مدة القراءة: 12 دقائق

إعداد: أ. د. وليد عبد الحي.[1] 
(خاص بمركز الزيتونة). 

مقدمة: 

يُشكّل التصويت في الأمم المتحدة مؤشّراً على التوجّهات العامة للسياسة الخارجية لدولة ما، وتتحكّم في عملية التصويت هذه متغيرات عديدة، كما أنّ أوزان هذه المتغيرات تتغيّر من وضع لآخر طبقاً لتفاعلات الظاهرة موضع التصويت. ويمكن تقسيم هذه المتغيرات استناداً إلى التقسيم الذي قدّمه إميل دوركهايم Émile Durkheim في دراسته عن الروابط بين المجتمعات؛ فهناك روابط آلية كاللّغة، والدِّين، والعرق، واللون…إلخ، وهناك روابط عضوية كالتجارة، وشبكات الترابط التقني، والمشروعات المشتركة، والأحلاف، وتشكيل المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية…إلخ. ويرى دوركهايم أنّ تنامي الروابط العضوية يُضعف الروابط الآلية، ولعلّ مثال التطوّر الذي شهدته أوروبا في روابطها العضوية عبر الانتقال من الدولة القومية الصرفة، نموذج ويستفاليا Westphalia، إلى السوق الأوروبية المشتركة، وصولاً إلى الاتحاد الأوروبي European Union الحالي بعملة واحدة وبرلمان مشترك…إلخ، هو المتغيّر المعتمد لتفسير عدم وقوع أيّ حروب بين دول الاتحاد الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية. وتكفي الإشارة في ذلك إلى ارتفاع التجارة البينيّة بين دول الاتحاد سنة 2024 إلى نحو 61.65% من إجمالي تجارة المجموعة مع العالم.[2]



للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة علمية: معامل الارتباط بين ”الروابط الآلية والعضوية“ وبين التصويت الأممي على ”حل الدولتين“ … أ. د. وليد عبد الحي (18 صفحة، 7.6 MB)


ونودّ في هذه الدراسة، واستناداً إلى نظرية دوركهايم، أنّ نعالج فرضية محددة، وهي قياس معامل الارتباط الإحصائيّ (معامل سبيرمان Spearman) بين نمط التصويت الذي تتّبعه الدّول في الجمعية العامة للأمم المتحدة United Nations General Assembly في الموضوع الفلسطينيّ، وبين متغيّرين: الأول متغيّر الدّين والمذهب الديني كمتغيّر يشير الى الروابط الآلية، والثاني متغيّر حجم الترابط التجاري كمؤشر على الروابط العضويّة. وقد قمنا بقياس عيّنات من الدّول لتبيان تأثير المتغيّرين على السلوك التصويتي، ولتحديد موضوع الدراسة اخترنا موضوع التصويت على قرار الجمعية العامة في أيلول/ سبتمبر 2025 الداعي إلى تطبيق “حلّ الدولتين” لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.[3]

لا يقوم تحليلنا للتصويت على “حلّ الدولتين” في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 12/9/2025 على أيّ تقييم معياري Normative،[4] بل هو محاولة لفهم سياسات الدول الأعضاء من خلال وضع مجموعة من المؤشّرات وقياس دور هذه المؤشّرات في تحديد السلوك التصويتيّ للدولة. فهل للدِّين أو للمذهب أو لحجمِ العلاقات التجاريّة بين الدولة والدول العربية دور في التصويت؟ وسنحاول في هذه الدراسة تفسير السلوك التصويتيّ[5] وقياسه إحصائيّاً، باعتماد مؤشّرين لم يتم تناولهما بالقدر الكافي في الدراسات المختلفة المتعلّقة بالصراع العربي – الصهيوني، وسيكون المؤشّر الأول هو الدِّين/ المذهب (مع التركيز على الدول ذات الأغلبية المسيحية)، ثم حجم العلاقات التجاريّة. والغرض من ذلك قياس درجة التطابق بين التصويت وبين الروابط العضويّة والروابط الآلية، طبقاً لنظرية دوركهايم التي أشرنا إليها.

