مدة القراءة: 5 دقائق

إعداد: أ. عاطف الجولاني[*].
(خاص بمركز الزيتونة).

تزايدت المؤشرات خلال الشهرين الأخيرين إلى حصول تغيّر مهم على موقف القيادة السورية الجديدة من العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، حيث أظهرت المزيد من المرونة السياسية والرغبة بالتهدئة وتجنّب العلاقات العدائية، كما عبّرت عن الاستعداد لإجراء تواصلات بين الطرفين. الأمر الذي يطرح التساؤلات حول دوافع التغيّر في موقف القيادة السورية ومحددات سلوكها المستقبلي في إدارة العلاقة مع الكيان الصهيوني.



للاطلاع على ملف ”الإضاءات السياسية“ بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>>    إضاءات سياسية (17): محددات الموقف السوري من العلاقة مع ”إسرائيل“ (4 صفحات، 508 KB)


أولاً: محددات الموقف السوري:

يمكن الوقوف على مجموعة محدّدات تؤثر في موقف القيادة السورية لإدارة علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي، ومن أبرزها:

أ. محددات داخلية من أهمها:

1. التوجهات الأيديولوجية للقيادة الجديدة، وإرث المواقف الفكرية والسياسية السابقة للرئيس السوري أحمد الشرع ولحركة أحرار الشام، ذات الخلفية الإسلامية الجهادية.

2. تأثير العامل الأمني، ورغبة القيادة السورية بتحقيق الاستقرار وتثبيت أركان النظام السياسي الجديد، في ظلّ تحديات داخلية وخارجية صعبة تهدّد الوضع الأمني.

3. الموقف التقليدي للشعب السوري الداعم للقضية الفلسطينية، والرافض للعلاقة مع الكيان الصهيوني.

4. إرث الموقف المتشدد للنظام السوري السابق في العلاقة مع “إسرائيل”، والرافض لتطبيع العلاقات معها، على مدى عقود على الرغم من الضغوط والإغراءات.

5. الرغبة القوية للقيادة السورية برفع العقوبات الاقتصادية ومواجهة الأعباء الناجمة عن التركة الثقيلة لحالة الانهيار الاقتصادي، وتسريع عملية إعادة الإعمار.

6. رغبة القيادة السورية بقطع الطريق على استثمار الجانب الإسرائيلي لملف الأقليات في زعزعة حالة الاستقرار الداخلي.

ب. محددات خارجية من أهمها:

1. توجهات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump لتهدئة بؤر التوتر في المنطقة، وتعزيز مسار التطبيع العربي الإسرائيلي بما يشمل العلاقات السورية الإسرائيلية، وقطع الطريق على النفوذ الإيراني والروسي في سورية.

2. تأثير تركيا القوي في خيارات القيادة السورية الجديدة بخصوص إدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، والرغبة التركية بتعزيز شرعية القيادة السورية إقليمياً ودولياً كحليف سياسي رئيس في المنطقة.

3. السلوك الإسرائيلي المندفع عسكرياً في سورية والمنطقة واحتلالها مناطق جديدة داخل الأراضي السورية، ورغبة القيادة السورية الجديدة بتجنّب الصدام العسكري مع “إسرائيل” لصالح الأولويات السياسية والأمنية والاقتصادية الداخلية.

4. مسار التطبيع العربي الإسرائيلي وجهود بعض الأطراف الخليجية المنخرطة في مسار التطبيع للتأثير في توجهات النظام السوري باتجاه الانفتاح على الجانب الإسرائيلي.

