مدة القراءة: 19 دقائق

 “آراء ومواقف: حماس: قراءة وتقييم للتجربة … د.موسى أبو مرزوق” (نسخة نصيّة HTML)

 لتحميل هذا النص اضغط هنا  (21 صفحة، 531 KB)

هذا النص هو نصّ مقابلة مكتوبة (تمت بالمراسلة الإلكترونية) أجراها الدكتور محسن محمد صالح (بيروت، لبنان) مع الدكتور موسى أبو مرزوق (القاهرة، مصر)، حيث بدأت المراسلات في 26/12/2013، وتمّ اعتماد النص من د. موسى في 19/2/2014. وقد وُضعت التساؤلات هنا على شكل عناوين ومحاور للمساعدة في انسيابية النص وسلاسته. وقد تمّ نشره في كتاب “حركة المقاومة الإسلامية حماس: دراسات في الفكر والتجربة”، الذي قام بتحريره د. محسن محمد صالح، والذي صدر نصه العربي عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت سنة 2014.

آراء ومواقف: حماس: قراءة وتقييم للتجربة … د.موسى أبو مرزوق* [1]

أولاً: عناصر القوة والتماسك لدى حماس:

تكاد تكون حركة حماس منفردة، بين الحركات، في مراحل التحرر من الاستعمار، التي حافظت على وحدتها، وتماسك عناصرها، وذلك للأسباب الآتية:

1. الشورى في الحركة، وهي ملزمة للقيادة، وأطرها الواسعة، ابتداءً من الحي وانتهاءً من الحركة في أعلى مراتبها وهي الصيغة الوحيدة للتصعيد القيادي.

2. العمل المؤسسي التخصصي الذي يوظف الطاقات ويرفع القدرات، مع وجود أنظمة حاكمة في كل مؤسسة.

3. عدم الارتهان لسياسات خارجية، مهما كانت قوتها أو انعكاساتها، والحفاظ على مؤسسات الحركة في تحديد قراراتها وتوجهاتها.

4. الفصل بين السلطات وغياب الدكتاتوريات أو القيادات الشمولية.

5. اعتماد الانتخابات كقاعدة للتصعيد القيادي في كل مستوياته.

6. الجرح والتعديل والتقييم المستمر لكل المستويات القيادية الوسطى والعليا، في إطار من الاحترام والمحبة والشفافية.

7. التواصل بين القيادة والقاعدة، والثقة والمحبة بينهم.

أبرز عناصر قوتها وتماسكها:

1. التربية الداخلية.

2. اللحمة التنظيمية.

3. المؤسسية.

4. شرعية القيادة.

ثانياً: أولويات المشروع الوطني الفلسطيني في نظر حماس:

كما هو معلوم؛ أنّ المشروع الوطني هو الذي تتبناه الجماعة الوطنية، وإن اختلفت مشاربها الأيديولوجية، والفلسفية، وفي هذا الخصوص نستطيع أن نقول: أنّه قلّ ما كان هناك إجماعاً فلسطينياً حول مشروع وطني جامع، باستثناء فترة قصيرة، حينما طرح مشروع م.ت.ف وميثاقها القومي تحت شعار وحدة وطنية، تحرير، عودة. إن الانقسام الأخطر والذي أحدث شرخاً في المشروع الوطني كان بعد توقيع اتفاقية أوسلو، حيث كانت فتح وقيادتها للمنظمة تتبنى دولة فلسطينية عاصمتها القدس وحلاً عادلاً لقضية اللاجئين، في إطار مشروع حلّ الدولتين، ونبذ العنف، والاعتراف المتبادل، في حين رفض ذلك كمٌ فلسطينيٌ معتبر أبقى على أولوياته في المقاومة، والتحرير، والعودة. وكان أوّل مقترح يقارب بين الفرقاء؛ ولم تستمر الجماعة الوطنية في استكماله، هو اتفاق الوفاق الوطني والذي وقعه كَمٌّ كاف لاعتباره مشروعاً وطنياً جامعاً. وفي اعتقادي أن لا انسداد لدينا في الوصول إلى مشروع وطني جامع، قاعدته اتفاقية الوفاق الوطني. أما إذا نظرنا لأولويات المشروع الوطني، لا بدّ أن نعلم أن هناك بعض القضايا المؤثرة في تفصيلات هذه الأولويات ومضامينها. وبعجالة لا بدّ من تلخيص هذه المؤثرات في تفصيلات المشروع الوطني:

1. انسداد الأفق بالوصول إلى دولة فلسطينية عبر المفاوضات، مع الاحتلال، لأن السقف الذي يطرحه لا يمكن قبوله فلسطينياً؛ كما أن هناك صعوبات جمّةً في مشروع المقاومة بسبب التنسيق الأمني في الداخل الفلسطيني، والحصار المفروض، والإجراءات الصهيونية على الأرض.

2. الحالة التي يعيشها الشعب الفلسطيني: انقسام فلسطيني في الداخل بين ضفة غربية معزولة عن القدس وغزة والداخل الفلسطيني. والضفة نفسها أصبحت في بقع أشبه بكانتونات نظام الفصل العنصري، حيث من الصعب تواصل أبناء الوطن الواحد على أرضهم بالإضافة إلى كوارث حلَّت بالخارج الفلسطيني، كما حدث بفلسطينيي العراق، ثم فلسطينيي سورية، ومن قبلهم فلسطينيي الكويت، والتهديد المستمر لفلسطينيي لبنان، حتى إن نصفهم أو يزيد يكاد يصبح في خارج لبنان. وباختصار بسبب الأوضاع العربية وسياساتها بعد النكبة وحتى اليوم هاجر شعبنا مرتين وثلاثة.

3. المشروع الوطني، لا يمكن عزله عن محيطه العربي، والذي ما زال يبحث عن الاستقرار الداخلي، وترتيب أوضاعه السياسية، والاجتماعية، والدستورية.

4. العلو الكبير للمشروع الصهيوني في مختلف المجالات، وفارق القوة، وانعكاساتها على الوضع الفلسطيني، وانتهاء التهديدات الأمنية التي كانت تقلقه، بما في ذلك الجيوش العربية المحيطة، والأسلحة الكيميائية والذرية التي تمّ تحييدها.

5. الموقف الدولي (أمريكا وأوروبا) مع التسوية السياسية، ولكن اصطفافه مع العدو الصهيوني هو الغالب. وتمّ تحييد الكثير من تأثير المجتمع الدولي عن القضية الفلسطينية، بالرغم من وقوف الكثيرين المستمر مع القضية الفلسطينية وعدالتها.

