مدة القراءة: 28 دقائق

عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت حلقة نقاش حول ”مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان“، وذلك يوم الخميس 29/10/2015، وقد شارك فيها ممثلون عن فصائل فلسطينية وأحزاب لبنانية، بالإضافة إلى نخبة من الباحثين والمتخصصين في الشأن الفلسطيني.

أدار حلقة النقاش مدير عام مركز الزيتونة الدكتور محسن محمد صالح، الذي استهل الحلقة بالترحيب بالحضور، كما استعرض أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وما يعانونه من منع إعطائهم حقوقهم المدنية والإنسانية، ومدى انعكاس الأوضاع والتطورات الواقعة في البيئة المحلية، والإقليمية، والدولية، على وجودهم في لبنان، خصوصاً في ظل غياب المرجعية الفلسطينية الموحدة، وحالة اللامبالاة التي اتسمت بها معالجة ومقاربة الجانب اللبناني للمسألة الفلسطينية، واقتصار أو حصر الرؤية اللبنانية لهذا الوجود ضمن الإطار الأمني، دونما إيلاء اهتمام كافٍ للجوانب الاجتماعية والإنسانية والسياسية.

وأشار الدكتور محسن إلى أن الرقم المتداول لعدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هو 490 ألف لاجئ حسب احصائيات الأونروا، أما الواقع فيشير إلى وجود أقل من 300 ألف فقط؛ حيث اضطر عشرات الآلاف للهجرة من لبنان مع احتفاظهم ببطاقات اللجوء التي تصدرها الأونروا، وتابع أن استطلاع الرأي الذي أجرا مركز الزيتونة سابقاً أظهر أن نحو 98% من فلسطينيي لبنان يرفضون التوطين، وأن نحو 80% منهم يرغبون بالعودة إلى ديارهم وقراهم التي أخرجوا منها في فلسطين سنة 1948.

وتابع الدكتور محسن بالقول إن هناك مجموعة من الأفكار والقواسم المشتركة التي يمكن أن يُبنى عليها، وهناك الكثير من الأرقام والمعطيات ناقصة لدى صانع القرار، وهو ما قد تؤدي إلى قرارات سياسية خاطئة. وأضاف أن بعض الأخطاء السلوكية الموجودة عند بعض الناس لا يجب أن يعاقب بسببها شعب بكامله، كما حصل في الكويت من تهجير الفلسطينيين بعد حرب صدام حسين ضدّ الكويت. وأضاف أنه يجب أن تكون هناك خطوات مسؤولة في جانب الحقوق الاقتصادية للفلسطينيين.

وفي موضوع استشراف مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان، عرض الدكتور محسن ثلاث سيناريوهات محتملة يمكن أن يسلكه الملف الفلسطيني في لبنان:

السيناريو الأول: إمكانية أن ينفجر الوضع الأمني في المخيمات، بسبب الأوضاع الراهنة فيها، أو انعكاس اضطرابات البيئة المحلية اللبنانية عليه؛ مما قد يؤدي إلى انفجار الأوضاع والدخول في صراعات فلسطينية – فلسطينية أو فلسطينية لبنانية، ينتج عن ذلك موجة هجرة وتهجير جزء كبير من اللاجئين الفلسطينيين إلى الخارج، ودمار المخيمات الفلسطينية.

السيناريو الثاني: وهو إمكانية حصول توافق لبناني فلسطيني على إعطاء الحقوق الإنسانية والمدنية للاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً الحق في العمل، واستيعاب سوق العمل اللبناني لليد العاملة الفلسطينية بمقدار قدرته الاستيعابية، مما يؤدي إلى تحسن أوضاع اللاجئين ما ينعكس إيجاباً على الحالة الفلسطينية، وتقليل مخاطر الانجرار نحو أجندات خارجية أو داخلية غير وطنية.

أما السيناريو الثالث: وهو انعكاس الأحداث والتطورات القائمة في المنطقة على الوضع في لبنان، بحيث تكون البيئتين الفلسطينية واللبنانية غير قادرتين على مواجهة تداعيات هذه الأحداث؛ مما يؤثر سلباً على الوضع الفلسطيني في لبنان وخصوصاً المخيمات الفلسطينية؛ ما يؤدي في نهاية المطاف إلى فرض أجندات إقليمية ودولية، تؤدي إلى توطين جزء من الفلسطينيين وتهجير الجزء الآخر، مما يؤثر سلباً على قضية اللاجئين وحق العودة.

بعد هذا التمهيد، تم تقديم عدة أوراق عمل ومداخلات وتعقيبات من قبل المشاركين.

مداخلة الأستاذ جابر سليمان:

ففي المداخلة الأولى، قدم الباحث جابر سليمان مداخلة تحدث فيها عن مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان، تضمنت محورين رئيسين المحور الأول: مسائل تتعلق بالتجربة التاريخية والواقع الراهن للوجود الفلسطيني في لبنان، والمحور الثاني مهام وتحديات راهنة ومستقبلية، وفيما يلي تفاصيل المداخلة:

أولاً: مسائل تتعلق بالتجربة التاريخية والواقع الراهن للوجود الفلسطيني/ لبنان:

1. انعكاسات البيئة الإقليمية والدولية وخصوصية الوضع الفلسطيني في لبنان:

• مخاطر تصفية مخيمات اللاجئين وتشتيت مجتمعات اللجوء (مثال العراق، سورية).

• حالة الاستقرار “النسبي” لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان المعلق على التطورات الإقليمية والمفتوح على شتى الاحتمالات، بالرغم من التهميش الذي يتعرض له الفلسطينيون في لبنان، وإغراءات الهجرة، بسبب تردي الوضع المعيشي.

• التحدي الذي يطرحه هذا الواقع؟: تطوير استراتيجيات/ آليات للتكيف والبقاء من أجل: (أ) الحفاظ على هوية المخيمات والوضع القانوني للجوء الفلسطيني. (ب) مواصلة الإسهام في الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة والنضال الوطني العام، وخصوصاً في إنهاء الانقسام وإعادة بناء م.ت.ف على أسس ديموقراطية ووطنية جامعة.

• إمكانية المقارنة مع الدور المميز لقطاع غزة في الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات، فيما يتعلق بتكريس الهوية الوطنية الفلسطينية والحفاظ عليها؟!

• مخاطر تقليص خدمات الأونروا والعجز المزمن في موازنتها، وصولاً إلى تمرير مخططات تصفية دورها الذي يجسد من ناحية مسؤولية المجتمع الدولي عن افتعال مشكلة اللاجئين (إحالة: ديباجة القرار 302/ 1949 المنشئ للأونروا).

2. العلاقة مع الدولة اللبنانية والوضع الحقوقي والإنساني الراهن:

• استمرار النظرة الأمنية في التعامل مع الوجود الفلسطيني في لبنان، وخصوصاً المخيمات، وغياب مفهوم “الأمن الإنساني” الذي يوفق بين أمن الدولة وتلبية الحاجات المعيشية، على أساس أن الأمن الإنساني جزء من منظومة حقوق الإنسان والنموذج الكلي للتنمية.

• فشل “لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني” في تنفيذ “الصلاحيات والمهام” التي أنشئت من أجلها بسبب “تفويضها الفضفاض افتقارها إلى السلطة التقريرية والتنفيذية”؛ واستمرار غياب مرجعية موحدة في الدولة اللبنانية للتعامل مع الوجود الفلسطيني، عدا عن المديرية العامة للشؤون السياسية واللاجئين التي يقتصر دورها على الأحوال الشخصية، حسب المرسوم 42 لسنة 1959 (د. خلدون الشريف: مشروع مرسوم لتحويل اللجنة إلى هيئة عليا لشؤون اللاجئين الفلسطينيين).

• استمرار المراوحة وحالة الركود فيما يتعلق بالحقوق الأساسية للفلسطينيين في لبنان. فعلى الرغم من مرور خمسة أعوام على صدور القانونين 129 و128 (آب/ أغسطس 2010) المتعلقين بتعديلات قانوني العمل والضمان الاجتماعي، لم تصدر حتى اللحظة مراسيم تطبيقية لإنفاذ هذين القانونين.

• غياب أي أثر ملموس وإيجابي لجهود “مجموعة العمل اللبنانية حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين في لبنان”، التي تعمل في إطار لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، وخصوصاً لجهة إنفاذ القانونين المذكورين والعلاقة مع الأونروا واستكمال إعمار مخيم نهر البارد (إحالة: المذكرات الثلاث التي قدمتها اللجنة لرئيس مجلس الوزراء تمام سلام بتاريخ 24/6/2015).

• تنصل الدولة اللبنانية من مسؤوليتها كدولة مضيفة في توفير الحقوق الأساسية للاجئين وفق المعاهدات والاتفاقيات التي وقعتها هي، وإلقاء كامل المسؤولية على الأونروا. وموقف لبنان في الدورة السابقة للمراجعة الدورية لحقوق الإنسان/ UPR (2008-2011) التي تتم في إطار مجلس حقوق الإنسان/ الأمم المتحدة شاهد على ذلك. ولا نعتقد أن الأمر سيختلف في الدورة الحالية (2011-2015).

ثانياً: مهام وتحديات راهنة ومستقبلية:

• الحفاظ على وحدة الموقف والرؤية بين الفصائل الفلسطينية كافة ومنظمات المجتمع الأهلي فيما يتعلق بملف الحقوق الفلسطينية والعلاقة مع الدولة اللبنانية.

• الحرص على تمتين الوحدة الوطنية الفلسطينية لبنان، من خلال العمل على تعزيز بنية الأطر الوطنية الموحدة (القيادة الفلسطينية الموحدة، واللجنة الأمنية العليا) إلى حين التوصل إلى الوحدة الوطنية الجامعة في إطار المنظمة.

