مدة القراءة: 5 دقائق

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يعقد حلقة نقاش:
قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي: قراءة مستقبلية

           
  
بحضور نخبة من الخبراء والمختصين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب وحشد من المهتمين بالشأن الفلسطيني، عقد مركز الزيتونة للدراسات الاستشارات حلقة تحت عنوان: قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي: رؤية مستقبلية، في أوتيل كراون بلازا – بيروت يوم الخميس 17/11/2005 واستمرت يوماً كاملاً. ابتدأت حلقة النقاش بكلمة لمدير عام المركز الدكتور محسن صالح الذي رحب بالمشاركين وقال: “إن الاندحار الإسرائيلي يحمل ضمن دلالاته انتصار المقاومة وقدرتها على إجبار الكيان الإسرائيلي الصهيوني على تغيير أجندته سواء بالانسحاب غير المشروط أو بالاختباء والاحتماء خلف جدران الخوف والانعزال، ولكن حالة الانتصار لا ينبغي أن تفرغ من محتواها، إذ إن العدو الصهيوني يملك الكثير من الادوات والإمكانات الذاتية والدولية التي قد تمكنه من إفراغ انتصاراتنا من محتواها وربما تحويلها إلى حال هزيمة وتراجع إذا لم تحسن القوى الفلسطينية التعامل مع هذا الحدث الفاصل في التاريخ الفلسطيني المعاصر. 
  

بعد الافتتاح كانت ورقة البحث الأولى بعنوان: الرؤية الإسرائيلية لمستقبل قطاع غزة قدمها الأستاد أحمد خليفة وعقّب عليها الأستاذ حلمي موسى وأدار الجلسة العميد الركن ياسين سويد، في ورقته قال خليفة إنه من الضروري شرح الدوافع التي أدت إلى تبني خطة الانسحاب وذلك لانعكاسها على الرؤية المستقبلية الإسرائيلية فقال إن الانسحاب أتى نتيجة لقلق إسرائيل من الخلل الديموغرافي الذي تسببه الكثافة السكانية الفلسطينية، ونتيجة لما سببته المقاومة الفلسطينية من  الإرباك وما خلقته من مخاوف أمنية، بالإضافة إلى التغيرات في البيئة العسكرية والسياسية المحيطة بإسرائيل، والتغيرات في البيئة الدولية في المنطقة المحيطة ورأى أن ما حصل هو جزء من الرؤية الإسرائيلية العامة لمستقبل إسرائيل إذ يريد شارون من وراء خطة الانسحاب أن يرسم في الضفة الغربية حدود دولة إسرائيل في المستقبل. 
  
في تعقيبة قال حلمي موسى أن شارون لا يريد سلطة فلسطينية واحدة بل يريد إرادات فلسطينية متعددة وأنه من خلال خطة الانسحاب أراد أن يقسم غزة والضفة إلى كانتونات تتنازعها إرادات فلسطينية مختلفة خاضعة لسلطة مصر والأردن، ورأى أن في خطة الانسحاب خطة عقابية للفلسطينيين يراد من ورائها إشعال حرب أهلية.
   

الجزء الثاني من حلقة النقاش أدارته الدكتورة بيان نويهض الحوت، وكانت ورقة البحث الثانية بعنوان: الرؤية الفلسطينية لمستقبل قطاع غزة من وجهة نظر تيار السلطة الفلسطينية، قدمها الدكتور أحمد سعيد نوفل وعقب عليها الدكتور أحمد أنور أبو طه. وفي ورقته، رأى الدكتور نوفل أن الرؤية الفلسطينية الرسمية لمستقبل قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي تكمن في ثلاثة أبعاد رئيسية سياسية وأمنية واقتصادية. ففيما يتعلق الروية السياسية تركز السلطة على التزامها بمسيرة التسوية مع إسرائيل دون شروط، ولهذا تظهر بمظهر الطرف الأكثر اعتدالاً لحل القضايا الخلافية مع إسرائيل، آخذة بعين الاعتبار عدم قدرتها على حل تلك القضايا لوحدها، ولهذا فإنها تريد دائماًَ إشراك أطراف عربية ودولية في العملية السلمية مع إسرائيل، وبما أن السلطة غير قادرة على التمسك بوجهة نظرها فمن الممكن أن ترضخ للضغوطات الإسرائيلية والأمريكية حتى لا تظهر بمظهر من يعمل على إعاقة عملية التسوية. أما من الناحية الأمنية فإن السلطة تسعى جاهدة لحل تلك المعضلة المرتبطة بالتنظيمات الفلسطينية والممارسات الإسرائيلية، وسيرتبط مستقبل القطاع بقدرة السلطة على فرض النظام والأمن في القطاع، عن طريق التوافق الودي مع جميع التيارات الفلسطينية، حتى ولو كان ذلك على حساب ما يمكن أن توافق عليه إسرائيل في التعامل مع السلطة. أما من الناحية الاقتصادية فإن اهتمام السلطة سينصب على حل المعوقات التي تواجه تحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين في القطاع عن طريقة إقامة مؤسسات اقتصادية فاعلة ومحاربة الفساد، ولا شك أن نجاح السلطة الوطنية يعتمد على طبيعة العلاقات الاقتصادية التي تريدها إسرائيل في قطاع غزة، وموافقتها على فتح المعابر الفلسطينية مع مصر، والممر الآمن بين الضفة الغربية والقطاع. 
    
في تعقيبه قال الدكتور أنور أبو طه أن إسرائيل تتعاطى مع السلطة الفلسطينية كمساعد ثانوي في تمرير مخطاطاتها والحفاظ على حد أدنى من الأمن وأضحت العلاقة بين السلطة والاحتلال لا تتجاوز مهام لجان الارتباط الخاصة بحل الإشكالات ذات الطابع الميداني، لا فعل لها ولا إرادة، وبالتالي لم تعد السلطة الفلسطينية شريكاً سياسياً له أي دور في القرار والتعاطي معه كشريك في صوغ الخطط، بل أصبح لها ما يشبه برنامج العمل الذي يقع ضمن ثلاثة اتجاهات: اتجاه إداري يغرق السلطة في تفاصيل القضايا التي ابهمت في خطة الانسحاب من غزة، وآخر تهميشي حيث يمنع على السلطة حديثا أو تفاوضاً حول ما يفرضه الاحتلال في الضفة، وثالث تنفيذي، يتمظهر في الاستمرار في الضغط على السلطة الفلسطينية لتصفية ما يسميه الإسرائيليون بالبنية التحتية لحركات المقاومة الفلسطينية وتصفيتها وفق المخطط الإسرائيلي.
 

أما ورقة العمل الثالثة فكانت بعنوان الرؤية الفلسطينية لمستقبل قطاع غزة من وجهة نظر تيار المقاومة، قدمها الأستاذ ماجد أبو دياك وقال فيها أن رؤية المقاومة لما بعد الانسحاب هي التمسك بالمقاومة كخيار استراتيجي طالما بقي الاحتلال، التمسك بسلاح المقاومة حتى في قطاع غزة لمواجهة اعتداءات إسرائيلية محتملة، ووقف المقاومة في قطاع غزة إلا للرد على الاعتداءات الإسرائيلية. وأضاف أن التحديات المستقبلية تكمن في ضرورة المواءمة بين التصدي لاستمرار الاحتلال على تخوم القطاع والتعامل مع مرحلة العمل المدني، ودعم برنامج المقاومة بكل الوسائل، وضرورة إشراك كافة القوى السياسية في القرار الوطني، ومشاركة المقاومة في إدارة الشأن الفلسطيني اليومي (الحياة المدنية).
  
عقب على هذه الورقة الأستاذ رفعت شناعة فقال إن كل الشعب الفلسطيني وكل القوى الفلسطنية أسهمت بمواجهة الاحتلال، ولذلك فإن هذه المرحلة تتطلب أن نجعل من غزة منطقة يتعايش فيها الفلسطينيون بشكل يستطيعون معه بناء مجتمع قادر على التحمل. وقال إنه لا يحق لأحد أن يسقط خيار المقاومة فالمقاومة يجب أن تظل مستمرة طالما الاحتلال موجود وليس هناك حلول سياسية تتناسب مع الثوابت بما في ذلك الانسحاب من أراضي 67 فحتى تقوم الدولة يجب أن يحصل انسحاب كامل، وتتحرر القدس، ويعود اللاجئون الفلسطينيون. 
     

أما الجزء الثالث من حلقة النقاش فقد أداره الدكتور علي فياض، وكانت ورقة العمل الرابعة تحت عنوان: الرؤية العربية لمستقبل قطاغ غزة وخصوصاً مصر، قدمها الدكتور وحيد عبد المجيد وعقب عليها الأستاذ وليد محمد علي. في ورقته رأى الدكتور عبد المجيد أن الاتجاه العام بالنسبة لرؤية دول مثل مصر والأردن وسوريا والسعودية لمستقبل قطاغ غزة تحدده حسابات كل منها بخصوص مخاطر محتملة أو ممكنه عليها في المقام الأول، ثم على قضية فلسطين فيما بعد، وأن مصر عملت في هذا الخصوص على محاولة تجنب ثلاثة تهديدات، أولها التهديد الذي ينتج عن تحويل غزة إلى سجن كبير على نحوٍ يمكن أن يمثل ضغطاً على مصر لأن حدودها ستكون هي المتنفس الوحيد، والتهديد الثاني الذي يمكن أن ينتج عن نجاح ذراع عسكري أو آخر لهذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك في تهريب أسلحة وذخائر عبر الحدود، والتهديد الثالث أن يترتب على سيطرة حركة حماس منفردة أو متحالفة مع فصائل أخرى على القطاع، فحركة حماس هي امتداد لجماعة الإخوان التي تمثل تحدياً للنظم في مصر وسوريا والأردن بدرجات وأشكال مختلفة. وأضاف أن مصر هي أكثر الدول العربية امتلاكاً لرؤية محددة في هذا المجال لا تقتصر على إدراك التهديد، وانما تشمل وضع خطط بهدف تجنبه أو تقليص خطره والتحرك في أكثر من اتجاه.
     
