مدة القراءة: 8 دقائق

ورقة عمل: نحو بناء حركة وطنية جامعة على أسس ديموقراطية وطنية تمثيلية، وتوحيد مسارات النضال التحرري لكل مكونات الشعب الفلسطيني . . . د.جميل هلال (نسخة نصيّة HTML)

للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (10 صفحات، 753 KB)

قدم د. جميل هلال هذه الورقة في مؤتمر ”المصالحة الفلسطينية: الآفاق والتحديات“، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت بالتعاون مع مركز إفريقيا والشرق الأوسط AMEC (ومقره جنوب إفريقيا) في  26-27 /2015/3.

ورقة عمل: نحو بناء حركة وطنية جامعة على أسس ديموقراطية وطنية تمثيلية، وتوحيد مسارات النضال التحرري لكل مكونات الشعب الفلسطيني . . . د.جميل هلال[1]

 لعل الملاحظة الأبرز حول الحال الفلسطيني الراهن تخص افتقاده لمؤسسات وطنية تمثيلية جامعة لمكونات الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخية وفي الشتات. فقد اختفت، عملياً، مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بعد أن همشت وألحقت بمؤسسات السلطة الفلسطينية (مؤسسات حكم ذاتي محدود السلطات والصلاحيات على أجزاء من الأراضي التي احتلت عام 1967)، التي ما لبثت أن انشطرت إلى سلطتين (واحدة على مناطق “أ” و”ب” في الضفة الغربية، وأخرى على قطاع غزة بعد أن تحول إلى “غيتو” محاصر تماماً يعيش أوضاعاً معيشية مأساوية ومخاطر عزلها سياسياً ومصيرياً عن الضفة الغربية والقدس وبقية التجمعات الفلسطينية الأخرى).

تستمد ضرورة إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية (كمؤسسات، ومرجعية وطنية، واستراتيجية نضالية متعددة المستويات والأبعاد)، إلى الاعتبارات التالية:

أولاً، وصول المفاوضات الثنائية بإشراف الولايات المتحدة إلى طريق مسدود تماماً، إذ سرّعت “إسرائيل” في تنفيذ سياستها الاستعمارية الاستيطانية، كما اتضح حدود استراتيجية المقاومة بمفهومها أحادي الشكل. إن وصول الحركة السياسية الفلسطينية المجزأة إلى مأزقها الراهن هو ما يدفع نحو التفكير بضرورة أن يعيد الشعب الفلسطيني بناء حركته الوطنية بمؤسساتها الجامعة من جانب والمستندة إلى خصوصيات وتطلعات وحقوق كل تجمع من جانب آخر، مما يستدعي البناء على أسس جديدة سآتي إليها.

ثانياً، مرّ أكثر من عام على توقيع اتفاقية الشاطئ  التي اتفق فيها على تطبيق بنود المصالحة التي اتفق عليها، قبل ذلك، مرات عدة بين حركتي فتح وحماس. ولم ينجز من هذا الاتفاق سوى تشكيل حكومة وفاق وطني، سرعان ما تبين أنها غير مهيأة ولا تملك مقومات إنجاز المهمة التي قامت من أجلها، بسبب غياب رؤية سياسية ورؤية تنظيمية وطنية متفق عليهما واستراتيجية وطنية تخاطب احتياجات وتطلعات وحقوق كل تجمع. بقاء “المصالحة” عصية على التحقيق يؤشر إلى تأثير مصالح فئوية تستجيب لضغوط الجغرافيا السياسية والتدخلات والضغوط الإقليمية والدولية.

ثالثاً، كان من نتائج تغييب مؤسسات وطنية جامعة وبالتالي الافتقاد إلى رؤية سياسية موحدة وقيادة موحدة واستراتيجية، تراجع لمسيرة التفاعل السياسي والاجتماعي والثقافي والتعاضد الكفاحي والتعاون الاقتصادي بين التجمعات الفلسطينية. بتعبير آخر تحوّلت التجمعات الفلسطينية، بعد أن غابت المؤسسات الجامعة لها والرابطة بينها، إلى تجمعات تكاد تخلو من الروابط السياسية والتنظيمية والاقتصادية ومن مؤسسات تجمع ممثليها كمكونات لشعب واحد ذات سردية تاريخية جامعة وحقوق وطنية تاريخية ومشروع تحرري متكامل.

