مدة القراءة: 6 دقائق

الصفحات الأولى من “ورقة عمل: مستقبل المقاومة الفلسطينية في ضوء المصالحة الوطنية …  أ. عبد الرحمن فرحانة” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من ورقة العمل … للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (22 صفحة، 778KB)

ورقة عمل: مستقبل المقاومة الفلسطينية في ضوء المصالحة الوطنية [1] … أ. عبد الرحمن فرحانة [2] 

تمهيد:

مرت الكثير من حركات التحرر الوطني في التاريخ الحديث بحالات من التنافس وحتى الصراع الداخلي في أثناء مواجهتها للاحتلال الأجنبي.

وقد شهد التاريخ صوراً عديدة من العلاقة بين مكونات حركات التحرر الوطني المتباينة داخلياً؛ شملت أنواعاً شتى من الاحتواء والتعايش والتوافق، أو الائتلاف الوطني بصيغة الجبهة أو التحالف، وصوراً أخرى متطرفة بلغت حدّ الإقصاء والإزاحة لبعضها البعض. وظلّ توافر الحدّ الأدنى من التوحد الوطني مطلباً أساسياً لمناجزة الاحتلال ودحره.

وتبقى الصورة المثلى لأي احتلال خارجي أن تظل الحركة الوطنية للشعب المحتل في حالة من الصراع وحتى الاحتراب الداخلي لاستنزاف طاقاته ليضمن الاحتلال الأجنبي البقاء لنفسه.

ومنذ نشأة الحركة الوطنية الفلسطينية لم يكن الاستقطاب الوطني حالة فريدة، بل تجلى في محطات عديدة، منذ ثنائية الحسيني مقابل النشاشيبي ، ومروراً بتناقضات التيار القومي مع اليسار، وفتح مع منظمة التحرير – الشقيري، وجبهة الرفض مع التيار المؤيد لبرنامج النقاط العشر، إلى الثنائية الراهنة التي تتشكل منها الحركة الوطنية الحالية.

لكن المرحلة الحالية وصلت حداً عالياً من الاستقطاب، منحت الاحتلال فرصة استراتيجية كي يلتهم الأرض الفلسطينية بالمصادرة والاستيطان بالضفة الغربية، ويحاصر المقاومة في غزة، ويهود القدس والمسجد الأقصى بخطوات حثيثة، وعبر برامج غير مسبوقة.

وقد تجلَّت أكبر نجاحات الاحتلال عبر شقّ الصف الفلسطيني من خلال اتفاقية أوسلو إلى فريق تسوية وفريق آخر مقاوم. والأدهى أن الفريق الأول، بحجة تهيئة الظروف لإقامة الدولة الفلسطينية والالتزام بشروط التسوية، توسع في التنسيق الأمني مع الاحتلال، وسوّغ لنفسه مواجهة المقاومة المسلحة التي هي في الأصل المقابل الموضوعي للاحتلال، وعمل على مجابهتها بقسوة تحت مسمّى ناعم أسماه “التنسيق الأمني”؛ ووجدت السلطة في رام الله نفسها بعد عشرين سنة على اتفاقية أوسلو تتحول إلى كيان “وظيفي” يوفر لدولة العدو احتلالاً “ديلوكس” بحسب تعبير الصحافة العبرية.

وفي اللحظة الراهنة ومع تعطل مسار التسوية، ووضوح عدم جدية الدولة العبرية في الوصول إلى حلّ معقول لدى فريق التسوية، ومع بروز المقاومة كخيار منجز على الصعيد الوطني كما في آخر إنجازاتها في العدوان الأخير على غزة، والتفاف الشعب حول خيارها، فإن المنطق الوطني يدعو كافة الأطراف الفلسطينية لمراجعة شاملة للحالة الفلسطينية؛ بهدف الخروج من المأزق الوطني الحالي؛ عبر تحويل المصالحة إلى رافعة لإيجاد حالة توافق وطني بصورة تدفع لتوجيه بوصلة الصراع نحو الاحتلال، على قاعدة القواسم المشتركة.

تحاول هذه الورقة استقراء واقع المصالحة والمقاومة داخل المعادلة الفلسطينية القائمة في ظلّ استحضار للبيئتين الدولية والإقليمية، ورسم المسارات المحتملة لمستقبل المقاومة في ضوء برنامج المصالحة. ولأن المصالحة والمقاومة ركيزتان أساسيتان في بناء الوحدة الوطنية والكفاح الوطني، وباعتبارهما مطلباً وطنياً ملحاً؛ تقترح الورقة بعض التوصيات العامة الداعمة لواقع فلسطيني قادر على مواجهة الاحتلال في المرحلة المقبلة.

