مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي (72) – تشرين الأول/ أكتوبر 2014.

ملخص:

شهدت أوروبا خلال العدوان الإسرائيلي في صيف 2014 على غزة تطوراً مهماً في التفاعل الجماهيري المناهض للاحتلال الإسرائيلي وعدوانه على الشعب الفلسطيني، وقد تجلّى ذلك في حجم التفاعل واتساع نطاقه والتطور النسبي في أشكاله التعبيرية، وتنسيق التحركات ونسج التحالفات في المجتمع المدني والميدان الجماهيري. وقد اتسم هذا التفاعل، في العموم وليس على الإطلاق، بالتنوع في مكوناته، وبانضمام فئات وشرائح متزايدة إليه في عدد من الدول الأوروبية.

لقد أظهرت الاستجابة الجماهيرية العارمة تحولات متعددة طرأت في أوساط المجتمعات الأوروبية في الموقف من الاحتلال الإسرائيلي وسياساته وانتهاكاته، وإن لم ينعكس ذلك بوضوح على المواقف السياسية الرسمية في أوروبا التي بقيت تقريباً محتفظة بقدر من الثبات.

وتتمثل الآفاق المستقبلية للتفاعل الجماهيري مع فلسطين في سيناريو التطور، أو سيناريو الثبات النسبي، أما سيناريو التراجع فيبدو مستبعداً إلى حدّ كبير. فمن المرجح أن تتطور حالة المساندة والتأييد للحقوق الفلسطينية في أوروبا، مستفيدة من تراكم الخبرات والتجارب المتلاحقة، وكذلك من الإمكانيات المتزايدة للمجتمع المدني وقدرات التكتل والمبادرة في النطاق الجماهيري، بما يترتب على ذلك من تنامي صيغ التفاعل وضخّ طاقات متجددة في مسارات العمل المدني المتنوعة في خدمة القضية الفلسطينية في القارة.

انطلاق الفعاليات الجماهيرية ضدّ العدوان:

منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة في صيف 2014، انطلقت موجة الفعاليات الجماهيرية المنددة به في أنحاء متعددة من أوروبا، فتميزت بالسرعة نسبياً، على الرغم من طبيعة موسم الصيف الذي تتعطل فيه البرلمانات والجامعات والنقابات، وتصاعدت وتيرة التفاعل عبر 51 يوماً من العدوان.

كان هذا العدوان هو الثالث على التوالي خلال سنوات ستّ، بما راكم الخبرات الجماهيرية وأبقى التفاعل مع القضية الفلسطينية في القارة الأوروبية في حالة يَقِظة نسبياً. وشهدت الشهور القليلة التي سبقت العدوان محطات في التفاعل الجماهيري عبر أوروبا مع التطورات الفلسطينية، مثّلت تهيئة للاستجابة الجماهيرية السريعة والواسعة للعدوان على غزة.

ويمكن تصنيف الجماهير التي خرجت ضدّ العدوان في أيامه الأولى بأنها تلك التي كوّنت مسبقاً مواقفها ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، ولذا فقد سارعت للتفاعل مع العدوان في أيامه الأولى مستحضرة في الغالب مدركاتها السابقة عن الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته وحملاته العسكرية. وتبرز في هذا السياق منظمات واتحادات وتجمّعات وحركات تضع قضية فلسطين ضمن أولوياتها، إن لم تكن مختصة بذلك حصراً.

ومع استمرار العدوان أخذت فئات وشرائح جديدة تنضم إلى موجة التنديد به، ومعها شخصيات عامة انخرطت في الفعاليات الجماهيرية أو خرجت بمواقف وتصريحات في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية.