كما كان من نتائج غياب المؤسسات الوطنية الجامعة اشتداد وتيرة المخاطر التي تتعرض لها تجمعات الشعب الفلسطيني المختلفة، بعد أن تهاوت الحركة الوطنية الفلسطينية وتضعف تماسك التجمعات الفلسطينية وتكاتفها. من الأمثلة على اشتداد هذه المخاطر ما تعرضت له تجمعات الشعب الفلسطيني وما تعرض له قطاع غزة بعد الانقسام بين حركتي فتح وحماس عام 2007 من حروب إسرائيلية عدوانية ومن حصار تجويعي يهدد بتدمير مقومات الحياة الاقتصادية والبيئية والسكنية والصحية فيه.

ومنها تشديد “إسرائيل” لوتيرة استعمارها الاستيطاني العنصري في الضفة الغربية وممارستها الضغوط المالية والأمنية والاقتصادية والسياسية على السلطة الفلسطينية لمنع قيام كيان فلسطيني قابل للحياة خارج سيطرة “إسرائيل” الاقتصادية والأمنية والسياسية. ومنها ما تقوم به “إسرائيل” في القدس لسياسة تهويد وتطهير عرقي، وما تقوم به في الضفة الغربية من اعتقال تعسفي وهدم منازل ومصادرة أراضٍ ومن بناء لجدار الفصل العنصري، ومن تشييد لطرق التفافية (تخص الإسرائيليين فقط).

ومنها أيضاً ما تتعرض له الأقلية الفلسطينية داخل الخط الأخضر من تنكر لحقوقها القومية ومن تمييز في الحقوق الاجتماعية والقانونية. ومنها سعي “إسرائيل” لفرض الاعتراف بها كـ”دولة يهودية” بكل ما يعنيه ذلك من تخلي الفلسطينيين (والعرب) عن روايتهم التاريخية وقبولهم بالرواية الصهيونية، ومنها كذلك ما تعرضت له التجمعات الفلسطينية في لبنان وسورية وأماكن أخرى من تنكيل وتعسف.

رابعاً، لم يعد خافياً —بعد نحو ثماني سنوات من الانقسام السياسي – الجغرافي – المؤسساتي بين حركتي فتح وحماس وفشل “المصالحات” بينهما— أنه ليس بمقدور أي منها الانفراد في قيادة مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع، ولا القدرة الانفرادية على إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير كمؤسسات وطنية جامعة.

لذا، فإن الخروج من الأزمة الخانقة التي يعيشها الحال الفلسطيني يملي التوصل إلى “تسوية تاريخية” بين التيارات السياسية الفلسطينية الثلاثة الفاعلة في الحقل السياسي الفلسطيني (التيار الوطني الليبرالي، تيار الإسلام السياسي، والتيار اليساري الديمقراطي)، لإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية بالاستناد إلى مبادئ المشاركة السياسية واحترام التعددية السياسية والفكرية والتنظيمية، ومنح استقلالية لكل تجمع فلسطينية في صياغة الاستراتيجية الكفاحية الأكثر استجابة لمصالحة وحقوقه على قاعدة حق الشعب الفلسطيني ككل في تقرير مصيره وطني. هذا يعني توظيف التباينات في الرؤى السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية بين مكونات الشعب الفلسطيني، في إثراء النضال الوطني بأبعاده المختلفة .

ويبدو لي أن احترام التعددية السياسية والفكرية والتنظيمية تستدعي الاتفاق على فصل الحقل السياسي عن الحقل الديني بحيث تكون مؤسسات الحركة الوطنية الجديدة مؤسسات لكل أبناء الشعب الفلسطيني بغض النظر عن المعتقد، والنوع اجتماعي والطبقة الاجتماعية والإثنية والرأي السياسي والانتماء المناطقي. كما أن فصل الحقلين يكرس التمايز عن الحركة الصهيونية التي اعتمدت الدين لتبرير ممارسة التطهير العرقي للفلسطينيين، وتدعو الآن إلى “يهودية الدولة” لطمس الرواية التاريخية الفلسطينية وتشريع روايتها العنصرية.