من المعروف إحصائياً أنّ هناك متغيّرات وسيطة (عوامل أخرى)، أو ظرفاً طارئاً، “البجعة السوداء”، قد يكون هو السبب في مستوى الارتباط بين المتغيّرات صعوداً أو هبوطاً، أو سلباً أو إيجاباً. لكنّ ذلك لا ينفي دلالات العلاقة في الأعم الأغلب بين المتغيّرات موضوع الدراسة، خصوصاً إذا أولينا الاتجاه الأعظم Mega-trend العناية الأكبر، بدلاً من التشبّث بحدث ما أو اتجاه فرعي.

القياس والتحليل للسلوك التصويتي على “حلّ الدولتين”:

أولاً: الاتجاه العام العالمي في السلوك التصويتي:

من الضروري بدايةً التمييز بين مواقف الدول من موضوعين متداخلين لكنّهما ليسا متطابقين؛ الموضوع الأول هو الاعتراف بدولة فلسطين وحقّها في العضويّة الكاملة في الأمم المتحدة، والثاني هو قبول “حلّ الدولتين” (دولة فلسطين و”دولة إسرائيل”)، وهو ما يفسّر التباين في عدد الأصوات لكل منهما، لأن “حلّ الدولتين” يتضمّن اعترافاً قانونياً بـ”إسرائيل”، وهو ما ترفضه بعض الدول. لذا، فقد اعتمدنا في تحليلنا في هذه الدراسة على التصويت على “حلّ الدولتين” فقط، وشكّل التصويت في 12/9/2025،[6] قاعدة لنا لتحليل وقياس معامل الارتباط بين المتغيّرات المذكورة أعلاه؛ الدِّين، والمذهب، والتجارة.

وعند استعراض توزيع الدّول على أنماط التصويت تبيّن لنا الآتي:[7]


جدول رقم 1: السلوك التصويتي في الجمعية العامة على مشروع ”حلّ الدولتين“ في أيلول/ سبتمبر 2025

ضدّ ”حلّ الدولتين“
(10)
ممتنع عن التصويت
(12)
متغيّب عن التصويت
(29)
مع ”حلّ الدولتين“
(142)
الولايات المتحدة ألبانيا أفغانستان بقية دول العالم
”إسرائيل“ الكاميرون أنتيغوا
الأرجنتين تشيكيا بنين
هنغاريا الكونغو الديموقراطية بوتان
مايكرونيزيا إكوادور بوليفيا
نورو إثيوبيا أفريقيا الوسطى
بالاو فيجي الدومينكا
بابوا غينيا الجديدة غواتيمالا غينيا الإستوائية
برغواي مقدونيا الشمالية أريتريا
تونغا مولدوفا إسواتانا (سوازيلند)
ساموا غرينادا
جنوب السودان جورجيا
غينيا بيساو
هايتي
هندوراس
إيران
العراق
كيرباتي
ليبيريا
مدغشقر
ساوتومي وبرنسيب
بنما
موناكو
مالاوي
زامبيا
فنزويلا
فانوتو
توفالو
تونس

ويشير جدول رقم 1 إلى نتائج التصويت التي يمكن تلخيص أبرز دلالاتها فيما يلي:

• نسبة التأييد لمشروع “حلّ الدولتين” عالمياً هي 73.58%.

• نسبة المعارضين للمشروع هي 5.2%

• نسبة الممتنعين عن التصويت هي 6.2%.

• نسبة المتغيبين هي 15%.

وعند تقسيم الدول حسب الأغلبية الدينية بين السكان في كلّ منها، نتوقف عند الملاحظات التالية:

• ليس هناك أيّ دولة إسلامية من بين أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، وعددهم 57 عضواً، مَن صوّت ضدّ القرار.

• هناك دولة إسلامية واحدة امتنعت عن التصويت، وهي دولة ألبانيا، وهي عضو في منظمة التعاون الإسلامي.

• هناك أربع دول إسلاميّة هي: أفغانستان، وإيران، والعراق، وتونس، قد تغيّبت عن التصويت.

