مدة القراءة: 6 دقائق

الصفحات الأولى من “دراسة علميّة: موقف حماس من الحركات الإسلامية الفلسطينية … أ. سميح حمّودة” (نسخة نصيّة HTML)

النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (33 صفحة، 988 KB)

دراسة علميّة: موقف حماس من الحركات الإسلامية الفلسطينية … أ. سميح حمّودة [1]

مقدمة:

تهدف هذه الورقة إلى تحليل العلاقة بين حركة حماس والحركات الإسلامية الفاعلة سياسياً ودينياً على الساحة الفلسطينية: حزب التحرير، والسلفيون، والصوفيون، وحركة الجهاد الإسلامي، وتركز الورقة خصوصاً على العلاقة بين حماس والجهاد الإسلامي منذ ثمانينيات القرن المنصرم؛ وذلك لكون الحركتين هما الأكثر تفاعلاً وانشغالاً وانخراطاً بالقضية الفلسطينية من الحركات الإسلامية الأخرى، وهما الأكثر تأثيراً وامتداداً بين الجماهير الفلسطينية.

يستند التحليل إلى مجالين اثنين، الأول: توضيح التغيرات التي شهدتها الساحتان العربية والدولية في عقد الثمانينيات، وأدت إلى تطورات مهمّة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كان من نتائجها صعود الحركات الإسلامية شعبياً، وازدياد قوتها وتأثيرها على مجريات الصراع مع “إسرائيل”، ونتج عنها في المقابل ضمور وانحسار قوة حركات أخرى وطنية ويسارية على الساحة الفلسطينية. أما المجال الثاني: فهو تحليل الفكر السياسي للحركات الإسلامية الفلسطينية، باتجاهاته المختلفة وتطوراته الناجمة عن العوامل الذاتية والعربية والدولية. فالورقة لا تنهج نهجاً سردياً يتتبع القضية من الزاوية التاريخية فقط، بل تسعى إلى كشف جذور العلاقة بين الحركات الإسلامية الفلسطينية، بناء على التباين الفكري فيما بينها والذي نجم عن اختلاف تفاعلها مع الأحداث والتطورات العربية والدولية.

ينبغي الإشارة إلى مشكلة منهجية تواجه الباحث في مواقف حركة حماس من الحركات الإسلامية الأخرى في فلسطين، وتتمثل أولاً: في أن حركة حماس لم تبلور منهجاً أو فكراً نظرياً سياسياً محدداً وواضحاً منذ بداية نشوئها [2]، بل أخذ فكرها وخطابها السياسي حول فلسطين يتبلوران ويتشكلان بصورة أساسية بعد انطلاقتها أواخر سنة 1987. ولا يعني هذا بأيّ حال أن حماس كانت حين تأسيسها تفتقر لخلفية نظرية، وأنها كانت خالية من أيّ طرح فكري منهجي؛ فهي باعتبارها امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين استندت في بلورتها لقواعدها النظرية العامة ولفكرها السياسي لأدبيات جماعة الإخوان المسلمين، واستمدت خطابها من الخطاب السياسي والفكري الذي كان يطرحه الإخوان المسلمون الفلسطينيون في أنشطتهم الجامعية والنقابية. كما استفادت الحركة ممّا تمّ تقعيده في المؤتمر التأسيسي (السري) الذي عقد في تشرين الأول/ أكتوبر 1983، أو عند تشكيل جهاز فلسطين سنة 1985. ولا تتناقض هذه الرؤية مع القول إن فكر حماس السياسي قد تبلور ونضج مع مرور الزمن، كما يحدث مع باقي الحركات الأخرى، وعَبْرَ نشاطها وعملها خلال صراعها مع العدو الإسرائيلي خلال الانتفاضة، وعقب توقيع اتفاقات أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية على أراضي قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، وتبلور فكرها أيضاً نتيجة لعلاقاتها مع الحركات الوطنية والإسلامية الأخرى، مثل حركة فتح وحركة الجهاد الإسلامي.

والمؤكد لأي باحث في نشوء وتطور حماس، أن فكرها السياسي قد استجاب في الغالب لما طرحته هذه الحركات من أسئلة وتحديات أمامها، وهو أمر يمكن لنا وضعه في إطار أن حركة حماس هي حركة سياسية تشتبك مع المتغيرات التي تحيط بها، فهي متحركة وذات فكر يتفاعل مع حركة الحياة وتطورها، وتتأثر بالبيئة المحيطة بها كما تؤثر فيها [3] . فالباحث مطالب هنا بالتتبع الدقيق لمسار الحركة الفكري، وتجنب الانزلاق نحو التعميمات الفجّة والتوصيفات الدعائية، سلباً أم إيجاباً، والخالية من الدقة العلمية والبحث الموضوعي.

أما المشكلة المنهجية الثانية فتتمثل في أنّ مواقف قيادات ورموز الحركة لم تكن دائماً متطابقة ومتشابهة، بل كان هناك تباينات واختلافات واضحة. والباحث في فكر حركة حماس سيعثر بالتأكيد على مواطن من التناقض في الخطاب، ومن عدم الوضوح في الرؤية والطرح، وسيجد تباينات في رواية الأحداث المتعلقة بالحركة من قبل قادتها ومؤسسيها؛ لذا فإنّ المنهج السليم في تحليل مواقف حماس وقادتها يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تأثيرات عامل الظرف الزمني والمكاني، وتأثيرات العامل الذاتي المتعلق بهؤلاء القادة، وهي عوامل فرضت آراء مختلفة حول وقائع هي بذاتها متغيرة، وحول أحداث سياسية مختلفة متلاحقة ومركبة في مضامينها وخلفياتها.

أولاً: التغيرات العربية والدولية وأثرها على صعود الحركات الإسلامية في فلسطين:

لقد أحدثت تغيرات دولية عربية وإسلامية وغربية تأثيراً كبيراً على القضية الفلسطينية وتسببت بصعود قوة التيار الإسلامي مقابل أفول قوة اليسار الفلسطيني، وتراجع قوة حركة فتح. ولعلّ من أبرز هذه التغيرات على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973، والتي أثبتت للعرب أن سقف الانتصار على “إسرائيل” محدود، وأن القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ستقف قلباً وقالباً مع “إسرائيل” في حروبها مع العرب، وأنها لن تسمح للعرب بإلحاق هزيمة ساحقة بـ”إسرائيل” مهما كلّف الأمر.

لذا فقد وجدت النخبة السياسية العربية الحاكمة نفسها أمام حتمية البحث عن تسوية سياسية مع “إسرائيل” تعيد جزءاً من الحقوق العربية، وتوقف سياسة التوسع الإسرائيلية، وقد كانت اتفاقات كامب ديفيد Camp David Accords بين مصر و”إسرائيل” أولى نتائج هذا التفكير. كما كانت هذه المرحلة بداية توجّه عرفات وقيادة فتح، المتحكمة بمنظمة التحرير، نحو العمل السياسي ودمجه بالعمل العسكري، بعد أن كان التركيز الأساسي قبل ذلك على العمل الفدائي واعتباره الأساس في تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية، وليس من المستغرب أن يأتي تبني فكرة الحل المرحلي، التي طرحها الأمين العام للجبهة الديموقراطية، نايف حواتمة، في النقاط العشر وتبنتها فتح والمنظمة، بعد حرب تشرين الأول/ أكتوبر مباشرة سنة 1974.

تبع هذا التغير حصول تفاهم بين القطبين الأعظمين في العالم، الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، على حلّ مشاكلهما بالطرق السلمية وبالحوار، ودخولهما في مرحلة الوفاق، والتي أدت إلى تبني الاتحاد السوفييتي سياسة الضغط على العرب، وعلى منظمة التحرير الفلسطينية خصوصاً، من أجل القبول بحل سياسي يرتكز على قرارات الأمم المتحدة، وبالأخص قراري 242 و338. ونتيجة لمتغيرات وأحداث كبيرة أخرى عديدة، كان من أبرزها الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982، وإجبار المنظمة على الخروج من أراضيه، وتوزيع قواتها المقاتلة في دول عربية بعيدة عن الحدود المتاخمة لفلسطين المحتلة.

 فقد رضخت منظمة التحرير لهذا الضغط وأخذت تتبنى بشكل أساسي برامج ومشاريع سياسية تقبل بحل الدولتين، وبتسوية سياسية مع “إسرائيل”، وقامت مقابل ذلك بتهميش الكفاح المسلح ووقفه عملياً.

بالنتيجة، أدّى هذا الموقف إلى ثلم شرعية منظمة التحرير، وهي الشرعية التي استُمدَّت أصلاً من برنامجها المستند لتحرير كلّ فلسطين من خلال الكفاح المسلح، وأدى هذا بالتالي إلى تراجع شعبية المنظمة، وحدوث انشقاق كبير في حركة فتح، وتدهور العلاقة بين فتح والنظام السوري، الذي أخذ يدعم المنظمات الفلسطينية المناهضة للقيادة الفتحاوية، وبالأخصّ ياسر عرفات ورفاقه المقربين منه، ويوجه الضربات القوية لها، مما تسبب في توهين قوتها.

واكبَ هذه التغيرات قيام الثورة الإسلامية في إيران بقيادة روح الله بن مصطفى الخميني Ayatollah Khomeini وانتصارها سنة 1979، مما ولّد انبعاثاً إسلامياً عظيماً في المنطقة، وصحوة دينية، امتدت في كافة أقطار العالم العربي والإسلامي، وقوّى بالتالي الحركات الإسلامية التي أخذت تنادي بالعودة إلى الإسلام وتطبيق أحكامه، وإلى مواجهة التحدي الغربي والوجود الصهيوني ثقافياً، واقتصادياً، وسياسياً، وعسكرياً، وفكرياً.

ونتيجة للاهتمام الشديد الذي أولاه الخميني للقضية الفلسطينية، ومناداته بتحرير القدس، ودعوته لإنشاء جيش إسلامي لهذا الغرض، فقد اندمجت الحركات الإسلامية الموجودة على الساحة، وتلك التي أخذت بالظهور حديثاً، في هذا السياق، وأخذت تنادي أيضاً بضرورة العمل على تحرير كافة الأراضي الفلسطينية، وإنهاء الدولة الصهيونية. وقد أخذت هذه الحركات تستقطب الفلسطينيين، من الذين تركوا اليسار، وفقدوا الأمل بالاتحاد السوفييتي، ومن الذين أصبحت لديهم شكوك في جدوى الحل السياسي، الذي تبنته قيادة فتح والمنظمة.

وأخيراً، وحين بدأت في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن العشرين عملية انهيار المنظومة الاشتراكية وتفككها، وتفكك الاتحاد السوفييتي، وانشطاره إلى دول متعددة، وانحدار قوة روسيا الاقتصادية والسياسية، ورضوخها للشروط الغربية من أجل الحصول على معونات اقتصادية، فقد تلاشى الدعم المادي والسياسي الذي كان يقدمه المعسكر الاشتراكي للفلسطينيين، وضعفت معه بالتالي قوى اليسار الفلسطيني، التي كانت تعتمد مالياً وسياسياً وفكرياً على دول المنظومة الاشتراكية؛ كما وجدت المنظمة نفسها في الساحة الدولية وحيدة أمام أمريكا وسائر القوى الغربية المنحازة لـ”إسرائيل”.

 وحين وافقت المنظمة على الدخول في مسيرة التسوية السلمية مع “إسرائيل” في ظلّ هذه الظروف، فقد كانت تضع نفسها وشعبها تحت رحمة أعدائها الإسرائيليين والأمريكيين وحلفاء “إسرائيل” الغربيين. لقد أدّى هذا الموقف إلى تبني المنظمة لسياسات دمَّرت ما تبقى لها من شرعية، مثل الالتزام بأمن “إسرائيل” وما يستوجبه من التنسيق الأمني؛ مما وضع قادة فتح ورجالات السلطة في صفّ مناهض لشعبهم ومناضليه.

باختصار شديد، فقد أدت حركة النهوض الإسلامي التي تزامنت مع التراجع في البرنامج الوطني الفلسطيني إلى نشوء حركتي الجهاد الإسلامي (بدأت بالظهور العلني قرابة سنة 1981) وحماس (انطلقت أواخر سنة 1987) وصعودهما، وإلى عودة حزب التحرير للنشاط في الأراضي الفلسطينية، وأدت أيضاً إلى نمو الحركات السلفية وانتشارها.

***

[1] من مواليد بيت لحم سنة 1960، خريج جامعة بيرزيت وجامعة جنوب فلوريدا، ويحاضر حالياً في دائرة العلوم السياسية في جامعة بيرزيت. وهو مدير تحرير دورية حوليات القدس التي تصدر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية في رام الله، له عدد من الكتب والدراسات والمقالات المنشورة المتعلقة بالقضية الفلسطينية والحركات الإسلامية الفلسطينية، وبتاريخ فلسطين في عهد الانتداب، منها كتاب “الوعي والثورة: دراسة في حياة وجهاد الشيخ عز الدين القسام”.

[2] كان الشيخ أحمد ياسين، يقول: “أنا كرست حياتي للعمل وليس للكتابة، وحياتي كلها كانت تطبيقاً لما أقرأ ولما أتعلم”. راجع كتاب محمد اليافاوي، الشيخ الشهيد أحمد ياسين عظمة العطاء وروعة الشهادة (القدس: دار الإباء للنشر والتوزيع، 2004)؛ وعامر شماخ، أحمد ياسين شهيد أيقظ أمة (القاهرة: دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004) ص 96؛ وقد لاحظ جواد الحمد وإياد البرغوثي، محررا كتاب دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة الإسلامية: حماس، ص 13–14، أنه “ليس لقياديي حماس إسهام مميز في الكتابة والتنظير في فهم الحركة وفلسفتها على شكل دراسات وكراسات منشورة، لذا فإن الحركة لم تتناول في أدبياتها (على الأقل حتى تاريخ نشر الكتاب سنة 1996) لبعض مفردات الصراع الفكرية، مثل مسألة الصهيونية واليهودية، ومسألة التفاوض مع إسرائيل، وتصورات الحركة لحل سياسي مرحلي أو شامل”.

[3] باسم الزبيدي، حماس والحكم: دخول النظام أم التمرد عليه (رام الله: المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، 2010)، ص 9.

 النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا  (33 صفحة، 988 KB)