السلطة الفلسطينية في الداخل ويجعلها المرجعية الرئيسية للقضية الفلسطينية كما كانت قبل اتفاق أوسلو، وضرورة الفصل بين الرئاسة الفلسطينية للسلطة الفلسطينية وبين رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وتحديد الصلاحيات بين الرئاسة الفلسطينية وبين الحكومة الفلسطينية، وكذلك بين المجلس الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير وبين المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية.

وفي الجلسة الأخيرة التي أدارها الدكتور عزام التميمي، قدم الأستاذ منير شفيق الورقة السادسة تحت عنوان: “منظمة التحرير الفلسطينية وتجربة الوحدة الوطنية الفلسطينية: إدارة الشؤون الداخلية” قال فيها: إن البرنامج الوحيد الممكن، ومن دون مساومات غير مبدئية من أي طرف، ومن دون بحث عن صيغ غامضة حمّالة أوجه، أو نقاط متضاربة متناطحة، هو البرنامج الذي يرد على ما يسمى “الحل النهائي” أو “الفصل من طرف واحد”، والذي خلاصته هدم الجدار، وتفكيك المستوطنات، وإنقاذ القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ومنع استيطان الأغوار، ودحر الاحتلال إلى ما وراء خطوط هدنة 1949 أو ما يسمى خطوط ما قبل الخامس من  حزيران/ يونيو 1967 مع التشديد على الاحتفاظ بحق العودة. وإذا ما تحقق ذلك يمكن أن تقوم الدولة على أرض محررة مستقلة، وعندئذ يكون لكل حادث حديث في ما يتعلق بالبرنامج اللاحق على ضوء النتائج التي ينتهي إليها تحقيق هذا البرنامج. ويتبع تحديد أهداف البرنامج مسألتي الإستراتيجية والتكتيك أو وسائل النضال لتحقيقه. وهنا يمكن الاتفاق على أشكال المقاومة المناسبة فلسطينياً وعربياًً وإسلامياً وعالماً ثالثياً وعالمياً. بما في ذلك التوافق على القيادة الموحدة مثل لجنة المتابعة في الداخل والخارج. ورأى أنه لا يستطيع أحد أن يقول إنه لا يوافق على هذه النقاط، ولا يستطيع أن يدعي أنها برنامج أي فصيل يفرض نفسه على الآخرين. إنها حقاً القاسم المشترك الممكن بل الرد المباشرة على التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة مثل تحدي “فرض حل الجدار”. وهذا البرنامج يستبقي لكل فصيل ما يزيد عليه من نقاط تشكل هويته وبرنامجه التنظيمي فكل فصيل عنده ما يقول أكثر منه ولكنه لا يستطيع أن يفرضه على الآخرين إذا كان يريد الوحدة الوطنية والاتفاق على القواسم المشتركة و الرد على التحديات القائمة ومن ثم إعادة بناء م.ت.ف وتفعيلها وتحديد علاقتها بالسلطة لاسيما تصحيح العلاقة التي قامت بينهما بعد اتفاق أوسلو وتشكل السلطة حيث قادت السلطة م.ت.ف وليس العكس.

أما الورقة السابعة فقدمها الأستاذ صقر أبو فخر تحت عنوان :”إدارة المؤسسات لدى منظمة التحرير: الحرية الفكرية وحرية البحث العلمي في منظمة التحرير الفلسطينية -مركزي الأبحاث والتخطيط مثالاً” رأى فيها أن البحث العلمي في مركز الأبحاث وفي مركز التخطيط قدم إسهامات لامعة لا يمكن نكرانها على الإطلاق. وربما كانت الفترة التأسيسية للمركزين فترة الإخصاب الحقيقية والتي لم تستمر في كل منهما أكثر من عشر سنوات. لكن مرحلة الضمور لم تبدأ جراء هشاشة الإرادة الذاتية أو نتيجة لتدخلات القيادة السياسية بل، نتيجة لاندلاع الحرب اللبنانية بالدرجة الأولى. فالعمل في مناخ الحرب الأهلية من شأنه أن يجعل البحث والتخطيط مسألة لا تحظى بالأولوية، فضلاً عن أن الكثيرين من أصحاب الكفاءات ممن لم يتمكنوا من احتمال الأوضاع المضطربة غادروا مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية إلى الخارج. لكن، إذا كانت مؤسسات المنظمة لم تتمكن من إرساء تقاليد راسخة في البحث العلمي، ولم تتمكن من حماية مؤسساتها القائمة آنذاك كما جرى لمركز الأبحاث لاحقاً، فالغريب أن المنظمات الأخرى التي تلقت ملايين الدولارات من العراق وليبيا والجزائر، لم تتمكن من تأسيس مركز واحد ذي شأن على الرغم من محاولاتها المتكررة.