• التمييز بين التمثيل الفلسطيني الديبلوماسي (السفارة) والتمثيل الشعبي، وبالتالي العمل على إعادة بناء التمثيل الشعبي الفلسطيني في لبنان (اللجان الشعبية، والاتحادات الشعبية) وصولاً إلى عقد مؤتمر شعبي فلسطيني، تنبثق عنه مرجعية فلسطينية موحدة في لبنان، وذلك من خلال البناء على تجربة الأطر الوطنية الموحدة الحالية. (الاسترشاد بتجربة اللجنة السياسية العليا للفلسطينيين في لبنان لسنة 1969).

• بلورة رؤية وطنية موحدة تجاه سياسات الأونروا بحق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تراعي خصوصية لبنان، بالتنسيق مع الدولة اللبنانية كدولة مضيفة، وبالتناغم الكامل مع الرؤية الوطنية الفلسطينية الشاملة في هذا الخصوص.

• تأسيس مرصد أهلي لمراقبة سلوك الأونروا يتمتع بالمصداقية والثقة ويتحلى بالموضوعية، بهدف إشراك مجتمع اللاجئين في رسم سياسات الأونروا ومراقبة تنفيذها.

• القيام بحملات توعية في المخيمات حول مخاطر الهجرة وسلبياتها، مع الإدراك بأن هذا الأمر لا يكفي، ما لم تتم معالجة المشكلات الحادة التي يعانيها المجتمع الفلسطيني في لبنان، وخصوصاً فئة الشباب.

مداخلة الأستاذ أسامة حمدان:

أما في المداخلة الثانية فتحدث عن حركة حماس الأستاذ أسامة حمدان، فقال إن البيئة والواقع الفلسطيني في لبنان معروف للجميع، فهو واقع مزري، وقد قام وفد وزاري لبناني بزيارة لمخيم عين الحلوة في السابق ورأى الأوضاع المأساوية هناك، ولم يتمالك أحد الوزراء ما رأى من مشاهد فأجهش بالبكاء. وتابع حمدان أن الفلسطيني في لبنان محروم من الحقوق المدنية والإنسانية، أضف إلى ذلك تأثيرات وانعكاسات الأحداث في لبنان وفي العالم العربي وتحديداً في سورية على الواقع الفلسطيني. هناك تحديات أمنية تطال الفلسطيني في المخيمات، لكن الدولة اللبنانية لا تقوم بمعالجتها بطريقة جذرية.

وفي خصوص مسألة توطين الفلسطينيين في لبنان، قال إن هاجس التوطين غير مبرر من قبل الدولة، فالإجراءات التي تفرضها على اللاجئ الفلسطيني غير مبررة من قبل الدولة، فيجب إعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية كي يستطيع الصمود في وجه مخططات التوطين والتهجير، كي تحصنه من الانخراط بالأحداث الدائرة في لبنان وسورية. لا شك أن إمكانيات الفصائل الفلسطينية في تحسين الواقع الفلسطيني محدودة، ويطغى على طابع عملها التنافس فيما بينها، في ظل غياب أو تقصير المؤسسات التي تقوم على رعاية اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا، المنظمات المدنية).

وتحدث حمدان عن تأثير غياب المرجعة الفلسطينية الموحدة على واقع الفلسطينيين في لبنان، كما ذكر أن تجربة القوى الأمنية المشتركة التي شُكلت في مخيم عين الحلوة وفي بعض المخيمات اقتصرت على الجانب الأمني، ولم تتطور لتشمل الجانب الاجتماعي (التنسيق مع وجهاء المخيمات)، فمعالجة الملف الأمني لا يمكن أن ينجح إذا لم يعالج الملف الاجتماعي.

وأشار حمدان إلى أن هناك ضبابية فيما يخص دور اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، خصوصاً فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والأحداث الدائرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن انعكاسات الأوضاع في سورية واضحة على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، خصوصاً بعد لجوء الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين في سورية إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وما نتج عن ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية وطبية وتعليمية. فهناك تحديات جديدة طالت المشهد الفلسطيني في لبنان، وأخطر ما في الأمر هو اختراق البيئة الفلسطينية من قبل جهات محلية أو عربية أو دولية، من أجل توظيف الأطراف الفلسطينية في الأزمة الداخلية اللبنانية، كما أن هناك آفات اجتماعية بدأت تغزو المجتمع الفلسطيني بشكل غير مسبوق، كالمخدرات والجريمة المنظمة.

وتابع بالقول لا شك أن الفلسطيني في لبنان بات يعيش مرحلة قلق كبيرة نتيجة التغيرات الحاصلة في البيئة اللبنانية والعربية خصوصاً تداعيات الأزمة السورية، نتج عنها موجات من الهجرة إلى الخارج، ما سيؤدي ذلك إلى ضرب الوجود الفلسطيني في لبنان، وتذويب وإنهاء قضية حق العودة، مما ينتج عن ذلك تداعيات خطيرة على موضوع اللاجئين الفلسطينيين وقضية حق العودة.

وأكد أنه ليس مطلوب من الفلسطيني أن يذوب في لبنان ويصبح لبنانياً، ولا مطلوب أن يتحمل لبنان الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ولكن يجب وضع قوانين محددة. فالمطلوب تحديد قواعد في العلاقة، وفق ما وُقع من اتفاقيات عربية عربية.

كما نوه حمدان على أن الفلسطيني لم يكن في أي يوم من الأيام طائفياً، وضرب مثالاً على ذلك هبة المسلمين في فلسطين في وجه استيلاء الإسرائيليين على الممتلكات المسيحية في القدس.

وتحدث حمدان عن متطلبات يجب العمل عليها:

• تأسيس مرجعية وطنية تقوم على صياغة خطة وطنية لتحصين البيئة الفلسطينية من تداعيات التطورات المحلية والعربية.

• العمل مع الجانب اللبناني لمعاجلة المشاكل والتحديات التي يعاني منها اللاجئ الفلسطيني، على أن لا تقتصر هذه المعالجات على الوسائل الأمنية، بل تتعداه إلى مقاربة الواقع الاجتماعي، والسياسي، والحقوقي.

• التوجه نحو الشباب ومد الجسور معهم، والقيام بحملات توعية لهم، وبالتوازي مع العمل على تأمين مستقبل اقتصادي يمكنهم من الانخراط بسوق العمل من خلال سن قوانين جديدة تراعي هذا الجانب، بحيث لا يصبحون فريسة الجماعات أو الجهات غير الوطنية التي تستغل ظروفهم المعيشية لتوظيفهم وفق أجندات مشبوهة وغير وطنية.

• نحن بحاجة إلى إعادة صياغة العلاقة الأمنية الفلسطينية اللبنانية؛ بحيث يتم إيجاد أطر واضحة وعملية لتقنين هذه العلاقة، بحيث يتم “شرعنة” عمل اللجان الأمنية الفلسطينية المشكلة من خلال الفصائل الفلسطينية، والمنبثقة عن توافقات فلسطينية لبنانية، وبذلك تصبح أعمال أو إجراءات هذه اللجان “قانونية” من وجهة نظر الدولة اللبنانية. كما أنه من غير المقبول أن تطالب الدولة اللبنانية الجانب الفلسطيني في المخيمات بأشياء تفوق قدرته وإمكانيته كأنه دولة داخل دولة.

مداخلة الأستاذ مروان عبد العال:

أما المداخلة الثالثة فكانت للمسؤول في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الأستاذ مروان عبد العال، الذي رحب بتناول مركز الزيتونة لهذا العنوان وباهتمام الحضور بمسألة تتعلق بالتحديات التي يوجهها الوجود الفلسطيني في لبنان.

إن معيار الجدية لأي بحث يعتمد على تحديد وظيفة وغاية النقاش، أدرك أن الهدف تحديد الرؤية، والتي ندفع جميعاً كلفة تضييعها، لكن الأخطر من غيابها هو حالة الفصام أو التفكيك للمنظومة الوطنية والصيغة الجمعية تمهيداً لتفتيتها، يبدأ بافتعال تناقض بين المستوى الفكري والسياسي من جهة ومع حاضنتها وهي التربة الاجتماعية، تمهيداً للقبض عليها واستخدمها في زراعات بديلة تتحول فيها الكتلة البشرية إلى جماعة عاجزة ومهددة في صميم وجودها وكيانها وهويتها.

وأضاف عبد العال: “معيار النقد، ليس فعل الندامة أو كرسي اعتراف أو بكائية نذرفها بعد كل تراجع بل هو صياغة متجددة لقيم متبادلة والمسؤولية الاجتماعية والممارسة العملية، وهذا بدوره كان العامل الأساس والأهم الذي يقف وراء تفشي حالة الأزمة والعجز وغياب الإرادة. والا فإن النقد الموضوعي هو فاتحة المراجعة التاريخية نحو المرجعية الفاعلة والاستراتيجية الجامعة والرؤية..”.

وتابع في الخلفية تاريخية: تقدم الشعوب يقاس وفق معيار تصاعدي نحو الأكثر رفاه والأكثر رقياً.. والخ.. في قياسات الشعب الفلسطيني المعيار تنازلي نسأل عن التجمع الأكثر قهراً وبؤساً، ومحاولة لإظهار الفوارق بين شتات وآخر.. لكن الوجود الفلسطيني في لبنان ينظر لنفسه بوصفه اللاجئ القابل للتكرار .. وابن النكبة المستدامة. وهي نتاج لمسألة موضوعية وضعته ضحية نكبة أولى وهي الاقتلاع، وضحية بنية نظام طائفي، فرض عليه حالة طوارئ في مخيماته ثم انتفض الفلسطيني على السلطة عام 69 ودخلت ثورته طور العلنية واشترك في الحرب الأهلية اللبنانية حتى نهايتها 1990 وحُمّل أوزارها وأسبابها من مخيماته وناسه وقضيته..”.

وقال عبد العال في مداخلته إن “المرحلة الأولى: التسوية الداخلية اللبنانية انطواء الوجود العسكري الذي كان قد طغى على المشهد حتى انتهاء الحرب الأهلية رسمياً.. وبفعل متغيرات إقليمية ودولية، تبدأ من انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب الخليج وحصار العراق وانطلاق مؤتمر مدريد.. المفاوضات العربية/ الصهيونية. والوجود الفلسطيني دفع ثمنها، انطواء زمن الوجود العسكري، تفكيك البنية العسكرية، انكفاء إلى المخيمات، لجنة الوزيرين، وتبعها إلغاء اتفاق القاهرة من طرف واحد دون صيغة بديلة.. وكل ما قدمه الفلسطيني ليحظى باعتراف بحقوقه الوطنية لم تجد آذان صاغية”.

أما “المرحلة الثانية: مسار التسوية على الصعيد الفلسطيني، أشاع وهم حل القضية الفلسطينية وجرى التفاؤل بالمتغيرات الدولية، بما فيها قضية اللاجئين التي جعلت لبنان ينظر بحذر إلى إمكانية استغلاله كحلقة ضعيفة وحل قضية اللاجئين على حسابه، وتنصل من أي حديث عن الحقوق المدنية مبرر ذلك بوعود دولية، فاكتفى بتأكيد الموقف اللبناني من الوجود الفلسطيني بما ورد في اتفاق الطائف “لا للتوطين” وهذا مبدأ وليس سياسة… تماماً كما استغرق الموقف الفلسطيني الرسمي بالمفاوضات وأن الحل النهائي لقضية اللاجئين على الأبواب، والموقف الرافض بالتمسك بحق العودة، وهذا مبدأ أيضا وليس سياسة.. الشرط الضروري ولكن غير الكافي..”.

وتحدث عبد العال عن خطر الوجود الذي تحول من الخطر المحسوس إلى الملموس:

– يرتفع مؤشر القلق على الوجود بشكل تدريجي، عبر الإحساس العميق للفلسطيني في لبنان باليتم الوطني، بعد خروج الثورة من لبنان وبدأ مفاوضات التسوية وإنشاء السلطة الوطنية وحيازتها على أولوية تفوق منظمة التحرير، التي تراجع دورها وتآكلت مؤسساتها، ومد مسار التسوية وتأجيله قضية اللاجئين أو العمل على خلق تفاوض حولها وصولاً إلى التصريحات الرسمية الفلسطينية التي تقبل بتجزئتها ..الخ وكذلك التعاطي معه كاحتياط أو حديقة خلفية وليس بحفظ مكانة سياسية لحركة الشتات الفلسطيني في القرار الوطني، كل ذلك ولدت مشاعر التخلي عنه ونكران حاجته إلى الأمان السياسي والحرص على مستقبله

– المأزق الذي تعيشه المنطقة العربية والتي تتعرض إلى زلزال قد يعيد صياغتها من جديد، إعادة تكرار لذات المتغيرات والتأثيرات التي عكست نفسها على واقع الفلسطينيين في لبنان، وخاصة تلك التي طالت سوريا وعصفت في لبنان منذ مقتل الرئيس الحريري، لقد أدرك الفلسطيني أن تصفية الوجود قاب قوسين أو أدنى. كانت نكبة مخيم البارد ليس بمعنى جرح في صدر الوجود الفلسطيني فحسب بل شكل نموذجاً سلبياً لدفع ثمن التناقضات القائمة وكذلك لا ننسى مخيمات سوريا.

-تقاطع الدور الدولي وخاصة إفلاس متصاعد للأونروا، سيف ديموقليس المسلط على رقبة الوجود الفلسطيني، من سياق أن وجود الأونروا لحل قضية اللاجئين، بينما حل قضية اللاجئين يحل وجود الأونروا، إلا اذا كان مفهوم الحل هو التصفية. الدول المانحة تدفع نحو تعريب المسؤولية عن اللاجئين وتحميل الدول المضيفة مسؤوليتهم، من خلال إجبار العرب تحمل الموازنة، والشراكة لجزء من خدمات الأونروا مع مؤسسات أخرى تعليميه أو صحية أو مهنية، أو لوزارات الدول المضيفة، حتى الذهاب بطلب تعريف من هو اللاجئ! للعلم فإن الوكالة تعكف على دراسة قانونية اجتماعية لفصل حق استحقاق الخدمات عن حق تسجيل اللاجئين، وبذلك يصبح اللاجئون فئتين: لاجئ مسجل ولاجئ مسجل ومستحق، وهذا يعني أن ليس كل لاجئ مسجل في سجلات الأونروا يستحق الخدمات التي تقدمها الوكالة، من تعليم وصحة وإغاثة.

– تقاطع الدور المحلي عبر الحياة الممنوعة، حسب الآية الكريمة “على شفا جُرُفٍ هارٍ…” الذريعة فزاعة التوطين، ترفض حقوق الإنسان تحت مسمى الخطر الديموغرافي والذي هو دينو غرافي وإعادة انتشار اللاجئين.. وتحميل الأونروا مرةً مسؤولية بؤس المخيمات ومرة أخرى الفصائل الفلسطينية لأسباب عديدة.. هروب من تحمل المسؤولية كدولة مضيفة، وآخر ما سمعناه من أحد الوزراء ” ما إلكم حق عنّا” ..

– المخيم أو الفلسطيني الفزاعة، من أجواء التفكيك والفتن المذهبية، المخيم في قائمة الاستخدام المدمر كمادة تفجير وعندما لا يضيع حق وراءه مطالب؛ لذلك يجري تشويه وتغيير هويته ودلالته ورمزيته الوطنية وشيطنة المخيم كمطالب ومناضل من اجل الحق.. الفعل الإرهابي يرهن المخيم للمجهول، ويحول الفلسطيني إلى رقم أمني في المعادلة لا حل له إلا بمستوى أمني، فيتحول المخيم إلى نابذ للمحيط ولأهله، لتسمع بعد ذلك من مؤسسات دولية، لماذا الفلسطيني فقط من هو يعيش بالمخيم!؟ يمكن أن تكون خارجه وتظل فلسطينياً.

– تضاعف الخطر على الوجود؛ بتراجع الدور الوطني والانتماء السياسي وانتشار فطر المؤسسات واجتياح الدراسات الممولة وجماعات ممولة بمؤسسات ملتبسة تبني فكرها على التحشيد المذهبي وغيرها. الاستنزاف من داخل المخيم لوجودها المادي ككتلة بشرية، صرنا نناضل لحفظ الوجود الشاب في مجتمعنا، وهنا سياسات لتسهيل الهجرة ومنها اقتراحات منح الجنسية الفلسطينية للجالية الفلسطينية في لبنان، والتي سمعناها من مؤسسات دولية.

وختم عبد العال مداخلته بالقول: “ماذا بعد… أثبتت انتفاضة الجيل الجديد على أرض فلسطين، أنه لا يحتاج لنا بقدر حاجتنا إليه، هو بمثابة أوكسجين جديد للهوية الوطنية الفلسطينية، نشعر فيها كيف تجدد الأمل في شبابنا هنا واستعاد الاعتزاز بالانتماء”.

وتابع لكن هذا يتطلب سياسة فلسطينية أساسها:

* المصلحة الوطنية العليا والتي لا تتصادم مع سياسه البلد المضيف: حفظ الوجود الفلسطيني في لبنان وتوفير كل الشروط الواجبة لذلك.

* مرجعية وطنية بمضمون جماعي يوحي بالثقة والكفاءة والمسؤولية، لا تتصوف الفصائل كتنظيم لذاته بل يؤدي دور وطني أساسه حفظ الهوية الوطنية.

* الحياد الإيجابي عبر الانحياز للسلم الأهلي للبنان وللوجود الفلسطيني.. الكرامة والسيادة، والكيان والهوية، الجمع الخلاق بين النضال لنيل الحقوق المدنية في العدالة النسبية والعيش الكريم والحقوق الوطنية في النضال لتحقيق حق شعبنا في العودة.

مداخلة الأستاذ مالك أبي نادر:

أما المداخلة الرابعة فكانت للمسؤول في التيار الوطني الحر الأستاذ مالك أبي نادر، وقد تحدث عن أربعة محاور:

أولا- البيئة المحلية والإقليمية والدولية وانعكاساتها:

أصل البلية الفلسطينية هي أن فلسطين كشعب وأرض دفعوا ثمن تسويات ومساومات دولية، وما يزال النضال من أجل استرجاع الحق التاريخي يخضع لمؤثرات الأزمات الدولية والإقليمية، التي تترجم على أرض فلسطين ومحيطها تارة بلبوس اقتصادي كالصراع على النفط أو لبوس جيو سياسي، كونه هدف للنفوذ الدولي كنقطة التقاء جغرافية بين عالم الشمال الغني وعالم الجنوب الفقير، ومؤخراً بؤرة للصراع المذهبي الإسلامي والذي تدفع في الأقليات المتجذرة في الشرق أثماناً باهظة ليس أقلها التهديد الوجودي لها وإجبارها على الرحيل أو الموت.

وللأسف طالما انخرط بعض الشعب الفلسطيني في هذه الصراعات الدموية كونه الحلقة الأضعف، وفي كل أزمة يدفع فواتير كبيرة تقضم من ما راكمه من مكتسبات سياسية واجتماعية ما يضع الأزمة الفلسطينية وبمتشعباتها وفروعها في قعر سلم الأولويات إقليميا ودولياً.

ثانياً: التحديات والمخاطر التي يواجهها الوجود الفلسطيني:

كما قلت سابقاً ينخرط بعض هذا الشعب المناضل في الصراعات الإقليمية ويبقى داخلها وإذا انتهت إحداها بتسوية أو بانتصار فريق على آخر يترك الفلسطيني خارج هذه النهايات فتكون التسوية على حسابه أو يدفع وحيداً ثمن انتصار فريق على آخر.