وبالأخذ بالنقاط أعلاه، أستطيع أن أحدد أولويات المشروع الوطني الفلسطيني:

1. ترتيب البيت الفلسطيني، ويشمل هذا الترتيب الأمور التالية:

‌أ. المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام.
‌ب. إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وإحياء مؤسساتها ومشاركة الجميع في مجمل مكوناتها.
‌ج. العمل على إصلاح السلطة الفلسطينية لتكون رافعة وطنية، وتعديل أوضاعها لتنسجم مع البرنامج الوطني الجامع.
‌د. ميثاق شرف: يحدد المبادئ الحاكمة في التدافع السياسي، وتولي المسؤوليات، سواء كان ذلك بتحريم استخدام القوة في الوسط الفلسطيني، أم الديموقراطية والتداول السلمي للسلطة وإعلاء قيمة الإنسان وحقوقه، إلى غير ذلك… .

2. المقاومة بكافة أشكالها كحق لشعبنا الفلسطيني:

‌أ. تجريم التنسيق الأمني.
‌ب. التوافق على البرامج والآليات للمقاومة كلجان مشتركة، أو تنسيق مشترك، أو قيادة مشتركة.

3. تحرير الأسرى من سجون الاحتلال:

‌أ. العمل بكافة السبل لتحريرهم.
‌ب. رعاية المفرج عنهم.
‌ج. رعاية أسر الأسرى والشهداء.

4. استعادة الدور العربي والإسلامي في القضية الفلسطينية، على كافة المستويات الرسمية، والشعبية، كعمل استراتيجي لقضيتنا، وتصحيح الخطأ التاريخي الذي جعل 99% من أوراق القضية بيد أمريكا.

5. استعادة الاعتبار للدعم الدولي، وأحرار العالم، وتفعيل المؤسسات الدولية لصالح شعبنا كمحكمة الجنايات الدولية، ولجان حقوق الإنسان، والمؤسسات الثقافية، ومعالجة كافة السلبيات، كنتيجة طبيعية حدثت لضغط الولايات المتحدة واستفرادها بالمنطقة.

ثالثاً: موقف حماس من اليهود ومن الحركة الصهيونية:

الديانة اليهودية نعترف بها، ونؤمن بأنبيائها، ولا يكتمل إسلام أحدنا إلا بالإيمان بكل الرسل، إبراهيم، وموسى، وعيسى، وإسحاق، ويوسف، ويحيى،… ونحن لا نفرق بين رسل الله، وننزههم عن الخطايا، والغش، وسوء الأخلاق. عاش اليهود بين المسلمين يؤاكلونهم، ويشاربونهم، ويتزوجون منهم، ويواسونهم في أحزانهم، ويشاركونهم أفراحهم، وحينما كانوا يُصابون باضطهاد من الغرب، كانوا يلجأون إلى بلاد المسلمين. حدث هذا عندما لجأوا إلى تركيا والمغرب وغيرها، عند اضطهاد الغرب لهم ولم يسجل التاريخ أننا ظلمنا يهودياً أو مسيحياً، بل اعتبرنا حمايتهم ومواطنتهم مُقدَّمة على غيرهم من المسلمين لوصية الرسول العظيم بهم.

 لم يثُر الفلسطينيون ضدّ اليهود (كحركة صهيونية) إلا بعد أن صدر وعد بلفور بإعطائهم فلسطين وطناً قومياً وهم في ذلك الوقت لم يكونوا يمثلون سوى 8% من سكان فلسطين. إن مواقف الفلسطينيين ضدّ اليهود الصهاينة في فلسطين، هي لكونهم استولوا على أرض الفلسطينيين، وممتلكاتهم، وقتلوا النساء والأطفال، في أكثر من مئة مذبحة، أغمض الغرب عنها عينه للأسف الشديد. نحن هنا نقول “اليهود” لأنهم يصرّون على أن تكون أفعالهم هذه باسم اليهود، ولذلك هم يصرون على أساس أن “إسرائيل” دولة اليهود.
أما الحركة الصهيونية، فهي حركة عنصرية، تشجع على القتل، واغتصاب الأرض، وتجميع الأموال، وتسليح الرجال، لقتل الأبرياء، نقلت مئات الآلاف من أوروبا، وروسيا، وإفريقيا، والمشرق، إلى فلسطين، واستولت على أراضي الفلسطينيين بالقوة والسلاح، وأنشأت المستعمرات على حساب الفلسطينيين الذين دُمِّرت حياتهم، وأُجبروا إلى المغادرة إلى مخيمات، حتى اللحظة يعيشون فيها لا سبب ولا ذنب لهؤلاء إلا ادعاءات دينية، لا أساس لها من الصحة في الدين والتاريخ. فلا يمكن أن يكون الرب العادل يمنح أناساً أرضاً للآخرين، ولا يمكن لرب عادل أن يعمل سمساراً لفئة دون فئة، كما يعتقدون.

هؤلاء الصهاينة على الرغم من ملاحقتهم للفلسطينيين بالقتل في المخيمات، وفي منازلهم، وفي عواصم العرب، والغرب، إلا أن حماس اقتصرت في مقاومتها للاحتلال داخل فلسطين، ولم تعمل أيّ عملية مسلحة خارج فلسطين.

هؤلاء الصهاينة من خارج فلسطين، يجمعون أنفسهم، وأغلبيتهم الساحقة من اليهود، في تجمعات سياسية (لوبيات) للضغط على البرلمانات الأوروبية، وفي أمريكا، مستخدمين المال، والإعلام، وصناديق الانتخابات، لتأييد “إسرائيل”، ومدها بكل أسباب القتل والتدمير.

رابعاً: الموقف من الاعتراف بالكيان الصهيوني، ومشروع التسوية السلمية، والحد الأدنى الذي يمكن أن تقبل به حماس:

1. الاعتراف بالكيان الصهيوني:

 إن الاعتراف بالكيان الصهيوني معناه التنازل عن 78% على الأقل (في ظلّ قبول تبادل الأراضي من قِبل أبو مازن). وهناك أصحاب لهذه الأرض، وأنا واحدٌ منهم، خرج أبي بالقوة من قريته يِبنا، هو وكل أبناء القرية، ومشياً على الأقدام، حتى مخيم اللاجئين الفلسطينيين في رفح بقطاع غزة. وأسرتنا تقدّر بالمئات، ولن نرضى التنازل عن حقنا وعن قريتنا بديلاً، وكل الفلسطينيين لن يتنازلوا عن حقهم في العودة إلى ديارهم، ولو تمّ الاتفاق بين كل الأطراف لا مجال للاعتراف بالكيان الصهيوني على أرض آبائي وأجدادي؛ فلا اعتراف مهما كانت الوقائع ومهما اختلت الموازين.

2. اتفاقية أوسلو:

لقد كان رفضاً نظرياً في 1993، من قِبَل حماس ومعظم فصائل العمل الوطني المشاركة في م.ت.ف، وغير المشاركة فيها، ولكن اليوم وبعد عشرين عاماً تأكد رفضنا لهذه الاتفاقية لما آلت إليه الأوضاع الآن. فقد أخرجت المقاومة قوات الاحتلال من قطاع غزة، وكرّست المفاوضات قوات الاحتلال، في الضفة، وما زالت المفاوضات مستمرة ولكن تمّ تجاوز اتفاقيات أوسلو إلى ما هو أكثر خطورة.

