مدة القراءة: 10 دقائق

بقلم: د.محسن محمد صالح، مدير عام مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.English_Version

نحاول في هذا المقال ومع مرور الذكرى التاسعة والعشرين لانطلاق حماس أن نتتبع الخلفيات التاريخية لظهورها من رحم الإخوان المسلمين الفلسطينيين. وهذا المقال هو مختصر لدراسة علمية موثقة لعلها تُنشر في المستقبل القريب.

التيار الإسلامي مقاومٌ منذ بداية الاحتلال:

لا يربط الإخوان المسلمون الفلسطينيون انطلاق عملهم المقاوم بانطلاقة حماس 1987، إذ يعدون أنفسهم امتداداً للتيار الإسلامي المقاوم الذي كان حاضراً وقوياً منذ نهاية الدولة العثمانية وبداية الاحتلال البريطاني لفلسطين أواخر سنة 1918. وذلك ابتداءً من جمعية الفدائية التي نشأت مع أوائل 1919، بقيادة محمد الدباغ ثم محمود عزيز الخالدي. وكانت تقف خلفها شخصيات من العلماء أمثال الحاج أمين الحسيني، والشيخ رشيد الخطيب، والشيخ حسن أبو السعود، والشيخ محمد يوسف العلمي الذي تصفه الوثائق البريطانية أنه ”نشيط جداً، وأنه قوى مُحركة خلف الأضواء في كل الجمعيات (بما فيها الفدائية) وأنه أعظم خطر كامن وسط المحرِّضين في القدس“.

كما يَعدُّ الإسلاميون تنظيم ”الجهادية“ الذي أنشأه الشيخ الشهيد عز الدين القسام علامة بارزة في العمل الإسلامي الجهادي الثوري الفلسطيني. وهو التنظيم الذي أعلن الثورة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1935 (بعد عشر سنوات من الإعداد) واستشهد قائده القسام في معركة أحراش يعبد في 20/11/1935. ثم إنه التنظيم الذي أطلق شرارة الثورة الكبرى في فلسطين في 15/4/1936، والتي استمرت ثلاث سنوات، وكان له دور بارز في قيادة هذه الثورة خصوصاً في شمال فلسطين ووسطها.

أما حركة ”الجهاد المقدس“ التي نشأت سنة 1934 بقيادة الشهيد عبد القادر الحسيني، وبرعاية سرية من الحاج أمين الحسيني (مفتي فلسطين)؛ فقد تميزت بالقدرة على المزج الإيجابي بين البعدين الإسلامي والوطني في العمل الثوري الفلسطيني؛ وكان لها دور بارز في الثورة الفلسطينية الكبرى في مناطق القدس والخليل وجنوب فلسطين.

المشاركة في حرب 1948:

حركة حماس هي امتداد لجماعة الإخوان المسلمين التي نشأت في فلسطين منذ أوائل أربعينيات القرن العشرين. والتي وصلت فروعها إلى نحو 25 فرعاً قبيل حرب 1948. وقد شارك الإخوان الفلسطينيون بقوة في هذه الحرب، سواء ضمن تشكيلات جيش الجهاد المقدس، أم جيش الإنقاذ أم مع متطوعي الإخوان المسلمين الذين جاؤوا من مصر والأردن وسورية والعراق دفاعاً عن فلسطين… وكانت لهم أدوار مشهودة في يافا والقدس وغزة… وغيرها. فاكتسبوا شعبية كبيرة واحتراماً في أوساط الشعب الفلسطيني.

مبادرات العمل العسكري في الخمسينيات:

في قطاع غزة الذي وُضع تحت الإدارة المصرية بعد حرب 1948، أعاد الإخوان الفلسطينيون ترتيب أنفسهم، وانتشرت فروعهم في معظم مناطق القطاع. وتولى قيادتهم مكتب إداري برئاسة الشيخ عمر صوان. وتمكنوا من أن يكونوا التنظيم الأكثر شعبية ونشاطاً، إلى أن قام النظام المصري بضرب الإخوان المسلمين سنة 1954، مما ألجأهم للعمل السري.

وخلال الفترة 1952–1954 أنشأ إخوان غزة تنظيماً عسكرياً سرياً (تنظيم خاص)، اتصلت خيوطه بكامل الشريف (أحد أبرز قادة الإخوان المصريين في حرب 1948)، الذي كان مقيماً في منطقة العريش في سيناء. وكان هذا التنظيم في غزة وشمال القطاع بقيادة أبو جهاد خليل الوزير، وممن يساعده معاذ عابد وفوزي جبر ومحمد الخضري، ويقود خان يونس والمنطقة الوسطى أبو أسامة خيري الأغا (الذي سيصبح مراقباً عاماً للإخوان الفلسطينيين ثم أول رئيس لحركة حماس)، ويقود رفح ومنطقة الجنوب محمد يوسف النجار. أما صلة الوصل بين هؤلاء وكامل الشريف فكان محمد أبو سيدو، الذي كانت تسهل حركته لعمله سباكاً في الجيش المصري، وينتقل أسبوعياً للعمل في سيناء

تمكن الإخوان في القطاع من تدريب نحو 250 من عناصرهم بأشكال مختلفة؛ غير أن نحو مئة منهم تلقوا تدريباً خاصاً في الكتيبة الفلسطينية التي كان يقودها الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرؤوف، والذي كان ضمن قيادة تنظيم الضباط الأحرار الذين قاموا بالانقلاب على الملك فاروق. غير ان هذا التنظيم لم يقم إلاّ بعمل عسكري محدود، قبل أن يقوم عبد الناصر بضرب جماعة الإخوان.

***

ومع تعرض الإخوان لحملة مطاردة شرسة وتشويه أسود من نظام عبد الناصر، اضطر الإخوان إلى الانكفاء على الذات. غير أن العديد من عناصرهم المتوثبة للعمل المقاوم سعت لإنشاء إطار وطني (ليس له هوية إسلامية فاقعة) حتى يتجنب مطاردة النظام المصري والأنظمة المعادية للإسلاميين. وقدم خليل الوزير مشروعاً بذلك لقيادة إخوان القطاع 1957، لكنه لم يلق تجاوباً منهم، بسبب الظروف الصعبة التي يعانون منها. فاجتهد خليل الوزير بالاشتراك مع ياسر عرفات (الذي كان مُقرباً من الإخوان) في إنشاء هذا الإطار الذي أصبح يعرف بحركة تحرير فلسطين (فتح). وانضم إليهم عدد من أنشط وأكفأ شباب الإخوان أمثال رياض الزعنون وسليم الزعنون ومحمد يوسف النجار وعبد الفتاح حمود ويوسف عميرة (الذي كان من شباب الإخوان الذين قاتلوا في الدفاع عن يافا في حرب 1948)، وكمال عدوان، ومعاذ عابد، وصلاح خلف، وسليمان حمد (الذي سيصبح أحد أبرز مؤسسي حماس لاحقاً)، ورفيق النتشة… وغيرهم. غير أن عدداً منهم رجع للإخوان، عندما أمرت قيادة الإخوان في غزة وقيادة فتح 1962–1963 عناصرها بالاختيار بين أحد الجماعتين.

