الوصف


Pal_liberation_Army_Popular-Liberation_Forcesمعلومات النشر:
– العنوان:
جيش التحرير الفلسطيني وقوات التحرير الشعبية ودورهما في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي 1964-1973
– تأليف:
العميد المتقاعد/ عبد الله محمود عياش
– عدد الصفحات: 538 صفحة
– تاريخ الصدور: الطبعة الأولى، 2014
– الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت



أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاباً جديداً بعنوان “جيش التحرير الفلسطيني وقوات التحرير الشعبية ودورهما في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي 1964-1973″، من تأليف العميد المتقاعد عبد الله عياش، وهذا الكتاب هو رسالة نال بها المؤلف درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، ويقع في 538 صفحة من القطع الكبير.

يسلط الكتاب الضوء على تجربة المقاومة الفلسطينية عموماً، ونشأة وتطور جيش التحرير الفلسطيني، وتجربة قوات التحرير الشعبية على وجه الخصوص في الفترة 1967-1973، في الساحات العربية (المصرية واللبنانية والسورية والعراقية ثمّ الأردنية).

وتأتي أهمية هذا الكتاب في أن مؤلفه ضابط متقاعد في جيش التحرير الفلسطيني، وقد استطاع الوصول إلى العديد من الوثائق المنشورة وغير المنشورة المتعلقة بجيش التحرير الفلسطيني، كما اعتمد المؤلف في كتابه على الشهادات والمقابلات الشخصية، ولقاءاته مع شهود العيان، مما أكسب الكتابَ أصالة علمية وبحثية، بالإضافة إلى الاستناد إلى العديد من المراجع العربية والأجنبية.

وقد تناول الكتاب دور جيش التحرير الفلسطيني في حرب حزيران 1967، وما يتعلق بتفاصيل المعارك التي خاضها على كافة الجبهات، بالإضافة إلى عملياته التي نفذها في الفترة 1967-1973، وما ترتب عليها من اعتقالات ومطاردات لعناصره من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، كما لم يغفل ما تعرض له جيش التحرير الفلسطيني من تصفيات لقياداته من قبل قوات الاحتلال.

ويجد القارئ بين دفتي هذا الكتاب مادة بحثية مرجعية دسمة؛ تعينه في فهم طبيعة جيش التحرير وتفاصيل تطوره في كافة ساحات تواجده، وتشكيلاته العسكرية، والإدارية، وعملياته، وعلاقته بالفصائل الفلسطينية. ويختم الكتاب بعرض لمجموعة من النتائج والتوصيات، وعشرات الوثائق المتعلقة بجيش التحرير الفلسطيني وقوات التحرير الشعبية.



عرض: د. محمد خالد الأزعر (خاص – مركز الزيتونة).

في المستقبل، سوف يضع فقه التحرر والاستقلال التجربة النضالية الفلسطينية ضّد الغزوة الصهيونية الاستيطانية، في طليعة النماذج الشهيرة عالمياً في مقاومة الاستعمار. وسيقال في حيثيات هذه المكانة المتميزة بأن الشعب الفلسطيني، على محدودية إمكاناته الذاتية، وهوانه على معظم الناس بمن فيهم بعض بني قومه، وتكالب بعض أقوى الأمم والدول عليه تكالب الأكلة على قصعتها، لم تلن له عريكة، ولا قرَّ له جفن، ولا انكسرت له إرادة في مواجهة هذه الغزوة. وفي التفصيلات، سيعرف المنصفون ويعترفون بأن الفلسطينيين لم يغادروا وسيلة يكيدون بها غزاتهم إلا أخذوا بها، وأنهم اقتدوا في مقاومتهم الفذة بما اشتقه غيرهم، بالإضافة إلى أنهم كانوا مبدعين ومبتكرين.

لا يلحظ كثيرون، مثلاً، أن توسل الفلسطينيين بأدوات المقاومة الشعبية أو المدنية، كان مواكباً، إن لم يكن أسبق زمنياً، للتجربة الهندية بزعامة غاندي في النصف الأول من القرن العشرين. وأن الفضاء الفلسطيني بمعناه الشامل، ومنذ أن فرض عليه القتال والمقاومة خلال المئة عام الأخيرة، لم يخل يوماً واحداً من وجود الأطر والقوى السياسية أو المسلحة، التي تمثل كينونته وتستبسل في الذود عنه، سواء اعترف بها الآخرون أم أنكروها أم تنكروا لها.