بالإضافة إلى أن الكيان المغتصب، الذي طالما خرج رابحاً من أية أزمة شرق أوسطية بإرادة دولية كبرى، فهو يعمل على ترجمة هذا الربح قضماَ للحقوق والأراضي، وتعنتاً في المفاوضات، وعدواناَ على المجتمع الفلسطيني في الداخل ودول الجوار. وآخر هذه المشاريع ما تسرب عن تفاهم بين إسرائيل ودولة الخلافة المرتقبة، بأن إعلان الخلافة في الدول العربية المحيطة بإسرائيل وإلغاء الحدود والهويات الوطنية يوفر للكيان الغاصب الفرصة الكبرى في ذوبان الشتات الفلسطيني في مجتمع الخلافة، وحتى تهجير من بقي في الداخل إلى خارج فلسطين وانصهارهم مع رعايا الدول الأخرى في دولة واحدة وفي هذا حل نهائي للقضية الفلسطينية على أسس مذهبية وقومية.

ثالثاً: الفرص المتاحة لتسوية الوضع الفلسطيني بشكل معقول لبنانياً وفلسطينياً:

أنا لن أدخل في تفاصيل وإشكاليات العلاقة اللبنانية – الفلسطينية، وما لها من آثار دموية تاريخياً على كافة الصعد، والتي انعكست عدم ثقة متبادلة دفع اللاجئ الفلسطيني ثمنها، فمنع من العمل والتعليم والعيش في مسكن لائق وحتى تحسين ظروف معيشته في المخيمات، والتي تحولت إلى كتل سكنية لا تستوفي أقل الشروط الواجب توفرها لحياة كريمة.

وهنا أسجل على المجتمع الفلسطيني الذي يدفع بكل أطرافه السياسية ثمن أي أزمة مع الدولة اللبنانية أو أي عدوان إسرائيلي، ولكن تراه مشرذماً إلى منظمات وفئات لكل منها أجندة إقليمية أو ربما دولية ما يضيف إلى عوامل عدم الثقة مع الدولة اللبنانية عاملا آخر هو الريبة من أن يشكل “حصان طروادة” لأصحاب المشاريع الإقليمية الذين يريدون الدخول إلى الساحة اللبنانية، وفي التواجد السلفي التكفيري في عين الحلوة وملف نهر البارد أكبر مثال على ذلك طبعاً مع التذكير بدور المخيمات في الستينيات والسبعينيات في توفير ملجأ لكل “إرهابيي” العالم “وفق التوصيف الدولي” تحت مسميات النضال الأممي، وطبعاً هنا لا أنفي دور الأطراف اللبنانية في توفير هكذا عوامل. والتحدي الأساسي والأول هو في تكوين مرجعية فلسطينية في كافة المخيمات تأخذ على عاتقها الأمن والقضايا الاجتماعية عندها يمكن أن تحفز الدولة اللبنانية للبحث الجدي في تسوية المشكلات الاجتماعية والاقتصادية مع أهالي المخيمات.

رابعاً: المقترحات والتوصيات لتجاوز العقبات والوصول إلى السيناريو المفضل:

بداية يجب بلورة الهدف أو القضية للوجود الفلسطيني في لبنان والمؤكد أنه العودة وفقط العودة، لذلك يجب صياغة أجندة فلسطينية موحدة ترفع للدولة اللبنانية فيها نظرة شاملة للأوضاع الفلسطينية وطرق معالجتها بما لا يثير المخاوف اللبنانية من التعاطي معها وهي: السلاح والأمن بما لا يقلص السيادة اللبنانية. الدخول في سوق العمل اللبناني وفق حاجاته وخصوصياته. إيجاد صيغ تسوية لاستيعاب التكاثر السكاني الفلسطيني تأخذ بعين الاعتبار الخوف التاريخي لدى اغلبيه اللبنانيين من تملك الأجانب في بلد يصغر يوماً بعد يوم على أبنائه الأصليين. وأخيرا ممارسة العمل السياسي ضمن الشروط العالمية التي تسمح بالنشاطات السياسية بما لا يهدد السيادة الوطنية (عدم امتلاك الأطراف السياسية للسلاح والتزامها القوانين اللبنانية) ولا يستقطب لبنانيين يشكلون احصنه طروادة لهذه المنظمات في الرقعة السياسية اللبنانية.

مداخلة الأستاذ بشار شبارو:

وقدم الأستاذ بشار شبارو المداخلة الخامسة قال فيها: “من المؤسفِ حقاً أن نتحدث بلغة “الفلسطيني” و”اللبناني”، ونحن أمةٌ عربية إسلامية واحدة، نؤمن بأن الإنسان واحد في الكرامة والحقوق سواء في القدس أم في بيروت، لكن لغة التجزئة التي سادت الواقع ألزمتنا أن نتعامل بهذه الأبجديات، فمعذرةً ابتداءً وانتهاء إن اضطررنا للتكلم بهذه المفردات”.

ثم تحدث شبارو عن ثلاثة نقاط وهي:

أولاً: في التجربة التاريخية للوجود الفلسطيني في لبنان:

بدأ الوجود الفلسطيني في لبنان بحالات النزوح منذ 1948، حيث تشكلت المخيمات. وبالرغم من الاحتضان الواسع من شتى شرائح المجتمع اللبناني للوجود الفلسطيني، إلا أنه لم تخلُ هذه المرحلة من ضغط أمني مورس ضد الوجود الفلسطيني آنذاك. وعقب هزيمة 1967 ظهر الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان رداً على الهزيمة وعلى الضغوط التي مورست عليه.

وجاء اتفاق القاهرة سنة 1969، ليكرِّس العمل الفلسطيني المسلَّح انطلاقاً من لبنان، لكن وقوع المقاومة الفلسطينية في فخِّ الحرب الأهلية اللبنانية أفقدها قداسة القضية، وحَرَفَ البوصة بشعارات ما زلنا نسمع مثلها اليوم “طريق التحرير تمرُّ من هنا وهناك”، ترافق ذلك مع التدخل السوري في محاولة للإمساك بأوراق القضية الفلسطينية والقوى الوطنية.

عندما خرجت المقاومة المسلحة من لبنان سنة 1982، وقع الوجود الفلسطيني فريسة الحروب ضد المخيمات، من خارجها حيناً ومن داخلها حيناً آخر، كما رزح الوجود الفلسطيني تحت تشريعات وقوانين جائرة سلبته أبسط حقوق الإنسان.

والجدير ذكره، أنه في هذه المرحلة ونتيجة الأوضاع السابقة بدأت طلائع العمل الإسلامي الفلسطيني المقاوم بالظهور، وهذا أحدث تأثيراً كبيراً في الساحة كما هو معروف.

ثانياً: نحو رؤية استشرافية مستقبلية:

1. البيئة المحلية والإقليمية والدولية وانعكاساتها:

ما يزال وضع لبنان —بفعل البيئة الإقليمية والدولية— بمرحلة انتظار، وتحمل هذه المرحلة أضراراً مقدَّرة للساحة الفلسطينية فهي تعمِّق المشاكل وتمنع الحلول. لكن الأهم هو أن نُخرجَ الوجود الفلسطيني من إمكانيات التناحر الداخلي أو إقحامه في صراعات الساحة اللبنانية، وعدم السماح أن يكون ورقة بأيدي قوىً إقليمية أو دولية، لانعكاس ذلك سلباً على القضية، كما لا بدّ من التمسّك بحق العودة ورفض التوطين.

2. التحديات والمخاطر التي يواجهها الوجود الفلسطيني في لبنان:

لعل من أهم المخاطر والتحديات التي تواجه الوجود الفلسطيني في لبنان ما يلي:

أ. مشاريع التسوية في المنطقة، وما قد يطول الوضع اللبناني، وما قد ينتج عنه من تهجير أو توطين للفلسطينيين.

ب. الاستنزاف للشعب الفلسطيني اجتماعياً (تجهيل، ومخدرات، والأمراض،…)، واقتصادياً (الفقر، والعوز،…)، ونفسياً (تثبيط، وتيئيس،…)، ليولد جيل منحرف ناقم متفجِّر، مما ينعكس بالضرر على الفلسطينيين وعلى لبنان بشكل عام.

ج. الصراع الداخلي والاستغلال والزجّ بحروب وصراعات لا علاقة لها بالقضية، بل تضرُّها وتُفرغها من وِجهتها.

‌د. القوانين والتشريعات الجائرة التي لا ترعى أدنى الحقوق الإنسانية، وتبعث برسالة أن الفلسطينيّ غير مرغوب به في لبنان، إن السكوت عن ذلك عارٌ علينا نحن اللبنانيين.

ه. العزلة والتقوقع الناتج عن الحصار المفروض على المخيمات، إذ ذلك يولِّد من المشاكل ما هو واضح.

3. المقترحات والتوصيات لتجاوز العقبات والوصول إلى السيناريو المفضل:

بسبب الانقسام اللبناني الداخلي وضغط الأحداث من حولنا، يبدو أن الفرص المتاحة لتنظيم الوضع الفلسطيني في لبنان ضعيفة ومحدودة، لكن يمكن القيام بعدَّة أمور تكون تنفيساً للوضع الحالي وتوطئة لأي حلٍّ مستقبلي:

أ. تشكيل مجموعة ضغط لبنانية للمطالبة بتحسين أوضاع أبناء فلسطين.

ب. تشكيل مجلس فلسطيني – لبناني أعلى، وإنشاء غرفة عمليات أمنية – اجتماعية من شخصيات مقبولة لمحاصرة ومنع أي فتيل تفجير أو استغلال.

ج. قيام الجمعيات الأهلية بمبادرات اجتماعية لبنانية – فلسطينية لكسر العزلة عن الشعب الفلسطيني في المخيمات.

د. دعم مشاريع التعليم والانتاج الاقتصادي للمشاريع الصغيرة.

