مدة القراءة: 9 دقائق

الصفحات الأولى من “دراسة علميّة: الإعلام في ظلّ السلطة الوطنية الفلسطينية … د.فريد أبو ضهير” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (32 صفحة، 997 KB)

دراسة علميّة: الإعلام في ظلّ السلطة الوطنية الفلسطينية* … د.فريد أبو ضهير [1]

تمهيد:

“لا سقف لهذه الحرية في فلسطين”. هذا ما قاله الدكتور سلام فياض، رئيس الوزراء السابق في السلطة الوطنية الفلسطينية في حديثه عن الصحافة في فلسطين .

عند الحديث عن هذا الشعار في واقع الصحافة في ظلّ السلطة الوطنية الفلسطينية بعد مرور عشرين عاماً على تأسيس السلطة، لا يجد المرء بداً من التأمل في تطور الصحافة، وواقعها، والمحطات التي مرت بها، ودرجة الحرية التي تتمتع بها، وقدرتها على التأثير في الجوانب المختلفة من الواقع السياسي على مدى عقدين يزخران بالأحداث الكبيرة في ظلّ النظام السياسي الفلسطيني الذي نشأ عن اتفاقية أوسلو.

فالباحث لا يقف عند شعار، أو تصريح، أو وصف، أياً كان مصدره. بل يقف على الوقائع والأحداث، ويحلل أبعادها، وصولاً إلى تشخيص أقرب إلى الدقة للحالة الإعلامية في فلسطين.

أولاً: الإعلام بين الماضي والحاضر:

الحديث عن واقع الإعلام في ظلّ السلطة الفلسطينية لا يعني بالضرورة سرد الأدلة على غياب الحريات الإعلامية، وانتهاكات السلطة بحق الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، وارتهان الحالة الفلسطينية برمتها ومن ضمنها الإعلام، للاحتلال الإسرائيلي. ولا يعني أيضاً الحديث عن السقف المرتفع للحريات في ظلّ السلطة، التي يحلو للبعض الحديث عنها. فمسألة ارتباط النظام الإعلامي بواقع الحريات السياسية في أيّ بلد، مسألة مفروغ منها، وخصوصاً فيما يتعلق بالمعالجة الإعلامية لسياسات السلطة، وما يمس مصالح النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية فيها. وبكلمات أخرى، فإننا نتحدث عن نظام سياسي يفرز شكلاً محدداً للنظام الإعلامي، بحيث يكون متسقاً مع طبيعة ذلك النظام ومرتبطاً بالتغيرات التي قد تطرأ عليه. وهذا يعني صعوبة إحداث أيّ تغيير في النظام الإعلامي دون حدوث تغيير مواز للنظام السياسي.

ولذلك، فإن هامش الحرية الإعلامية في فلسطين بقي مرهوناً بتعاقب المراحل السياسية والأنظمة التي سادت على الساحة الفلسطينية، وبمحدودية قدرة الإعلام على التأثير على سياسات تلك الأنظمة وشخوصها. ففي الأزمات بشكل خاص مثلاً، لا تستطيع السلطة الحاكمة أن تحتمل النقد والتحليل الصريح والمباشر، وكشف المعلومات التي تراها السلطة مسيئة لها، ومعيقة لسياساتها.

هذه الصورة امتدت منذ النصف الثاني من القرن الـ 19، وتحديداً سنة 1876، حيث كانت انطلاقة الصحافة الفلسطينية مع صدور صحيفة القدس الشريف باللغتين العربية والتركية في ظلّ الحكم العثماني لفلسطين . وكانت فلسطين تعد الدولة الخامسة عربياً من حيث ظهور الصحافة فيها بعد كلّ من مصر، ولبنان، وسورية، والعراق على التوالي، ما يدل على عراقة الصحافة الفلسطينية، والتراث التاريخي الذي راكمته على مدى ما يقرب من قرن ونصف.

ولكن هذه العراقة رافقتها تحديات غاية في الصعوبة والتعقيد، حيث واجهت الصحافة الفلسطينية رقابة وتشديداً من قبل السلطات العثمانية بأساليب متعددة ومشددة، حيث كانت الصحف تعد الناطق الرسمي باسم الحكومات، فضلاً عما ذكر من صدور الصحف باللغتين العربية والتركية، ما يشير إلى ارتباطها الجذري بالسلطة الحاكمة.