من يطالع الكتاب الذي بين أيدينا وهو يستحضر السيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني، لا بدّ أن تهيج لديه مثل هذه الخواطر. كيف لا، والمؤلف يُذكّرنا بأحد إبداعات هذه السيرة، وهو جيش التحرير الفلسطيني، بعد نصف قرن بالتمام من تكوينه سنة 1964 بين يدي إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية. إنه يستحضر ما تجاوزته كثيراً من أدبيات الصراع الصهيوني العربي، وربما تخطاه من أرخوا للحروب العربية الإسرائيلية، عن غفلة وجهل أو عن تجاهل متعمد. نقصد بذلك دور العسكرية الفلسطينية في غمرة هذا الصراع وحروبه.

إذ تمر هذه الأدبيات، الغث منها والسمين، على هذا الدور مروراً عابراً أو يسيراً، وبعضها لا يتوقف عنده أو يخض في غماره من الأصل. يحدث هذا على الرغم من كون الطرف الفلسطيني أول من اشتبك عسكرياً مع الغزاة الصهاينة، وأكثر من داوم على هذا الاشتباك منذ النصف الثاني منذ ثلاثينيات القرن العشرين إلى يومنا هذا… هذه حقيقة يتفرد بها الفلسطينيون قياساً ببقية الشركاء العرب؛ الذين حاربوا “إسرائيل” في جولات قتالية معلومة. وفي هذه الفترة الممتدة من الزمن، تباينت أنماط الكفاح المسلح الفلسطيني، من حيث الأطر والتنظيمات ونوعية الاشتباكات وكثافتها، ولكنها لم تغب ولا انقطعت من أفق الصراع في أيّ من مراحله.

على كل حال، إن كان عبد الله عياش قد أراد بكتابه عن جيش التحرير وقوات التحرير الشعبية إنصاف التجربة العسكرية الفلسطينية وتكريم سيرتها، فتقديرنا أنه نجح في مسعاه. وقد كان موفقاً من نواحي الموضوع، والمعالجة العلمية والمنهجية، والتبويب، والإطار المرجعي والوثائقي. وقبل هذا كله، جاء الكتاب بفصوله الخمسة مواتياً من حيث التوقيت. فمرور خمسين عاماً على نشوء الظاهرة موضع الدراسة، حقبة كافية تماماً لاختمارها ونضوج أبعادها، وإمكانية مقاربتها بمعزل عن السخونة وربما المبالغة، الذي قد يحيط بها في أثناء فورة الإطلال والبزوغ.

هناك فضيلة أخرى لهذا التوقيت، نوَّه إليها المؤلف، هو احتمال القطيعة مع رواد التجربة ورموزها بسبب الوفاة أو بفقدان المعلومات وشحوب الذاكرة. ويبدو أن مراعاة هذه المحاذير قد تجلت في منهجية الدراسة، بحيث توسع المؤلف في إجراء المقابلات، لاستقصاء المعلومات والتفاصيل، مع أكثر من 160 شخصية، ممن شاركوا مباشرة في جيش التحرير والمفارز الفدائية التي انبثقت عنه، ونشطت عسكرياً في فلسطين المحتلة بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967، تحت عنوان قوات التحرير الشعبية. وهذا إسهاب حميد، لإسهامه في صيانة بعض جوانب تجربة كفاحية فلسطينية تفاعلت في لحظات تاريخية مفصلية بين مرارة الهزيمة وإرادة المقاومة. ولو لم يقم به المؤلف فلربما فارق هؤلاء الحياة الدنيا قبل أن نستيقن منهم ما جرى في تلك اللحظات. هذا وإن كان الأوفق منه إدراج فحوى هذه المقابلات في حاشيات الكتاب، تاركاً المتن للدلالات والخلاصات النظرية.

إلى ذلك، كنا ننتظر من المؤلف أن يستطرد أكثر ويطيل حديثه حول أحمد الشقيري، الشخصية القيادية المسؤولة عن تكوين جيش التحرير وجعله في قلب التجربة الكيانية الفلسطينية، وفي طليعة الجيوش النظامية العربية، حتى شاع شعبياً ذات حين بأنه جيش الشقيري. لقد تمت الإشارة حقاً إلى دور الرجل، ولا سيّما في الفصلين الأولين من فصول الكتاب الخمسة، لكن المقام كان يستدعي مزيداً من التأمل في الفكرة العبقرية، التي حثته على إنشاء هذا الجيش عند هندسته لمنظمة التحرير.