الورقة الأخيرة قدمها الدكتور سلمان أبو ستة تحت عنوان:” منظمة التحرير الفلسطينية وإدارة ملف اللاجئين” تحدث فيها عن أربعة ركائز لتفعيل حقوق اللاجئين أولها انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني على أسس نزيهة وديمقراطية، ومنه تتكون اللجنة التنفيذية التي تعطي اللاجئين الأولوية القصوى في جهودها. وثانيها إعادة تفعيل التربية الوطنية وثقافة العودة، وثالثها تفعيل دور المجتمع المدني بين اللاجئين في الداخل والخارج وتنظيمه في مؤسسات شعبية فعالة. ورابعها توثيق الصلات في المحافل الدولية الشعبية منها والرسمية.

اليوم الثاني

ويوم الأربعاء 31 أيار/ مايو تابع مركز الزيتونة برنامج حلقة النقاش فأدار الجلسة الرابعة في البرنامج الدكتور عدنان السيد حسين، وفيها قدم الأستاذ حلمي موسى ورقة تحت عنوان: “منظمة التحرير وإدارة المفاوضات مع إسرائيل” قال فيها: إن ميل منظمة التحرير الفلسطينية نحو التسوية كان في واقعه إقرار بفشل ليس فقط منهج المقاومة وإنما كذلك فكرة المصير العربي المشترك، ورأى أنه في الحديث عن المفاوضات بين السلطة وإسرائيل لا يمكن إغفال حقيقة أن النظام السياسي الفلسطيني كان يعيش برمته في ظل أسلوب فردي في القيادة انعكس على كل أوجه العمل. وكثيراً ما كانت قرارات المجالس والهيئات الشرعية في واد والأفعال التفاوضية في واد آخر. والأدهى أنه تم إجبار المنظمة من أجل نيل الشرعية على الموافقة مسبقاً بالتعهد بالعيش “مع إسرائيل ضمن حدود آمنة ومعترف بها”، وأنها تنبذ “العنف الفردي والجماعي” ولن تلجأ إليهما. وأشار أنه مع صعود حركة حماس إلى رئاسة الحكومة الفلسطينية وسيطرتها على أغلبية مقاعد المجلس التشريعي نشأ وضع جديد يصعب وصفه بالنسبة للمفاوضات الفلسطينية. صحيح أن المفاوضات بقيت تحت إمرة منظمة التحرير غير أن وجود حكومة فلسطينية برئاسة حماس يثير تساؤلات حول مدى التفويض الذي تحظى به المنظمة في هذا الشأن.

بعد ذلك قدم الأستاذ جواد الحمد ورقة الدكتور محمد السيد سعيد (نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية) بالنيابة عنه، وكانت تحت عنوان: “منظمة التحرير وإدارة العلاقات الفلسطينية العربية” اقترح فيها تركيز الجهد الفلسطيني على تدويل أو عولمة النضال الفلسطيني، أي جعلها مسئولية مشتركة لجميع الشعوب والنظم الثقافية. وأكد أن هذه العملية تحتاج إلى جهد كبير في صياغة الاستراتيجيات الملائمة وحل تعقيدات كثيرة قد تواجهها. وأضاف أنه من الممكن تصحيح العلاقة مع النظام العربي ومع المجتمعات العربية عندما تقطع الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية شوطاً أكبر وتحقق مستوى أعمق من عولمة القضية.