وبعد وقوع كارثة الانتداب البريطاني على فلسطين، دخلت الصحافة مرحلة جديدة من المعاناة الشديدة، سواء من خلال إغلاق الصحف، أم اعتقالات الصحفيين، أم التشديد في إجراءات الحصول على المعلومة، وغير ذلك من الإجراءات التي استمرت لعقود .

ولم تكن الصحافة الفلسطينية بحال أفضل في ظلّ الإدارة الأردنية، إلا أنه لا بدّ من القول إنه حدث توسع وتطور في ظلّ الإدارة الأردنية، تمثل في إنشاء عدد من الصحف والمجلات. ولكن، في الوقت نفسه، مورست الرقابة على الصحف بوسائل شتى، لدرجة أنها لم تجرؤ على الخروج عن السياسات الحكومية، وكانت تخضع بصورة أو بأخرى لمقص الرقيب الأمني التابع للإدارة الأردنية.

وفي تلك المرحلة وما بعدها، غلبت على الصحافة النزعة السياسية والتعبوية، والاهتمام بقضية التحرر، ومواجهة الخطر الصهيوني، مما أدى إلى انحسار الاهتمام بالقضايا الفلسطينية الداخلية.

ومن الطبيعي أن تقوم الصحف الفلسطينية بتوجيه جُلّ اهتمامها تجاه الكارثة التي تعرضت، وتتعرض لها فلسطين، لسببين: الأول؛ حجم تلك الكارثة، والتي ما زال يكتوي الشعب الفلسطيني بنارها حتى اليوم. والثاني؛ عزوف الصحافة الفلسطينية عن تناول القضايا الداخلية المتعلقة بسياسات الحكم، سواء الأردني أم البريطاني، نتيجة الرقابة وأساليب التحكم المختلفة، والخوف من عواقب ذلك.

واستمرت الصحافة تجابه السلطات المتعاقبة، حيث تعرضت في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي بعد سنة 1967 إلى المزيد من الضغوطات التي لم تمارسها سلطة من قبل، وخصوصاً الرقابة العسكرية التي فرضت على المواد الإعلامية قبل النشر. ومع هذا، استطاع الصحفيون الحصول على تراخيص لإنشاء 22 صحيفة يومية وأسبوعية تحت الاحتلال في القدس المحتلة. ومع أن الصحافة الفلسطينية كانت دائماً تحصل على التراخيص، ولا تنشر إلا ما يوافق عليه الرقيب العسكري، إلا أن الملاحقات والإغلاقات كانت تحاصرها وتلاحقها باستمرار. وبالطبع، فقد كان تركيز الصحافة ينصب على القضايا الوطنية بشكل أساسي، كما ذكرنا آنفاً .

الصحافة في ظلّ الاحتلال يمكن وصفها بأنها صحافة صمود، وليست صحافة مقاومة بالمعنى الحرفي للكلمة ، حيث أنها عملت على الحفاظ على هوية الشعب الفلسطيني، وسعت لكشف ممارسات الاحتلال وتكريس الحقوق الوطنية الفلسطينية في وجدان الشعب. ولكن لم يكن الاحتلال ليسمح لها بالقيام بدور المقاومة والتحريض على التصدي للاحتلال، باستثناء ما يترتب على انتقاء الموضوعات، وأساليب الصياغة، وما يمكن أن يقرأه الجمهور بين السطور. وقد استخدمت الصحافة الفلسطينية أساليب متعددة في سعيها لتجاوز الرقيب العسكري، ومن أبرز تلك الوسائل تسريب المعلومات إلى الصحافة الإسرائيلية التي تقوم بنشرها، ومن ثم قيام الصحافة الفلسطينية بنقلها عن الصحف الإسرائيلية (وهو الأمر الذي تسمح به الرقابة). ومن أمثلة ذلك أيضاً، ترك فراغات في الصحف في المواقع التي تمّ حذف المواد منها، وكتابة كلمة “نعتذر” ، وهو الأمر الذي يُوجد نوعاً من الإثارة والفضول لدى القراء، ويوصل الرسالة بطريقة غير مباشرة إلى الجمهور.