فهو أقامها على ثلاثة أسس: الجيش الذي يتضمن معنى القوة على طريق تحرير فلسطين، والصندوق القومي الذي يوفر المال رديف القوة وسندها وأكسير حياة الكيانات السياسية، ومركز الأبحاث الذي يوفر الدليل الفكري والعلمي والبطانة الأيديولوجية لبعث الحقيقة الفلسطينية. ولم يكن تطبيق هذه الرؤية بالأمر الهين، وهو ما ألمح إليه المؤلف بالفعل في حديثه، مثلاً، عن التعارض بين المنظورَيْن العربي والفلسطيني بخصوص الدور المنوط بالجيش الفلسطيني، على نحو انعكس في تدني جهوزيته، على صعد التدريب والتموين والتسليح والإدارة والتنظيم ومرجعية إصدار القرارات، عند وقوع عدوان حزيران/ يونيو 1967.

وللإنصاف، فإن غالبية هذه التفصيلات ظلت محجوبة إلى حدّ كبير، قبل أن يبوح بها هذا الكتاب. غير أنه كان حرياً بالمؤلف تعريفنا فيما إذا كان قد طرأ تغير في الإدراك العربي لدور هذا الجيش، عند النظر في دروس هزيمة 1967.

على أن المؤلف عوضنا عن هذه الملاحظة، حين جعلنا ندرك أن العسكرية الفلسطينية، كانت سباقة ومبادرة إلى استخلاص العبر والإفاقة السريعة من صدمة الهزيمة. ذلك بانتقال قطاع من الجيش الفلسطيني من طور القتال ضمن الأنساق العربية النظامية إلى دائرة العمل الفدائي داخل الأرض المحتلة. وقد كانت تلك النقلة النوعية فارقة جداً بالنسبة لإحياء المقاومة وحرب الاستنزاف، في ظلّ أجواء القنوط التي ظللت العالم العربي برمته. ويحسب لقوات التحرير الشعبية، المشتقة من جيش التحرير، أنها تولت تكثير كوادر التنظيمات الفدائية الغضة في ذلك الحين، وتعزيزها بالتدريب والتسليح وبناء الخلايا، باعتبارها الأكثر خبرة وانضباطاً وتواصلاً مع مصادر التمويل والمعلومات.

والحق أن المؤلف أوفى هذه النقاط حقها في فصلي الكتاب، الرابع الذي يتناول دور قوات التحرير الشعبية في المقاومة وعلاقتها بالفصائل الفلسطينية، والخامس الذي يعالج أوضاع جيش التحرير وقواته الشعبية في الساحات العربية. ولا نعرف مرجعاً آخراً تمكن من مقاربة حيثيات قيام هذه القوات وأفولها بين حربي 1967 و1973، ودورها الريادي في الارتقاء بمشهد المقاومة في الأرض المحتلة وقتذاك، مثلما فعل هذا الكتاب. وفي هذا السياق، يتطرق المؤلف بشيء من الأسى إلى ما وصفها بالنهاية المؤلمة لقوات التحرير، مشيراً إلى أحد أهم أسباب هذه النهاية وهو اجتهاد الفصائل الفدائية، وخصوصاً حركة فتح، في استيعاب هذه القوات واحتواء عناصرها.

من خلال هذه النقطة بالتحديد، وقفنا على عامل آخر من عوامل اضمحلال المقاومة المسلحة في الأرض المحتلة بعد سنواتها السمان في الفترة 1967-1971، إلى جانب وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية وتفرغ “إسرائيل” لمطاردة الفدائيين وطردهم من الجبهة الأردنية…، ألا وهو نزوع الفصائل إلى السيطرة على جيش التحرير وقواته الشعبية، في غمرة الانشغال بالهيمنة على منظمة التحرير ومؤسساتها.

نحن عموماً إزاء جهد يستحق المطالعة، وحسبه أنه يَردُّ الاعتبار للعسكرية الفلسطينية، بعيداً عن الشعاراتية، وبقدر معقول ومقبول من الموضوعية وعدم الانحياز.