المفاوضات التي تجري اليوم، مرفوضة من الجماعة الوطنية بكاملها، حتى من يفاوض قدموا استقالتهم، وأعادهم أبو مازن للمفاوضات، والأخطر أن هناك ضغوطاً أمريكية، لقبول إطارٍ جديدٍ باقتراحات أمريكية، وتهديدات أوروبية وأمريكية لقيادة م.ت.ف، ولا أجد لها من عنوان غير دولة في بقايا الضفة في مقابل رواتب لموظفي السلطة. إن أوضاع العرب والفلسطينيين، غير مناسبة البتة لأي تفاوض مع الكيان الصهيوني، ويجب على السلطة التوجه إلى توحيد الشعب وجمع قواه تحت خيمة الوطن.

3. الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبل به حماس:

مشروع التسوية السياسية قائم على مبدأ حلّ الدولتين، والاعتراف المتبادل، وإنهاء الصراع، وبغض النظر عن المبررات فإنهاء الصراع مرفوض، وحلّ الدولتين مرفوض، والاعتراف المتبادل مرفوض، لأنه يتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني وثوابته.

ولكن حماس وافقت على دولة فلسطينية، عاصمتها القدس، في الضفة والقطاع، وبدون مستعمرات، وبدون الاعتراف بـ”إسرائيل”، ولذلك فإن الحديث عن تشابه في الموقف بين حماس وفتح أمر غير صحيح، هناك فرق جوهري بين الموقفين.

خامساً: تجربة حماس في السلطة الفلسطينية:

يعلم الجميع أن دخول حماس الانتخابات كان على برنامجها وليس على أساس اتفاقيات أوسلو وبعد فوزها بـ 74 مقعداً في المجلس التشريعي، لم يُمكَّن لها عملياً الحكم في قطاع غزة والضفة الغربية، خصوصاً بعد عملية أسر الجندي الإسرائيلي شاليط؛ حيث اعتقلت السلطات الصهيونية أعضاء المجلس التشريعي وبعض الوزراء في الضفة وحاصرت قطاع غزة. أما حركة فتح فقد سحبت موظفي السلطة من الوظيفة العمومية، وسلمت المكاتب بدون أيّ شيء أملاً في إفشال حماس، مما زاد من صعوبة المرحلة التي كانت غير طبيعية وفريدة من نوعها في إدارة قطاع غزة بسكانه الذين يبلغ عددهم 1.5 مليون نسمة في ذلك الوقت (سنة 2006)؛ والذي يخضع في الوقت نفسه لحصار دولي. بالإضافة إلى تجربة المزاوجة بين الحكم والمقاومة، وتجربة الصمود المذهلة في قطاع صغير في مساحته كبير في معنوياته، أمام عدوان عسكري صهيوني من البحر، والبر، والجو، بالإضافة إلى تجربة أول حركة ذات مرجعية إسلامية، تصل إلى الحكم بطريقة ديموقراطية، ونجاح الحركة في محاربة الفساد، وطريقة الإدارة في برنامج اسمه التغيير والإصلاح. ولذلك كلّه لا بدّ من استحضار الظروف التي وضعت فيها الحركة، من حصار دولي خانق، وعراقيل داخلية، من قبل حركة فتح أساساً (كسحب الموظفين العموميين من أماكن عملهم) وضعف الإمكانيات لدى حركة حماس، حيث إن المساعدات الدولية كلها تتجه صوب حكومة رام الله، والعدوان العسكري المستمر، بما في ذلك المواجهات الكبيرة في السنوات 2006، و2008/2009، و2012، ومتطلبات السكان من سفر وعمل وحاجيات إنسانية وتعليم وصحة، وإعادة إسكان من دمر منزله… .

ولعل الضفة الغربية عاشت مع التجربة ومع حماس فترة قصيرة لا تستطيع أن تبني عليها تقييماً موضوعياً، حيث إنها ما إن استلمت مقاليد الوزارة حتى واجهت الصعاب الكثيرة من فتح والإعلاميين ومن العدو الصهيوني، حيث تمّ اعتقال العديد من القيادات في الوزارة والبلديات والتشريعي حتى بلغ عدد المعتقلين من أعضاء المجلس التشريعي في الضفة الغربية 42 نائباً. وبعد الانقسام تمّ إقصاء الوزراء، وملاحقة رؤساء البلديات وأعضائها، وفُصل عدد كبير من الموظفين المحسوبين على حماس بلغ أكثر من 1,100 موظف. ولذا لا يستطيع أحد أن يبني على التجربة عموماً، ولكن يمكن وضع الملاحظات الآتية:

1. في الجانب السياسي:

حققت حماس الآتي:

‌أ. الشرعية الشعبية عبر نجاحها في الانتخابات.
‌ب. واجهت الضغوط بنجاح، بما في ذلك الضغوط التي طالبتها بالاعتراف بـ”إسرائيل”، ونبذ ما يسمونه بـ”العنف” ويقصدون فيه المقاومة، والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة.
‌ج.  ترتيب علاقات تحالفية، وعلاقات جيدة مع الكثير من دول العالم، وإن تأثرت سلباً في الفترة الأخير.
‌د. المصالحة مع فتح والتي بقيت تراوح في مكانها، بالرغم من الوصول مع فتح إلى تفاهمات واتفاقيات مهمة، وبرعاية مصرية.
‌ه.  تجاوز معضلة الحركات التكفيرية، وما تقوم به من التحريض على حماس في أوساط الحركات السلفية.
‌و. نجحت الحركة في تجاوز كل الضغوط التي كانت تسعى لإقصائها.

2. في الجانب الاقتصادي:

نجحت حماس إلى حدٍّ ما في بناء اقتصاد محدود الإمكانات، غلب عليه اقتصاد الأنفاق، التي تمّ إغلاقها مؤخراً (النصف الثاني من 2013)، وبسبب الحصار كانت نسبة البطالة مرتفعة إلى أكثر من 40%، وكان هناك الكثير من القصور في البنية التحتية بسبب العدوان الصهيوني، مع عدم تجديد البنية التحتية بسبب الحصار، كما توقفت الكثير من أوجه العمل لضعف الطاقة الكهربائية، بل لم يستطع أصحاب المصانع المدمرة أن يعيدوا تشغيلها، ولم يستطع أصحاب المصانع السليمة تشغيلها، بسبب غياب المواد الأولية، ونقص الطاقة، كما أن نسبة الفقر زادت في المجتمع وبطريقة كبيرة. ولعل العجز الكبير في موازنة إدارة حماس لقطاع غزة واضح للعيان، وبسبب انخفاض الصادرات الزراعية، وإقفال الأنفاق، وتراجع القطاع الخاص، وعدم الاستثمار في الداخل، وانعدام الاستثمار من الخارج، باستثناء المعونات التي تقدم للقطاع.