خامساً، مشروع إعادة بناء مؤسسات وأطر ومرجعيات الحركة الوطنية الفلسطينية، واعتماد أسس ديموقراطية تمثيلية تقوم على ما يلي:

1. تشمل مكونات الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية وفي الشتات وفق منهج ديموقراطي (توافقي) يتناسب مع واقع كل تجمع؛
2. تشمل كل القوى والتنظيمات السياسية ذات الحضور في التجمعات الفلسطينية؛
3. تضمن تمثيل الحركات الاجتماعية والقطاعية (الاتحادات والنقابات العمالية، والنسائية، والشبابية، وسكان المخيمات، والجاليات).
الهدف هو تمكين كل مكونات الشعب الفلسطيني من المشاركة في التداول والتقرير في الشأن الوطني وفي صياغة القرارات والاستراتيجيات الوطنية الجامعة.

سادساً، من الحكمة أن تحافظ الحركة الوطنية الجديدة على مسمى منظمة التحرير الفلسطينية لما ولدته هذه من رأسمال نضالي ورمزي وطني واعتراف عربي ودولي واسع راكمته خلال العقود الثلاثة الأولى من تاريخها، ولأنها كرست خلال هذه العقود التعددية السياسية والتنظيمية وعلى صيغة ائتلاف وطني لمكونات الشعب الفلسطيني السياسية والاجتماعية والسكانية، وكسب على اعتراف الشعب الفلسطيني بها كممثل شرعي وحيد له.
لكن تجربة منظمة التحرير احتوت على سمات ومظاهر ينبغي مقاومتها في عملية البناء الجديدة للحركة الوطنية: أبرزها الميل إلى التبقرط (اعتماد المكتبية في إدارة الشأن العام)، والمركزية الشديدة والعلاقات الزبائنية والريعية. وقد يستدعي هذا اعتماد بنية تنظيمية جديدة تماماً عن السابق يكون محورها التجمعات الفلسطينية وتمثيلها وتمكينها من صياغة استراتيجياتها الخاصة بمطالبها وحقوقها وأشكال تنظيمها، والحرص على تمثيلها في المؤسسات الوطنية الجامعة لتأخذ دورها في صياغة السياسات والتوجهات الوطنية الجامعة، والسعي الجاد للاعتماد على الموارد والطاقات الوطنية، وعلى العمل التطوعي وإعلاء شأن القدرة على سرعة الحركة والمبادرة.

لا مجال لإعادة بناء منظمة التحرير على أسس ديموقراطية جديدة بدون إشراك ممثلي كل مكونات الشعب الفلسطيني، وبدون أن ينص الميثاق الوطني الجديد (المستند إلى “التسوية التاريخية”) على أن لا تنتقص أي تسوية أو مشروع تسوية في أي تجمع من حقوق التجمعات الأخرى: على سبيل المثال لا يجوز اعتماد سياسة أو حلّ من قبل النخبة السياسية (بغض النظر عن انتمائها السياسي) في الضفة الغربية ينتقص من حقوق وتطلعات سكان قطاع غزة، أو العكس، ولا يجوز اعتماد حلّ للوضع في الضفة (بما في ذلك القدس) والقطاع ينتقص من حقوق وتطلعات الفلسطينيين داخل الخط الأخضر والعكس، وهذا بما يخص حقوق الفلسطينيين في مناطق أخرى، وبخاصة أي حلّ أو توجه أو تسوية تنتقص من حقّ العودة.

سابعاً، من مسؤولية المؤسسات الوطنية الجامعة الانتباه إلى خصوصيات كل مكون من مكونات الشعب الفلسطيني لدى صياغة أهداف حراكاتها المرحلية والبعيدة المدى. فهذه الخصوصيات تملي أشكالاً متباينة وأحياناً متحركة من النضال والمقاومة ومن طرح المطالب الاجتماعية والمعيشية والإنسانية للتجمعات الفلسطينية داخل فلسطين التاريخية (1948، القدس، بقية الضفة الغربية، قطاع غزة)، وخارجها. فصيغ مجابهة الاحتلال والاستيطان وجدار الفصل العنصري والقمع الجماعي في الضفة الغربية، والحصار التجويعي والعدوان المتكرر على غزة والتمييز العنصري ضدّ الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، تتعدد وتتنوع. وهي تبقى منفتحة على أشكال وإبداعات جديدة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والمطلبية وفي أشكال المقاومة الذكية. فعلى سبيل المثال، ليس بإمكان كلّ التجمعات الفلسطينية اقتناء واستخدام صواريخ أرض – أرض لردع التغوّل العدواني الإسرائيلي، فاستخدام هذه من قبل الفلسطينيين داخل الخط الأخطر هو خيار شديد الضرر للذات وعلى درجة عالية من الغباء، وهو خيار غير قابل للاستخدام من قبل فلسطينيي الأردن.