ه. وضع ميثاق سياسي – اجتماعي، يحدد ثوابت ومنطلقات الوجود الفلسطيني في لبنان، ليصبح مادة ثقافية وتربوية في المؤسسات والخطب والإعلام.

و. إن تنظيم الوضع الفلسطيني في لبنان هو حاجة لبنانية كما هو حاجة فلسطينية.

وختم شبارو مداخلته بالقول: “ثمة فكرة أحسبها مفتاحيةً لكل معاناتنا: لن يتحسن وضعنا خارج فلسطين ما لم يتحسن داخل فلسطين، فمن أراد دعم الوجود الفلسطيني خارج أرضه ما عليه إلا أن يدعم العمل المقاوم في داخل فلسطين، كل فلسطين”.

وتابع: “لقد أذهل فلسطينيو الداخل العالم بكفاحِهم وثباتهم، فمن أبطال الحجارة إلى أبطال الصواريخ إلى أبطال السكاكين… رسالة لنا جميعاً: نحن أمام شعبٍ لا يُقهر بإذن الله وعونه، وكِنانتُه لا تنفد، فلا أقلّ أن نقف معهم بكل طاقاتنا في الداخل، سنرى عندها كيف تتغيَّر الأمور في كل أمتنا… والله الموفق، والسلام عليكم ورحمة الله”.

مداخلة الدكتور أحمد جمعة:

أما المدخلة السادسة فكانت عضو للدكتور أحمد جمعة المكتب السياسي في حركة أمل وجاء فيها: “منذ بداية اللجوء الفلسطيني إلى لبنان أو في الداخل أو في أي منطقة في العالم، يعيش الشعب الفلسطيني بشكل عام، وكل شخص فلسطيني، حالة قلق داخلي يدفعه إلى الشك بكل شيء والشك بأي كان من حوله، معتبراً أن التحركات المحيطة به هي تحركات تآمرية تسعى إلى إلغائه أو إنهائه ليس فقط كقضية إنما كجسد وكوجود مادي”.

وتابع جمعة: “نلاحظ أنه بعد أن علّق الفلسطيني بشكل خاص، والعربي بشكل عام، آماله على مصر عبد الناصر للتصدي للعدو الإسرائيلي والسعي إلى تحرير التراب العربي، جاءت نكسة الـ 67 لتوجه ضربة إلى آمال هذا الشعب وإلى تطلعه لتحرير أرضه أو العودة إليها؛ فتأسست منظمة التحرير الفلسطينية التي سرعان ما وقعت في لبنان في فخّ اتفاقية القاهرة عام 69، هذه الاتفاقية التي سمحت لمنظمة التحرير بإنشاء دولة ضمن الدولة، أو لنقل دولة رديفة، تعيش على هشاشة الدولة اللبنانية التي كانت وما تزال غائبة عن دورها ومهمتها التي من أجلها أنشئت”. “فكان أن أصبحت الدولة الفلسطينية تسيطر بشكل أو بآخر على مفاصل الدولة اللبنانية إدارياً، أو السيطرة بشكل مادي على قسم كبير من الأراضي اللبنانية، مما دفع البعض إلى الحلم بالوطن البديل أو في أحسن الأحوال وصْل المناطق المسيطر عليها بما يمكن تحريره من الأراضي الفلسطينية؛ حتى تمّ تغيير أسماء بعض الجهات اللبنانية، مثل العرقوب الذي أصبح يسمى بـ”فتح لاند”، ودفع بعض القيادات الفلسطينية إلى الجهر بأن طريق القدس تمر في جونية”.

وأشار الدكتور جمعة إلى أن “الإمام موسى الصدر تنبه لهذه الهفوة التاريخية في مسار الصراع، فدفع باتجاه محاربة التقسيم في لبنان، وأسس الأفواج اللبنانية المقاومة التي أرادها رديفاً وحليفاً وسنداً للمقاومة الفلسطينية، وأطلق فتاواه الشهيرة التي ألزمت كل من يلتزم به بأن “إسرائيل” شرّ مطلق، وأنه مستعد لحماية المقاومة بجبته وعمامته ومحرابه، وأن تحرير القدس يحتاج إلى ثلة تؤمن بها لأن شرفها يأبى غير ذلك”.

“لقد توسعت منظمة التحرير وتوسع نفوذها وأصبحت تهدد النظام العربي القائم وامتداداته، إضافة إلى إقلاق “إسرائيل”، فتبنى هذا النظام العملية العسكرية الإسرائيلية التي أدت إلى خروج جسم منظمة التحرير من لبنان، فأصيب الفلسطيني بنكسة جديدة أضيفت إلى النكسات السابقة المتغلغلة في أعماقه، وسقط حلم التحرير عنده بسقوط منظمة التحرير كمشروع للتحرير والعودة، فأصبح يحاصر حصاره ولم يعد يأمن لأحد حتى بعضه لبعض”.

وتابع: “خرجت منظمة التحرير ولم يخرج سلاحها، وعمدت الدولة اللبنانية إلى إلغاء اتفاق القاهرة، فأصبح السلاح الفلسطيني الموجود بين أيدي من تبقى من سكان المخيمات سلاح يبحث عن شرعية ويبحث عن قضية، خصوصاً بعدما تلقى صفعة اتفاق أوسلو الذي جاء ليقول للجميع “إن لا حاجة لي للسلاح حتى لو كان حجراً”، فكيف إذا كان ثقيلاً ومتوسطاً ناهيك عن الخفيف”.

وقال: “لم يعُد الفلسطيني في لبنان مطمئناً لأي شيء محيط به، فعَلَت الأصوات المطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني المدنية كتعبير إضافي عن بحث هذا الشعب عن عوامل اطمئنانه، لكن سلاحه بقي يعمل وبقي فعالاً، لكنه ارتد عليه. وقد أثبتت أحداث نهر البارد أن هذا السلاح يمكن أن يكون، لا، بل هو سلاح يحمله الفلسطيني ويوجهه لصدره هو وليس للعدو الذي من أجله وُجد”.

“وطرأ على هذا الوضع في الآونة الأخيرة وإضافة إلى الانقسامات الحادة الموجودة في الجسم الفلسطيني، والذي يصرّ رئيس حركة أمل، دولة الرئيس نبيه بري، على جمعه وضبطه من خلال إصراره على استقبال الوفود الفلسطينية في وفد موحد لمحاولة حمل الفصائل كافة على العودة إلى الوحدة والتلاحم الذي يبدو بعيد المنال. كما فلسطين التي ابتليت أخيراً ببعض الأفكار التي لا تعتبرها أولوية أو وطن لأبنائها بل هي جزء من كل يمكن تحريره فيما بعد”.

وقال جمعة: “بالعودة للفلسطينيين في لبنان، ففي ظلّ هذا القلق وهذا العصاب الجماعي المتمثل بالخوف من الآخر والنظر إليه كعدو آت لاقتلاعه، وفي ظلّ انتشار السلاح والأفكار المختلفة في المخيمات، أصبح أمر اشتعالها من الداخل في أي وقت يثير المخاوف والحذر في المخيم والجوار. وإذا كان مخيمي اليرموك في سورية والبارد في لبنان، شكلا مع عين الحلوة ثلاثية النضال الفلسطيني الهادف لحفظ حقّ العودة، فإن مصير عين الحلوة وإمكانية إلحاقه بشقيقيه تبقى هدفاً للعدو وهاجساً مقلقاً لجمهور المقاومة المتطلع إلى التحرير والعودة، إذ أصبح كل مخيم يحمل في داخله بذور وعوامل تفجره. مما دفع بالفلسطينيين المحرومين من أرضهم إلى الاقتداء بالمحرومين في أرضهم من جيرانهم اللبنانيين، والعمل بشكل حثيث شرعي أو غير شرعي، إلى الهجرة والمغادرة بحثاً —إضافة إلى لقمة العيش— عن الاطمئنان والهدوء”.

“ولم يعد لأيّ كان على امتداد القضية الفلسطينية رأي في التحرير أو العودة أو التوطين، فهي الآن في أيدي الكبار، لكن الأمل يبقى بهؤلاء الفتية أصحاب الحجارة والسكاكين في فلسطين، علَّهم إذا استطاعوا الصمود ولم يتآمر عليهم الشرق والغرب، أن يحدثوا خرقاً ما في الجُدر المحيطة والمحبطة للوضع الفلسطيني، الذي هو في لبنان إذا أردنا أن نصفه فلا نستطيع إلا أن نقول إن مستقبله قلق، ومقلق، وغامض، وضبابي على أمل الانقشاع”.

وختم الدكتور جمعة ورقته بالقول: “لذا ندعو كحركة أمل الفصائل الفلسطينية بكافة توجهاتها والدولة اللبنانية بأجهزتها كافة، إلى التعاون والعمل كفريق واحد، لرفع مستوى المعيشة في المخيمات، وإعطاء الفلسطيني الحق في العيش الإنساني الكريم وحفظ أمن مجتمعه الباقي، وذلك حفظاً للكرامات والأرواح، بانتظار أن يكشف الكبار عما يخبئون في دفاترهم العتيقة”.

مداخلة الأستاذ هشام دبسي:

وقدم مدير مركز تطوير للدراسات الأستاذ هشام دبسي المداخلة السابعة عمل بعنوان “واقع المخيمات الفلسطينية في لبنان من أين.. وإلى أين؟” جاء فيها:

1- بدأت مسيرة تحول السياسة الرسمية الفلسطينية منذ عام 2005 حيث أسفرت الاتصالات بين القيادة الفلسطينية والمسؤولين اللبنانيين عن إعادة افتتاح مكتب ممثلية منظمة التحرير في لبنان وبعد سجال داخلي لبناني تم الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين واعتماد الممثلية برتبة سفارة.

تخلل هذا التحول تصريحات فلسطينية تصاحب زيارات الرئيس محمود عباس وبعض المسؤولين من الصف الأول حول السياسة الجديدة كما تخلل هذا التحول إطلاق وثيقة “إعلان فلسطين في لبنان” التي تلخص تلك السياسة.