تطورات مشهد التفاعل الجماهيري ضدّ العدوان:

جاء التفاعل الجماهيري المندد بالعدوان على غزة في صيف 2014 سريعاً وسجّل حضوره في الأيام الأولى من العدوان، بل في اليوم الأول ذاته في عدد من البلدان، عبر مظاهرات واعتصامات ووقفات في أماكن عامة. وتشير التقديرات إلى أن اتساع نطاق الفعاليات الجماهيرية في أيام نهاية الأسبوع ناهز مئتي نقطة تظاهر عبر أوروبا في أيام السبت وحدها. وكانت بعض المظاهرات ضخمة للغاية وغير مسبوقة في كثافتها تقريباً بالنسبة لمساندة القضية الفلسطينية. ومع ذلك، فإن الزخم الجماهيري جاء أقل حضوراً في بعض بلدان أوروبا الشرقية والوسطى، وهو ما يرتبط بدرجة نمو المجتمع المدني وتقاليد التضامن مع القضايا الخارجية في تلك الدول.

وعبر أسابيع العدوان السبعة، توسعت المظاهرات والاعتصامات، وانتقلت تدريجياً من نطاق التظاهر الاعتيادي إلى مستوى برامج العمل الضاغطة. ومع زيادة الزخم الجماهيري تطورت أشكال التظاهر باتجاه مزيد من الرمزية والتماثل مع ضحايا العدوان.

ولم ينجح مؤيدو الاحتلال في حشد مظاهرات أو فعاليات جماهيرية ذات شأن في أوروبا، وبقيت تحركاتهم محدودة، بينما تعاظمت المظاهرات المتضامنة مع غزة وانضمت إليها فئات جديدة.

وقد بدأت خلال الأسبوع الثالث من العدوان موجة مضادة في عدد من الدول الأوروبية تسعى لتشويه المظاهرات والفعاليات الجماهيرية المنددة بالعدوان. لقد استعملت تلك الموجة بلاغات متلاحقة صدر بعضها عن هيئات الطوائف اليهودية في عدد من بلدان أوروبا، زعمت فيها رصد زيادة حادّة في “العداء للسامية”. كما تمّ إبراز وقائع متفرِّقة من المشادات أو الصدامات، خصوصاً ما جرى في باريس من مواجهات بين متظاهرين ضدّ العدوان وشبان فرنسيين يهود. ومقابل ذلك، صدرت من أصوات متعددة، بعضها من شخصيات يهودية، انتقادات متفرقة تستنكر الزعم بوجود موجة من “العداء للسامية”، خصوصاً مع الخلط في التصنيف واعتبار انتقاد جرائم الاحتلال هو بحد ذاته بمثابة “كراهية لليهود”.

في غضون ذلك، نشأت في ميدان التظاهر عبر أسابيع متواصلة، تحالفات وائتلافات استقرّت بشكل متصاعد ليتحول بعضها إلى مشروعات وبرامج دائمة مكرسة لمواجهة الاحتلال ومحاصرته في بيئات العمل المدني. وانتقلت هذه الهبّة الجماهيرية من نطاق المواقف الرافضة للعدوان إلى خطوات وبرامج عملية، ضدّ الاحتلال والعدوان وحصار غزة، علاوة على المقاطعة وفرض العقوبات ونزع الاستثمارات.

وزيادة على الفعاليات الجماهيرية العامة، أقيمت المظاهرات القطاعية التي حشدت شرائح بعينها، وتوجهت بعض المظاهرات والاعتصامات للتظاهر قبالة مؤسسات بعينها.

تغطيات وسائل الإعلام الأوروبية للتفاعل الجماهيري:

لم تمنح معظم وسائل الإعلام الأوروبية العدوان الإسرائيلي في أيامه الثلاثة الأولى على الأقل اهتماماً كافياً، وغابت صور معاناة الفلسطينيين في غزة عن صدارات الصحف. وطرأ التحول مع حلول يومي الخميس والجمعة 10 و11 تموز/ يوليو، عندما بدأت صور آلام الفلسطينيين تفترش مساحات من الصحف الأوروبية.

أما الفعاليات الجماهيرية المنددة بالعدوان في القارة الأوروبية فلم تلقَ اهتماماً ملحوظاً في التغطيات الإعلامية المحلية على مدى أسبوعين على الأقل، ثم طرأ التحول في الأسبوع الثالث، فاجتذبت تلك الفعاليات اهتمام وسائل الإعلام، وبدأت تشغل مساحات متقدمة نسبياً في التغطيات خصوصاً مع تمكّنها من فرض الحدث الإعلامي.

التفاعل الجماهيري وحدود القدرة في التأثير على المستوى السياسي:

تبنّى التفاعل الجماهيري ضدّ العدوان الإسرائيلي على غزة حزمة من المواقف والمطالب السياسية. توجهت بعض هذه المطالب إلى صانعي القرار في المستويات التنفيذية والتشريعية ضمن كل دولة وفي النطاق الأوروبي الموحد.

لقد انتقلت قوائم المطالب التي حملتها الجماهير المنددة بالعدوان في أوروبا من العناوين العامة كوقف العدوان ورفع الحصار، إلى المطالب المحددة التي يتوجه معظمها إلى المستوى السياسي، ومنها على سبيل المثال المناداة بوقف تصدير السلاح إلى الجانب الإسرائيلي، وتجريم تجنّد مواطنين أوروبيين في جيش الاحتلال، والمطالبة بفتح خطوط بحرية مع ميناء غزة، علاوة على المناداة بالمقاطعة ونزع الاستثمارات وفرض العقوبات، وصولاً إلى مطالبات رفعها متظاهرون في بعض الدول بطرد السفراء الإسرائيليين.

وبالرغم من أن المواقف الرسمية الأوروبية المتفرقة والمشتركة أخذت تشهد تحولاً نسبياً وجزئياً في الأسابيع اللاحقة، إلا أنها ظلت بعيدة بوضوح عن مطالب التفاعل الجماهيري في العواصم والمدن الأوروبية؛ فما طرأ لا يتعدى تخفيفاً من حدة الانحياز الذي برز في الأسابيع الأولى من العدوان، ثم جاء التعبير الرسمي عن استجابات ذات طابع إنساني وإغاثي في الأساس، بعد ما أحدثه العدوان من أضرار جسيمة في قطاع غزة.

الفلسطينيون في أوروبا: تطور الحضور وتراكم التجربة في ظلال العدوان:

منحت تطورات صيف 2014 على غزة دفعة محفِّزة للحضور الفلسطيني في القارة الأوروبية، خصوصاً مع طول أمد العدوان الذي تجاوز سبعة أسابيع، بالمقارنة مع جولتيْ العدوان السابقتين في 2008-2009 و2012.

ومثّلت هذه الجولة مناسبة مهمة في توريث القضية وتعميق الوعي لدى الأجيال الفلسطينية الصاعدة في البلدان الأوروبية بحقائق الصراع ومفاهيمه، وحتى بالمعرفة العامة والتفصيلية عن فلسطين ومناطقها. وقد شحنت هذه التطورات الساخنة روح الانتماء الفلسطيني بطاقة متجددة، بما ترتّب على ذلك من تعبيرات جماهيرية وإعلامية وثقافية وسياسية.

وقد طوّر الشتات الفلسطيني في أوروبا من صيغ تفاعله الجماهيري فلم يعد يقتصر على الأشكال التقليدية أو البدائية للتظاهر، بل تجاوزها إلى التجديد والتنويع، مع تبادل التجارب بين ميادين التفاعل في البلدان الأوروبية، وكذلك تلاقح الخبرات بين المكوِّنات المتنوعة للمشهد الجماهيري في كل بلد أو مدينة على حدة.

ما بعد التضامن: فئات وقطاعات متنوعة ضمن طيف التفاعل الجماهيري:

ضمّ التفاعل الجماهيري في أوروبا ضدّ العدوان طيفاً متنوعاً، يشمل مجموعات فلسطينية وعربية وإسلامية، وأخرى أوروبية متخصصة في مساندة فلسطين، وكذلك مجموعات يهودية، علاوة على مجموعات ذات اهتمامات متعددة.

وقد تجتمع هذه الجماعات والاتحادات والمؤسسات على تنوعها في فعالية جماهيرية محلية بعينها. وقد لا يرقى الأداء الجماهيري في بعض المدن إلى هذا المستوى من التكتل والتنوع، فتخرج به جمعية محلية أو اتحاد بعينه، وهو ما يشير بحد ذاته إلى تفاوت نسبي في تجارب الائتلاف والتحالف والتنسيق في التفاعل الجماهيري مع فلسطين في البيئات الأوروبية.

لقد عرف التفاعل الجماهيري في أوروبا مع قضية فلسطين حالات من الصعود والهبوط، ثم شهد تأييد القضية الفلسطينية في البيئة الأوروبية تحولات متعددة في السنوات الأخيرة، فتم عملياً تجاوز مفهوم التضامن التقليدي مع قضية فلسطين إلى مفهوم تبنِّي هذه القضية وحملها مباشرة، وتطوير آليات عمل جديدة وفعالة تعبيراً عن ذلك. ويتأسس مفهوم التبنِّي على إدراك الانتهاك القيمي الجسيم المترتب على الاحتلال الإسرائيلي بما يجعل التصدِّي له مسؤولية إنسانية مشتركة.

وبرزت في هذا السياق ظاهرة التخصص في الأداء الجماهيري الأوروبي الداعم لقضية فلسطين، ونشأت جماعات القضية الفرعية الواحدة ضمن ملفات القضية الفلسطينية، مع تجاوز الأطياف الأيديولوجية إلى العمل التخصصي. كما انتقل الأداء من التركيز على إبراز التعاطف التقليدي إلى برامج العمل المبادِرة والضاغطة. وتطورت في غضون ذلك أطر من التعاون والتنسيق والشراكة والتحالف في مجالات مساندة قضية فلسطين، وتفاعل ذلك مع تنامي اتجاهات التشبيك في العالمين الواقعي والافتراضي وتعاظم خبرات المجتمع المدني وقدراته وأدواره.

العوامل المحفزة للتفاعل الجماهيري مع قضية فلسطين في أوروبا:

– الأحداث الداهمة أو الصادمة ذات الصفة الاستثنائية بما يترتب على ذلك من اهتمامات سياسية وإعلامية.

– تطور القدرة على صناعة الحدث الإعلامي والجماهيري سواء داخل فلسطين أم خارجها، عبر حملات ومبادرات وخطوات فعالة. وتراكم التجارب وتبادل الخبرات في مجال العمل الجماهيري المُناصِر لقضية فلسطين، والاستفادة من مزايا التواصل والتشبيك عبر البيئات المتعددة في هذا المجال.

– الطبيعة النشطة لساحة العمل المدني في القارة الأوروبية، وتنامي قدرات الجماهير وفرص التحرك والتأثير المتاحة في هذه الساحة.

– تطور صيغ ائتلافية وتحالفية وتنسيقية فعّالة في مجال العمل الجماهيري لصالح القضية الفلسطينية.

– نمو الخطاب الفلسطيني والخطابات المساندة للحقوق الفلسطينية في أوروبا والعالم، واشتقاق خطابات وأطر تخصصية في مجالات القضية الفلسطينية المتعددة، ومنها العودة، ومقاطعة الاحتلال، وكسر الحصار، وغير ذلك.

– الفرص المتاحة للجماهير وأطر المجتمع المدني في المواكبة المتواصلة لتطورات قضية فلسطين، وهو ما يستحثّ التجاوب السريع مع الأحداث والمستجدات.

– اهتمام وسائل الإعلام بتطورات قضية فلسطين وبالتفاعل الجماهيري معها، وتوظيف وسائل التواصل المتعددة من جانب الجماهير والمجتمع المدني في سياق هذا التفاعل.

– التنوع في مكوِّنات الجماهير المتفاعلة، وانخراط قطاعات وشرائح متعددة في التفاعل، وعدم اقتصارها على خصائص متجانسة أو مكوِّنات فئوية أو إثنية محددة.

– انضمام شخصيات عامة ومنظمات فاعلة في المجتمع المدني، علاوة على الأحزاب والنقابات، إلى التفاعل الجماهيري مع قضية فلسطين.

– ضمور الأطر المنحازة للاحتلال الإسرائيلي في المجتمع المدني في البلدان الأوروبية أو ضعف قدرتها على الحشد والتعبئة، واضمحلال القدرة الإقناعية لدعاية الاحتلال.

العوامل المعيقة للتفاعل الجماهيري:

– ارتباط التفاعل الجماهيري موجياً مع تصاعد التطورات والأحداث في فلسطين، وهي معضلة تبرز بشكل خاص في الملفات النمطية التي تشتمل على ضغوط وانتهاكات مزمنة وتفتقر إلى الوقائع والتطورات الصادمة أو الحادّة، كقضيتيْ القدس والأسرى مثلاً.

– تزامن بعض الأحداث والتطورات مع شواغل غير محفِّزة للتفاعل الجماهيري، مثل مواسم الأعياد والعطلات والأحداث الرياضية الكبرى.

– ضعف إلمام بعض مكوِّنات المجتمع المدني وقطاعات الجماهير لجوانب من التطورات والانتهاكات التي تجري في فلسطين.

– بروز قضايا وشواغل في مجال السياسة الخارجية تختطف الأنظار بعيداً عن القضية الفلسطينية، بما في ذلك الأزمات المتصاعدة في العالم العربي والإسلامي.

– تشويه الانتقادات التي تتعرض للاحتلال الإسرائيلي بوصمة “كراهية اليهود” و”العداء للسامية”، وهو ما يضغط بشكل خاص على الشخصيات العامة وبعض أطراف المجتمع المدني.

– ربط التفاعل الجماهيري مع القضية الفلسطينية في بعض البلدان بمخاوف أمنية، أو اضطرابات وأعمال شغب، أو دعوات للعنف.

– مفعول دعاية الاحتلال الإسرائيلي وما يتساوق معها، ومحاولتها تشويه النضال الفلسطيني وربطه بالتطرف والإرهاب.

– ضعف نضوج ائتلافات وتحالفات مساندة لفلسطين في بعض البلدان الأوروبية بما يُضعف الجهود ويقلل من قدراتها على التأثير.

– تركز التفاعل الجماهيري في بعض المدن الأوروبية ضمن فئات أو شرائح بعينها والافتقار إلى التنوع في خلفيات الجماهير ومشاربها.

– التباين القائم في الساحة الفلسطينية وما يتفرع عنه من فجوات على مستوى الأداء والخطاب، وهو ما يبدو جلياً في غياب السفارات والممثليات الدبلوماسية الفلسطينية في أوروبا عن مشهد التفاعل الجماهيري مع قضية فلسطين.

– النمطية في الأداء الجماهيري والافتقار إلى التجديد في الأشكال والأدوات والمضامين، والاقتصار على صيغ أوّلية محددة كالتظاهر والاعتصامات أحياناً.

– ضعف الاهتمام الإعلامي بمواكبة بعض تطورات قضية فلسطين أو التفاعل الجماهيري معها، بما قد لا يستثير انتباه الجماهير، أو قد يحجب صوتها أو يثبِّط من تفاعلها.

– إحساس الجماهير بضعف القدرة على التأثير في اختيارات المستوى السياسي أو في المُجريات بشكل عام.

السيناريوهات المحتملة:

سجل التفاعل الجماهيري في أوروبا مع قضية فلسطين تطوراً ملحوظاً في الأعوام الأخيرة من الناحيتين الكمية والكيفية، وتتمثل الآفاق المستقبلية لهذا التفاعل في سيناريو التطور، أو سيناريو الثبات النسبي، أما سيناريو التراجع فيبدو مستبعداً إلى حدّ كبير:

– سيناريو التطور: يتحقق هذا السيناريو من خلال استمرار مؤشرات النمو في الأطر الجماهيرية التي تساند قضية فلسطين في أوروبا، وازدياد قدراتها على التأثير والضغط، وانضمام فئات وقطاعات جديدة إليها، بما قد يحوِّل نصرة الحقوق الفلسطينية إلى ثقافة عامة في المجتمع المدني ضمن الدول الأوروبية، مع نبذ الاحتلال الإسرائيلي وسياساته وانتهاكاته. وستكون تطورات القضية الفلسطينية وأحداثها محفزة على ذلك. وقد يترجح سيناريو التطور إن حافظت قضية فلسطين على حضورها العالمي، وبقيت أحداثها متأجِّجة، دون أن يعني ذلك بالضرورة التأثير المباشر على المستوى السياسي والساحة الإعلامية.

– سيناريو الثبات النسبي: وهو سيناريو يرتبط بإمكانية الهدوء النسبي في التطورات الفلسطينية، واحتمال انصراف الأنظار في العالم إلى قضايا وملفات أخرى، مع إمكانية بقاء المشهد الجماهيري المؤيد للحقوق الفلسطينية مرتبطاً بالتفاعل الموجي مع الأحداث والتطورات، مع تطور بطيء في نمو الأطر والمؤسسات الفعالة في هذا المجال. قد يتعزز سيناريو الثبات النسبي بالنظر إلى التفاعل الجماهيري من جانب قدراته على التأثير في المستويات السياسية والإعلامية على الأخصّ.

– سيناريو التراجع: وهو سيناريو مُستبعد إلى حدّ كبير، ويمكن افتراضه بتأثير عوامل ومتغيرات محددة، من قبيل سكون طويل الأمد للتطورات في فلسطين، أو فتور الاهتمام بالقضية الفلسطينية مقابل صعود قوي لاهتمامات مغايرة في السياسات الخارجية، أو بضغط حملات التشويه والدعاية الإسرائيلية وما يتساوق معها. ويبقى هذا السيناريو مستبعداً إلى حدّ كبير بالنظر إلى ما تحقق للأوساط والأطر المُسانِدة للقضية الفلسطينية من تطورات نوعية وكمية في السنوات الماضية، ونمو قدرات التشبيك والتواصل المتاحة للجماهير والمجتمع المدني، علاوة على احتفاظ القضية الفلسطينية بمساحة من الحضور على المسرح العالمي.

توصيات:

– تحرير التفاعل الجماهيري في أوروبا المؤيد للحقوق الفلسطينية من الارتهان للجانب السلبي من معادلة التصاعد الموجي للأحداث والتطورات في فلسطين، ويتطلب ذلك التركيز على صناعة الحدث الجماهيري، وتنسيق التحركات والمبادرات.

– التجديد في أشكال التفاعل الجماهيري المؤيد لفلسطين وأدواته ومضامينه، وتنشيط التراكمية في التجارب والتوسع في تبادل الخبرات، وتحفيز المشروعات وبرامج العمل الضاغطة، والسعي لوضع قضية فلسطين ضمن اهتمامات الجماهير في المجتمعات الأوروبية بشتى شرائحها من خلال تنويع زوايا التناول المناسبة للقضية وملفاتها وجزئياتها.

– مواصلة تطوير صيغ ائتلافية وتحالفية وتنسيقية فعالة في مجال العمل الجماهيري لصالح القضية الفلسطينية في أوروبا، والحرص على كسب قطاعات وشرائح متعددة ومزيد من الشخصيات العامة ومنظمات المجتمع المدني.

– العناية بتنمية الخطاب الفلسطيني الموجّه إلى شعوب العالم، وتطوير سبل التواصل والإعلام والتشبيك مع الأطر المدنية والأوساط الجماهيرية. ومراجعة الأداء الرسمي الفلسطيني وخطابه فيما يتعلق بالتفاعل الجماهيري مع قضية فلسطين، خصوصاً السفارات والممثليات الدبلوماسية الفلسطينية.

– تطوير الاهتمام بالتواصل السياسي، وبالأداء الإعلامي، والتصدي الفعال لدعاية الاحتلال الإسرائيلي وتفكيك مرتكزاتها ومضامينها.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ حسام شاكر بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 20/10/2014