لقد أوضحت الحركة الوطنية الأسيرة فعالية الإضراب عن الطعام في مواجهة القمع داخل المعتقلات والسجون الإسرائيلية. وبرز في السنوات الأخيرة فعاليات جديدة بين تجمعات الشتات مطالبة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتأكيداً على التمسك بحق العودة. كما أظهرت حركة مقاطعة “إسرائيل” (BDS) فعالية متنامية في توليد الدعم الدولي الشعبي للحقوق الفلسطينية وفي توليد عزلة على “إسرائيل”. وهناك أدوات ثقافية متنوعة (من خلال الصورة والفيلم والرواية واللوحة والأغنية والمقال والندوة، والقصة والرواية والقصيدة، والكتاب، وغيرها) يمكن أن تجد لها مكاناً في استراتيجيات مناهضة الدولة المستعمِرة، كما تتوفر شبكات التضامن مع إحقاق العدالة للشعب الفلسطيني في أوروبا والأمريكيتين وبلدان أخرى التي يمكن أن تضاعف من نشاطها في حال أعيد بناء الحركة الوطنية الفلسطينية على أسس تمثيلية وديموقراطية واعتمدت خطاباً سياسياً واجتماعياً وثقافياً واضحاً فيما يحمله من قيم تحررية إنسانية.

ثامناً، تتطلب تعدد استراتيجيات مواجهة سياسات الدولة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية استثمار نجاح حصول منظمة التحرير على مكانة الدولة غير العضو في الأمم المتحدة، وذلك من خلال الانخراط في مختلف المنظمات والهيئات الدولية التي يحق لها حقّ العضوية فيها. ومن شأن هذا الانخراط توفير بنية مؤسساتية دولية تمكن من تضييق العزلة على “إسرائيل” وتوسيع فرص فرض العقوبات عليها أسوة بما حدث في جنوب إفريقيا خلال فترة نظام الفصل العنصري. ومن المعروف أن قرار الأمم المتحدة منح مكانة الدولة غير العضو لفلسطين لا يمس بالمزايا والمكتسبات التي تعود لمنظمة التحرير الفلسطينية. أي ليس هناك من تعارض بين إعادة بناء المنظمة بوظائفها ومسؤولياتها الوطنية الجامعة، وبين حدود ومسؤوليات والتزامات الدولة الفلسطينية.

تاسعاً، يستدعي حال السلطة الفلسطينية الراهن (بما هي ما زالت سلطة حكم ذاتي محدود الصلاحيات) وانشطارها السياسي والجغرافي وإغلاق أفق تحولها لدولة ذات سيادة في المدى المنظور، اعتماد رؤية جديدة لوظيفتها بعد أن باتت هذه قيداً على حركة الشعب الفلسطيني التحريرية وأسهمت في تهميش مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتعطل طريق إعادة بنائها على أسس ديموقراطية تمثيلية وطنية جامعة. لذا بات ضرورياً إعادة تحديد مهمات السلطة الفلسطينية في نطاق توصيفها كذراع تنفيذي خدمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذا ما تعنيه السلطة لسكان الضفة والقطاع، فهي مصدر وظائف وخدمات وهي لم تطرح نفسها كأداة للتحرر والاستقلال والمقاومة.

ومن المفيد إدراك أن إبقاء الوضع على ما هو عليه حالياً يعني، من جملة ما يعني، تحوّل كل من السلطتين أو النظامين السياسيين القائمين (في الضفة وغزة) إلى “سلطة عميقة”، تسيطر على كل منهما نخبة محدودة (لا تمثل الجزء الأوسع من الجمهور في كلّ من المنطقتين) مستفيدة من موقعها على رأس بنية بيروقراطية أمنية واستخباراتية، ومن إشرافها على علاقات ريعية (تعتمد على التحويلات والمنح والمساعدات الخارجية) واستنادها على شبكة علاقات زبائنية، كما هو العديد من الأنظمة العربية الاستبدادية.

عاشراً، يستدعي إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير ، كحركة تحرر وطني، في مواجهة الاستعمار الاستيطاني ليس فقط اعتماد التمثيل الوطني لكل مكونات الشعب الفلسطيني داخل فلسطين التاريخية وخارجها، ولمختلف التنظيمات والاتجاهات السياسية ذات الحضور، بل واعتماد أيضاً السبل الديموقراطية (بالمفهوم القيمي للديموقراطية وليس للمفهوم الإجرائي فحسب) التي تضمن التمثيل الأمثل وأيضاً جعل الهيئات القيادية للمنظمة هيئات معرضة دائماً للمساءلة وفق “التسوية التاريخية” التي يتفق عليها وطنياً.

كما يوجب إعادة بناء منظمة تحرير جديدة وضع ميثاق وطني ونظام أساسي جديدين يلزمان مؤسسات المنظمة ومكوناتها الحزبية والجماهيرية احترام الحقوق الديموقراطية والإنسانية لجميع أبناء الشعب الفلسطيني وحقهم في حرية التعبير والتنظيم (السياسي والنقابي والاجتماعي) والمعتقد. ويشمل الالتزام بالحقوق الديموقراطية مختلف مؤسسات وهيئات المنظمة، ومكوناتها السياسية (الفصائل والأحزاب) والمدنية (الاتحادات والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الأخرى بما في ذلك الحركات الاجتماعية). ويستدعي ضمان ديموقراطية مؤسسات الحركة الوطنية الجديدة التأكيد على سمتها المدنية (الفصل بين الحقلين الديني والسياسي). وهي سمة لا تستقيم الديموقراطية بدونها، وتكفل التفوق الأخلاقي للحركة الوطنية الفلسطينية على الحركة الصهيونية.

حادي عشر، مجمل الشروط المحيطة بالوضع الفلسطيني تطرح منح دور متقدم للثقافة (بالمعنى الواسع للكلمة) في عملية إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، بما هي إحدى المحركات الرئيسية للهوية الوطنية والمنشط للوطنية الفلسطينية، كونها لا تخضع لموازين القوى العسكرية والسياسية وللحدود الجغرافية، والأقدر بالتالي على صيانة وإثراء الرواية التاريخية الفلسطينية، ومواجهة تشويهات هذه الرواية من حيث اختزال فلسطين التاريخية إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، والشعب الفلسطيني إلى فلسطينيي الضفة وغزة، واختزال الاستعمار الاستيطاني الإجلائي إلى مجرد احتلال عسكري لأراضي الضفة والقطاع، واختزال الحركة السياسية الفلسطينية إلى حماس وفتح، والسياسة إلى مفاوضات وحراك ديبلوماسي، والمقاومة إلى شكلها العسكري فقط، والمجتمع المدني إلى منظمات غير حكومية، والديموقراطية إلى انتخابات دورية. هذه التشويهات لا نجدها في خطاب المؤسسات الدولية والصحافة العالمية، بل وفي الخطاب العربي الرسمي، كما في الخطاب الرسمي الفلسطيني.

كما على مؤسسات الحركة الوطنية الجديدة أن تؤكد على الحق في اعتماد كل أشكال النضال التي يتيحها القانون الدولي والمواثيق الدولية، وفق ما يستجيب لحاجات وتطلعات كل تجمع/جالية/مجتمع فلسطيني بما يسهم في دعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقه في تقرير المصير وإرساء قيم الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية. ووفق هذه المنطلقات تلتزم المنظمة الجديدة بالانفتاح على محيطها القومي والدولي.

[1]   باحث اجتماعي وكاتب فلسطيني مستقل، ومحاضر جامعي متخصص في علم الاجتماع السياسي. عمل كمحاضر في جامعة درهام وجامعة لندن، وكباحث زائر في جامعة أكسفورد في بريطانيا. صدر له العديد من الكتب والدراسات المتعلقة بالشأن الفلسطيني.

للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (10 صفحات، 753 KB)