ثانياً: مؤشرات التغيّر في الموقف السوري الرسمي:

تزايدت المؤشرات خلال الأسابيع الأخيرة إلى تغيّر ملحوظ طرأ على الموقف السوري في إدارة ملف العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، ومن أبرزها:

• في 18/4/2025، التقى عضو مجلس الكونجرس Congress الأمريكي كوري ميلز Cory Mills الرئيس السوري في دمشق. وقال ميلز إنّ أحمد الشرع أبدى انفتاحاً على تحسين العلاقات مع “إسرائيل”، وبأن سورية مهتمة بالانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام Abraham Accords” حين تتوفر الظروف المناسبة لذلك. كما التقى عضو مجلس الكونجرس مارلين ستوتزمان Marlin Stutzman الرئيس الشرع في 21/4/2025. وتحدث ستوتزمان عن رغبة الشرع بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل” وبأن ذلك مرهون بشروط أبرزها ضمان سيادة سورية ووحدة أراضيها. ونقلت شبكة الجزيرة عن مصدر سوري قوله إن لقاء الشرع مع ميلز تطرق لمواضيع عديدة منها “اتفاقيات أبراهام”، مضيفاً أنّ الشرع أكّد على ضرورة توقّف “إسرائيل” عن قصف سورية والانسحاب من الجولان قبل الحديث عن أي اتفاقيات.

• في 16/5/2025، نقلت شبكة سي أن أن Cable News Network (CNN) الإخبارية عن مصدر إسرائيلي قوله إنّ محادثات مباشرة أجريت في أذربيجان بين الجانب الإسرائيلي والنظام السوري الجديد شارك فيها رئيس هيئة العمليات في الجيش الإسرائيلي عوديد بسيوق Oded Basyuk وممثلون عن الحكومة السورية، بحضور مسؤولين أتراك.

• عقب لقائه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون Emmanuel Macron في باريس في 7/5/2025، أكّد الرئيس السوري أن بلاده تُجري مفاوضات غير مباشرة مع “إسرائيل”، عبر وسطاء، لتهدئة الأوضاع ومحاولة امتصاص الوضع كي لا تصل الأمور إلى حدٍّ يفقد الطرفان السيطرة عليه.

• في 7/5/2025 أيضاً، قالت وكالة رويترز Reuters إنّ الإمارات أنشأت قناة اتصال خلفية للمحادثات بين “إسرائيل” وسورية، وإنّ المحادثات غير المباشرة تركّز على القضايا الأمنية والاستخباراتية وبناء الثقة بين البلدين. وأشارت إلى أنّ هذه الجهود بدأت بعد أيام قليلة من زيارة الشرع للإمارات في 13/4/2025.

• في 18/5/2025، أعلنت “إسرائيل” أنّها استعادت مجموعة وثائق وصور وممتلكات شخصية تعود للجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين Eli Cohen، وقالت إن جهاز الموساد Mossad تعاون مع جهاز استخبارات أجنبي من أجل تأمين الحصول عليها. وقالت وكالة رويترز إنّ الخطوة السورية تهدف إلى تخفيف العداء الإسرائيلي وإظهار حسن النيّة تجاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ثالثاً: التوجهات المستقبلية لإدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي:

تبدو القيادة السورية أمام ثلاثة خيارات مستقبلية في إدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي:

1. الحفاظ على ثوابت الموقف السوري في رفض التطبيع السياسي والاقتصادي والأمني مع الجانب الإسرائيلي، والتعامل الحذر مع أي استحقاقات أمنية اضطرارية للجم السلوك الإسرائيلي المندفع عسكرياً داخل الأراضي السورية.

2. الانفتاح والتقارب الجزئي المتدرّج على الجانب الإسرائيلي، وتسويق ذلك بالضرورات السياسية والاقتصادية والأمنية.

3. الاندفاع في عملية تطبيع ثنائي أو جماعي تقودها أطراف عربية منخرطة في مسار التطبيع و”الاتفاقيات الإبراهيمية”.