ثم قدم الدكتور عبد الله الأشعل ورقة بعنوان: “نحو دبلوماسية دولية جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية” تقويماً لتطور المنظمة ولعلاقاتها الدولية، و تحليلاً قانونياً لطبيعتها القانونية في إطار إدارة العلاقات الدولية لفلسطين وعلاقة المنظمة بالسلطة الوطنية بكل أجهزتها، كما قدم تصوراً لدبلوماسية المنظمة التي تستطيع بها أن تنتشل القضية الفلسطينية من تراجعها المستمر بسبب الدبلوماسية الإسرائيلية الناجحة. ورأى في كلمته أن المنظمة كانت تعامل على المستوى الدولي على أنها في مرتبة أعلى بكثير من كونها حركة للتحرر الوطني، إلى أن المنظمة تمثل حكومة المنفى الفلسطينية لدولة في طور النشأة توفرت لها أركان الدولة وهي الشعب والأرض التي استهدفتها إسرائيل بالالتهام، والشعب الذي استهدفته إسرائيل بالإبادة، ثم كانت المنظمة هي السلطة السياسية، فلم يفصل فلسطين عن وضع الدولة سوى الاحتلال، كما لم يفصل المنظمة قبل أوسلو عن الشعب والأرض سوى عدم اعتراف إسرائيل بالمنظمة. ورأى أن المسألة القانونية الهامة لموضوعنا فهي علاقة منظمة التحرير بالسلطة الوطنية، ومصير المنظمة أصلاً، وأضاف أن حكومة حماس ليست صاحبة الاختصاص للاعتراف بإسرائيل، وأن منظمة التحرير قد سبق لها الاعتراف بإسرائيل اعترافاً مبدئياً، ومن ثم فإن الإلحاح على مطالبة حماس بهذا الاعتراف هو مجرد ذريعة للتخلص من عملية سلام حقيقية. ولفت إلى أن الازدواج بين حكومة حماس ومنظمة التحرير في مجال السياسة الخارجية يمكن أن يحدث لبساً مما يضعف التمثيل الفلسطيني في الخارج، ولذلك يجب التنسيق الكامل بين هذه المؤسسات الفلسطينية الهامة.

 بعد ذلك أدار الدكتور حسن نافعة الجلسة الخامسة من حلقة النقاش والتي تمحورت حول إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية من وجهة نظر الفصائل الفلسطينية، فقدم الأستاذ فتحي أبو العردات تصور حركة فتح فدعا إلى الإسراع في إنجاز ما تم الاتفاق عليه في القاهرة آذار/ مارس 2005 فيما يتعلق في تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وانضمام حركتي حماس والجهاد إليها بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده وبما يتلاءم مع التغيرات على الساحة الفلسطينية وعلى أسس ديمقراطية وتكريس حقيقة تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. ورأى أن المصلحة الوطنية تقتضي تشكيل مجلس وطني جديدة قبل نهاية العام 2006 بما يتضمن تمثيل جميع القوى والفصائل والأحزاب الوطنية والإسلامية وتجمعات الفلسطينيين في كل مكان وكافة القطاعات والاتحادات والمنظمات الشعبية والمؤسسات والفعاليات على أساس نسبي.

بعد ذلك قدم الأستاذ أسامة حمدان تصور حركة حماس بالنسبة لإعادة بناء منظمة التحرير، فشدد على ضرورة صياغة الميثاق الوطني الفلسطيني على أساس التأكيد على الثوابت الوطنية (الأرض، الهوية الوطنية، إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، حق العودة، حق تقرير المصير، القدس، حق المقاومة)، والتأكيد على عروبة وإسلامية القضية الفلسطينية، ومراعاة المتغيرات التي حصلت منذ صياغة الميثاق عام 1968 وإعادة النظر في التنازلات التي أضرت بالقضية الوطنية وإلغائها. كما دعا إلى اعتماد مبدأ الانتخاب الحر والمباشر في اختيار أعضاء وقيادات المنظمة، وإلغاء نظام الحصص، والفصل التام بين مؤسسات ومواقع المسؤولية في م.ت.ف والسلطة، وتحديد مسؤوليات وصلاحيات كل جهة على قاعدة أن تكون م.ت.ف هي المرجعية العليا للشعب الفلسطيني، التي تدير الصراع مع العدو الصهيوني، فيما السلطة تدير أوضاع وشؤون حياة مواطني الضفة والقطاع فقط، وإلى إعادة النظر في النظام الأساسي واللوائح الفرعية وإلغاء الآليات الوسيطة ولاسيما المجلس المركزي. ولفت إلى ضرورة تفعيل دور السفارات والممثليات في الخارج لصالح حماية الجاليات الفلسطينية ورعاية شؤونها والدفاع عن الحقوق الوطنية.