في المقابل صدرت مواقف رسمية لبنانية تضمّنها “خطاب القسم” للرئيس ميشال سليمان ومثلها في البيانات الوزارية المتعاقبة تلاقي في الجوهر مضمون التحول في السياسات الفلسطينية.

بهذا، تقدمت العلاقة الثنائية من علاقة تحكمها نظرة الملف الأمني وتتحكم بها الأجهزة الأمنية سواء كانت سورية أو محلية، إلى علاقة بين شرعيتين ونظرة جديدة لمعالجة الأوضاع الفلسطينية بمقاربة سياسية مختلفة.

حتى اليوم وعلى الرغم من مرور نحو عشر سنوات على تلك المسيرة، يمكن القول أن هذا المسار لم يستطع تجاوز المشكلات المتراكمة، والمشكلات التي استجدت على المخيمات. وما زال العنوان الرئيس للوجود الفلسطيني في لبنان هو العنوان الأمني. وما يجري اليوم في “مخيم عين الحلوة” شاهد حي على هذه الخلاصة حيث تتشكل بطريقة تصاعدية وسريعة مختلف العوامل والمناخات التي سبقت معركة مخيم نهر البارد بما أسفرت عنه من نتائج كارثية لم تنته مفاعيلها بعد.

وها نحن اليوم أمام تكرار نمطي لما جرى في مخيم نهر البارد حيث نشهد اختطاف مخيم عين الحلوة لاستهدافات شبيهة لكن الفرق أن النتائج الكارثية ستكون أكبر بما لا يقاس عن السابق لأن الإيقاع ” الداعشي” لا يرحم ما لم يتم قطع الطريق على هذا السيناريو.

2- حتى الآن وعلى الرغم من نجاح الفصائل الفلسطينية في الحوار والعمل المشترك عبر أطر جامعة أو بدونها، لم تستطع الفصائل أن توحّد نظرتها للمخاطر التي تحيط بوضع المخيمات. وأولها وجود المتطرفين وذوي الارتباطات الاستخبارية المكشوفة، فضلاً عن المشكلات الناجمة عن استقبال المزيد من اللاجئين الفلسطينيين الهاربين من جحيم النظام السوري أو لجهة أسلوب التعامل مع حالة إغراق المخيمات بالفقراء من مختلف الجنسيات ما يجعل المعالجات النمطية التي تطالب بها الفصائل أو منظمات المجتمع الأهلي الفلسطيني غير ذي جدوى عملية من الناحية السياسية، وتحديداً ما يتعلق بالبنى التحتية وشروط الحياة الإنسانية.

إن المعالجة الفصائلية الجارية مشدودة إلى حسابات داخلية تتعلق بالصراع الداخلي الفلسطيني على الرغم من المظهر الحسن الذي يبدو عليه الإجماع في الموقف العام وأمام الإعلام والدولة اللبنانية. تلك الحسابات الضيقة تضعف القدرة على الوصول إلى حلول جذرية.

3- إن شرط التقدم في معالجة الإشكاليات المستعصية للحياة اليومية في المخيمات ولمشكلات السلاح والأمن تبدأ بدراسة نظام المصلحة الفلسطينية ومقاربته مع نظام المصلحة اللبنانية والتوافق حوله داخلياً. وهذا لا يمكن إنتاجه في الواقع الفلسطيني ما لم نحرر هذه المصلحة الوطنية العليا من الخطاب الأيديولوجي ومن الأحكام المسبقة ومن التكرار النمطي الذي لم يسفر عن نتيجة عبر التجربة الطويلة.

4- إن مواجهة المشكلات التي يضخّها الواقع المتفجّر في المنطقة وكذا الحالة غير المستقرة في لبنان يطرح تحدياً كبيراً على الأطر القيادية الفلسطينية وكذلك على الهياكل الوطنية (اتحادات لجان شعبية … الخ)، تحدي يكشف التدهور الكبير في الممارسة الديموقراطية على مستوى الفصائل كل على حدة وعلى المستوى العام كذلك. وتالياً، هذه الحالة تنتج تراجعاً وقصوراً في مساهمة المجتمع الفلسطيني في نقاش مشكلاته وحضوره في صياغة الحلول. لذا وكنتيجة منطقية لهذا الجمود في البنى والهياكل الوطنية وافتقادها لدورها بمضمونه الديموقراطي تصبح صيحات الاحتجاج والنقد هي الأساس في المشهد وتتحول المواقف إلى صراخ وشكاوى ولعنات لا طائل منها.

5- يمكن اختزال المشهد الراهن في ذهن الفلسطيني البسيط في أي مخيم بالصور التالية:

أ‌- انتظار هجرة إلى أي مكان
ب‌- انتظار اشتباك في أي لحظة
ت‌- البحث عن مكان آمن
ث‌- انتظار مساعدة مالية أو عينية

6- من الملاحظ تزامن التوتر الأمني في المخيمات مع إيقاع المعارك الدائرة في سوريا واستحضار العامل الفلسطيني لاختراق المشهد اللبناني بواسطة أدوات محلية وداخلية.

7- ما زالت قاعدة تنظيم السلاح في المخيمات هي القاعدة المعمول بها وفق مخرجات طاولة الحوار اللبناني السابقة علماً أن الدولة اللبنانية ليس لديها مقاربة لهذا الأمر من موقع العجز والانقسام.

وكذلك لا توجد مقاربة فلسطينية لعبارة “تنظيم السلاح” كذلك من موقع الانقسام الداخلي والتنافس الحاد على السيطرة المعلنة أو المستترة على المخيمات.

8- لا يمكن إنتاج رؤية مشتركة لمستقبل الوضع الفلسطيني في لبنان بمعزل عن:

أ‌- مبادرة ذاتية غير تقليدية وغير نمطية، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.
ب‌- انتظار حلول قسرية ناتجة عن حلول على مستوى أزمة المنطقة ككل وعلى وجه الخصوص للأزمة المثلثة الأضلاع في فلسطين وسوريا ولبنان.

9- أخيراً وليس آخراً والحديث يطول لا بد من قراءة المعطيات الراهنة بأدوات تحليلية مختلفة نوعاً ما عن أدواتنا المعروفة والمستخدمة، حتى يتبين لنا سبل مقاربة ربما تسمح بتخفيف الحالة المأساوية التي يعيشها الناس في المخيمات وفي مقدمة هذه المقاربة إعادة النظر بمسألة السلاح والأمن من جذورها.

إن مستقبل أطفال فلسطين في المخيمات ليس في السلاح مطلقاً.

وقد نقاش هذه المداخلات نخبة من الخبراء والباحثين الذين شاركوا في حلقة النقاش، وسعت النقاشات إلى محاولة استشراف الآفاق المستقبلية للوجود الفلسطيني في لبنان من خلال قراءة علمية للواقع والعوامل المؤثرة في تحديد السيناريوهات المحتملة.

وفي مداخلة للأستاذ صلاح صلاح عضو المجلس الوطني الفلسطيني، تحدث فيها حول ثلاثة أبعاد؛

أولاً: البعد السياسي:

– سنة 1967 كان لبنان مسيطر على المخيمات الفلسطينية، وقد تم بناء المخيمات الفلسطينية في مناطق جغرافية وفق رؤية مسبقة لتوطينهم فيها.

– وفي سنة 1982 كان هناك أيضاً مشاريع لتوطين اللاجئين (فترة هجرة الفلسطينيين في لبنان في الثمانينيات، مشروع التوطين الذي طرحه الوزير فارس بويز سنة 1995).

– مشروع إنهاء وكالة الأونروا، بحيث تتكفل الدولة اللبنانية باللاجئين الفلسطينيين مقابل تحول الأموال التي تدفع للأونروا إلى حسابات الدولة اللبنانية.

– هناك دور أساسي للبنان لا ينسجم مع مصلحة الفلسطينيين.

ثانياً: البعد الحقوقي:

– لبنان لم ولن يوافق على إعطاء الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان.

– الدولة اللبنانية تتحدث دائماً عن علاج مسألة الأمن والسلام، إلا أنها تتنصل عن رفع معاناة اللاجئين الفلسطينيين وإعطائهم حوقهم المدنية.

ثالثاً: البعد الأمني:

– بدأ تعامل الدولة اللبنانية مع اللاجئين والمخيمات الفلسطينية من خلال إجراءات قمعية قاسية منذ بداية اللاجئون الفلسطيني إلى لبنان سنة 1948، وقد اشتهرت الفترة الأولى من اللجوء بظاهرة “المكتب الثاني”، وهو جهاز أمني لبناني كان يراقب المخيمات في حقبة الخمسينيات والستينيات، ويفرض إجراءات صارمة، تحدد الإقامة والسكن والتحرك داخل الأراضي اللبنانية، حيث كانت المخيمات عبارة عن خيم ثم تطورت لتصبح مساكن مشيدة من “ألواح معدنية”، لا يسمح لبناء المنازل من الحجارة، كما امتازت تلك الحقبة بتخصيص “حمامات عامة مشتركة” لللاجئين، تفتقر إلى شروط الصحة والخصوصية.

– وبعد خروج منظمة التحرير من لبنان بعد اجتياح سنة 1982، وشن حرب وحصار على المخيمات في ثمانينيات القرن الماضي، وتوقيع اتفاق الطائف في لبنان، اتخذ حصار الدولة للمخيمات الفلسطينية شكلاً آخر، بحث يتم فرض إجراءات وشروط معينة على المخيمات، كالحواجز العسكرية، والأمنية، ومنع إدخال مواد البناء إلى بعض المخيمات، بالإضافة إلى مشكلة العمل لدى الفلسطينيين في لبنان؛ مما حول هذه المخيمات إلى غيتاوات محاصرة، غريبة عن بيئتها اللبنانية ومكروهة من اللبنانيين.