ثانياً: العهد الجديد:

مثّل قيام السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 1994 تطوراً دراماتيكياً في القضية الفلسطينية، حيث بدأ يتبلور واقع جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة. من أبرز ملامح هذا التطور انتقال السلطة الحاكمة من الاحتلال المباشر إلى الجانب الفلسطيني، مع بقاء الاحتلال مظلة يخضع لها النظام السياسي، وكذلك مختلف مفاصل الحياة للشعب الفلسطيني. وبالطبع، سعت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى استثمار هذا الواقع الجديد للعمل على بناء نواة الدولة الفلسطينية والعمل على الانفكاك من الاحتلال من خلال سياسات وإجراءات عدة، على الرغم من أن اتفاق أوسلو مثّل عبئاً ثقيلاً على الشعب الفلسطيني، وفرض قيوداً صارمة على صلاحيات السلطة وعلى قدرتها في تحقيق الأهداف الوطنية.

ويعد إصدار قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني في سنة 1995 بمثابة إشارة واضحة إلى اهتمام السلطة بهذا الأمر، على الرغم من أن القانون هو نسخة معدلة من القانون الأردني. إلا أن السلطة الفلسطينية رأت أنه لا بدّ من تنظيم العلاقة بين السلطة والإعلام من جهة، وتنظيم شؤون الإعلام وأدائه تجاه المجتمع من جهة أخرى. ومن الجدير بالذكر، أنه بالرغم من وجود ثغرات كثيرة في قانون المطبوعات والنشر، فإن النصوص المتعلقة بحرية التعبير في القانون (وكذلك في القانون الأساسي) تعد جيدة، بل وأقرب إلى المثالية. فعلى سبيل المثال، نصت المادة 27 من القانون الأساسي الفلسطيني على أن:

تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام حقّ للجميع يكفله هذا القانون الأساسي، وتخضع مصادر تمويلها لرقابة القانون. حرية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وحرية الطباعة والنشر والتوزيع والبث، وحرية العاملين فيها، مكفولة وفقاً لهذا القانون الأساسي والقوانين ذات العلاقة. تحظر الرقابة على وسائل الإعلام، ولا يجوز إنذارها أو وقفها أو مصادرتها أو إلغاؤها أو فرض قيود عليها إلا وفقاً للقانون وبموجب حكم قضائي .

ولكن، بالطبع، فإن النصوص شيء، والواقع شيء آخر.

صدرت العديد من الصحف، بعضها استمر، وبعضها توقف. فقد صدرت في 10/11/1994، صحيفة الحياة الجديدة وهي مقربة من السلطة، حيث بدأت أسبوعية ثم تحولت لتصبح يومية. كما صدرت في 8/12/1994 في مدينة غزة صحيفة الوطن الناطقة باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وأغلقتها السلطة لأسباب سياسية. ثم صدرت صحيفة الاستقلال الناطقة باسم حركة الجهاد الإسلامي سنة 1995. وفـي نهـاية سنة 1995 أيضاً صدرت صحيفتا البلاد والأيام اليوميتان، ثم تحولت البلاد بعد ذلك إلى صحيفة أسبوعية، فيما استمرت صحيفة الأيام تصدر يومياً حتى يومنا هذا. كما صدرت عن أجهزة السلطة عدة صحف ومجلات، منها الأقصى، والساحل، والزيتونة، والرأي، والصباح، وغيرها من الصحف التي لم تستمر في الصدور.

 وصدرت في 13/2/1997 صحيفة الرسالة الناطقة باسم حزب الخلاص الوطني الإسلامي، الجناح السياسي لحركة حماس، وهي صحيفة أسبوعية تصدر كلّ يوم خميس، ويرأس تحريرها صلاح البردويل. كما صدرت في بداية سنة 1997، عن مركز فلسطين للدراسات والبحوث الذي يرأسه محمد الهندي، مجلة فلسطين غير الدورية، ذات الميول الإسلامية.

لقد شهد واقع الصحافة الفلسطينية في هذه الفترة ازدحاماً ونهضة كبيرة، بالرغم من قلة إمكانياتها إذا ما قورنت بإمكانيات الصحف في البلاد العربية والأجنبية ، وهو ما يمثل حراكاً إعلامياً موازياً للنشاط السياسي الذي كان معبراً عن تفاعل القوى السياسية الفلسطينية إزاء التحول في مسار القضية الفلسطينية. وبالطبع، فإن وسائل الإعلام تمثل أدوات هذا التفاعل، وتمثل حلقة الوصل بين القوى السياسية والجمهور الفلسطيني.

إن انتشار الصحافة في ظلّ السلطة يعكس التنوع السياسي والفكري على الساحة الفلسطينية، مع اتساع المسافة بين نفوذ الاحتلال وبين الإعلام الفلسطيني، وأصبحت الصحافة بذلك خاضعة لاعتبار جديد يضاف إلى وجود الاحتلال، وهو وجود سلطة فلسطينية، فضلاً عن التيارات السياسية الفلسطينية واختلاف رؤاها تجاه الصراع مع الاحتلال. ويجادل رضوان أبو عياش بأن السلطة وفرت أجواء من الديموقراطية والتعددية للصحافة، بعكس ما كان سائداً في ظلّ الاحتلال ، وهو ما نفته وقائع كثيرة حدثت منذ تأسيس السلطة، وبشكل خاص بعد الانقسام.

بدت الصورة أكثر وضوحاً مع استمرار صدور صحف ثلاث هي: الأيام، والحياة الجديدة، والقدس، بالإضافة إلى وسائل الإعلام الحكومية والمتمثلة بإذاعة وتلفزيون فلسطين، ووكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا). فقد جاءت هذه الوسائل لكي تناسب المرحلة الجديدة التي تتسم بالولاء للسلطة، والالتزام بسياستها وأهدافها .

ولغاية منتصف سنة 2011، بلغ عدد وسائل الإعلام في الضفة الغربية وقطاع غزة 184 مؤسسة إعلامية، منها 145 في الضفة، و39 في غزة. وكانت هذه المؤسسات كالتالي: 66 إذاعة، و27 محطة تلفزيون، و16 صحيفة، و6 دوريات، و20 وكالة أنباء، و18 مؤسسة إنتاج مرئي ومسموع، والبقية مؤسسات تدريب، ومواقع إلكترونية، وغير ذلك من الخدمات الإعلامية. وكانت الغالبية العظمى لهذه المؤسسات قد ظهرت بعد اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية .

وقد جاء في المسح الميداني لوسائل الإعلام الفلسطينية أن معظم هذه الوسائل قالت عن نفسها إنها مستقلة، بينما في حقيقة الأمر تتبع الكثير منها لفصائل سياسية معينة، وأهدافها بالطبع مرتبطة بأهداف تلك الفصائل .

ومقارنة مع سنة 2004، فقد ارتفع عدد وسائل الإعلام بصورة لافتة على الساحة الفلسطينية الأمر الذي ينعكس على المشهد الفلسطيني عموماً والإعلامي خاصة. فقد أشارت دراسة لوزارة الإعلام صدرت في منتصف سنة 2004 إلى أنه قد تمّ منح الترخيص لـ 155 من وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية، وكانت على النحو الآتي: 32 محطة تلفزيونية في الأراضي الفلسطينية (الضفة والقطاع)، و22 محطة إذاعية، و101 مطبوعة (صحف، ومجلات يومية، وأسبوعية، وشهرية، وفصلية).

إلا أن معظم هذه المطبوعات توقف صدورها بعيد الانتفاضة الثانية سنة 2000 وتحديداً في العام الثاني من الانتفاضة .

لم تتوقف “إسرائيل” عن استهداف الإعلام الفلسطيني، على الرغم من أنه خاضع للسلطة الفلسطينية، كما هو الحال بالنسبة لكافة أوجه الحياة الفلسطينية التي تخضع لسلطة الاحتلال. فقد استمرت القيود الإسرائيلية على الصحافة الفلسطينية، ولكن بأشكال مختلفة، وبوتيرة أقل من السابق. ومن أمثلة تلك القيود؛ تحديد حرية التنقل للصحفيين، والاعتداء على الصحفيين في أثناء تغطيتهم للأحداث، فضلاً عن اعتقال الصحفيين، وقتلهم في بعض الأحيان.

