نظم مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، يوم الأربعاء 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 حلقة نقاش عبر تقنية مؤتمرات الفيديو (الزووم Zoom)،تحت عنوان: “فلسطينيو الخارج والتّحولات الاستراتيجية الإقليمية والدولية في ضوء طوفان الأقصى”، بمشاركة نخبة مختارة من الخبراء والمختصين.
وعـُقدت الحلقة على مدار جلستين، حيث سلطت الضوء على تأثير التغيّرات الاستراتيجية الإقليمية والدولية على فلسطينيي الخارج، وسعت إلى التعرّف على كيفية تفاعلهم وإعادة تموضعهم في ضوء المستجدات الراهنة، بالإضافة إلى مناقشة الإسهام في تطوير الأداء الشعبي لفلسطينيي الخارج.
وفي الجلسة الأولى، التي أدارها أ. خالد الترعاني، قدّم د. مهند مصطفى، مدير عام مركز مدى الكرمل في حيفا، والمختص بالشأن الإسرائيلي، ورقته التي تناولت التحولات في السلوك السياسي والعسكري الإسرائيلي بعد طوفان الأقصى، موضحاً أن هذه التحولات باتت مرتبطة بالمشهد الداخلي في “إسرائيل”، وبنظرة العالم إليها بعد الحرب، أكثر من ارتباطها بهوية من يحكمها.
وبيّن أن العزلة الدولية التي تعيشها “إسرائيل” تمثل نقطة ضعف بنيوية، بالرغم من سعي الحكومة لتصويرها كعزلة مؤقتة تخصّ قيادتها الحالية. وأشار مصطفى إلى أن الوثيقة العسكرية لسنة 2015 حدّدت الانتصار بتحقيق الأهداف السياسية، وفرض وقف إطلاق النار وفق الشروط الإسرائيلية؛ غير أن طوفان الأقصى قلب هذه المعادلة، إذ باتت القوة العسكرية تحدد الأفق السياسي. ورأى أن الحدث كشف العطب الفلسفي في مفهوم الردع الإسرائيلي، وأسقط فكرة أن “القوة تنتج السلام”، مؤكداً أن “إسرائيل” تعود إلى مرحلة التوسع الاستعماري المقترن بعزلة متزايدة.
أما الورقة الثانية التي تناولت السياسة الخارجية الأمريكية تجاه فلسطين، والتي قدمها د. إبرهيم فريحات أستاذ في النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، فقد أشار إلى أنّ النموذج الحالي للسياسة الخارجية الأمريكية مختلف جذرياً عن السياسة المتبعة بين سنتي 1993 و2017. فالإدارات السابقة اعتمدت حل الدولتين عبر المفاوضات مع الانحياز لـ”إسرائيل”، بينما جاء ترامب بإطار جديد يركّز على المكاسب الشخصية والآنية، متجاوزاً القانون الدولي والشرعية الدولية.
وأوضح أنّ منهجية ترامب تقوم على الضغط على الطرف الضعيف لإجباره على قبول الشروط، على عكس النهج التفاوضي التقليدي الذي يسعى لتعديل موازين القوى لصالح الضعفاء. ويتضمن هذا الإطار دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وضم أراضٍ من الضفة الغربية، وعدم الاعتراف بالقدس، وتشريع المستوطنات، مع تجاهل حق العودة.
وأشار إلى أنّ الموقف الدولي ما يزال يدعم حل الدولتين، بينما المنهجية العربية تراجعت نحو تسويات محدودة مثل الاتفاقات الإبراهيمية. وأكد فريحات أنّ هذا التحول يفتح آفاقاً للفلسطينيين في الشتات والمهجر، نتيجة تغير الرأي العام الأمريكي والأوروبي وداخل الحزب الديمقراطي، ما يمنحهم دوراً أكبر من السابق.
وقدم الأستاذ عاطف الجولاني الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية، الورقة الثالثة حول انعكاسات معركة طوفان الأقصى على التفاعل العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية؛ حيث أكّد أنّ معركة “طوفان الأقصى” شكّلت منعطفاً مهماً في التطورات الإقليمية خلال العامين الماضيين، انعكست على التفاعل العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية على ثلاثة مستويات: رسمي، وحركات وأحزاب، وشعبي. على المستوى الرسمي، أعادت المعركة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام بسبب الغضب الشعبي من ضعف المواقف، وانكشاف فشل اتفاقيات السلام، والقلق من تهديد الاستقرار الإقليمي، خصوصاً في مصر والأردن، فيما دفعت العدوانية الإسرائيلية بعض الدول لتنوّع خياراتها الدفاعية.