كما دعا صلاح إلى تغيير كل القوانين التي تتعامل مع الفلسطيني (كالحرمان من حق العمل)، وتغيير النظرة السلبية إلى الفلسطيني وإلى المخيمات الفلسطينية، وطالب بإيجاد ألية فلسطينية لبنانية مشتركة لمواجهة التحديات المستجدة على الساحة الفلسطينية اللبنانية، وطالب بإيجاد مرجعة فلسطينية موحدة، وتشكيل مجلس شعبي ينبثق عنه لجان ثقافية.

الأستاذ صقر أبو فخر:

أما الأستاذ صقر أبو فخر فقد عرض لواقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبين أن مستقبل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مربوط بمستقبل المنطقة والتحولات الحاصلة في سورية، وبعض الدول العربية، وأكد أبو فخر أنه ليس هناك مستقبل للفلسطينيين، مما يدفهم نحو الهجرة إلى الخارج (أي التوطين في دولة ثالثة)، وشدد على أنه مطلوب علاج وضع المخيمات الفلسطينية أولاً من قبل الفلسطينيين أنفسهم، وليس من قبل اللبنانيين، لأننا لا ننتظر أي شيء من لبنان. وأشار أبو فخر إلى تحول بعض مخيمات الفلسطينية إلى أماكن جاذبة لبعد المجموعات المشبوهة ذات التوجهات المتطرفة، والتي تحمل أجندات غير فلسطينية، مذكراً بماضي المخيمات التي كانت تحوي أعداداً من المثقفين والمناضلين، والتي أصبحت تفتقر إليهم في هذه المرحلة، وهنا يحذر أبو فخر من أن عدداً كبيراً من الأجهزة الأمنية والمخابرات اللبنانية، والعربية، والدولية، بات ينشط داخل المخيمات الفلسطينية من خلال عناصر مزروعة داخل المخيمات تأتمر بأوامر تلك الأجهزة.

وأضاف أبو فخر أن ما يجري الآن شيطنة الفلسطيني في بيئة صديقة، كالضاحية الجنوبية حيث حزب الله. وهنا يجب وضع الأمور في نصابها التكتيكي والاستراتيجي، فالناظر للمشهد لا يرى تغير جوهري، فلبنان يبدو أنه محاط بحزام أمان ممنوع تفجيره بالكامل، أتصور أن تبدلاً جوهري في الوضع الفلسطيني في لبنان لن يحدث.

وتابع هناك أمران أساسيان يجب أن نعمل عليهما: بعد سنة 1982، صار هناك ضعف شديد وترهل في مستوى التفكير الاستراتيجي على الصعيد الفلسطيني، ودورانه في حلقة مفرغة، فالخطاب السياسي يكرر نفسه. الاستهتار اللبناني الرسمي موجود نتيجة عدم وجود جهة فلسطينية موحدة تناقشه وتحاوره، من هنا يجب إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، مما يُكسب الهوية الفلسطينية مشروعية تجاه الآخر.

وتابع أبو فخر بالقول إن دور السلاح الفلسطيني في لبنان ضدّ الاحتلال الإسرائيلي انحصر كثيراً في هذه المرحلة، ولكن ما يزال له دور في حماية الوجود الفلسطيني في لبنان.

وأضاف أبو فخر أنه يجب أن تبدأ النخبة الفلسطينية بصياغة القضية الفلسطينية من جديد، فالأطروحة الإسرائيلية أطروحة متهاوية، والأطروحة الفلسطينية أطروحة صاعدة. وهنا نسأل كيف يمكن إعادة صياغة الخط الفلسطيني بكتلة من الأفكار ينتج منها استراتيجيات؟

الأستاذ قاسم قصير:

أما الأستاذ قاسم قصير، فقد سلط الضوء على مسؤولية الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية داخل المخيمات في ضبط هذه المخيمات، ومنع تحويلها إلى مصدر تهديد للبيئة المحيطة لها، خصوصاً مخيم عين الحلوة في صيدا، والمخيمات في بيروت، وحذر من انعكاس ذلك على بيئة حزب الله وبيئة المقاومة، والتي بدأت نظرة جزء لا بأس به من هذا الجمهور تتغير تجاه الفلسطيني في هذه المخيمات، وبدأ هؤلاء ينظرون إلى الفلسطيني داخل المخيمات كتهديد حقيقي لها، وهنا يأتي دور الفصائل والمرجعيات الفلسطينية، التي من واجبها ضبط المخيمات ومنع وجود بيئة حاضنة لخلايا تشكل تهديداً أمنياً على محيطها وعلى لبنان.

كما أشار قصير إلى وجود عدد من المطلوبين للدولة اللبنانية المتوارين داخل مخيم عين الحلوة، محذراً من انعكاس ذلك على العلاقة اللبنانية الفلسطينية.

وتحدث قصير عن دور الفلسطينيين في لبنان في تأييد المحاور العربية واللبنانية، والانخراط بالأزمات العربية، خصوصاً السورية، مذكراً بانخراط الفلسطينيين قبل ذلك بالخلافات العربية، ومنها الخلافات الكويتية العراقية إبان غزو صدام حسين للكويت.

وفي مسألة دور السلاح الفلسطيني في لبنان، دعا قصير إلى إعادة النظر لهذا الدور؛ حيث رأى أن لا دور لهذا السلاح في المقاومة ضدّ “إسرائيل” في هذه المرحلة، فالمقاومة المسلحة تتركز الآن في داخل فلسطين، وليس هناك إمكانية للمشاركة المسلحة من الخارج في الصراع العربي الإسرائيلي، كما لفت النظر إلى أنه حتى حزب الله اللبناني لم يعد بمقدوره دعم الانتفاضة الفلسطينية في هذه المرحلة، فالمعطيات والمعادلات اللبنانية والعربية والإقليمية والدولية تغيرت.

ورأى قصير أنه لن يكون هناك تفجر واسع، فالخوف على عين الحلوة بسبب وجود مشكلات أمنية حقيقية يمكن تلافيها إذا لعبت القوى الفلسطينية دورا في تحييد المخيم.

ودعا قصير إلى:

– تبني الأوراق المشتركة التي قُدمت.
– دراسة التجارب التي حصلت خصوصاً اللجنة اللبنانية الفلسطينية.
– البناء على النقاط الإيجابية ومنها الحياد الفلسطيني خلال الصراعات التي حصلت مؤخراً على الساحة اللبنانية.
– توسعة دائرة النقاش.
– إضاءة على دور القوى الفلسطينية في مخيم عين الحلوة.
– التأكيد على الأدوار الفلسطينية الإيجابية في لبنان، والتي ما تزال مستمرة، كالدور الثقافي والفكري.
– الاستمرار في الأنشطة المشتركة الفلسطينية اللبنانية لزيادة الوعي لدى اللبنانيين والفلسطينيين.
– البناء على العمل التراكمي.

الأستاذ وليد محمد علي:

وقد رأى الأستاذ وليد محمد علي في مداخلته أن خرائط دول المنطقة يعاد تشكيلها من جديد في هذه المرحلة، وأن القوى الإقليمية والدولية هي من يرسم حدود وجغرافية دول المنطقة. فالأزمات الاجتماعية والسياسية والأمنية تدفع ثمنها الأقليات، ومنها الأقلية الفلسطينية في الدول العربية. كما أن هناك تخوف لدى الفلسطينيين من انعكاسات الأحداث في المنطقة العربية على واقعهم ومستقبلهم، ومن وجهة نظر الأستاذ وليد فإن وضع اللاجئ الفلسطيني في لبنان هو الأسوأ مقارنة مع باقي الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها. وأي عملية تفتيت وتقسيم للمنطقة فإن الفلسطيني هو أول من سيدفع الثمن، فليس من مصلحة الفلسطيني أن يحسب على طائفة معينة، ولا أن يوظف ضمن أجندة معينة.

كما طالب علي النخب اللبنانية الإجابة على أسئلة مهمة وهي: هل وجود الفلسطيني في لبنان هو وجود قسري ومؤقت؟ وما المطلوب من الفلسطيني لكي يثبت ذلك؟، فإذا تمت الإجابة على هذه الأسئلة فستحل الكثير من القضايا، وعلى الفلسطيني في المقابل أن يؤكد بوضوح أن وجوده في لبنان ليس رغبة منه.

الدكتور سهيل الناطور:

قال الدكتور الناطور إن هناك فجوة بين التبني النظري والتطبيق العملي، أي عندما يتحدث الأفرقاء اللبنانيون عن إعطاء الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في لبنان، فالكل يظهر دعمه وتأييده، أما حينما يتم الحديث عن عرض ذلك في مجلس النواب أو خلال الأطر القانونية المختصة فإن ذلك التأييد يتلاشى ويذوب، ومن هنا نرى أنه من الضروري على الجانب اللبناني الداعم وغير الداعم للفلسطينيين، تغيير النظرة إلى الموضوع الفلسطيني في لبنان.

وتحدث الناطور عن تغييب موضوع اللاجئين الفلسطينيين عن جدول أعمال القمم العربية، وكذلك التأثيرات الدولية على قضية اللاجئين الفلسطينيين. كما تحدث عن الواقع الفلسطيني، حيث الحرمان والتهميش، مما دفع اللاجئين إلى الهجرة نحو أوروبا، فهذا اللاجئ لم يعد يثق بالفصائل الفلسطينية. وقد انحرف بعض الفلسطينيين عن البوصلة الوطنية، حيث انخرطوا داخل جماعات لا تعمل من أجل فلسطين ولا من أجل حقوق الفلسطينيين في لبنان. فلبنان أصحب بيئة طاردة للوجود الفلسطيني عموماً، فالدولة اللبنانية لا تسعى لاستغلال الطاقات الفلسطينية في سوق العمل اللبناني، كما أنه ليس هناك نية من قبل الدولة اللبنانية لتبديل أو تعديل القوانين المجحفة بحق الفلسطينيين، لقد بات هناك تخوف في المستقبل من صدام فلسطيني لبناني عنوانه الحقوق المدنية والإنسانية للاجئ الفلسطيني، في ظل غياب تحالفات فعالة مع قوى المجتمع الوطني اللبناني.