3. في الجانب الأمني:

‌أ. أعادت حماس الأمن للشارع، واستطاعت فرض النظام وضبط السلاح، وفرضت الانضباط للقيادات العشائرية والأسرية، خصوصاً من كان يأخذ القانون بيده أو يمارس البلطجة.
‌ب. نجحت في تضييق الخناق على العملاء والمتعاونين مع الصهاينة إلى درجة كبيرة، وإن لم تستطع القضاء عليهم.
‌ج.  برزت عدة جماعات مرتبطة بالقاعدة، وإن كانت صغيرة العدد، قليلة التأثير، مثل أنصار جند الله، جلجلت، وحزب الله فلسطين، وجيش الإسلام…إلخ وهذه الجماعات اتهمت حماس بعدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وكفّرت حماس وحكومتها، وأعلنت قيام إمارة إسلامية في رفح، كما قتلت المتضامن الإيطالي فيتوريو أريغوني Vittorio Arrigoni وقبله الصحفي البريطاني آلان جونستون Alan Johnston، وغيرها من الحوادث المتفرقة.
‌د.  كما كان هناك عنف غير مبرّر، تمّ من خلاله مواجهة قوات الشرطة النظامية من قِبَل عائلات في أثناء اعتقال الشرطة لمطلوبين، وتمّ السيطرة على كل ذلك.

4. في الجانب الاجتماعي والأخلاقي والحقوقي:

لعلّ هذا الجانب هو أكثر الجوانب التي واجهت حماس في غزة إثارةً وانتقاداً، حيث كثرت الإشاعات حول تحجيب المحاميات وطالبات الابتدائي، وإلزام النساء بالحجاب، ومنع جلوسهن في المقاهي، ومنع شربهن “الشيشة”، ومنعهن من ركوب الدراجات النارية، و”تغلُّب الطالبانية على “الأردوغانية”، أو الادعاء بإنشاء هيئة جديدة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في فلسطين، وإلغائها في السعودية. بل وصل الأمر إلى ادعاء بأن المجلس التشريعي أقرّ في قراءته الثانية قانون العقوبات، ولكن للأسف لم تأتِ القراءة الثالثة منذ أكثر من سنتين، وكل ذلك ليس له من واقع في حياة أهل القطاع وإدارته من قِبَل حماس. وإن كان هناك جوانب حقيقية لا بدّ من التعامل معها كسحل العملاء في الشارع، وتقييد حرية البعض في السفر والتنقل؛ ولكن في ظلّ المناكفات بين فتح وحماس، تُسَجَّل مخالفات لا ينبغي لها أن تكون، مثل الحد من حرية الاجتماع، والتظاهر، والمساءلات القانونية، والاستدعاءات. غير أن هناك قطاعاً عريضاً من الخصوم السياسيين لحماس، تكون انتقاداتهم لها، وبلاغاتهم ضدها كيدية، لدى منظمات حقوقية عديدة، مثل انتخابات الصحفيين والأندية والنقابات، وإغلاق بعض المنظمات الأهلية، وعدم إدخال حماس للصحف من الضفة الغربية.

سادساً: تقييم علاقات حماس مع القوى الفلسطينية:

1. العلاقة مع حركة فتح:

العلاقة بين فتح وحماس معقدة لأسباب موضوعية، حيث تمثل فتح قيادة م.ت.ف ومعظم أجهزتها وممثليها في السفارات والهيئات الدولية، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية والتي تشكل فتح عمودها الفقري، بالإضافة إلى تنظيم كبير وقيادات مختلفة في التشريعي والوزارات. هذا مع الأخذ بالاعتبار أن إشكالات الخلاف والاتفاق، أو الصراع والمصالحة، بدأت تظهر بشكل كبير، بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية، وخسارة فتح لأول مرة انتخابات المجلس التشريعي، بهذه الطريقة غير المتوقعة، وانعكاس هذه الانتخابات على قيادة فتح للمشروع الوطني، ومؤسساته لا سيّما م.ت.ف، وكانت الخشية من دخول حماس بأجهزتها المختلفة للمنظمة، أو إجراء انتخابات وتغيير المعادلة الداخلية، ومن هنا كانت الدعوة المبكرة جداً لإعادة الانتخابات التشريعية، بالإضافة إلى التسليم بالنتيجة بشكل شكلي، ومحاولة إسقاط حماس في أول تجربة لها.

برز الخلاف حول المشروع الوطني حيث إن فتح ترى بأنه لا بدّ من الحل السلمي وعبر المفاوضات، وصولاً لدولة فلسطينية عاصمتها القدس بجوار دولة أخرى اسمها “إسرائيل” كتجسيد لحل الدولتين وإنهاء الصراع وحلّ عادل لقضية اللاجئين بديلاً عن حقّ العودة.

وحماس ترى أن لا شرعية لـ”إسرائيل”، وتؤمن بعدم الاعتراف بها، وأن برنامج المقاومة، هو البرنامج الأساس لتحرير فلسطين، وعودة الشعب الفلسطيني لأرضه. وأن لا مانع من دولة فلسطينية في الضفة الغربية، وغزة، والقدس عاصمة لها بدون الاعتراف، وبدون مستعمرات، وبدون إنهاء الصراع.

الاختلاف الثالث حول الشرعية، حيث لا ترى فتح أن هناك أيّ شرعية لحماس، سواء كان ذلك بالانتخابات والفوز بالمجلس التشريعي، أم بالمقاومة كشرعية أساسية في مراحل التحرر الوطني؛ وتنحصر الشرعيات عند فتح بالرئيس الفلسطيني.

وأكثر الأوراق معالجة لهذه النقاط هي وثيقة الوفاق الوطني، والتي وقعت عليها جميع فصائل العمل الوطني، باستثناء الجهاد الإسلامي، وقد عالجت هذه الوثيقة نقاط الخلاف الرئيسية، بعبارات رضي عنها الجميع، سواء كان ذلك فيما يتعلق بالجهود السياسية، أم بالعمل المقاوم، أم بقرارات الأمم المتحدة، أم م.ت.ف، أم بغيرها من النقاط ذات العلاقة بصلب الخلافات. والورقة الثانية هي ورقة المصالحة المصرية وملحقاتها، والتي عالجت قضية الحكومة، والمجلس التشريعي، والرئاسة، والانتخابات، والملف الأمني، والمصالحة المجتمعية، وهناك لقاءات كثيرة تمت في صنعاء، والدوحة، ومكة، ودمشق، وعمّان، وفي القاهرة كانت المحطات الأبرز طبعاً، لمعالجة الخلافات الحالية. أما في الماضي فقد كان الخلاف متجسداً في تغييب حماس، ثم تجاهلها وبعد ذلك احتوائها، وأخيراً إخضاعها ومحاولات إلحاقها برام الله، وكانت هناك لقاءات عديدة بين حماس وفتح في صنعاء، وعمّان، والخرطوم، وتونس. وفي الاجتماعات هذه لم نتوصل لأي من الاتفاقيات سوى بيان الخرطوم والذي رفض في حينه أبو عمار الاستمرار والبقاء لتوقيعه، ووقعه نصر يوسف؛ وهو ما عكس الخلافات الحقيقية والتي تمّ بلورتها في نقاط التقاء ولكن دون تنفيذ حتى الآن (مطلع سنة 2014).