أولاً: البيئة الاستراتيجية المحيطة بالقضية الفلسطينية:

1. الأجندة الدولية المهيمنة:

القضية الفلسطينية في الأصل هي جوهر الصراع في المنطقة ومركز التحركات الدولية، بل إنها جذر معظم أزمات المنطقة ومشاكلها. ومن خلال التجربة التاريخية، فالقضية الفلسطينية مرهونة إلى حدّ كبير بالتحولات والتطورات الدولية، إذ إنها تتأثر بأي متغير دولي مهما كان بعيداً عن المسرح الإقليمي . وبالقراءة الفاحصة فما زال المعطى الأخير قائماً وفاعلاً، بينما انزوى المعطى الأول ظاهرياً إلى حدّ كبير. فالقضية ما انفكت تتأثر بالتطورات الدولية، لكنها لم تعد حالياً مركز الصراع والتحركات الدولية، مما يخدم الاستراتيجية الصهيونية.

وعلى الأغلب فإن التحولات الدولية الجارية ليست في صالح القضية الفلسطينية في المدى القريب. فالأجندة الدولية المهيمنة الحالية تشمل محاربة الإرهاب المتمثل فيما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش”، وكذلك محاولة السيطرة على تحولات الإقليم، في محاولة لتفكيكه وإعادة بنائه وفقاً للمصالح الدولية، وربما تقسيمه إلى فسيفساء إثنية فيما لو تدحرجت الأحداث الإقليمية إلى الأسوأ، ولكن على قاعدة التجزيء المسيطر عليه، منعاً لنشوء الدول الفاشلة، وبالذات على حدود الدولة العبرية، تجنباً لبروز ونماء القوى “غير الدولية” التي من الممكن أن تنمو في هذه البيئات، وتهدد الكيان المحتل. إلا أن هنالك تحفظات موضوعية من قبل بعض الباحثين تجاه قدرة الأطراف الدولية على هذا التجزيء . بالإضافة إلى ذلك تنشغل الهموم الدولية بالأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد العالمي، وكذلك الملف النووي الإيراني الذي يشغل الغرب ومعه الدولة العبرية. كما يبرز في المشهد الدولي اقتراب الموقفين الصيني والروسي من الدولة العبرية وابتعادهما نسبياً عن دعم ونصرة القضية كما كان عليه الحال في العقود الماضية، وخصوصاً الموقف الصيني .

أما النفوذ الأمريكي فتراجع نسبياً في المنطقة ودولياً بسبب تحولات النظام الدولي، عقب استراتيجية الضم التي تحرك الغرب في إطارها لضم مكونات المعسكر الاشتراكي وسائر مخلفات النظام الدولي السابق (نظام القطبين)، في محاولة لصهر العالم في وعاء الليبرالية الغربية، مما نتج عنه قوى منافسة للغرب كروسيا والهند والبرازيل، وخصوصاً الصين الذي أجبر طموحها واقتصادها القوي إدارة أوباما كي تتجه باستراتيجيتها نحو المحيط الهادئ لاحتواء بكين؛ وهي استدارة أمريكية  أقلقت دولة الاحتلال، لكن واشنطن ما لبثت أن عادت للمنطقة ثانية، وشاهد ذلك قيادتها للتحالف الدولي ضدّ “داعش”.

وعلى العموم، فما زالت واشنطن، بالرغم من تراخي قبضتها على المنطقة، تمسك بمفاتيح القرار الإقليمي، وإن ظهرت بعض التمنعات والمشاغبات الإقليمية عليها، وهي تحاول راهناً بناء نظام إقليمي متعدد الرؤوس يشمل الدولة العبرية ، إلا أن جهودها مع الأطراف الدولية الأخرى في هذا المجال ما زالت متعثرة، لأن مستوى تحولات الإقليم عالية الوتيرة، ويصعب السيطرة عليها، ولأن النظام الدولي ذاته يعاني من الاضطراب في تكوينه، وارتباكاً في قمته، وبالتالي يصعب على الأطراف الدولية إعادة رسم خريطة الإقليم .

2. الصورة الإقليمية:

تسود الإقليم فوضى عارمة تمس معظم جغرافيته، وتعتريه سيولة خطرة تتخلل حتى وحداته السياسية، مما يتهدد مستقبل الإقليم ووحداته السياسية المكونة. إذ إن تداعيات الربيع العربي هزت خريطة سايكس بيكو، وأدت إلى انكشاف النظام العربي بحده الأدنى الذي كانت تمثله الجامعة العربية .

وتتواجه في الإقليم مشاريع متعددة تتصارع أحياناً، وتتقاطع في أحيان أخرى، ولكن الصراع هي سمة الإقليم بوجه عام. كما أن العامل الخارجي ليس غائباً عن هذه الصراعات، لأن تركيبة الإقليم حينما أسست لم تتكون بمفاعيل ذاتية، إنما رسمت بفرجار (بيكار) الغرب الذي كان يستعمر المنطقة، وما زال يهيمن عليها. ومن تجليات الصراع القائم بروز تحالفات إقليمية طارئة، إلا أنها ليست قابلة للحياة ، لأنها لا تحمل أجندة فكرية أو قومية، ومحركها الأساسي هو المال السياسي، والكراهية للربيع العربي. ناهيك عن اهتراء البنى السياسية والاقتصادية لدول التحالفات الجديدة.