وفي الجلسة النقاش الأخيرة التي أدارها الأستاذ وليد محمد علي قدم الأستاذ مروان عبد العال رؤية الجبهة الشعبية في إعادة بناء المنظمة فرأى أن آفاق الحل تكمن بالشروع بحوار وطني شامل، ينطلق من ثوابت وطنية ونواظم ومحددات، يمتلك أولاً إرادة حوار وليس إدارة حوار. لمواجهة الأخطار والصعوبات الداخلية والخارجية، ودعا إلى إعادة بناء المنظمة على أسس ديمقراطية تعددية وحدوية، جماعية بشراكة سياسية وتمثيل حقيقي لقوى وتجمعات وطاقات شعبنا الفلسطيني.

أما رؤية حركة الجهاد الإسلامي فقدمها الدكتور أنور أبو طه وقال فيها إن حركة الجهاد ترى أن هناك حاجة إلى ميثاق وطني فلسطيني جديد يراعي البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية، ويعكس المشهد القائم في ساحة العمل الفلسطيني اليوم.  ورأى أن مقررات المجالس الوطنية السابقة.. حاصل الإرادة السياسية التي أنتجتها في حينه، وليس هناك أي منطق يجعلها مسلطة على رأس الشعب الفلسطيني، وبالتالي فإنها بما فيها من تراجعات تنتمي إلى لحظة سياسية منتهية وليس إرثاً مقدساً غير قابل للتجاوز أو التغيير. وأضاف أن إعادة بناء منظمة التحرير تعني أن يكون برنامجها السياسي انعكاساً لرؤى القوى المكونة للمنظمة، وعليه فإن دخول حماس والجهاد الإسلامي إلى المنظمة يعني تغيير البرنامج السياسي الراهن للمنظمة لتكون بذلك ممثلاً لإرادة الشعب الفلسطيني، ورأى إن من متطلبات إعادة البناء إحداث فك ارتباط وفصل كامل بين المنظمة والسلطة، ليس في مسألة المناصب وحسب، بل أيضاً إلغاء كل أنواع التداخلات، ذلك أن السلطة لها اختصاصات محدودة، ولا إجماع عليها، وهي في كل الأحوال يجب أن تكون تحت إشراف المنظمة، لا أن تكون المنظمة جهازاً من أجهزتها، وليس للسلطة أن تفرض برنامجها على المنظمة أو أن يتم توظيف المنظمة لخدمته.

أما الورقة الأخيرة في حلقة النقاش فتمحورت حول رؤية الجبهة الديمقراطية لإعادة بناء المنظمة وقدمها الأستاذ سهيل الناطور، فرأى أن إعادة البناء تتطلب: تفعيل وتطوير مؤسسات م.ت.ف، وتطبيق إعلان القاهرة بهذا الشأن وفق جدول زمني ملزم، يشمل الدعوة الفورية لانعقاد اللجنة العليا المشكّلة من رئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني والأمناء العامين للفصائل الفلسطينية، وإيجاد صيغة مؤقتة تضمن مشاركة جميع القوى الفلسطينية، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، وتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني الجديد بالانتخاب الديمقراطي وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، والتوافق الوطني على كيفية تمثيل مناطق اللجوء والشتات التي يتعذر إجراء الانتخابات فيها، وتطوير عمل وأداء دائرة شؤون اللاجئين في م.ت.ف ومشاركة جميع القوى في تشكيلها ورسم سياساتها. بالإضافة إلى تشكيل مرجعية وطنية موّحدة لمدينة القدس وتفعيل سائر دوائر المنظمة وإحياء الصندوق القومي وفصله عن خزينة السلطة. والعمل على توحيد النقابات والاتحادات الشعبية وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية بانتخابات تعتمد مبدأ التمثيل النسبي.

 


أوراق عمل مؤتمر “منظمة التحرير الفلسطينية: تقييم التجربة وإعادة البناء”