مدة القراءة: 2 دقائق

تناول الأستاذ الدكتور محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات المتخصص في الدراسات الفلسطينية، ظاهرة التضليل الإعلامي في الأنظمة العربية الرسمية، ودورها في تعميق الفجوة بين القيادة والشعوب التي يجري تضليلها وتحييدها عن جوهر عملية الصراع مع الكيان الإسرائيلي، مؤكداً أنها تسببت في إيجاد فجوة كبيرة في وعي الإنسان العربي، بين إمكانية تحقيق النصر، وبين الواقع وإمكانات التنفيذ، وبالتالي أسهمت في رفع سقف التوقعات لديه دون وجود أرضية واقعية للقدرة على هزيمة المشروع الصهيوني.

جاء ذلك خلال مداخلته في ندوة حوارية بعنوان: “هزيمة 1967 والأزمات الهيكلية المستمرة لأنظمة الحكم العربية”، نظمها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان – صالون بن رشد، بالاشتراك مع أ. د. خالد فهمي، أستاذ كرسي إدوارد كِلَر لتاريخ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بجامعة تافتس (الولايات المتحدة)، وذلك يوم الثلاثاء 24 حزيران/ يونيو 2025، عبر نظام التواصل وعقد الاجتماعات عن بُعد (برنامج زوم). وقد أدار اللقاء الحقوقي مسعود الرمضاني.



وأشار د. صالح إلى أنّ النظام العربي الرسمي حتى في خطابه الإعلامي كان يتكلم عن الوحدة العربية والوحدة القومية، وإذا تتبعنا الحالة التاريخية منذ سنة 1948 وحتى سنة 1967 سنجد أنّه كان هناك شعارات قومية لكنّها ترافقت مع حالات انكفاء قُطري، حيث ركّزت الأنظمة العربية على استقرار الحكم فيها على حساب المشروع القومي وعلى حساب أي مشروع وحدوي ونهضوي في الأمة.

وأضاف أن أساس أي مشروع نهضوي في العالم العربي يرتبط بصناعة الإنسان، وأن جوهر الإبداع في الإنسان يكمن في حريته وكرامته، اللتين غُيِّبتا في ظلّ أنظمة أمنية ومخابراتية، وهو ما أفقده القدرة على الإبداع والتغيير والنهوض، مما دفع مئات الآلاف من الكفاءات والأدمغة العربية للهجرة، وأدى إلى شُحّ في إمكانات وقدرات الإبداع الذاتي داخل المنطقة.

وشدّد د. صالح على أنّ الأنظمة العربية لم تُبدِ جدية حقيقية في مشروع التحرير، مستشهداً بصمود قطاع غزة في خمس حروب خلال الـ 18 سنة الماضية، وصموده في ملحمة طوفان الأقصى، مقارنة بسقوطه في يوم واحد في حرب 1956 وحرب 1967، مؤكداً أنّ الذي اختلف هو صناعة الإنسان، التي منحته القدرة على الصمود والمواجهة على الرغم من التحديات. وقال إنّ موضوع الدِّين والتاريخ والتراث أصيل في تفجير طاقة الإنسان لأنه يجب أن ينسجم مع ذاته، والانسجام مع الذات هو أصيل في إطلاق الطاقات. وأشار إلى أنّ صمود إيران يُعزى إلى قدرتها على صناعة إنسان منسجم مع بيئته وهويته، وهو ما يجب أن تنطلق منه أي محاولة لتحرير طاقات الإنسان العربي. كما تطرق إلى أنّ القضية الفلسطينية تحوّلت من ميزة إلى عبء على النظام العربي الرسمي، الذي أصبح يقدّم مصلحته الخاصة على حسابها.

وشدّد على أنّ الشعوب العربية ما تزال أصيلة في دعمها لخط المقاومة ورفضها للتطبيع، وأنّ أنظمة التطبيع تُمثّل قشرة رقيقة لا تُعبّر عن المزاج الشعبي العربي العام. وأضاف أنّ المشروع الصهيوني لا يستهدف الفلسطينيين وحدهم، بل يستهدف الأمة بأكملها، وأنّ البيئة العربية المفككة والضعيفة تُمثِّل هدفاً استراتيجياً لهذا المشروع.

وفي ختام مداخلته، دعا د. محسن صالح إلى بناء الدولة القوية القادرة على حماية نفسها من الداخل والدفاع عن حدودها، محذراً من “العصر الإسرائيلي” الذي تسعى “إسرائيل” لفرضه على المنطقة العربية وليس فقط على فلسطين.

كما شدّد على دور المثقف في هذه المرحلة، داعياً إلى الانتقال من دور المثقّف المراقب إلى المثقف المشتبك، الذي يتفاعل مع الحدث ومستعد لدفع أثمان الفكرة، والذي لا يكتفي بالتفاعل اللحظي، بل يسعى إلى مأسسة التفكير، بحيث يتحوّل إلى بناء منهجي قادر على التغيير، وتقديم نموذج قادر على مواجهة الاستبداد والفساد، وعلى الضغط في اتجاه توسيع الحريات وتعزيز قدرة الشعوب على اتخاذ قراراتها بحرية واستقلالية.


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2025/6/28