وعلى الرغم من المؤشرات إلى عدم توفّر رغبة ذاتية لدى القيادة السورية للانفتاح على الجانب الإسرائيلي وتطبيع العلاقات معه، وذلك بتأثير توجهاتها الأيديولوجية السابقة وضغط الموقف الشعبي التقليدي المؤيد للقضية الفلسطينية والرافض للتطبيع مع الكيان الصهيوني، فإنّ المواقف التي صدرت عن القيادة السورية مؤخراً ترجّح احتمالات توجّهها للتعامل مع خيار الانفتاح الجزئي المحسوب مع الجانب الإسرائيلي، في محاولة الخروج من “عنق الزجاجة” وتجاوز المأزق السوري، وبشكل متدرِّج يتم تسويقه بمبررات اقتصادية وأمنية، وبالرغبة بتعزيز شرعية النظام وتطوير علاقاته السياسية مع الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. وهي عملية تتأثر بالتوجهات التركية وأجندات بعض الأطراف الخليجية المنخرطة في مسار التطبيع.

الخلاصة:

مع أنّ سلوك النظام السوري الجديد يبدي الكثير من الحذر حتى اللحظة في إدارة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، فإنّ تموضعه العربي والإقليمي والدولي وخبرة الأطراف الإقليمية والدولية في عمليات إعادة التأهيل، قد تُضعف قدرته على الممانعة وتُضيّق عليه كثيراً من مساحات المناورة. وفي هذا السياق، يأتي قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13/5/2025 برفع العقوبات عن سورية والذي تبعه قرار مماثل عن الاتحاد الأوروبي في 20/5/2025، في مسعى للتأثير في خيارات النظام الجديد في سورية واستيعابه ليكون جزءأ مما تصنّفه واشنطن حالة اعتدال عربي تنفتح أطرافها بمستويات متباينة على التطبيع مع الجانب الإسرائيلي. ويلاحظ أن جهوداً أمريكية مماثلة تُبذل لاستيعاب القيادة السياسية الجديدة في لبنان ضمن الحالة السياسية ذاتها.

وتجدر الإشارة إلى أنّه حتى لو اختارت القيادة السورية السير في مسار التطبيع والانفتاح على الجانب الإسرائيلي، فإنّ ذلك لا يعني بالضرورة الحصول على درجة الرضا الكاملة التي تسعى إليها؛ إذ إنّ عناصر الابتزاز والضغط الإسرائيلي والأمريكي والغربي ستتواصل لتنفيذ الكثير من الطلبات وتحقيق العديد من المعايير، التي تفقد النظام السوري عناصر هويته الوطنية والقومية والإسلامية، وتُخضعه لمنظومة الهيمنة الإسرائيلية والغربية. كما أنّ عناصر الشكّ والتخوّف ستبقى قائمة تجاه قادة سورية الجدد بسبب خلفياتهم الأيديولوجية، وهو ما يعني أنّ الإسرائيليين والقوى الغربية ودول التطبيع ستفضل سياسة التدرّج المشروط، كما ستفضل تغيير هذه القيادة إلى قيادة أكثر براجماتية وولاء وانسجاماً مع الهيمنة الإسرائيلية الغربية في المنطقة.

ولذلك، فإنّ لعبة التوازنات، وإدارة الأولويات، تبدو في غاية الحساسية لدى القيادة السورية؛ وسيكون من الخطورة بمكان أن تفقد حاضنتها الشعبية ومصداقيتها الثورية التغييرية، دون أن تحصل على الرضا الغربي. وعلى هذا، فإنّ الاستناد إلى الثوابت الوطنية والقومية والإسلامية، ونبض الشعب السوري والأمة، تبقى الأساس عند اللجوء إلى التعامل المرن والانفتاح والأداء السياسي المرحلي مع المعطيات الواقعية الضاغطة.


[*] أ. عاطف الجولاني، ﻛﺎﺗﺐ وباحث ومحلل ﺳﻴﺎﺳﻲ.


للاطلاع على ملف ”الإضاءات السياسية“ بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>>    إضاءات سياسية (17): محددات الموقف السوري من العلاقة مع ”إسرائيل“ (4 صفحات، 508 KB)


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/5/2025


إضاءات سياسية: سلسلة دورية مختصة بتقديم تحليلات وتقديرات موقف سياسية مختصرة ومكثفة، تصدر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
الآراء الواردة لا تُعبّر بالضرورة عن وجهة نظر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.



المزيد من الإضاءات السياسية: