مدة القراءة: 3 دقائق

 

   ربما كانت سنة 2007 من أصعب السنوات التي مرت على الفلسطينيين، فيما يتعلق بإدارة شأنهم الداخلي، في التاريخ المعاصر. لقد كانت سنة جمعت بين آمال التوافق الوطني من خلال اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وبين إحباطات الفلتان الأمني وتطبيقات خطط دايتون والحصار الخانق، والانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي الذي تلا سيطرة حماس على قطاع غزة. ولعل سنة 2007 أظهرت أهمية أن يحسن الفلسطينيون إدارة خلافاتهم، وأن يتمّ احترام التعددية، والتداول السلمي للسلطة، بعيداً عن التأثيرات الخارجية، وبعيداً عن الاحتكام إلى السلاح؛ كما أظهرت الحاجة الماسة لوجود “ميثاق وطني” ملزم، وأن يتمّ تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة بناء مؤسساتها، لتشكل إطاراً تمثيلياً فاعلاً وجامعاً لكافة أبناء الشعب الفلسطيني وفصائله؛ ضمن برنامج وطني، يحدد الثوابت والأولويات، ويضبط إيقاع العمل.

   هذا هو التقرير الاستراتيجي الفلسطيني السنوي الثالث، الذي يغطي سنة 2007؛ وهو كعادته يرصد المسار الرئيسي للأحداث، دون أن يشغل نفسه بالتفاصيل؛ كما يجمع بين المعلومات الدقيقة المحدثة حتى نهاية السنة، وبين التحليل والرؤية العامة، ومحاولة استشراف مسارات الأحداث.

   لقد كان على التقرير أن يستعرض وأن يناقش عدداً من القضايا الحساسة، وخصوصاً تلك المتعلقة بالوضع الداخلي الفلسطيني. ونحن ندرك أن حالة الانقسام والتشرذم والتجاذب في الساحة الفلسطينية، تُقدِّم روايات مختلفة وتفسيرات متغايرة للأحداث؛ وقد يقع من لا يتبنى وجهة نظر جهة أو أخرى في دائرة الاتهام لدى البعض. وهذا ما يجعل مهمة الباحثين والكتّاب أكثر صعوبة. غير أن عزاءنا أننا حرصنا على كتابة التقرير من دون أية مواقف مسبقة تجاه أحد، وأن الذي حكم المشاركين هو التعامل مع أكبر قدر من المعلومات المتوفرة والموثقة، وفق أسس البحث العلمي، التي تقتضي الأمانة والموضوعية.

   يناقش هذا التقرير في ثمانية فصول الوضع الداخلي الفلسطيني، والمشهد الإسرائيلي الفلسطيني، والمواقف العربية والإسلامية والدولية من القضية الفلسطينية، كما يناقش ما يتعلق بالأرض والمقدسات، وبالمؤشرات السكانية والاقتصادية. وقد شارك في كتابة هذا التقرير 11 خبيراً وباحثاً في الشأن الفلسطيني. ولا بدّ من التنويه بجهود أساتذتنا الكبار مستشاري التقرير، والزملاء والزميلات مساعدي التحرير وموظفي قسم الأرشيف والمعلومات بمركز الزيتونة. وبلا شك فإن هذا التقرير هو حصيلة جهد جماعي لهذه المجموعة المتميزة. ولأن فصول التقرير تعرضت للمراجعة والتحرير والتعديل، ولأننا نعدُّ التقرير عملاً جماعياً لكتابٍ واحد، فإننا لم نُشر لأسماء الكتَّاب في بداية كل فصل، ولكننا آثرنا التعريف بهم وبشكل إسهامهم في الصفحات الأولى من الكتاب.

   لقد تمّ استخدام وسائل البحث العلمي المعتادة في الكتابة والتوثيق؛ كما تمّ كتابة الأرقام المستخدمة في اللغة الإنجليزية، وهي ما يعرف بالأرقام العربية أو الأرقام  “الزاوية”؛ تسهيلاً على القراء خصوصاً في الشمال الإفريقي. وقد واجهتنا بعض الصعوبات التي لا تخلو منها الأبحاث والدراسات الجادة. وكان من أبرز الصعوبات اختلاف المصادر فيما يتعلق بالإحصائيات والأرقام، حيث وجدنا أحياناً بعض التعارض في أرقام مؤسسات فلسطينية، رسمية وعلمية وحقوقية وإعلامية، وينطبق ذلك على الإحصائيات الفلسطينية المتعلقة بالشهداء والجرحى والمعتقلين، ومصادرات الأراضي وهدم البيوت والجدار العازل والجوانب الاقتصادية. والإشكالية نفسها موجودة في المصادر الإسرائيلية، حيث نجد تعارضاً أحياناً في الإحصائيات الإسرائيلية المتعلقة بالاقتصاد والسكان والهجرة والاستيطان. وتزداد هذه الصعوبة عندما تقوم بعض الجهات الرسمية الإسرائيلية، مثلاً، بتحديث وتغيير أرقامها للسنوات التي سبقت سنة 2007، وهو ما يضطرنا إلى أن نقوم في التقرير باعتماد الأرقام الجديدة المحدثة، حتى وإن بدا أن ذلك يتعارض مع أرقام نشرناها في تقارير سابقة، لأن التغيير جاء من المصدر الأصلي نفسه. وفوق ذلك فإن هناك تعارضاً أحياناً بين الأرقام التي تقدمها جهات فلسطينية أو إسرائيلية أو دولية عندما تناقش الموضوع ذاته كالاستيطان والجدار والاقتصاد وأعداد الضحايا… وغير ذلك. وقد حرصنا على فكّ التعارض ما أمكن من خلال عمليات المقارنة والتدقيق والنقد العلمي، كما حرصنا في الوقت نفسه أن تتوحد أرقام المواضيع المتشابهة في جميع فصول التقرير.

   ولا بدّ في النهاية من شكر جميع الزملاء الذين دعموا هذا التقرير، وشجعونا على الاستمرار، وأفادونا بتعليقاتهم وملاحظاتهم. ونحن نحمد الله ونشكره على النجاح الواسع الذي لقيه التقرير للسنتين الماضيتين، بحيث أصبح مرجعاً للباحثين والمهتمين وطلبة الجامعات المهتمين بالشأن الفلسطيني.

والصدر مفتوح دائماً لكل نصحٍ أو توجيه أو نقد بناء.

 والله الموفق،

المحرر       
د. محسن محمد صالح