وعززت المعركة دور الحركات المسلحة غير النظامية، كالحركات الفلسطينية وحزب الله وأنصار الله، وأعادت الاعتبار لفكرة وحدة الجبهات، وساندت الحركات الإسلامية الشعب الفلسطيني سياسياً وإغاثياً، مع تعزيز التنسيق بين التيارات العربية المختلفة. وعلى المستوى الشعبي، أعادت المعركة حيوية الشارع العربي والإسلامي، وزادت وعي الشباب بالقضية، وقلّصت الاستقطاب الطائفي بفضل مشاركة قوى المقاومة جميعاً في مواجهة الاحتلال.
وفي الورقة الرابعة التي سلطت الضوء على انعكاسات طوفان الأقصى على التفاعل العالمي، والتي قدمها أ. حسام شاكر المختص بالشؤون الأوروبية والإعلامية وقضية فلسطين، فقد أكد أنّ الفلسطينيين قدّموا خلال عامين منذ عملية “طوفان الأقصى” تضحيات كبيرة في مواجهة الاحتلال وآلته الوحشية، مشيراً إلى أنّ استمرار الإبادة كشف فشل المجتمع الدولي وتجاهل القانون الدولي، وجعل القضية الفلسطينية حاضرة عالميًا، مما أتاح ردود فعل سياسية وإعلامية متعددة. وبالرغم من ذلك، لم تحقق الاستجابات السياسية حماية أو حقوق الفلسطينيين، وغالباً ما اتسمت بالتحايل أو الحدّ من التزامات الاحتلال، ما يضعهم أمام معضلة حقيقية. وأوضح أنّ وحشية الاحتلال انكشفت عالمياً، مضيفاً أنّ التضامن الدولي ظهر بأشكال متنوعة من مظاهرات وإضرابات وحملات إعلامية وفنية، ما شكّل مكسباً مهماً بالرغم من محدودية الاستجابات الرسمية. وأكد على ضرورة تطوير الخطاب الفلسطيني لتسليط الضوء على الانتهاكات وحقوق الشعب، واستثمار الزخم التضامني والضغط القانوني لضمان الحقوق غير القابلة للتصرف.
وفي الجلسة الثانية، التي أدارها د. أديب زيادة، قدّم أ. د. سامي العريان، المختص بالسياسة الخارجية الأمريكية والعلاقات الدولية، من خلال الورقة الخامسة، قراءة للبيئة الإقليمية بفهمها موروثة من السياق الدولي، مؤكّداً أنّ القوى الدولية هي التي تشكّل المسار العام وتؤثر في تحرّكات القوى الإقليمية والفلسطينيين في الخارج، لافتاً النظر إلى تراجع دور منظمة التحرير وانتقال الثقل إلى الداخل الفلسطيني. وشرح أن التفرد الأمريكي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي هيأ مرحلة هيمنة أعادت ترتيب المنطقة عبر دعم محاور إقليمية كـ”الاعتدال والتطبيع” مقابل محور المقاومة، مع سعي أمريكا لاحتواء نفوذ روسيا والصين.
وختم بأن الفلسطينيين وحدهم لا يقدرون على حسم الصراع؛ ودعا فلسطينيي الخارج للعمل على خمسة أهداف أساسية: رفض أهداف الخصم، وإيقاف التطبيع، والبقاء على الأرض، وإدامة روح المقاومة، والحفاظ على الدعم الشعبي العالمي.
أما أ. ماجد الزير رئيس المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية، والذي قدم الورقة السادسة، والتي تناولت انعكاسات طوفان الأقصى على فلسطينيي الخارج في البيئة الدولية، فقد أشار إلى أن البيئة الدولية متعددة الأبعاد والقوانين والثقافات، وهو ما يؤثر على فلسطينيي الخارج الذين يعيشون ضمن هذه الدول ويتفاعلون معها.