ومن الضروري التنبّه إلى أنّ بعض هذه الدّول امتنعت عن التصويت أو تغيّبت استناداً إلى رؤية سياسية محدّدة، فبعض الدّول مثل إيران والعراق وتونس وفنزويلا…إلخ، امتنعت عن التصويت أو تغيّبت لأنّها ترى أنّ القرار لا يستجيب لكافة مطالب الفلسطينيين، خصوصاً ما يتعلّق منها بحقّ تقرير المصير وإنهاء الاحتلال، ناهيك عن أنّ قبول القرار بـ”حل الدولتين” هو اعتراف ضمنيّ بـ”إسرائيل”، وهو ما لا يتّسق مع سياسات هذه الدول.[8] بينما هناك دول إسلامية مثل أفغانستان لم تمارس حقّها في التّصويت نظراً لخضوعها لتطبيق المادة 19 من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يمنع الدولة المتخلّفة عن دفع التزاماتها الماليّة للأمم المتحدة لعامين أو أكثر من حقّ التصويت، وهو ما تمّ تطبيقه على أفغانستان.[9]

وطبقاً للمعطيات السابقة، فإنّ خمسَ دُوَلٍ إسلاميّةً لم تُصوّتْ لصالح المشروع، وهو ما يشكل 8.8% من الدّول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، أي أنّ 91.2% من الدّول الإسلامية قد ساندت المشروع.

وحيث إنّ هناك 57 دولة إسلامية، و9 دول ذات أديان آسيوية (هندوسية 2، وبوذية 7)، ودولة واحدة يهودية، و10 دول لا دينية أو ملحدة أو دون أغلبية دينية، فيكون المجموع 77 دولة، وهو ما يعني أنّ هناك 116 دولة ذات أغلبيّة مسيحية، صوّتَت منها 98 دولة لصالح المشروع، أي أنّ ما يعادل 84.5% من الدّول ذات الأغلبية المسيحيّة صوّتت لصالح القرار.

إنّ المؤشرات الكمية السابقة لا تشير إلى أنّ هناك ارتباطاً واضحاً بين الأغلبية الدينية وبين نمط التصويت، فمثلاً الدول ذات الأديان الآسيوية صوّتت نسبة عالية منها لصالح القرار، وكذلك الحال مع الدّول التي تُوصَف بأنّها دون أغلبية دينية، مثل الصين، والسويد، وفييتنام، والنرويج، والدنمارك، واليابان.[10]

وللتأكد من النتيجة السابقة، أخذنا عيّنةً من 20 دولة مسيحيّة هي الأعلى في عدد السكّان بين الدّول المسيحيّة، فكانت النتائج كما هي في جدول رقم 2 الذي يعرض موقف كلّ دولة من العينة:


جدول رقم 2: تصويت عينة عشوائية من كلّ القارات من أعلى عشرين دولة مسيحية في عدد السكان

دول ذات أغلبية مسيحية سكانياً [11] التصويت على ”حلّ الدولتين“
الولايات المتحدة ضدّ
البرازيل مع
روسيا مع
المكسيك مع
نيجيريا مع
الفلبين مع
الكونغو الديموقراطية امتناع
إيطاليا مع
إثيوبيا امتناع
ألمانيا مع
كولومبيا مع
أوكرانيا مع
جنوب إفريقيا مع
فرنسا مع
إسبانيا مع
بولندا مع
كينيا مع
الأرجنتين ضدّ
بريطانيا مع
أوغندا مع
المجموع مع: 16
ضدّ: 2
امتناع: 2

عند النظر في نتائج الجدول السابق الذي يضمّ الدول ذات الأغلبية المسيحية (أكثر من خمسين مليوناً في كلّ واحدة من الدول العشرين)، تبيّن لنا أنّ 80% منها صوّتت لصالح “حلّ الدولتين”، بينما عارضه 10%، وامتنع عن التصويت 10% أيضاً، وهو ما يشير إلى أنّ التوجّه الديني في هذه الدّول لم يؤدِّ إلى تباين في الاتجاهات العامة للتصويت، فهي متقاربة إلى حدٍّ كبير في نسبة تصويتها مع الدّول الإسلامية الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.