في تعقيبه، رأى الدكتور وليد محمد علي أنه من الوهم أن يظن أي نظام عربي أنه قادر على القيام بوضعه، بعيداً عن الصراع الصهيوني الفلسطيني، إذ إن الكيان لا يستهدف فلسطين فحسب بل كل المنطقة، وأكد أن مصر تتأثر تأثراً مباشراً بالتطورات التي تحدث في غزة، فلسطين كانت عبر التاريخ العمق الاستراتيجي لمصر وغزة هي بوابة هذا العمق، وبالتالي فإن مصر وشعبها أكثر المتضررين من قيام دولة يهودية على أرض فلسطين. ودعا جميع الأطراف في العالم العربية إلى أن تعيد حساباتها وتؤجل خلافاتها على الأيديولوجية والأدواتية، لأن كل الأنظمة تتغير والذي يبقى هو الشعوب ومصالح الأمم، ودعا مراكز الدراسات في مصر إلى عدم الانشغال بالمتحرك السياسي والإضاءة على العمق الاستراتيجي للصراع الدائر بين المشروع الصهيوني الذي يريد أن يسطر على المنطقة ويفتتها من جهة، وبين شعوب أمتنا من جهة أخرى.
    
وتحت عنوان الرؤية الدولية لمستقبل قطاع غزة قدم الدكتور كمال ناجي ورقة العمل الأخيرة وعقب عليها الأستاذ منير شفيق. الدكتور ناجي أثبت في ورقته عدم توازن الرؤية الدولية للحل السلمي للصراع، وانحيازها للرؤية الإسرائيلية سيما وأنها تستثني العديد من القرارات الدولية وتترك مواضيع الحل النهائي التي يراد أن تعقد في ظل ميزان قوى مختل لمصلحة إسرائيل دون أساس قانون واضح. وبين أن الانسحاب الإسرائيلي من غزة هو تصرف منفرد من طرف واحد يهدف لخلق واقع يتناسب مع المصالح الاستراتيجية لإسرائيل، وأن الانسحاب ليس سوى عملية اعادة انتشار بالمعنى القانوني والعملي ويعني ذلك استمرار مسؤولية إسرائيل القانونية كقوة احتلال لقطاع غزة وفقاً للقانون الدولي. وختم قائلاً بأن قدرة الفلسطينيين على الحوار والتفاهم والالتزام بما يتفقون عليه تخفف وطأة الضغوط عليهم.
   
وبعد ورقة الدكتور ناجي عقب الأستاذ منير شفيق قائلاً: أن خطة خارطة الطريق لم تعد موجودة إلا للضغط على السلطة الفلسطينية من أجل ان تفكك فصائل المقاومة، ورأى أن أوروبا وأمريكا رهنا كل شيء فيما يتعلق بالصراع بموافقة شارون، فلم يكن الوضع الدولي في يوم من الأيام بهذا الهزال والتماهي مع السياسات الإسرائيلية. ورأى أن مستقبل القطاع يتقرر في الضفة وليس في غزة، كما يتقرر في الموقف من الجدار والمستوطنات والاحتلال وتهويد القدس، لأن اختيار الاستسلام في هذه الجوانب سيحول غزة إلى ما يشبه الماء الآسن المحكوم بالفساد. وأضاف أنه ليس صحيحاً أن الدول العربية ليس لها استراتيجية فاستراتيجيتها حالياً هي عدم رغبتها في الممانعة أمريكا، ولا يريدون الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني. وختم قائلاً بأن الصراع مقاومة الهجمة الصهيونية على المنطقة على الأقل في المرحلة الراهنة والمدى المنظور ليس الاقتصاد والتفوق التكنولوجي بل عبر الصراع السياسي والكفاح الشعبي.
   
هذا وقد شهدت ورقات العمل نقاشات موسعة وقراءات نقدية للواقع الفلسطيني والعربي والدولي المعاصر. وستصدر هذه الأوراق في كتاب في المستقبل القريب بعد الأخذ بملاحظات المعقبين والمناقشين.


أوراق عمل حلقة نقاش “قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي: قراءة مستقبلية”