وأكد الزير أن طوفان الأقصى أحدث تحوّلاً نوعياً في التعامل مع القضية الفلسطينية خلال العامين الماضيين، خصوصاً في الغرب الأوروبي؛ حيث أصبح حجم التفاعل الشعبي والسياسي والقانوني والثقافي أكبر وأعمق، وجعل القضية الفلسطينية تتصدر الاهتمامات، متجاوزة أولويات أخرى مثل أوكرانيا.
وأوضح أن الإعلام الجديد ولحظة نقل الأحداث المباشرة من غزة ساعدت على تعزيز الوعي والدعم، فيما دخل نافذون فلسطينيون السياسة الأوروبية والإعلامية، مما جعلهم عوامل مؤثرة في صون الحقوق الفلسطينية. وأكد الزير أن التحديات قائمة، لكنها تواكب فرصاً للتنسيق السياسي والشعبي، مؤكداً على ضرورة استثمار التقدم الحاصل خلال السنتين الماضيتين لتحقيق تعزيز مستدام لدعم القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي.
وفي الورقة السابعة، التي قدمها أ. هشام أبو محفوظ، القائم بأعمال الأمين العام للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، والتي تناولت تطوير أداء فلسطينيي الخارجي الشعبي تجاه قضية فلسطين في ضوء المتغيرات؛ فقد أكّد على أنّ طوفان الأقصى أحدث تحولات استراتيجية كبرى أعادت تشكيل المشهد الفلسطيني، وفرضت تحديات واستحقاقات جديدة على فلسطينيي الخارج.
وأشار إلى الحاجة لتطوير دور الشتات الفلسطيني بما يوازي تضحيات أهلنا في الداخل وغزة، وتحويل دورهم من مناصر إلى جهة قيادية تُنشئ مرجعية وطنية سياسية. وأوضح أن هناك فرصاً وتحديات كبيرة، منها الطاقة الجماهيرية الهائلة، والتضامن العالمي والعربي والإسلامي، ودور الأجيال الشابة، مواجهة تفكيك المرجعية الفلسطينية، وتحدي القيادة المتنفذة في الداخل.
وأكد ضرورة تعزيز التحالفات الوطنية والاستراتيجية، وتفعيل المشاركة السياسية الرسمية، وبناء هياكل شعبية مستقرة، وإطلاق برامج تدريبية للشباب على التعبئة الإعلامية الرقمية. كما أكد أنّ الحلول تتطلب مرجعية شعبية موحدة، مؤسسات تمثيلية، وتواصل فعال مع الداخل، وحماية قانونية وإعلامية للناشطين، لتحويل الشتات الفلسطيني إلى قوة استراتيجية فاعلة ومؤثرة على الساحة الدولية.
وقدم أ. معين الطاهر مدير عام المركز العربي للدراسات والأبحاث – الأردن، الورقة الثامنة تحت عنوان كيفية تفعيل الدور والتمثيل السياسي لفلسطينيي الخارج في المؤسسة الرسمية الفلسطينية، حيث أشار إلى أن الحرب ضدّ الفلسطينيين لم تتوقف بعد طوفان الأقصى، فهي مستمرة في غزة والضفة ولبنان وسورية، وقد تمتد إلى إيران، ما يعني سنوات صعبة قادمة.
وركّز على أهمية الحراك في الشارع العربي والإسلامي والغربي، حيث ازداد منسوب التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية؛ ما يستدعي استثمار هذه الفرص لتغيير ميزان القوى خلال السنوات المقبلة. وأوضح أن مؤسسات فلسطينيي الخارج يجب أن تعمل مع منظمة التحرير، والفصائل الفلسطينية، والحركة الوطنية، والجاليات، لإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية بطريقة تعددية وديموقراطية، تشمل الفصائل والشخصيات الوطنية والحراكات الشعبية.
كما اقترح إقامة مجتمع فلسطيني افتراضي عالمي يوحّد الشتات، ويوفر إحصاءً دقيقاً للفلسطينيين، وتمكين انتخاب قيادات ديمقراطية لدعم صمود الشعب الفلسطيني وتعزيز تأثيرهم السياسي والاستراتيجي على الساحة الدولية.
وكانت هناك مداخلات وتعليقات مهمة من مجموعة من الخبراء والمتخصصين على الأوراق المقدمة، وإجابات وتوضيحات مقدِّمي المداخلات على تساؤلات المناقشين وملاحظاتهم في ختام الجلستين.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 23/10/2025







أضف ردا