الخطورة الكامنة أن الصراع الجاري أيقظ الهويات الفرعية والإثنية، إذ يهيمن على المنطقة صراع يحمل لوناً طائفياً في بعض جوانبه. وقد أدى ذلك إلى تغيير وجهة الصراع، من مواجهة مع الكيان المزروع في المنطقة، إلى صراع إقليمي داخلي، وهو ما يضعف القضية الفلسطينية، ويوفر بيئة استراتيجية مناسبة للدولة الصهيونية، وإن كانت تل أبيب تظل قلقة لهذه السيولة الإقليمية، بسبب عدم اليقين بشأن المستقبل.

والأدهى أن الفوضى الإقليمية أنتجت قوى متطرفة لا تعترف بقواعد اللعبة الإقليمية، مما أدى إلى خلط الأوراق في المنطقة، وعزز من وتيرة اضطرابها، وزاد من عدم اليقين حول مستقبل الإقليم.

3. البيئة الفلسطينية ذاتها:

يهيمن على المشهد الفلسطيني تناقض برنامجي الحركة الوطنية الفلسطينية المتمثلين ببرنامج التسوية والمقاومة، في ظلّ نظام سياسي فلسطيني مختل يعتريه العطب الشديد، وبلا استراتيجية وطنية مشتركة أو برنامج وطني موحد، مما يوفر للاحتلال فرصة سانحة كي يمضي في استراتيجيته لقضم الأرض الفلسطينية وتهويدها.

وما زالت قواعد اللعبة التي أرستها “وصفة أوسلو” تحكم الساحة الفلسطينية، بمفاعيلها المتجسدة بشق الصف الفلسطيني، واحتكار السلطة من قبل فصيل فلسطيني متفرد بالقرار الفلسطيني، مستقوياً بدعم إقليمي ودولي.

ويبدو أفق مسار التسوية مغلقاً بسبب هيمنة اليمين الصهيوني، إلا أن فريقه ما زال يهيمن على الحالة الفلسطينية، بينما المقاومة محاصرة في غزة من قبل الاحتلال والدول الإقليمية، ومطاردة في الضفة الغربية من قبل الاحتلال والأجهزة الأمنية الفلسطينية.

وحتى حينما أنجزت المقاومة، كما في المواجهات الأخيرة مع جيش الاحتلال في غزة (صيف 2014)، لم تستطع تثمير منجزها إلى حصاد سياسي، بسبب إشكاليات علاقاتها مع منافسها، وبسبب الأطراف الإقليمية المحيطة التي لا تتبنى خطّ المقاومة، والمعادية لـ”الإسلام السياسي”.

4. محصلات البيئات الثلاث على القضية بما فيها موضوعي المقاومة والمصالحة:

‌أ. الإقليم منشغل عن القضية الفلسطينية بما فيها المقاومة والمصالحة، لكنه معني بدعم فريق التسوية السلمية، وبالتالي، وعلى الرغم من انسداد مسار التسوية، وإنجازات المقاومة المقابلة، إلا أن التسوية هي الأجندة الإقليمية المهيمنة.

‌ب. على الرغم من أن القضية الفلسطينية متأثرة قطعاً بالتحولات الدولية والإقليمية، إلا أنها تُلقي بظلالها على هذين الفضاءين بالرغم من حالة التهميش الجارية، وبرهان ذلك المواجهة الأخيرة في غزة وتأثيراتها على البعدين الدولي والإقليمي، بما يعني أن القضية الفلسطينية تبقى هي الثابت الإقليمي الكامن.

‌ج. البيئة الدولية والإقليمية في المدى القريب ليست في صالح القضية، إلا أن رمال السياسة في الإقليم ليست ثابتة، وإنما هي متحركة فيها أكثر من أي منطقة أخرى.

‌د. يبرز احتكار للقرار الفلسطيني واستقواء بالخارج للتأثير في المعادلة الفلسطينية، الذي لن يخدم القضية، بل سيزيد من حالة الاستقطاب الوطني الذي يستنزف الجهود والطاقات، ويمنع من التوحد على رؤية استراتيجية وطنية وبرنامج مشترك.

‌ه. تبدو المقاومة الفلسطينية مدرجة في قائمة “الإسلام السياسي” من جهة الأطراف الإقليمية، ولذلك يجري شيطنتها لمحاولة خنقها وتفكيك برنامجها.

[1] قدم أ. عبد الرحمن فرحانة هذه الورقة في مؤتمر “مستقبل المقاومة الفلسطينية في ضوء الحرب على قطاع غزة في صيف 2014″، الذي أقامه مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت في 27/11/2014.
[2] باحث متخصص في الشؤون الفلسطينية.

النص المعروض هو للصفحات الأولى من ورقة العمل … للاطلاع على ورقة العمل كاملةً اضغط هنا  (22 صفحة، 778KB)