في اعتقادي أن خلافات فتح وحماس ستبقى ولكن المهم هو:

‌أ. تنظيم هذه الخلافات وعدم خروجها من التدافع السياسي إلى الصراع العسكري كما حدث في سنة 2007.
‌ب. تطبيق ما يتم الاتفاق عليه وهذا يحتاج إلى إرادة سياسية وإخلاص نوايا.
‌ج.  أن تقبل فتح بمشاركة الجميع في تحمل مسؤولياتهم، وأن تتيقن فتح بأن زمن الهيمنة على القرار الفلسطيني قد ولّى، وأن زمن وعهد أن الوطنية هي ما تقرره حركة فتح، وما يتخذه الآخرون من توجهات هو رجعية وعمالة، قد انتهى.
‌د. تحييد العامل الخارجي بالرغم من صعوبة ذلك (حيث التمويل الأساسي يأتي من الولايات المتحدة) والكيان الصهيوني يتحكم بثلاثة ملفات أساسية على الأقل وهي:

• الحكومة: اعتقالاً وتقييداً للحريات.
• الانتخابات: إقصاء لأطراف معينة، اعتقالات، رفض إجراءات، منع الانتخاب في القدس.
• الأمن: وهو الملف الرئيسي وذريعة الكيان الصهيوني في كل حوار.
ولذلك يتم تجاهل الفيتو الأمريكي مع الاعتراض الإسرائيلي لبقاء الانقسام لمصلحة الكيان، ولذلك كان نتنياهو يكرر: إن على أبو مازن أن يختار إما السلام وإما حماس، حيث لا يمكن المضي في كلا الاتجاهين، حسب نتنياهو.

2. العلاقة مع حركة الجهاد الإسلامي:

علاقة حماس والجهاد علاقة خاصة، فهما يتدافعان كأصحاب المهنة الواحدة والبضاعة نفسها، فلا تكاد ترى فكراً مغايراً أو سياسة مخالفة، فالمَعين واحدٌ ومخرجاته متشابهة.

كانت لحركة الجهاد قصب السبق في البدء في عمليات المقاومة ضدّ الاحتلال في ثمانينيات القرن العشرين، وكانت أحد المحفزات التي عجلت بانتقال حماس من طور الدعوة والإصلاح بين الناس والمقاومة باللسان إلى المقاومة بالسِّنان. وعندما أصبحنا كفرسي رهان مع رجحان كفة حماس، طرأ عندهم السؤال الكبير: ما دامت حماس نزلت الميدان، فما هو مستقبل حركة الجهاد الإسلامي واستقلالها؟

دخلنا في حوارات عديدة مع الأخ الدكتور فتحي الشقاقي، وبيننا من العلاقة ما هو أكبر من أن نتحدث كحوارٍ بين تنظيمين، وكان المطروح أحياناً التنسيق المتدرج وصولاً إلى الاندماج والوحدة، وأحياناً الوحدة وترتيباتها. واستمرت العلاقة المتلاحمة مع القيادة من بعده، ولكن بالتأكيد كانت هناك الكثير من الإشكالات في القواعد لتنافسهم، لأننا أصحاب كار واحد (كما يقال)؛ أحياناً على المساجد، وأحياناً أخرى على لوحات المساجد، وأحياناً على شعار فوق شعار مرسوم على جدار، ولكن كانت الأمور تُسوى ويتم تطويقها ولا نتركها تتفاعل وتتفاقم، وكانت بعض الخلافات تنشأ من التسرع في تبني حركة الجهاد بعض عمليات حماس. ولعل الخلاف الأبرز كان يوم قررت حماس دخول الانتخابات التشريعية، ولحسابات كثيرة رفضت الجهاد المشاركة، ولكن لم يكن هناك اصطفاف مضر عند الاختلاف في السياسة، صحيح لم تصل علاقاتنا إلى الوحدة والاندماج، لكن التنسيق والعمل المشترك قائم؛ بل كان لنجاح اللجان المشتركة، والتنسيق القيادي، على كل المستويات انعكاس إيجابي.

3. العلاقة مع قوى اليسار:

في الساحة الفلسطينية هناك فتح وحماس والجهاد الإسلامي وقوى اليسار، تاريخياً كان هناك حركة القوميين العرب والحزب الشيوعي الفلسطيني ولكن تبنت حركة القوميين العرب الأفكار اليسارية.

ولذلك تستطيع أن تقول بأن قوى اليسار الفلسطيني قسمين؛ قسم اصطف إلى جانب المقاومة وعارض اتفاقيات أوسلو، وعملنا سوياً الجهاد وحماس وقوى اليسار الفلسطيني في دمشق، تحالفاً فلسطينياً تحت اسم “تحالف قوى الشعب الفلسطيني”، وهناك قوى أخرى قد تحمل الأسماء نفسها ولكن ظلّ أمناؤها العامُّون أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤيدين لاتفاقيات أوسلو. وعلاقاتنا مع هؤلاء لا بأس بها ولكنهم مصطفون إلى جانب حركة فتح سياسياً، وإن كانت الاتصالات والعلاقات معهم لا مشاكل فيها.

سابعاً: تقييم مشروع المصالحة الفلسطينية:

انطلقت المصالحة الفلسطينية بعد إنهاء حرب الفرقان 2008/2009 مباشرة، بدعوة مصرية شملت كل أطياف اللون الفلسطيني، بعد أن كان أبو مازن مُصراً على إبقاء الوضع على حاله، حتى تتراجع حماس وتعترف بخطئها على ما يصفه هو بالانقلاب العسكري ومحاسبتها على ذلك، مع محاولات سابقة لإقصاء حماس أو إفشالها في إدارتها لقطاع غزة، والأمثلة واضحة كإقفال المعابر والمنافذ وتشديد الحصار والطلب المباشر من الموظفين عدم الذهاب لأعمالهم، وقطع راتب من التحق بعمله. ولكن بعد انتهاء الحرب وتهرباً من تحمل تبعات الحرب، وبعد حوارات صعبة وطويلة، كان طرح إخواننا في فتح عبارة عن إلحاق قطاع غزة بالضفة المحتلة، وبالتالي يصبح الجميع تحت الاحتلال سواء، وحماس كانت ترى أن التوافق الوطني والشراكة قاعدة أساسها التوافق السياسي.

والدليل الأبرز على موقف الحركة أن تقرير لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والذي يدين الكيان الصهيوني خلال حربه على قطاع غزة (تقرير جولدستون) رفض أبو مازن تفعيله، وتمّ تجاوزه، على الرغم من الإجماع الشعبي على محاسبة الكيان الصهيوني؛ والمفاوضات الأخيرة ذهب إليها أبو مازن في إطار من الرفض الشعبي والحزبي والفصائلي.

 إصرار الحركة على التوافق والشراكة، هي التي منعت الحركة، ولأشهر عديدة، من عدم التوقيع على الورقة المصرية؛ وحينما وافق أبو مازن، تمّ توقيع الورقة المصرية مع الملاحظات المرفقة، والتي ليس لها عنوان غير التوافق على الشراكة الوطنية في شؤوننا كلها. بعد التوقيع على الورقة المصرية تمّ التوقيع على عدد كبير من التعديلات والمواعيد والإجراءات والتفصيلات، ولكن لم نصل بَعدُ إلى الهدف الحقيقي، وهو إنهاء الانقسام والوحدة الوطنية (مطلع سنة 2014).

أما عن اتهام حماس بتعويق المصالحة الوطنية، فهذه ذريعة لا أصل لها، وإن كانت هناك أخطاء من الطرفين، وقد تمّ علاج بعضها ولم يعالج البعض الآخر. وهناك جوانب إيجابية حدثت بعد مكسب سياسي في 29/11/2012 عندما أخذت فلسطين صفة “دولة مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة، وانتصار المقاومة على العدوان الصهيوني (حرب حجارة السجيل في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012) ضدّ قطاع غزة. فقد اتخذت خطوات كإطلاق سراح المعتقلين، وتخفيف حدة التراشق الإعلامي، والسماح بتنظيم مهرجانات متبادلة، وعودة لجنة الانتخابات المركزية لقطاع غزة، مما أشاع أجواء القرب بانتهاء الانقسام وتشكيل حكومة وحدة وطنية من تكنوقراط، برئاسة أبو مازن.

أريد أن أقول إن هناك معوقات عدة حالت دون إتمام المصالحة، ألخصها بالآتي:

1. العامل الخارجي: وأقصد هنا الكيان الصهيوني ويتحكم بعدة ملفات مهمة كالأمن، والانتخابات، والحرية السياسية والإعلامية والانتخابية، وقدرتها على اعتقال الوزراء والنواب بدون تحفظ في الضفة الغربية، كذلك الولايات المتحدة وقدرتها على الضغط على المانحين، وكذلك مقدار ما تدفعه من مساعدات للسلطة، وكلاهما (أمريكا والكيان الصهيوني) ضدّ المصالحة وضدّ إنهاء الانقسام.

ولقد مارست السلطات الصهيونية عملياً عدة إجراءات عقابية سابقة كحجز أموال الضرائب، واعتقال الوزراء، واعتقال رئاسة وأعضاء المجلس التشريعي، ورئاسة وأعضاء المجالس البلدية، وما زلنا نذكر تهديد نتنياهو للرئيس أبو مازن بقوله إن على أبي مازن أن يختار بين السلام وحماس، حيث لا يمكن المضي في كلا الاتجاهين.

2. عقدة البرامج السياسية: حيث إن هناك في الساحة الفلسطينية برنامجين، برنامج المقاومة ومقتضياته من حيث عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني ومقاومته لاحتلاله الأرض والمقدسات، وهو برنامج يرفض التنسيق الأمني، ويرفض التفاوض مع الكيان الصهيوني، ويتبنَّى عدم التعاطي مع حلّ الدولتين. وهناك من جهة ثانية برنامج التسوية السياسية والاعتراف بالكيان الصهيوني، والتفاوض مع الاحتلال، والتنسيق الأمني، وتبادل الأراضي، ومواجهة المقاومة. ولهذا السبب في اختلاف الوجهتين، نجد صعوبة كبيرة في إيجاد القواسم المشتركة واللغة المطلوبة التي نتعامل بها، ولعل وثيقة الوفاق الوطني كانت من أنجح المعالجات، ولكن بقيت هذه العقدة (عقدة البرنامج السياسي) من أكبر المعوقات.

3. أولويات الرئيس أبو مازن السياسية: حيث إنه لا يريد مواجهة مع الكيان الصهيوني، ولا مع الراعي الأمريكي الرافض للمصالحة، والأولوية عنده هي للتفاوض السياسي والمفاوضات؛ ومن هنا يُقبل على الحوار الداخلي إذا أُقفل باب التفاوض السياسي، ويتراجع عن المصالحة عند بدء التفاوض، مما يجعل مسألة المصالحة مسألة ثانوية عنده.
أما عن سبل تجاوز الانقسام:

1. الإرادة السياسية: لو توفرت الإرادة السياسية بالشكل الكافي لتجاوزنا الكثير من الصعوبات، ولكن لم تصل الإرادة السياسية لدرجة التوافق السياسي، ولو توفرت مثل هذه الإرادة، ثم جُعل لهذا الأمر الأولوية القصوى، لَتمَّ ترتيب الأولويات بطريقة صحيحة تخدم الشعب الفلسطيني وحقوقه.
2. تطبيق ما تمّ التوافق عليه وعدم الانتظار طويلاً أمام كل حادثة في المحيط العربي أو المباحثات مع الصهاينة.
3. الاتفاق على برنامج سياسي واحد، وأعتقد أن وثيقة التوافق الوطني تصلح أن تكون أرضية لذلك.
4. لا بدّ من سند عربي، وفهم العمق الحقيقي لقضيتنا، وإحياء هذا المفهوم وعدم ترك القضية للأمريكان والهيئات الدولية.

ثامناً: الثورات والتغيرات في العالم العربي:

التغيرات في العالم العربي عميقة ولا يكاد يخلو نظام من الاحتمالات المستقبلية المطروحة سواء كانت تلك البلاد ضمن من دخل في مسمى ثورات الربيع العربي أم ما جاورهم من أقطار بمعطيات وظروف داخلية مختلفة.

العالم العربي يمر في مخاضات وتغيرات كبيرة وستأخذ عدة سنوات نحو الاستقرار على قواعد سياسية واضحة. القوى المتدافعة داخل كل قطر من الأقطار من القوة بحيث يصعب إزاحتها من المشهد، ومن الضعف بحيث يصعب عليها احتواء الآخرين.

ولا يقتصر المشهد في أيٍّ من الأقطار على قواه المتدافعة بل تتعدى المسألة إلى تدخلات خارجية مؤثرة.

السلبيات التي تنعكس من خلال هذا التدافع أيضاً متشعبة، فالأمن، والاقتصاد، ومستوى الفقر، والبطالة، والاستيراد، والتصدير، والتعليم، والسلم المجتمعي، كل ذلك وغيره يتأثر بالتدافع الداخلي. والعصر الذي نعيش فيه يصعب معه حكم الأقليات سواء دينية، أم عرقية، أم مهنية، أم غير ذلك، وستنتصر إرادة الشعوب في النهاية، ولكن سيكون لهذا الأمر ثمن كبير، من دماء وأموال وجراح كبيرة، ونسأله تعالى العفو والعافية والمعافاة التامة في كل شيء.

تاسعاً: العلاقة مع إيران وسورية وحزب الله (محور الممانعة):

1. العلاقة مع إيران:

سياسة الحركة، الانفتاح على كل القوى على اختلاف عقائدهم، ومذاهبهم، وأعرافهم، وأجناسهم، وكافة القوى، على اختلاف توجهاتها، باستثناء الكيان الصهيوني، وسياسة الحركة الثابتة أن لا حوار أو اتفاق أو التقاء مع العدو الصهيوني.

ومعيار العلاقات مع هذه الدول والقوى مبني على قاعدة قربها من القضية الفلسطينية وتأييدها للمقاومة، ودعمها للشعب الفلسطيني ومقاومته. والأمر الآخر هو عدم التدخل في الشأن الداخلي للحركة. كما أن الحركة لا تدخل في الشأن الداخلي لأي من هذه الدول والحركات، ونحن في حاجة لتأييد ودعم كل هؤلاء، ومدى التأييد والدعم يدل على مستوى العلاقة وعمقها.

علاقتنا مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية نابعة من موقفها من القضية الفلسطينية، ودعمها للشعب الفلسطيني ومقاومته، فتكاد تكون إيران الدولة الأهم في هذا الإطار. غير أن علاقتنا معها لا يعني تطابقاً في السياسة، وقد اختلفنا مع بعض سياساتهم، كما اعترضوا على بعض سياساتنا، وعلى سبيل المثال الموقف من سورية لم يكن متطابقاً معهم، وكذلك لم يكونوا مع دخولنا في انتخابات المجلس التشريعي (سنة 2006). واستمرت العلاقة مع كل هذه الاختلافات، ولم يتدخلوا في أيّ شأن من شؤون الحركة على مدار العلاقة في يوم من الأيام.

2. العلاقة مع سورية:

لقد أكدنا وفي أكثر من مناسبة النقاط الآتية في علاقتنا مع سورية:

‌أ. سورية والرئيس بشار وقفا مع الحركة في كل مواقفها ومنعطفاتها ومقاومتها، العلاقة معنا كانت متميزة عن معظم الدول، ومتحدية في أحيانٍ كثيرة الدول الكبرى، حينما كانت تضغط لطردنا أو إقفال مكاتبنا.

‌ب. لم يتدخل النظام السوري في شؤوننا الداخلية، ولم نعلم أنه تجاوز ذلك في أيّ مرحلة، ولم يطلب منا طوال فترة العلاقة أيّ طلب على الإطلاق.

‌ج.  احترمت الحركة هذه العلاقة، واعترفنا بجميل النظام وحسن تعاونه، وميّزناه عن غيره من   الأقطار تقديراً منا للنظام وقيادته.

‌د. عند بدء الأحداث الداخلية، طلب منا النظام تحديد موقف، فحددنا موقفنا الذي قَبِلَهُ في نيسان/ أبريل 2011 وكان منسجماً مع سياساتنا في عدم التدخل، وقدّرنا فيه دعم النظام ومساندته لنا؛ ووقفنا مع الشعب السوري في تطلعاته وحقوقه. وبالمناسبة كان النظام يكرر هذه العبارة دون ملل.

‌ه.  حاولنا التوسط بالخير بين النظام والمعارضين، بناء على اقتراح من حزب الله، وبموافقة من الرئيس بشار، وما إن بدأنا بالتحرك حتى تمّ إيقافنا بطلب من الرئيس نفسه، نَقَلَهُ لنا اللواء المملوك.

‌و. بقيت الحركة حتى تشرين الثاني/ نوفمبر في سورية، دون اتخاذ أيّ توجه أو قرار بالخروج وترك سورية العزيزة، حتى كان الاقتراح من قِبَل النظام باللقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد والفصائل الفلسطينية جميعها وحزب الله. فاقترحنا لقاءً فلسطينياً مع الرئيس منفرداً ولقاء آخر لبنانياً حتى لا يعطي اللقاء انطباعاً سلبياً عند أحد.

‌ز. رفض النظام الاقتراح وتمّ إلغاء اللقاء بالكامل.

‌ح. طلب منا تحديد موقف الحركة إما مع أو ضدّ، ولم يقبل منا موقف الحياد فيما يجري في سورية، وكان موقفنا بعد ما تبنىّ النظام الحل العسكري رفض هذه السياسة، ونصحنا باستخدام الحل السياسي وعدم إقحام الأمن والجيش فيما يجري، وكان هذا الأمر مقبولاً لا سيّما أن الرئيس بشار لم يكن موضع خلاف بين جميع القوى تقريباً في الأشهر الأولى للثورة.

‌ط.  ثم طُلب منا لقاء الرئيس بشكل منفرد وحاولنا الاعتذار عن اللقاء بطرق مختلفة، لمقتضيات اللقاء المقترح من إعطاء صورة أن الحركة إلى جانب النظام في سياساته وحددنا موقفنا بهذا الخصوص، فلم يكن لدينا خيار، إما الانحياز في الموقف ولقاء الرئيس، وإما الاعتذار والمغادرة انحيازاً لسياستنا بعدم التدخل في الشأن السوري وتجنيباً لمخيماتنا الفلسطينية من كل عوامل الصراع على الساحة السورية.

‌ي.  قرّر المكتب السياسي المغادرة، وليس المقاطعة، وأُبقي عضو مكتب سياسي ومسؤول الساحة في الحركة، وغادر بقية المكتب السياسي وكوادر الحركة من غير الفلسطينيين السوريين. وأعلنا أن السبب هو عدم قدرة القيادة على إدارة الشأن الداخلي والخارجي للحركة بسبب الأحداث الجارية في سورية، وكان هذا سبباً صحيحاً أيضاً.

‌ك.  عند مغادرتنا لم نسئ للنظام وذكرنا حسن صنيعه السابق، ولكننا انحزنا لسياسات الحركة ومبادئنا في الوقوف إلى جانب الشعوب وتطلعاتها.

‌ل. في الحقيقة الضرر الأكبر فيما جرى وقع على الحركة، بانتشار قياداتها وعناصرها، واضطراب العلاقة مع تيارات وقوى عدة في الأمة.

‌م. لم تتخذ الحركة أيّ قرار أو توجه أو تفكير في المشاركة بالنزاع في سورية، وكل ما قيل عن عناصر من الحركة سمَّت أنفسها بأسماء، أو استشهد البعض في الميدان، أو أننا قمنا بتدريب الثوار على حفر الأنفاق وزرع الألغام، كل هذا ليس له أيّ أساس من الصحة على الإطلاق. فمن ادعى أنه من حماس مقاتلاً لم يكن صادقاً، ومن قاتل وله تاريخ مع حماس فقد تركها، ولم يعد عنصراً فيها، وذهب إلى حيث قناعاته، التي لم يكن لنا يدٌ فيها. واقتصر عمل حماس في مخيمات سورية على العمل الإنساني الإغاثي والخدماتي، وإن كان من بين هؤلاء الكثير من المعتقلين والشهداء.

‌ن. الفلسطينيون لا يمكن أن ينفردوا في قضيتهم ولا في نضالهم بدون وقوف العرب والمسلمين معهم، فهم العمق والسند، ولقد اعتبروها قضيتهم المركزية وقدموا آلاف الشهداء، ومهما كانت الأحوال والأقوال لا يمكن الاستغناء عن سورية ومصر وكل محيط فلسطين أساساً، ففي بلادهم عاش شعبنا، وكان شعبهم حاضنة الثورة عبر التاريخ. ولا يمكن أن تسقط سورية من فكرنا أو واقعنا، بل هو ظرف مؤقت اتخذناه لانحيازنا الاستراتيجي لسياساتنا بعدم التدخل في شؤون الآخرين، وهذا من أجل مستقبل قضيتنا.

3. العلاقة مع حزب الله:

هي علاقة نضال وجهاد ضدّ المشروع الصهيوني، ولعل الانتصارات في المعارك التي خاضها الحزب والحركة، كانت منارة في تاريخ العرب والمسلمين، في مواجهة قوة طاغية ظالمة متجبرة مدعومة من القوة الأكبر في العالم. ونعمل لتعزيز المقاومة معاً على كافة المستويات الإعلامية والسياسية من أجل خدمة المقاومة، ولقاءاتنا مستمرة معهم. وكان هناك تفهمٌ لمواقفنا بالنسبة للشأن السوري، ولكن بعد خروجنا بفترة، شاب العلاقة بعض الخلل، وظهر الخلاف حول التعاطي مع الشأن السوري والمشاركة في القتال. وعلى كل حال، تمّ تلطيف الأجواء وتمهيد الطرق لعلاقة سليمة مستأنفة، وسنبقى حريصين على علاقاتنا حتى ولو اختلفنا في مسألة ما.

عاشراً: علاقات حماس الدولية:

حماس منفتحة في علاقاتها الدولية واتصالاتها تقريباً مع معظم الدول الغربية، وعلاقاتنا الآسيوية والإفريقية وبعض دول أمريكا اللاتينية لا بأس بها؛ وذلك لأن الجانب الأساسي مع هذه الدول هو الجانب السياسي المتعلق بالصراع مع الكيان الصهيوني وقضية اللاجئين الفلسطينيين.

الدول الغربية غير المنضوية بالاتحاد الأوروبي، العلاقات معها علنية، وهناك لقاءات دورية، واتصالات مستمرة، وكثيراً ما كان انعكاسها جيداً على الشعب الفلسطيني، خصوصاً من زاوية تفهمهم للصراع وأدواته، ومصلحة الشعب الفلسطيني واحتياجاته. أما دول الاتحاد الأوروبي فمنذ وضعت الحركة على قائمة المنظمات الداعمة للإرهاب، والاتصالات مع أغلبهم تُجرى عبر أكاديميين ودبلوماسيين متقاعدين ومراكز دراسات ومستشارين قريبين من مراكز صنع القرار. المشكلة أن وضع اسم على القائمة أمر لا صعوبة فيه، ورفعه مشكلة كبيرة، وذلك لأن القرار، يؤخذ بالإجماع؛ بمعنى ألا تعترض أيّ دولة على هذا القرار، وهذا السبب في عدم التعامل مع حماس كحركة وطنية مقاومة وما يزالون يتعاملون معها كحركة إرهابية.

على كل حال هذا التصنيف السياسي يفرضه القوي، ويتعامل معه الآخرون، وهو تصنيف سياسي وغير عادل. فانظر إلى حزب العمال الكردستاني في العراق يعدّونه منذ نشأته حزباً يسعى للحرية ويعدّون حزب العمال التركي (وهو الحزب نفسه لكنه الشق التركي) حزباً إرهابياً. انظر إلى منظمة التحرير، حتى اللحظة لم ترفع الولايات المتحدة اسمها عند التعامل معها من الإرهاب، ولذلك تجدد التصريح لوجودها كل ستة شهور. نيلسون مانديلا Nelson Mandela ترك الرئاسة واسمه كان ما يزال مصنفاً باعتباره “إرهابياً”.

بالطبع نتج عن هذا التصنيف حرج لهم بعد فوز حماس في الانتخابات أوائل سنة 2006، ولكن الغرب مع ذلك انحاز للولايات المتحدة، في التوافق على وضع ثلاثة شروط للتعامل مع حماس بعد فوزها في الانتخابات، وهي:

1. الاعتراف بالكيان الصهيوني.
2. نبذ العنف.
3. الاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية.

أي على الرغم من اعترافهم أن هناك مناطق محتلة، والشرعية الدولية تبيح لمن احتلت أرضه أن يقاوم هذا الاحتلال، إلاّ أنهم يعدّونه عنفاً. و”إسرائيل” لم تتعامل مع أيّ اتفاقية تمّ التوقيع عليها بشفافية ومصداقية، حتى حولت جميع الاتفاقيات إلى مجرد أوراق لا قيمة لها، والتواريخ لا وزن لها، ومع ذلك يطالبون الفلسطينيين بالاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها م.ت.ف. وأخيراً هل لهم أن يطالبوا بالاعتراف بالكيان، أليس الأجدر أن يعترف الكيان الصهيوني بالفلسطينيين وحقوقهم قبل مطالبة المظلومين بالاعتراف بالظالم، الذي اغتصب أرضهم وديارهم وطردهم إلى مخيمات ما زالت شاهدةً على ظلم الاحتلال وجبروته؟

أخيراً، الحركة لا تجد فرصة إلا وتحاول الدفع من خلالها لتبيان الحق الفلسطيني وشرعيته، ولا ننكر أن قوى التحرر، وكثير من القوى الشبابية، والحقوقية، واليسارية، في الغرب قد تمّ تحقيق الكثير من التقدم معهم في مساندة القضية الفلسطينية.

[1]   من قرية يبنا بفلسطين، ولد سنة 1951 في مخيم رفح في قطاع غزة، حاصل على درجة الدكتوراه في الهندسة الصناعية سنة 1992، من الولايات المتحدة. تمّ انتخابه رئيساً للمكتب السياسي لحركة حماس سنة 1992، إلى أن اعتقلته الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1995. وبعد الإفراج عنه سنة 1997، تولى مسؤولية نائب رئيس المكتب السياسي للحركة. أحد مؤسسي الجامعة الإسلامية بغزة، وهو عضو هيئة الإشراف فيها. أسهم في إنشاء مؤسسة القدس، وكان رئيساً للهيئة التحضيرية فيها، وعمل رئيساً لمجلس إدارتها في دورتها الأولى، ثم أصبح عضواً في مجلس الإدارة. وهو عضو في الهيئة الإدارية للمؤتمر القومي الإسلامي.

 لتحميل هذا النص اضغط هنا  (21 صفحة، 531 KB)