كما أشار الناطور إلى أن الانقسام الطائفي اللبناني جعل الفرقاء اللبنانيين يتنافسون على استقطاب الفلسطيني لجانبهم. فالفلسطيني بات يشعر بالإحباط خصوصاً في غياب آليات ذات مصداقية قادرة على معالجة الإشكاليات الأمنية المتكررة، ما يفاقم ذلك العجز والشلل الواضح التي تعاني منه منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها، في ظل سمة الاحتكار الطاغية عليها.

كما أن هناك غياب التمثيل الديموقراطي في الهيئات والأطر الوطنية الموجودة في المخيمات الفلسطينية (اللجان الشعبية) وغيرها.

وأكد الناطور على صعوبة الإنهاء الكامل للوجود الفلسطيني سواء في سورية أو في لبنان. وتخوف من سيناريو التفجر أطرافها لبنانية لبنانية، أو فلسطينية لبنانية والتي قد تدفع نحوها مزيد من إفقار الفلسطيني، إغلاق مالي على السلطة الفلسطينية وعلى غزة، احتمالية الوصول إلى هذه المرحلة ليس سريع. وطرح الناطور مسألة الهجرة، وتساءل هل يقصد منها بعد ذلك التجنيس؟ فلا يملك الوصول إليه إلا بتواطؤ عربي وقرار دولي. نحن نريد من لبنان أن يعطينها حقنا بالعيش بكرامة إنسانية.

واستعرض الناطور أبرز التحديات التي تواجه الوجود الفلسطيني في لبنان وهي:

– الفقر
– الحرمان من الحقوق المدنية والإنسانية وتعميق حال اليأس لدى الشباب.
– الهجرة إلى الخارج البعيد وما يؤثر ذلك على حق العودة.
– الانحطاط السلوكي والأخلاقي داخل المجتمع الفلسطيني.
– فقدان الثقة بالهياكل القائمة وفعاليتها.
– انضمام بعض الشباب إلى منظمات، جماعات، أو مؤسسات لا تعمل لصالح الحقوق الفلسطينية وقضيتهم.

الأستاذ قاسم العينا:

أكد الأستاذ قاسم العينا إنه لا يلوم الفلسطيني الذي يقدم على الهجرة لأننا لا نقدم له البدائل، فالمخيمات أصحبت مأوى للهاربين من القانون، لكن الأجهزة الأمنية اللبنانية تسهل عمليات هروب هؤلاء المطلوبين إلى داخل المخيمات الفلسطينية. وفي قضية مكافحة عمليات تزوير الهويات الفلسطينية لاستخدامها في تنفيذ عمليات خارجة عن القانون، قال العينا إن الدولة لم تقدم على اعتماد الهويات الممكننة بدل الهويات الورقية المستخدمة حالياً، والتي من السهل تزويرها، كما أن وثيقة السفر الفلسطينية الصادرة عن الدولة اللبنانية لم تعد تتوافق مع المعايير الأمنية والإجراءات المعمول بها في مطارات العالم، وهذه مشكل جديدة بدأ اللاجئ الفلسطيني يعاني منها عندما يسافر، وقد رأينا أزمة الحجاج الفلسطينيين الذي كادوا يُحرموا من أداء مناسك الحج هذا العام بسبب جواز سفرهم القديم. وتحدث الأستاذ قاسم عن أعداد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فقال ليس هناك من إحصاءات دقيقة حول عددهم الحقيقي. وعرج قاسم على موضوع المشاكل الأمنية والاجتماعية التي يعاني منها سكان المخيمات، حيث أن هناك ترويج للمخدرات بشكل واسع، كما أن هناك حوادث أمنية خطيرة من حين لآخر، في ظل غياب واضح للفصائل الفلسطينية والمرجعية الفلسطينية لمعالجة هذه المشاكل، على الرغم من أنه لم يعد هناك ضرورة لوجود السلاح الفلسطيني في لبنان.

الدكتور طلال عتريسي:

ذكر الدكتور طلال عتريسي، أن هناك معادلات جديدة في لبنان تأثر بها اللاجئون الفلسطينيون، ومنها نزوح اللاجئون السوريون إلى لبنان، وكذلك نزوح اللاجئون الفلسطينيون من سورية إلى لبنان، حيث زادت المشاكل والتحديات الأمنية والاجتماعية والمعيشية، على المجتمع اللبناني ومن ضمنه المجتمع الفلسطيني، خصوصاً داخل المخيمات التي بدأت تكتظ بالسكان، في ظل ضعف البنى التحتية وانتشار الفقر واتساع دائرة المعاناة الاجتماعية والطبية والتعليمية.

وفي الشأن الأمني رأى عتريسي أن هناك تغير من قبل المجتمع اللبناني في النظر إلى المخيمات الفلسطينية، وتحديداً في قضية السلاح الفلسطيني، وهذه النظرة لم تعد مقتصرة على ما كان يسمي في مرحلة ما بـ”الانعزاليين”، بل بات تشمل البيئة التي تحتضن المقاومة وتؤيد القضية الفلسطينية. وأشار عتريسي إلى وجود نقاش حول جدوى وجود السلاح داخل المخيمات وأي دور بات يلعبه هذا السلاح في مقاومة “إسرائيل”، فهذا السلاح ربما لم يعد لها قدسية كما كان في الماضي.

الأستاذ محمود حيدر:

أما الأستاذ محمود حيدر فرأى أن هناك مشكلة في توصيف الوضع العربي والإقليمي اليوم، وفي مقدمته الوضع الفلسطيني والقضية الفلسطينية، فبسبب الأحداث الموجودة في المنطقة بات هناك أولويات جديدة يحكمه الواقع العربي والدولي الراهن، وعلى الرغم من التراجع في أولوية القضية الفلسطينية لدى دول وشعوب المنطقة، إلا أنه ما يزال هناك تفاؤل نوعاً ما تجاه القضية الفلسطينية.

وحول معالجات هذا الوضع الجديد، فيرى حيدر أنه من الممكن أن نصل إلى الحد الأدنى المقبول، في انتظار ما سينتج عن التحولات الكبرى الجارية في المنطقة. فما زالت الهوية الفلسطينية على الرغم من الأحداث الحاصلة، محافظ عليها إلى حدّ ما، لكن هناك فقدان للمرجعية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه إذا قارنا المنحيين الفلسطيني والإسرائيلي، فنجد أن المنحى الإسرائيلي في نزول، فيما المنحى الفلسطيني في صعود.

الأستاذ هيثم أبو الغزلان:

ركز الأستاذ هيثم نقاشه على مجموعة من النقاط أتت على الشكل التالي:

– إن المطلوب اليوم سياسة عملية واضحة تعالج بشكل طارئ الأوضاع غير الطبيعية، مثل: الحياة الكريمة، والسماح بإدخال مواد البناء إلى المخيمات، وعزل ومحاصرة كل الحالات المتطرفة في أي مخيم.

– إعادة العمل بمشروع الإعمار للحالات الصعبة والبيوت المهدمة والآلية للسقوط، وهنا يجب توجيه الضغط باتجاه الأونروا.

– كما أشار إلى دور الإعلام في التحريض ضد حق تملك الفلسطينيين في لبنان، من خلال نشر تقارير صحفية تحرض على اتخاذ إجراءات ضد من يعمد إلى تسجيل عقارات بيعت إلى فلسطينيين. وهنا تسأل هل هذا يعني أننا نتجه إلى مزيد من الضغط على الفلسطينيين، والاستمرار على منعهم من التملك؟

الأستاذ عزام الأيوبي:

وفي مداخلة لرئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في لبنان الأستاذ عزام الأيوبي، تحدث فيها عن عدم وجود مرجعية لبنانية حقيقية تناقش مسألة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وقال إن هناك قوى لبنانية تتحكم بالدولة، وهذه القوى لها وجهات مختلفة، ومما يزيد من تباين هذه الوجهات التدخلات الدولية والإقليمية في الشأن اللبناني. وبين الأيوبي أن الوضع الفلسطيني في لبنان معقد من أكثر من جهة، فهذا يحتم على الفلسطينيين الحرص على عدم الانخراط بالأحداث الحاصلة في لبنان والمنطقة، خصوصاً أن هناك قوى تريد للفلسطيني أن ينخرط في هذه الأحداث. ورأى الأيوبي أن هناك دور للسلاح الفلسطيني في لبنان وهو حماية هذا الوجود. وأكد على أنه يجب العمل على حفظ الوجود الفلسطيني من خلال توفير فرص عمل ودعم الصمود، من خلال تكامل الجهود من الفلسطينيين واللبنانيين.

وفي نهاية الحلقة شكر مدير عام مركز الزيتونة الدكتور محسن محمد صالح الباحثين على مشاركتهم في حلقة النقاش، وركز على أهمية الموضوع العلمي، خصوصاً في هذه الفترة الصعبة التي تمر فيه المنطقة. وتمنى أن تجد هذه الأفكار التي نوقشت صداها عند صناع القرار في الساحتين اللبنانية والفلسطينية، كما أكد على أن مركز الزيتونة سيبقى منصة للتفكير ولطرح الموضوعات التي تسهم في ترشيد صناع القرار من خلال إشراك نخبة من المفكرين في العالمين العربي والإسلامي.

لتحميل مداولات حلقة النقاش، اضغط على الرابط التالي:

>> مداولات حلقة نقاش: مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان Word
(29 صفحة، 174 KB)

>> مداولات حلقة نقاش: مستقبل الوجود الفلسطيني في لبنان
(29 صفحة، 307
KB)

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 1/12/2015