وفي الضفة الغربية، وبعد حرب 1948، وفي ضوء ضم الأردن للضفة سنة 1950، اندمج الإخوان في تنظيم واحد مع إخوانهم في شرق الأردن. ونشطت فروع الإخوان في معظم الضفة الغربية وخصوصاً القدس والخليل ونابلس وعقبة جبر. وحاول الإخوان تحت لافتة مؤتمر القدس الذي عقد 1953، أن يطوروا عملاً عسكرياً خاصاً فأحضروا كامل الشريف ليكون نائباً للأمين العام للمؤتمر، وليعمل تحت هذا الغطاء. غير أن الأمر لم يتجاوز تدريب مجموعة من العناصر…؛ إذ سرعان ما تم طرد الشريف من الأردن بأوامر من جلوب باشا رئيس أركان الجيش الأردني في ذلك الوقت؛ ثم عاد بعد طرده من الأردن. واقتصر النشاط على دعم الحرس الوطني للحدود، بالإضافة إلى الأنشطة السياسية والاجتماعية والدعوية المعتادة. وقد برز من إخوان الضفة الغربية الشيخ مشهور ضامن بركات، وراضي السلايمة، وحافظ عبد النبي النتشة، وشكري أبو رجب، وسعيد بلال، وتوفيق جرار…

كما أن الشيخ فضل عباس الذي جاء إلى لبنان حوالي 1953، وكان من شباب الإخوان من أبناء فلسطين، نظم مجموعات جهادية سرية، تمكنت اختراق الحدود باتجاه شمال فلسطين المحتلة والاستطلاع في الفترة 1954-1956، لكن دورها لم يتطور إلى أكثر من ذلك.

غير أن الفترة 1957–1967 شهدت تراجعاً في عمل الإخوان وشعبيتهم مع ضغط النظام المصري، وفي ضوء الدعاية الشرسة المضادة وتصاعد التيارات القومية والناصرية واليسارية. وخسر الإخوان في القطاع قيادتهم التقليدية، كما خسروا عدداً من أفضل عناصرهم التي انتمت لحركة فتح؛ هذا بالإضافة إلى ذهاب الكثير من كوادرهم لبلدان الخليج طلباً للرزق.

تنظيم الإخوان الفلسطينيين:

أعاد الإخوان في قطاع غزة ترتيب أوضاعهم بشكل سري تحت قيادة شابة أبرز عناصرها عبد الله أبو عزة وعبد البديع صابر. أما هاني بسيسو الذي كان أحد أبرز شباب الإخوان ومحطّ إجماعهم، فقد ذهب للتدريس في العراق في منطقة الزبير منذ سنة 1953؛ غير أن إخوان القطاع كانوا يسلمونه القيادة، أو لا يقطعون أمراً دونه، عندما يعود صيفاً. وفي صيف سنة 1962 رتبوا اجتماعاً حضره 15 مندوباً في مواصي عيد الأغا في منطقة خان يونس؛ وقرروا إنشاء تنظيم ”الإخوان الفلسطينيين“، وانتخبوا هاني بسيسو رئيساً لهم (مراقباً عاماً). فترك بسيسو التدريس في العراق، واستقر في القاهرة تحت غطاء الدراسات العليا للتفرغ لقيادة التنظيم، وانتُخِب عبد البديع صابر نائباً له. وشمل تنظيم الإخوان الفلسطينيين قطاع غزة وبلدان الخليج وسورية لكنه لم يشمل الأردن (بما فيها الضفة الغربية) حيث كان للإخوان تنظيمهم هناك.

وفي سنة 1965 قبض النظام المصري على هاني بسيسو ضمن حملته على الإخوان، وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، غير أنه توفي رحمه الله في السجن مصاباً بالحمى الشوكية سنة 1968.

وتولى عبد البديع صابر (الذي استقر في قطر) قيادة الإخوان الفلسطينيين في غياب هاني بسيسو، وتم تثبيته رسمياً مراقباً عاماً في اجتماع مجلس شورى الإخوان الفلسطينيين 1969 في بيروت. غير أن عبد البديع استعفى من القيادة سنة 1970، فحلَّ مكانه نائبه عبد الله أبو عزة، إلا أن أبا عزة الذي تطورت لديه رؤى فكرية ناقدة لعمل الإخوان؛ ولفكر سيد قطب قدم استقالته سنة 1971؛ وقام مجلس الشورى بالموافقة على تنحيته بعد مساءلته. وحلَّ عمر أبو جبارة (الذي كان أيضاً مسؤولاً عن الإخوان الفلسطينيين في الكويت) مكان أبي عزة، ثم تم تثبيته بانتخابه مراقباً عاماً في مجلس الشورى الذي عقد سنة 1973، وانتخب خيري الأغا نائباً له. وانتخب معهم في اللجنة التنفيذية سليمان حمد ونادر الحاج عيسى وخليل حمد.

قدَّر الله أن يتوفى عمر أبو جبارة رحمه الله، في بداية صيف 1975، عندما وقع عن ظهر شاحنة صغيرة بينما كان يجهز للسفر للأردن؛ فتولى نائبه خيري الأغا قيادة الإخوان، أما سليمان حمد فحلَّ مكان أبي جبارة في قيادة الإخوان الفلسطينيين في الكويت. وفي اجتماع الشورى في السنة نفسها، تم انتخاب خيري الأغا مراقباً عاماً، وسليمان حمد نائباً له.

كان بين الأغا وحمد تناغم كبير خصوصاً في الاهتمام بالعمل الجهادي لفلسطين وفي الاهتمام في قطاع الشباب والطلاب. فقد كان الأغا أحد قادة التنظيم العسكري الخاص في القطاع (1952–1954)، وكان حمد أحد مؤسسي حركة فتح (والتي تركها لاحقاً). وقد توافق ذلك تماماً مع شخصية الشيخ أحمد ياسين الذي تولى قيادة الإخوان في قطاع غزة بعد الاحتلال الإسرائيلي للقطاع سنة 1967، خلفاً لإسماعيل الخالدي. وكان نائبه عبد الفتاح دخان.

توحيد تنظيمي الإخوان الفلسطينيين والأردنيين:

طُرحت في مجلس شورى الإخوان الفلسطينيين الذي انعقد سنة 1977 فكرة دمج التنظيمات الإخوانية في تنظيمات إقليمية حيث تتوحد مثلاً تنظيمات الإخوان في الأردن وسورية وفلسطين ولبنان في تنظيم بلاد الشام؛ وقس عليها مصر والسودان، وشمال إفريقيا. وطرحت الفكرة على مجلس شورى الإخوان في الأردن بوجود خيري الأغا وسليمان حمد، فوافق المجلس بالإجماع. وخلال سنة 1978 تم حلُّ مجلسي شورى الإخوان في الأردن والإخوان الفلسطينيين؛ وتم انتخاب مجلس جديد؛ وقيادة جديدة برئاسة محمد عبد الرحمن خليفة، وانضمت تشكيلات الإخوان الفلسطينيين في غزة والكويت والسعودية وقطر والإمارات لهذا التنظيم الذي أطلق عليه بلاد الشام. وبالرغم من أن ظروفاً عملية وموضوعية حالت دون انضمام إخوان سورية ولبنان للتنظيم إلا أنه حافظ على اسمه.

انبثقت عن هذا التنظيم لجنة متخصصة تتابع الشأن الفلسطيني في الداخل، وخصوصاً في الضفة والقطاع. وكان من أبرز العاملين فيها قنديل شاكر وأبو بشير الزميلي، فضلاً عن متابعة أمين السر يوسف العظم لأعمالها.

صعود التيار الإسلامي والتأسيس للعمل المقاوم:

وفي الفترة 1968–1970 تبنى الإخوان في الأردن ومعهم عدد من التنظيمات الإخوانية فكرة إنشاء ”معسكرات الشيوخ“ شرقي الأردن للمشاركة في العمل الفدائي، بالتعاون مع حركة فتح وتحت مظلتها؛ وأقيمت سبع قواعد على الحدود مع فلسطين المحتلة، ونفذ الإخوان عدداً من العمليات النوعية. وبالرغم من أن تنظيم الإخوان الفلسطينيين لم يشارك رسمياً في هذه المعسكرات، إلا أنه ترك لأفراده حرية المشاركة.

ومع أوائل السبعينيات بدأ التيار الإسلامي يستعيد عافيته سواء في الداخل الفلسطيني أو في الشتات، وبدأ يظهر بقوة في الأوساط الشعبية وخصوصاً الطلابية والشبابية. ونشط العمل الخيري والدعوي في الداخل الفلسطيني، وبرز المجمَّع الإسلامي في قطاع غزة، كما أنشئت الجامعة الإسلامية في غزة التي كان لخيري الأغا دور كبير في إنشائها، كما تولى رئاسة مجلس أمنائها.

قرر التنظيم الفلسطيني (وخصوصاً في الكويت) سنة 1973 إنفاق ثلاثة أرباع ميزانيته (75%) على إنشاء العمل الطلابي وتفعيله. وفي السنة نفسها انضم خالد مشعل وعدد من رفاقه إلى هذا التنظيم بعد أن كانوا موزعين على تنظيم الإخوان الكويتيين وتنظيم البعوث (الإخوان المقيمين من غير الكويتيين).

وفي النصف الثاني من السبعينيات أصبح التيار الإسلامي الفلسطيني رقماً صعباً ومنافساً رئيسياً لحركة فتح شعبياً وطلابياً في جامعات الداخل الفلسطيني وجامعة الكويت. كما برز التيار الإسلامي بقوة في الجامعات الأردنية… وأنشأ الإسلاميون الفلسطينيون مع نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات روابط واتحادات طلابية في بريطانيا والكويت وألمانيا وأمريكا…

وفي ضوء التشجيع الكبير والصلاحيات الواسعة التي أعطتها قيادة الإخوان الفلسطينيين لطلابها وشبابها في الكويت، وفي ظل أجواء حرية واسعة لأنشطة الوافدين في الكويت، ووجود نحو 350 ألف فلسطيني متجمعين بشكل كثيف في مناطق محدودة مثل حَوَلِّي والفروانية وخيطان… برز العمل الطلابي الفلسطيني بقيادة خالد مشعل، وبعد تخرجه من جامعة الكويت 1979 اتسعت اهتماماته لتطوير العمل الفلسطيني المقاوم تنظيمياً ودعوياً وسياسياً؛ وأشرف منذ أوائل 1980 على إنشاء وتطوير أنوية عسكرية وأمنية، وتدريب كوادر متخصصة في هذه المجالات.

وفي قطاع غزة قام الشيخ أحمد ياسين بتأسيس الجهاز العسكري، بيد أنه انكشف مما أدى إلى ضربه في 1984، وقد أعيد بناء الجهاز من جديد سنة 1986 تحت اسم ”المجاهدون الفلسطينيون“، وتأسس الجهاز الأمني للإخوان في قطاع غزة (مجد) سنة 1981، كجزء من العمل العسكري، وأعيد بناؤه وتوسيعه سنة 1985.

وفي الجامعات المصرية برز التيار الإسلامي الفلسطيني وكان من أبرز رموزه موسى أبو مرزوق وبشير نافع وفتحي الشقاقي وعبد العزيز عودة… . وكان ثمة ضغط شديد بين الكوادر الإخوانية في مصر تجاه العمل الجهادي… وشكلت الثورة الإيرانية 1979 حافزاً دافعاً في هذا المجال، مما دفع فتحي الشقاقي للخروج عن الإخوان مع عدد من رفاقه وتأسيس حركة الجهاد الإسلامي سنة 1980.

مؤتمر تنظيم ”بلاد الشام“ الخاص بفلسطين:

في آذار/ مارس 1983 قدَّم خالد مشعل ليوسف العظم، عندما زار الكويت مشروعاً لإقامة مؤتمر داخلي لفلسطين، يبحث في توحيد الفهم وفي أسس ومنطلقات ووسائل العمل لفلسطين وفي إطلاق برامج العمل المتعلقة بها. وقد تم عقد هذا المؤتمر في الأردن في 20 و21 تشرين الأول/ أكتوبر 1983 بحضور ممثلين عن مناطق التنظيم المختلفة بما في ذلك قطاع غزة. وانصبت قراراته التي توزعت على عشر صفحات على التأكيد على أن العمل لقضية فلسطين ومشروع التحرير لا يتناقض مع مشروع إقامة الدولة الإسلامية، وأنهما خطان متوازيان يسيران جنباً إلى جنب ويكمل بعضهما بعضاً. واتخذ في إطار التنظيم الداخلي 26 قراراً لتطوير ودعم العمل على الساحة الفلسطينية بما في ذلك تفريغ جهاز خاص أو لجنة… للعمل الفلسطيني الإخواني بحيث يضع الخطط والدراسات ويتولى تأمين متطلبات الإعداد والاستعداد؛ وقيام قيادة واحدة للتنظيم في داخل فلسطين بالنسبة للأمور الحركية وشؤون الدعوة…، مع فصل المناطق عن بعضها فيما يتعلق بالعمل الجهادي. وكانت هناك قرارات متعلقة بنشر الدعوة والعمل الإسلامي العام، وتحقيق الانتشار الشعبي الجماهيري، والعمل في الجامعات والمؤسسات التعليمية، والعمل الإعلامي. والتركيز على مدينة القدس لتصبح مركز إشعاع وقبلة العمل الإسلامي الموحد.

كما عالجت قرارات المؤتمر العمل الجهادي على الساحة الفلسطينية، وأكدت على ضرورة الاستعداد العسكري وتهيئة الوسائل المناسبة لإنجاحه؛ وعدم إغفال دور الجماهير في أي خطط يضعها الإخوان للعمل العسكري. كما تحدثت قرارات المؤتمر عن العلاقة مع التجمعات الإسلامية الأخرى، والعلاقة مع منظمة التحرير الفلسطينية، حيث ركزت بشكل عام على الروح الإيجابية في التعامل، والتوصية بالحوار مع فتح دون سواها (في تلك المرحلة) على أن يكون الهدف هو ”بقاء راية الجهاد مرفوعة وجذوة الجهاد مشتعلة“.

وقد اعتبر هذا المؤتمر هو المؤتمر الأول الخاص بالقضية الفلسطينية الذي يعقده تنظيم بلاد الشام. كما قرر تأليف لجنة مهمتها متابعة قرارات المؤتمر ووضعها موضع التنفيذ.

إنشاء جهاز فلسطين:

بمبادرة من إخوان ”بلاد الشام“ في الكويت تم إنشاء لجنة للروابط الطلابية سنة 1982، وتطورت فكرتها لتضم أيضاً اللجان العاملة لفلسطين في الأقطار المختلفة. وحدثت اجتماعات للروابط واللجان في الفترة 1983–1984. ومن خلال الحوارات والمناقشات، تم تطوير الفكرة باتجاه اقتراح جسم مركزي يتابع العمل لفلسطين في الداخل والخارج ويشرف عليه، وكان لخالد مشعل دور أساسي في إنضاجه. وتم رفع المشروع لقيادة الإخوان في الأردن، والتي وافقت على إنشاء هذا الجسم باسم ”قسم فلسطين“ في سنة 1985، والذي أصبح يُعرف لاحقاً باسم ”جهاز فلسطين“.

وقد وافق خيري الأغا، على قيادته، حيث انطلق العمل بقوة في 1986. وأصبح هذا الجهاز يدير العمل الفلسطيني، ويملك صلاحيات واسعة، غير أنه ظل ملتزماً بالعمل تحت سقف تنظيم بلاد الشام. وكان الأغا يتمتع بدينامية عالية، وإمكانات قيادية كبيرة، وعلاقات واسعة، وقدرة على توظيف الطاقات واستيعابها وخصوصاً الشبابية، مما أسهم بدور مهم  في نجاح العمل؛ خصوصاً أنه كان إلى جانبه شخصيات فاعلة مؤثرة مثل سليمان حمد الذي تابع قيادة الإخوان في الكويت حتى نهاية 1989، وخالد مشعل، وعمر الأشقر وقنديل شاكر وأبو بشير الزميلي. وهي القدرات والكفاءات نفسها التي توافرت في الشيخ أحمد ياسين وإخوانه في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، وعدد من بلدان الشتات.

إطلاق حماس:

في صيف 1985، اتخذت قيادة الإخوان المعنية بمتابعة العمل لفلسطين قراراً باستغلال أي أحداث للاشتراك في المواجهة ضد الاحتلال. وأعطت قيادة العمل في الخارج للداخل صلاحية اختيار التوقيت المناسب لإطلاق العمل الإخواني المقاوم، فبدأ يزداد التفاعل، حيث استشهد اثنان من شباب الإخوان في المواجهات التي شهدتها جامعة بيرزيت سنة 1986.

كان للإخوان في الضفة الغربية وقطاع غزة مكتب إداري يدير العمل وينسقه بين المنطقتين. وكان يرأسه الحاج راضي السلايمة (من إخوان القدس)، ثم خلفه عبد الفتاح دخان. وفي 23/10/1987 اتخذ المكتب، الذي كان مجتمعاً في بيت حسن القيق (في دورا قضاء الخليل)، قراره بإطلاق المقاومة ومواجهة الاحتلال. وكان ذلك بحضور عبد الفتاح دخان وعدنان مسودي وحماد الحسنات وناجي صبحة وإبراهيم اليازوري وحسن القيق نفسه.وغاب عن الاجتماع سعيد بلال الذي لم يستطع الوصول إلى المكان في الوقت المناسب. وقرر المجتمعون أن يتركوا لكل مدينة الخيار في أن تعمل بالكيفية التي تراها مناسبة.

وعندما وقعت حادثة دهس أربعة من العمال الفلسطينيين في 8/12/1987، اجتمعت قيادة الإخوان في قطاع غزة ليلتها، بحضور الشيخ أحمد ياسين وعبد العزيز الرنتيسي وعبد الفتاح دخان ومحمد شمعة وإبراهيم اليازوري وصلاح شحادة وعيسى النشار؛ وقررت إطلاق المواجهات في مختلف مناطق القطاع؛ وهو ما بدأ فعلاً بعد صلاة فجر 9/12/1987 عندما خرجت المظاهرات من مخيم جباليا. وكان اثنان من تيار الإخوان هما أول شهيدين دشّنا بدء الانتفاضة المباركة في فلسطين، وهما حاتم أبو سيس ورائد شحادة. وفي 14/12/1987 أصدرت حركة المقاومة الإسلامية بيانها الأول.

وفي اجتماع المكتب الإداري في 10/1/1988 في بيت حسن القيق في القدس، اتخذ القرار بالتأكيد على استمرار الانتفاضة ونشرها في جميع المدن والقرى والمخيمات. أما اختصار اسم حركة المقاومة الإسلامية إلى ”حماس“، فتم باقتراح من حسن القيق وفي بيته أيضاً.

وبذلك ظهرت حماس، التي أصدرت ميثاقها في 19/8/1988. وتابع جهاز فلسطين هذا العمل، وظهرت كتائب القسام في أيار/ مايو 1990 لتحل مكان ”المجاهدون الفلسطينيون“. كما عقدت حماس أول مجلس شورى لها في شهر آب/ أغسطس 1991 حيث انتخب الشيخ عمر الأشقر رئيساً له. أما خيري الأغا فاستعفى عن متابعة قيادة الحركة في 1993، إيماناً منه بدور الشباب، ليحل مكانه نائبه موسى أبو مرزوق. وظل جهاز فلسطين يتبع تنظيم بلاد الشام إلى أن تم فك العلاقة رسمياً، في شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وانفصلت حماس أو الإخوان المسلمون الفلسطينيون عن تنظيم الإخوان في الأردن.

هذا المقال هو نسخة موسعة عن النص الذي نشر في الجزيرة.نت، الدوحة 28/12/2016