ثانياً: السلوك التصويتي طبقاً للانتماء المذهبي في الدّول المسيحية:

تنقسم المسيحيّة في إطارها العام إلى مذاهب مركزيّة ثلاثة، هي: الكاثوليكيّة، والأرثوذوكسيّة، والبروتستانتيّة. وقد استعنتُ بمصادر الدراسات السكانية المعنية بدراسة الثقافات الفرعية Sub-cultures، مركزين على المذهب.[12] واستناداً إلى هذه البيانات، رصدنا التصويت على “حلّ الدولتين” بين الدّول ذات الأغلبية لكلّ مذهب مسيحي من المذاهب الثلاثة (في 111 دولة)، وبذلك وزّعنا الدّول حسب المذهب السائد في كلّ دولة، ثم وزّعنا السلوك التصويتيّ على ثلاثة أنماط هي: مع، وضدّ، وامتناع عن التصويت، فكانت النتائج كما هي في جدول رقم 3.


جدول رقم 3: السلوك التصويتي طبقاً للمذهب المسيحي

المذهب مع ضدّ امتناع المجموع نسبة التأييد (%)
الكاثوليك 46 0 1 47 97.87
البروتستانت 38 4 7 49 77.55
الأرثوذوكس 14 0 1 15 93.33
المجموع 98 4 9 111

تدلُّ النتائج في جدول رقم 3 على أنّ نسبة التأييد الأعلى بين الدُّول المسيحيّة هي بين الدّول الكاثوليكية، تليها الدول الأرثوذوكسيّة، بينما تقلّ نسبة تأييد الدّول البروتستانتيّة بمعدل يقارب 20% عن نسبة تأييد الدول الكاثوليكية، و16% عن تأييد الدّول الأرثوذوكسيّة. وباستخدام نموذج فيشر للارتباط الإحصائي Fisher Exact Test، كانت النتائج كالتالي في جدول رقم 4:[13]


جدول رقم 4: معامل الارتباط بين السلوك التصويتي والانتماء المذهبي في الدول المسيحيّة

المقارنة المفاضلة
Odds Ratio
القيمة الاحتمالية
p-value
التفسير
بروتستانت مقابل كاثوليك 1.29 1.000 غير دال إحصائياً
بروتستانت مقابل أرثوذوكس 0.43 0.607 غير دال إحصائياً
كاثوليك مقابل أرثوذوكس 0.33 0.344 غير دال إحصائياً

ويشير الجدول السابق إلى عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين المذاهب الثلاثة (عند القيمة الاحتمالية 0.05)، بينما تدلّ قيم المفاضلة (الأرجحية) على أنّ المقارنة تشير إلى:

• بروتستانت مع كاثوليك ضعيفة (1.29).

• بروتستانت مع أرثوذوكس علاقة عكسية غير دالة (0.43).

• كاثوليك مع أرثوذوكس علاقة عكسية ضعيفة (0.33).

وللتثبّت من دقّة القياس لمعامل الارتباط بين السلوك التصويتي والانتماء المذهبي في الدول المسيحيّة (كاثوليكيّة، بروتستانتيّة، أرثوذوكسيّة)، قمنا بأخذ عينة من 28 دولة مسيحية، وتمّ تقسيمها حسب المذهب السائد فيها.[14]


جدول رقم 5: عينة من دول متنوّعة المذاهب ومقارنتها من حيث السلوك التصويتي تجاه “حلّ الدولتين”

بروتستانتيّة كاثوليكية أرثوذوكسيّة
ضدّ ضدّ ضدّ
الولايات المتحدة الأرجنتين
مايكرونيزيا هنغاريا
بابوا غينيا الجديدة بالوا
تونغا باراغواي
ناورو
الامتناع الامتناع الامتناع
الكاميرون الكونغو إثيوبيا
سماوا غواتيمالا مقدونيا الشمالية
جنوب السودان إكوادور مولدوفا
مع مع مع
بريطانيا إيطاليا رومانيا
ألمانيا فرنسا اليونان
البرازيل روسيا
إسبانيا
الفلبين

وبقياس المعاملِ للدّول الـ 28، تبيّن أنّ معامل الارتباط يساوي (0.081)، وهو ما يعني أنّ القيمة صغيرة جداً، أي أنّ العلاقة بين المذهب والتصويت هي علاقة موجبة لكنّها ضعيفة.[15] إلّا أنّ النتائج تشير إلى فروق تستحق التنبّه لها، إذ يُظهر معامل الارتباط بين نمط السلوك التصويتيّ طبقاً للمذهب (استناداً إلى قياس معامل الارتباط) أنّ هناك فروقاً نسبيّةً بين المذاهب تتّضح في النتائج التالية:

• معامل الارتباط عند الكاثوليك: 0.0735

• معامل الارتباط عند البروتستانت: 0.0697

• معامل الارتباط عند الأرثوذوكس: 0.0355

ونخلُصُ ممّا سبق إلى أنّ القياس (على أساس p> 0.05) يُظهِرُ عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائيّة، أي أنّ العلاقة بين السلوك التصويتي والانتماء المذهبي علاقة ضعيفة، مع الإشارة إلى النتيجتين التاليتين:

• أنّ الأرثوذوكس أكثر ميلاً نحو التأييدِ أو الامتناع عن التصويتِ على “حلِّ الدولتين”.