فقد أشار المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى)، إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية، ما بين سنتي 2008 و2012 مثلاً، بلغت 647 انتهاكاً. وكانت أفظع تلك الانتهاكات قتل ثمانية صحفيين في أراضي السلطة الفلسطينية في تلك الفترة. ورصد المركز عشرة أنواع من الانتهاكات، هي: القتل، والمنع من السفر، والقصف، والاقتحام، وإغلاق وحجب مواقع إعلامية، والمنع من التغطية، ومصادرة معدات، والاعتقال، والاعتداء الجسدي، والاحتجاز . ومن الأمثلة أيضاً على الانتهاكات:

• 27/1/2012، اعتدت قوات الاحتلال على مصور صحيفة الأيام مهيب البرغوثي في أثناء تغطيته لأحداث المسيرة الأسبوعية في قرية بلعين قرب مدينة رام الله، وأصابته بالرصاص المطاطي في قدميه.

• 5/2/2012، اعتقلت قوات الاحتلال مراسل راديو بيت لحم 2000 صهيب العصا من بيت لحم لمدة شهر، ومنعت أهله من زيارته، وصادرت هواتفه النقالة وذاكرة آلة التصوير التي بحوزته.

• 16/3/2012، اعتدت قوات الاحتلال على مصور وكالة الصحافة الفرنسية موسى الشاعر في أثناء تغطيته لمسيرة المعصرة بالقرب من بيت لحم، وق
ام جنود الاحتلال بكسر عدسة آلة التصوير الخاصة بالوكالة .

• 1/5/2012، اعتدت قوات الاحتلال على ستة صحفيين من شركة الواحة للإنتاج الإعلامي في أثناء استعدادهم لعمل تقرير صحفي عن تجريف أراضي المزارعين في منطقة الفراحين شرق خانيونس، وأطلقت النار بكثافة تجاههم، وهم: جبريل أبو كميل، ومراد حسن، ونبيل أبو دية، ومحمد الرعي، وعماد الخريبي، وولاء البياري.

وغيرها الكثير من الأمثلة التي لا يتسع المجال لذكرها .

أصبح الإعلام في ظلّ السلطة محكوماً بسقف اتفاقيات أوسلو، وكذلك رواسب قوانين الانتداب البريطاني التي تركها الاحتلال، بالإضافة إلى قوانين السلطة الفلسطينية، وخصوصاً قانون المطبوعات والنشر لسنة 1995 .

فقد كان مما جاء في اتفاقية أوسلو نصوص حول “بناء تفاهم متبادل وتسامح، والامتناع عن التحريض، بما في ذلك الدعاية العدائية ضدّ الطرف الآخر، بما لا يمس حرية التعبير، واتخاذ الإجراءات القانونية لمنع “التحريض” الذي يقوم به الأفراد والجماعات والمنظمات، في إطار قوانين كلّ من الطرفين”. ولذلك، يرى البعض أن هذا الأمر أثر على حرية الصحافة في فلسطين، وجعل، كما يقول الإعلامي هشام عبد الله، من المحرم انتقاد التنسيق الأمني، على سبيل المثال، بين السلطة و”إسرائيل” .

إن الخطوط الحمراء التي رسمتها السلطة الفلسطينية للصحفيين تتراوح ما بين الكتابة عن الرئيس أو عائلته بشكل انتقادي، والكتابة عن الأجهزة الأمنية والوضع الأمني، وطرح الآراء المعارضة للسلطة، والحديث عن قادة من حماس ملاحقين من قبل السلطة أو تغطية نشاطات غير مدنية لهم، وأخرى قد تظهر من وقت إلى آخر.

فقد اعتقلت الشرطة الصحفي علاء الصفطاوي، بسبب افتتاحية صحيفة الاستقلال التي كتبها حول الأوضاع الأمنية السيئة، وذلك لاعتقاد الشرطة بأنها تسيء إلى شخص الرئيس. كما اعتقل غازي حمد لمدة عشرة أيام، عُذِّب خلالها بشدة، بسبب مقاله حول علاقة المواطن بالأجهزة الأمنية الفلسطينية الذي نُشر في الصحيفة نفسها. وكذلك اعتقل الصحفي طاهر شريتح الذي يعمل مراسلاً لوكالة رويترز للأنباء Reuters لمدة ستة أيام، وذلك بسبب نشر الوكالة لشريط فيديو عن الجندي الإسرائيلي نحشون فاكسمان الذي قامت حركة حماس باختطافه .

ومن جانب آخر، أصبحت الصحافة مسيّسة تبعاً للفصائل الفلسطينية الموجودة على الساحة، بحيث لا تعكس حرية التعبير المنصوص عليها في القانون الأساسي الفلسطيني مادة 19، التي تنص على أنه “لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول، أو الكتابة، أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن، مع مراعاة أحكام القانون” ، الأمر الذي أدى إلى اعتبار الصحافة الفلسطينية غير مؤثرة على المستوى الدولي، وغير موثوقة على المستوى المحلي . وهذا يُعزى بالطبع إلى أن الصحافة والإعلام (سواء الرسمي، أم الحزبي، أم المستقل) يعمل تحت سقف السلطة، ومحكوم بالواقع الناشئ عن وجودها، ومتأثر بسياساتها، ومعبر عنها إلى درجة كبيرة. وبالرغم من وجود قوى سياسية ذات رؤى متعددة، وما يترتب على ذلك من علاقة هذه القوى بالإعلام، وخصوصاً الإعلام التابع لها، إلا أن مظلة السلطة كانت، وما تزال، تغطي وسائل الإعلام العاملة في فلسطين، وتحكم درجة الحريات التي تتمتع بها إلى حدّ كبير .

فمثلاً، يلاحظ في هذا السياق أن كثيراً من الصحفيين الذين ناصبوا “إسرائيل” العداء طوال فترة الاحتلال، ولغاية قيام السلطة الفلسطينية، أصبحوا “رجالاً للسلطة”، على أساس أن نوعاً من الاستقلال الوطني قد تمّ إنجازه، وهو قيام “سلطة وطنية فلسطينية”، وأن معارضة السلطة هو سعي لإجهاض الحلم الوطني الفلسطيني . ولا ريب أن هذا الأمر له رصيد كبير من المنطق والواقعية إذا ما تأملنا في دور منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، في رعاية وتوجيه الإعلام في فلسطين خلال مراحل الاحتلال التي سبقت قيام السلطة الفلسطينية، وولاء الغالبية العظمى من الصحفيين للمنظمة ولحركة فتح. وقد كان لهؤلاء الصحفيين الدور الكبير في تجسيد الهوية الوطنية، وتعزيز الدور النضالي للشعب الفلسطيني، وكذلك التأثير الواضح في الرأي العام الفلسطيني وحشده حول منظمة التحرير الفلسطينية وبرنامجها السياسي.


* أتقدم بالشكر الجزيل للأستاذة أمل دويكات على جهودها في جمع المعلومات وإجراء المقابلات لهذه الدراسة.
[1] حاصل على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية والصحافة من جامعة النجاح الوطنية سنة 1985، وعلى شهادة ماجستير إعلام في مجال وكالات الأنباء المصورة في جامعة كارديف في بريطانيا سنة 1988، وعلى شهادة الدكتوراه في الدراسات الإعلامية من جامعة ليدز سنة 1996. يدرّس في قسم العلوم السياسية والصحافة منذ سنة 1991 وحتى الآن، وفي قسم الصحافة المكتوبة والإلكترونية. وترأس القسم خلال السنوات 2001-2003. أسهم في تأسيس إذاعة الجامعة، وتأسيس كلية الإعلام، ورأس لجنة الاتصال السكاني خلال السنوات 2001-2010، والتي كان لها الدور الأساسي في إنشاء قسم الإذاعة والتلفزيون، ومهرجان الأفلام الوثائقية في الجامعة. له العديد من الأبحاث العلمية المحكمة.  القدس، 1/5/2013.

 

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (32 صفحة، 997 KB)