• أنّ الدُّول البروتستانتيّة أكثرُ ميلاً نحو التصويتِ ضدَّ الحلّ.

ثالثاً: السلوك التصويتي وحجم العلاقات التجارية مع العالم العربي:

تُشكِّلُ العلاقات التجارية بين دول العالم أحد المؤشرات المركزيّة للترابط العضويّ، وقد أشرنا إلى تجربة الاتحاد الأوروبي في تزايد التجارة البينيّة وعلاقة ذلك بتراجع الصراعات البينيّة التي كانت تُشكّل ملمحاً واضحاً في التاريخ الأوروبي القديم والحديث.

ولكي نتعرّف على وزن المتغيّر التجاري في تحديد أنماط السلوك التصويتيّ، فقد قمنا بتحديد 28 دولة من بين الدّول الأعلى من حيث حجم تجارتها مع الدول العربيّة، ثم رصدنا حجم التجارة بين هذه الدّول مع الدول العربية ونمط سلوكها التصويتيّ تجاه قرار “حلّ الدولتين”، ثم رصدنا تالياً الدّول التي صوّتت “ضد” القرار، مع قياس حجم تجارتها مع الدّول العربيّة، وتبيّن أنّ هناك علاقة واضحة تماماً بين التجارة والتصويت، كما يتضح من جدول رقم 6.


جدول رقم 6: العلاقة بين حجم التجارة العربية مع أعلى 28 دولة في التجارة العربية وبين نمط التصويت على “حل الدولتين”[16]

الدولة ترتيبها من حيث معدل حجم التجارة مع الدولة العربية
خلال الفترة 2022 – مطلع 2025
نمط التصويت
الصين 1 مع
الولايات المتحدة 2 ضدّ
الهند 3 مع
ألمانيا 4 مع
كوريا الجنوبية 5 مع
اليابان 6 مع
إيطاليا 7 مع
تركيا 8 مع
فرنسا 9 مع
إسبانيا 10 مع
هولندا 11 مع
بريطانيا 12 مع
سنغافورة 13 مع
روسيا 14 مع
بلجيكيا 15 مع
سويسرا 16 مع
ماليزيا 17 مع
إندونيسيا 18 مع
بولندا 19 مع
تايلند 20 مع
النمسا 21 مع
البرازيل 22 مع
التشيك 23 امتناع
السويد 24 مع
المكسيك 25 مع
فييتنام 26 مع
أوكرانيا 27 مع
اليونان 28 مع

يشير الجدول إلى أنّ دولة واحدة هي الولايات المتحدة الأمريكيّة، التي تحتلّ المرتبة الثانية في حجم تجارتها مع الدّول العربية، قد صوّتت ضدّ “حلّ الدولتين”، أي ما يعادل 3.57%. بينما امتنعت عن التصويت دولة واحدة هي جمهورية التشيك بالنسبة المئوية نفسها. ذلك يعني أنّ 92.86% من الدول الأعلى في حجم تجارتها مع العالم العربي صوّتت لصالح القرار.

وعند النظر في الدّول التي عارضت القرار (وهي عشر دول)، فإذا استبعدنا الولايات المتحدة و”إسرائيل”، فإنّ الدّول الثماني الأخرى لها علاقات تجارية متواضعة للغاية مع العالم العربيّ، إذ إنّ كلَّها، بما فيها باراغواي وهنغاريا والأرجنتين، لم تبلغ تجارتها مجتمعة مع العالم العربي نصف مليار دولار. أمّا الدّول الخمس الأخرى، فهي دول صغرى تكاد تجارتها تنحصر مع دولة الإمارات العربيّة المتّحدة أو المملكة العربيّة السعوديّة، ولا تتجاوز مجتمعة بضع عشرات الملايين من الدولارات فقط.[17] ويعني ذلك أنّ ضعف تجارتها لا يضعُها تحت ضغط هذا المتغيّر للتصويت لصالح “حلّ الدولتين”، لا سيّما أنّ أغلبها خاضع في توجّهاته لنفوذ دول أخرى. ولعل ذلك يعزز الاستنتاج بأنّ حجم العلاقة التجاريّة له تأثير واضح على التصويت، وهو ما دلّلنا عليه في عيّنة الدّول الأكثر تجارة مع العالم العربي، وهو الأمر الذي سبق ودلّلنا عليه في مواقف البرازيل خلال فترة حكم جايير بولسونارو Jair Bolsonaro، حينَ حاولَ نقل السفارة البرازيلية إلى القدس، ثم تراجعَ تحت ضغوط المؤسسات التجارية البرازيلية.[18]

ومن الضروريّ التّنبه إلى أنّ الدّول الأعلى تجارة مع العالم العربي تضع في حساباتها تأثير استمرار الصراع على أسعار البترول، واضطراب طرق التجارة، وارتفاع تكاليف التأمين على وسائل نقل البضائعِ، وتأثيرَ ذلك في سلاسلِ التوريد، إلى جانب الهجرة من مناطق الاضطراب إلى بعض هذه الدول (خصوصاً أوروبا). وهو ما يُعزِّز نزوعها إلى التصويتِ على مشروعات “حلّ الصراعّ”، ومنها “حلّ الدولتين”، بغرض لجم تلك الآثار كلّها. ويكفي الإشارة إلى أنّ قناة السويس، التي يعبرها 12% من التجارة العالمية و30% من الحاويات البحرية، قد تراجع النقل البحري فيها في أواخر سنة 2024 بأكثر من 50%.[19]

النتائج:

دلّ القياس الإحصائيّ للتصويت على مشروع “حلّ الدولتين” استناداً إلى متغيّرات الدّين، والمذهب الديني، والعلاقة التجارية، على:

• ليس هناك فروق ذات دلالة إحصائيّة في معامل الارتباط بين الدّين والتصويت.

• لم نجد ارتباطاً واضحاً بين الانتماء المذهبيّ في الدّول المسيحية وبين نمط التصويت.

• مال الكاثوليك والأرثوذوكس إلى نسبة تأييد عالية (97.9%، و93.3% على التوالي)، بينما انقسمت الدول البروتستانتيّة إلى 77.6% مؤيدة، و8.2% معارضة، و14.3% ممتنعة، وذلك يعزز الاستنتاج بأنّ الانتماء البروتستانتي هو الأقرب للنزوع نحو “المعارضة أو الامتناع” مقارنة بالمذهبين الآخرين، على الرغم من الدلالة الإحصائية الضعيفة لوزن المذهب في قرار التصويت.

• من الواضح أنّ العلاقة التجارية يمكن أن تكون هي الأداةَ الأكثر ترابطاً في توجّهات التصويت، وهو ما يعني أنّ توظيف هذا البُعد من الطّرف العربيّ في العلاقة مع العالم يُعَدُّ من الطرق الفاعلة للتأثير على توجّهات التصويت.


الهوامش:
[1] خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونُشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المحكّمة.
[2] Annual share of goods imports from the European Union coming from intra-EU and extra-EU trade partners from 2002 to 2024, site of Statista, https://www.statista.com/statistics/1384794/eu-international-trade-share-imports-intra-extra-goods/#:~:text=The%20share%20of%20goods%20imports,fifths%20from%20outside%20the%20EU
[3] بالطبع هناك ما يسمى بالمتغير الوسيط الذي قد يختفي عند متابعة العلاقة بين المتغير الآلي أو العضوي وبين السلوك التصويتي، وهو ما سنحاول إنجازه في دراسة لاحقة لهذه.
[4] أي أننا لا نتبنى أو نرفض هذا الحل، بل تعاملنا معه كظاهرة سياسية، ويمكن لنتائج الدراسة أن توجه التفكير باتجاهات متعددة.
[5] اعتمدنا هذا المرجع وهو شاشة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتم ربط المؤشرات بالسلوك التصويتي للدول طبقاً لما هو معروض على الشاشة، انظر: لحظة التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار يقر إعلان نيويورك بشأن تسوية قضية #فلسطين وحل الدولتين. اُعتمد القرار بأغلبية 142 دولة ومعارضة 10 وامتناع 12 عن التصويت، صفحة أخبار الأمم المتحدة UN News Arabic، موقع فايسبوك، 12/9/2025، في: https://www.facebook.com/watch/?v=1852476709021054
[6] إذا لم يتم حساب دولة الفاتيكان (كدولة غير عضو في الأمم المتحدة)، فإن عدد الدول التي أعلنت اعترافها بدولة فلسطين هو 157 دولة، وهو ما يشكل قرابة 81% من مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهنا لا بدّ من التمييز بين قبول “حل الدولتين” وبين الاعتراف بدولة فلسطين، فإيران مثلاً تعترف بدولة فلسطين منذ سنة 1988 وتساند عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، لكنها لم تصوّت لصالح “حل الدولتين”، وهو ما فعلته تونس والعراق… إلخ. انظر تفاصيل الاعتراف في:
Marium Ali, Which are the 150+ countries that have recognised Palestine as of 2025?, site of Al Jazeera, 23/9/2025, https://www.aljazeera.com/news/2025/9/23/which-are-the-150-countries-that-have-recognised-palestine-as-of-2025
[7] حاولت قدر الإمكان الاعتماد على عدد من المصادر بخصوص تحديد الأغلبية الدينية، وهناك تباين بين الأرقام حتى للسنة الواحدة، وقد اعتمدت على الأرقام المتقاربة في أكثر من مصدر وإغفال الأرقام النافرة والتي ذكرت في مصادر قليلة أو وحيدة. انظر:
Population by religion, sex and urban/rural residence, site of UN Data, https://data.un.org/Data.aspx?d=POP&f=tableCode%3A28; Conrad Hackett et al., “3. Muslim population change,” in How the Global Religious Landscape Changed From 2010 to 2020, site of Pew Research Center, 9/6/2025, https://www.pewresearch.org/religion/2025/06/09/muslim-population-change/?gad_source=1&gad_campaignid=22378837192&gbraid=0AAAAA-ddO9GrOshn7sRNGaTwCwdQjS59m&gclid=CjwKCAjwuePGBhBZEiwAIGCVS5PfH_6gIzsGn_yqFtE2JmP3GncojSUzkgnXWE_7QvpH69rplKt9YBoCKQcQAvD_BwE; Muslim Population by Country 2025, site of World Population Review, https://worldpopulationreview.com/country-rankings/muslim-population-by-country; Most Christian Countries 2025, World Population Review, https://worldpopulationreview.com/country-rankings/most-christian-countries; and Conrad Hackett et al., “4. Religiously unaffiliated population change,” in How the Global Religious Landscape Changed From 2010 to 2020, Pew Research Center, 9/6/2025, https://www.pewresearch.org/religion/2025/06/09/religiously-unaffiliated-population-change/?gad_source=1&gad_campaignid=22208515841&gbraid=0AAAAA-ddO9FxUtqRUvpvOu9X0v2i1khaJ&gclid=CjwKCAjwuePGBhBZEiwAIGCVS2UsJDmiOi69BscbWwv1wl-lbR0H1Zdz0WxwBKnqep5PMOzb5tHCrhoCokcQAvD_BwE
[8] Explanation by Iran’s Mission Regarding the UN Resolution on the Question of Palestine, site of West Asia News Agency (WANA), 13/9/2025, https://wanaen.com/explanation-by-irans-mission-regarding-the-un-resolution-on-the-question-of-palestine; and Why Did Iran Abstain from the UN Vote on Palestinian Statehood?, WANA, 14/9/2025, https://wanaen.com/why-did-iran-abstain-from-the-un-vote-on-palestinian-statehood
[9] Afghanistan Stripped of UN Voting Rights for Third Consecutive Year, site of TOLO news, 22/9/2025, https://tolonews.com/index.php/afghanistan-195874
[10] Conrad Hackett et al., “4. Religiously unaffiliated population change,” in How the Global Religious Landscape Changed From 2010 to 2020, Pew Research Center, 9/6/2025; “Graph: Whether or not you belong to a religion, do you believe or not believe in the following? -God,” in More Prone to Believe in God than Identify as Religious. More Likely to Believe in Heaven than in Hell, site of Gallup International, 12/4/2023, https://gallup-international.com/survey-results-and-news/survey-result/more-prone-to-believe-in-god-than-identify-as-religious-more-likely-to-believe-in-heaven-than-in-hell; and Michael Martin (ed.), The Cambridge Companion to Atheism (New York: Cambridge University Press, 2007), p. 56, https://archive.org/details/cambridgecompani0000unse_n0k5/page/56/mode/2up?q=page+56
[11] Most Christian Countries 2025, World Population Review, https://worldpopulationreview.com/country-rankings/most-christian-countries
[12] Highest Catholic Population 2025, World Population Review, https://worldpopulationreview.com/country-rankings/highest-catholic-population; Protestant Countries 2025, World Population Review, https://worldpopulationreview.com/country-rankings/protestant-countries; and Eastern Orthodoxy by Country 2025, World Population Review, https://worldpopulationreview.com/country-rankings/eastern-orthodoxy-by-country
[13] تم تطبيق النموذج بخطوات ثلاث هي:
أ. مقارنة النتائج للكاثوليك + الأرثوذوكس في مواجهة البروتستانت.
ب. مقارنة النتائج بمقارنة ثلاثية على أساس كل مذهب مع المذهبين الآخرين.
ج. مقارنة البروتستانت مع المذهبين الآخرين.
للتعرف على اختبار فيشر للارتباط، انظر:
Jim Frost, Fisher’s Exact Test: Using & Interpreting, site of Statistics By Jim, https://statisticsbyjim.com/hypothesis-testing/fishers-exact-test
[14] “Religious Composition by Country, 2010-2020,” Pew Research Center, https://www.pewresearch.org/religion/feature/religious-composition-by-country-2010-2020/
[15] تمّ التوصل إلى هذه النتيجة بتطبيق معامل ارتباط بيرسون، حيث تمّ ترميز المذهب (كاثوليك 1، بروتستانت 2، أرثوذوكس 3)، وتمّ وضع رقم للسلوك التصويتي: ضدّ أعطي الرقم 1، ممتنع 2، ومؤيد 3، ثم تمّ قياس اختبار الدلالة إحصائياً (t-test) عند القيمة p-0.05).
[16] Free access to detailed global trade data, site of UN COMTRADE Database, https://comtradeplus.un.org; and Top Trade Partners of Middle East and North African (MENA) Countries, site of Voronoi, 23/1/2024, https://www.voronoiapp.com/trade/Top-Trade-Partners-of-Middle-East-and-North-African-MENA-Countries-547
[17] انظر التفاصيل في:
Tonga, site of Observatory of Economic Complexity (OEC), 2023, https://oec.world/en/profile/country/ton; United Arab Emirates/ Argentina, OEC, 2023, https://oec.world/en/profile/bilateral-country/are/partner/arg; and Hungary – GCC Relations, site of Gulf Research Center, 12/8/2025, https://www.grc.net/documents/689b3b6c79658HungarygccCountryProfileMay252.pdf
[18] Ana Mano and Jake Spring, Brazil risks Middle East trade with Israel embassy move, Reuters News Agency, 8/11/2018, https://www.reuters.com/article/us-brazil-israel-trade-analysis/brazil-risks-middle-east-trade-with-israel-embassy-move-idUSKCN1ND33T
[19] Political & Social Risk: what you need to watch out for in 2025, site of Coface, 7/4/2025, https://www.coface.com/news-economy-and-insights/political-social-risk-what-you-need-to-watch-out-for-in-2025; and Middle East Conflict: What it means for macro and markets, site of International Netherlands Group (ING) Economics, 13/6/2025, https://think.ing.com/articles/middle-east-conflict-what-it-means-for-macro-and-markets

للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة علمية: معامل الارتباط بين ”الروابط الآلية والعضوية“ وبين التصويت الأممي على ”حل الدولتين“ … أ. د. وليد عبد الحي (18 صفحة، 7.6 MB)

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 3/11/2025



جميع إصدارات ومنشورات المركز تعبّر عن رأي كتّابها ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات



المزيد من الأوراق العلمية: