مدة القراءة: 9 دقائق

تقدير استراتيجي (70) – أيلول/ سبتمبر 2014.

ملخص:

تأخرت حكومة الوفاق في التحرك، على مستوى الأداء الداخلي، تجاه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجاء تحركها محدوداً ومنفصلاً عن الواقع وعن حجم التحديات والحاجات؛ وحافظت في الوقت عينه على القبضة الحديدية في الضفة لتمنعها من تخطي حاجز “التضامن” إلى تصعيد فعاليات الانتفاضة والاحتجاج الشعبي.

على المستوى السياسي شهدت الحرب تفاوتاً كبيراً في مواقف قيادة السلطة بين مرحلتين: الأولى على مدى أسبوعين تعاملت بشيء من البطء والبرود لا يتناسب مع حجم العدوان، والثانية رفعت سقفها بما يتناسب مع المطالب الشعبية ومطالب المقاومة، دون أن يخلو الأمر من ثغرات في الأداء السياسي.

يخلص التقدير إلى أربع سيناريوهات ممكنة: بين البناء على تجربة الوحدة وتكريسها كنموذج جديد لإدارة المشروع الوطني وإدارة الخلاف، أو العودة إلى الأداء “الكيدي والفصائلي”، واستخدام إشكاليات التمويل والرواتب وإعادة الإعمار لتفريغ إنجازات المقاومة من محتواها، ومحاولة تحقيق الهيمنة الفتحاوية التدريجية “الناعمة” على القطاع. أما السيناريو الثالث فهو الدخول في صراع فصائلي وسياسي للسيطرة على غزة بالتعاون مع المحور المعادي للحركات السياسية الإسلامية. والسيناريو الرابع هو تصاعد حالة المقاومة الشعبية في الضفة بشكل يستحدث واقعاً جديداً ينهي الحالة الوظيفية للسلطة، ويُصعِّد المواجهة مع الاحتلال. وبينما يشكل السيناريو الأول الخيار الأوفق والأكثر جدوى، يبقى السيناريو الثاني للأسف مساراً واقعياً وأقرب للعقلية التي تحكم أداء السلطة.

خلفية:

جاء العدوان الصهيوني على غزة بعد خمسة أسابيع تقريباً من تشكيل حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية التي شُكلت لتنهي نظرياً سبع سنوات من الانقسام في بنية السلطة بين تيارين سياسيين ونهجين توزعا على إقليمين مختلفين، وقد جاء العدوان في وقت كانت فيه حكومة الوفاق هذه تواجه العديد من الملفات الشائكة مثل مصير موظفي الحكومة المقالة في غزة، ودفع الرواتب، وقضية كهرباء غزة، والإدارة الأمنية للقطاع، ووقف الاعتقال السياسي في الضفة الغربية وإطلاق سراح المعتقلين، وتنفيذ الاستحقاقات الأساسية المترتبة على اتفاق المصالحة؛ وأهمها إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة بضمانات لشفافيتها ونزاهتها. مع بدء العدوان لم تكن حكومة الحمد الله قد تمكنت من معالجة أي من هذه الملفات، بل كانت الدلائل تتجه إلى أنها ستكون حكومة مغالبة يحاول فيها طرف أن يكرس غلبته على الطرف الآخر، باستخدام أوراق ضغط مختلفة أهمها التمويل والرواتب والكهرباء ومصير معبر رفح.

جاء تشكيل حكومة الوفاق هذه نتيجة تحديات وظروف إقليمية ودولية جعلت خيار الوحدة نوعاً من الضرورة، ففي غزة كانت حكومة حماس تواجه تحدياً متصاعداً بعد تشديد الخناق عليها من قبل النظام العسكري المصري، الذي بدأ يشكل تجاهها موقفاً عدائياً غير مسبوق في العلاقات المصرية – الفلسطينية؛ أما في الضفة الغربية فقد وصلت سلطة رام الله إلى طريق مسدود إثر توقف العملية التفاوضية المستمرة منذ مؤتمر أنابوليس على مدى سبع سنوات دون أيّ ثمار تذكر.

أولاً: الأداء الداخلي للسلطة خلال العدوان:

أ. دور السلطة في دعم قطاع غزة في مواجهة العدوان:

حملت هذه الحكومة منذ تشكيلها وزناً نسبياً محدوداً وغير متناسب لقطاع غزة، إذ تواجد فيها 4 وزراء فقط من أصل 17 وزيراً شغلوا حقائب العدل والأشغال والعمل وشؤون المرأة. مع بدء العدوان على القطاع، تعرضت عدة قطاعات في غزة لتدمير منهجي كان أهمها القطاع الصحي والبنى التحتية، وتعرضت المقار الحكومية والأمنية لدمار كبير، وكان من المفترض في حكومة الوفاق أن تستنفر قدراتها وطاقاتها، وأن تحاول إسناد أجهزتها في غزة بغرف عمليات وطوارئ، وبدعم مالي مباشر، ومحاولة الوصول إليها بالدعم اللوجستي قدر الإمكان.

على أرض الواقع، اجتمعت حكومة الحمدالله لأول مرة في 10/7/2014 أي في اليوم الثالث للعدوان الذي بدأ فعلياً في 8/7/2014، وأعلنت حالة الطوارئ، ولم يتوجه أي من وزرائها إلى غزة ولم توضح موقفها بهذا الشأن إلى أن أعلن الرئيس محمود عباس في 14/7/2014، اليوم السابع للعدوان، أنه “سيرسل عدداً من الوزراء لرفع تقارير فورية عن احتياجات المواطنين في القطاع”، وكان وزير الصحة جواد عواد أول الواصلين في اليوم التالي، وكان من الطبيعي أن لا يحظى حضوره المتأخر والمنفرد بالرضى والقبول الشعبي.

على المستوى المالي، أسست حكومة الحمد الله صندوقاً خاصاً لإغاثة قطاع غزة، خصصت له بحلول 21/7/2014، اليوم 14 للعدوان، مبلغ 35 مليون شيكل وعادت في 24/7/2014، اليوم 17 للعدوان، لترفع المبلغ إلى 55 مليون شيكل، أي ما يقارب 15.5 مليون دولار، أي أن حكومة الوفاق صرفت ما معدله 9 دولارات للفرد الغزي الواحد لتعزيز موقفه في مواجهة هذا العدوان . أما الرواتب، فلم تدفع حكومة الحمد الله رواتب للموظفين الذين عينتهم حكومة إسماعيل هنية حتى كتابة هذه السطور، بالرغم مما كابدوه وعائلاتهم على مدى 51 يوماً من العدوان.

بالرغم من إعلان هذه الحكومة في 27/7/2014، اليوم العشرين للعدوان، اعتبار قطاع غزة منطقة منكوبة، فلا يبدو أن تبعات تنفيذية أو عملية ترتبت على ذلك، فقد بقي جهد هذه الحكومة محصوراً في شاحنات من الأدوية كل بضعة أيام، ومعونات مالية وإغاثة محدودة، إضافة لدفع ثمن الوقود لمحطة كهرباء غزة لتعذر الجباية خلال الحرب. بل إن الحكومة أبدت فقراً في حساسيتها لأوضاع القطاع إذ أعلنت أن الدراسة ستستأنف كالمعتاد بالرغم من وجود عشرات آلاف المهجرين في المدارس، ولم يعلن تجميد قرار استئناف الدراسة في غزة إلا قبل ثلاثة أيام فقط من الموعد المفترض لبدء الدوام المدرسي.
 
ب: دور السلطة في الضفة الغربية في أثناء العدوان:

لقد كان انضمام الضفة الغربية إلى المواجهة سيحقق ميزة استراتيجية كبيرة للفلسطينيين، وكان من الممكن أن يقصر عمر المعركة وأن يرفع سقف الإنجازات، إلا أن القبضة الحديدية للأجهزة الأمنية للسلطة لم تسمح للضفة بتجاوز حاجز “التضامن” على مدى 51 يوماً من العدوان، وبدا أن نهج السلام الاقتصادي و”بناء الدولة” والتنسيق الأمني قد نجح في تحويل الضفة إلى إقليم منفصل عن غزة في الرؤية والمسار، على مدى ثلاثة حروب متتالية خاضتها غزة منفردة. وعلى مدار أيام الحرب، كانت المواجهات مع قوات الأمن الفلسطينية شبه يومية، ولم تتوقف الاعتقالات، ولم تتوقف اللقاءات الأمنية الفلسطينية – الإسرائيلية، وقد شكلت مواجهات حاجز قلنديا في ليلة 27 رمضان شاهداً على هذه الحقيقة، ففي المرة الوحيدة التي سمح فيها لأعداد كبيرة من الفلسطينيين بتخطي الحواجز الأمنية الفلسطينية، شهد محيط حاجز قلنديا اشتباكات عنيفة لم يشهد لها مثيلاً منذ سنوات.

ثانياً: الأداء السياسي للسلطة:

يمكن قراءة الأداء السياسي للسلطة على مرحلتين مختلفتين في المواقف والخصائص على مدى العدوان:

المرحلة الأولى: تسجيل النقاط حتى اليوم 14 للعدوان:

بدا من الناحية العملية مع بداية العدوان أن الرؤية لدى قيادة السلطة بأنه يشكل فرصة سانحة لتسجيل المزيد من النقاط على حماس، وتعزيز عزلتها الإقليمية والدولية، بل تعدى الأمر تسجيل النقاط إلى نوع من الاستباق غير المبرر للتصعيد الإسرائيلي، بشكل ينبئ بتعويل ما على هذا التصعيد ونتائجه، فرئيس السلطة أعلن بأن الحكومة الإسرائيلية اتخذت القرار بالحرب البرية في 11/7/2014، أي في اليوم الرابع للعدوان، بينما لم يصدر هذا القرار فعلياً عن الحكومة الإسرائيلية إلا في وقت متأخر من ليل 17/7/2014، أي مع نهاية اليوم العاشر للعدوان.

وقد عبرت رؤية تسجيل النقاط عن نفسها من خلال:

1. مشاركة رئيس السلطة في مؤتمر للسلام نظمته صحيفة هآرتس في 8/7/2014، اليوم الأول للعدوان، في تل أبيب، في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الإسرائيلية قد أوقعت 24 شهيداً و152 جريحاً على مسافة 60 كيلومتراً إلى الجنوب، في قطاع غزة.

2. التعويل على الوقت في تعميق مأزق حماس: وتجلى ذلك في طلب رئيس السلطة محمود عباس في يوم 12/7/2014، اليوم الرابع للعدوان، بتأجيل انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب لمناقشة العدوان على غزة.

3. استثمار جفاء الموقف المصري من حماس والعمل على تعميق الجفوة بين الطرفين: وقد تجلى ذلك في دور رئيس السلطة محمود عباس في بلورة المبادرة المصرية الأولى دون استشارة لأيّ من فصائل المقاومة التي تخوض المعركة في قطاع غزة، والدفع نحو الإسراع في إطلاقها للإعلام، وقد أكد رئيس السلطة دوره في المبادرة في 18/7/2014 قائلاً إنه اتصل بالرئيس السيسي مرتين وطلب منه تقديم المبادرة، وقد التقى عباس بالقيادي في حماس موسى أبو مرزوق في اليوم التالي طالباً منه قبولها فوراً ودون شروط.

علاوة على ذلك أطلقت رئاسة السلطة تصريحات في الاتجاه ذاته بأن فتح معبر رفح يتم على أساس اتفاقية 2005 وليس لمصر أيّ دور في فتحه أو إغلاقه، وفي 19/7/2014 صدر عن الرئاسة بيان يشجب ما أسماه “حملة التشويه والتشكيك التي تشنها بعض الجهات حول صلاحية المساعدات المصرية”، معتبراً أن تلك الحملات “مشبوهة للنيل من سمعة مصر”، وقد جاءت هذه التصريحات لتستثمر من جديد في الخلاف بين مصر وحماس، ولتتغاضى عن حقيقة مؤلمة وجارحة لشعبها لم تكن لتنشر لولا حجم المرارة التي خلفتها.

بالتزامن مع هذا الأداء، كانت قيادة السلطة تجري نقاشات أكاديمية وقانونية حول “توفير الحماية الدولية”، أو “وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية”، وكانت القيادة الفلسطينية الدائمة الانعقاد في مقر الرئاسة غارقة في نقاش نظري حول الصيغة الأوفق للطلب، لتتوصل للحل في 13/7/2014، اليوم السادس للعدوان، وليسلم رئيس السلطة محمود عباس رسالة لمبعوث الامم المتحدة روبرت سيري يطلب فيها وضع الشعب الفلسطيني تحت الحماية الدولية.

المرحلة الثانية: وحدة التفاوض والمطالب المشتركة:

بدأ الانقلاب في الموقف من العدوان وقراءته في 19/7/2014، بعد مرور أقل من 48 ساعة على العملية البرية الإسرائيلية وبدء تسرب أخبار الصعوبات التي تواجهها والخسائر التي تتكبدها، وقد أطلق أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه بالونات الاختبار الأولى لهذا الموقف في 19/7/2014، اليوم الثاني عشر للعدوان، حين قال: “فشلنا في المفاوضات… وغزة تدافع حالياً عن المشروع الوطني الفلسطيني”. وقد جاءت تصريحات رئيس السلطة محمود عباس في 21/7/2014، اليوم الرابع عشر، لتتابع هذا الموقف وتنتقل لتبني شروط فصائل المقاومة التي طرحت رداً على المبادرة المصرية.

وقد تُوج التموضع الجديد لقيادة السلطة بخطاب عالي السقف وغير المسبوق لرئيسها محمود عباس في ليل يوم 22/7/2014، اليوم الخامس عشر للعدوان، والذي قال فيه “لن يرهبنا القتل ولا التدمير… وسنضمد جراحنا حين يأتي اليوم المحتوم الذي ننتصر فيه وترفرف رايات القدس عالياً فوق الأقصى والقيامة”؛ ودعا فيه “الجميع للتعاضد ونبذ الخلافات في هذه اللحظات العصيبة… والابتعاد عن الفصائلية الحزبية الضيقة”.

خلال هذه المرحلة جرى لقاء عباس – مشعل الأول في الدوحة يوم 21/7/2014 واتفق فيه على توجه عزام الأحمد للقاهرة للإسهام في التفاوض، وطرحت السلطة في 23/7/2014 فكرة هدنة مؤقتة للتفاوض، وتقرر من ثم في 29/7 تشكيل وفد موحد للتفاوض ضم ممثلين عن السلطة والجهاد وحماس، وتمت بعد ذلك بلورة ورقة المطالب الفلسطينية الموحدة التي شكلت في نهاية الأمر أساس اتفاق إطلاق النار الذي تمّ التوصل إليه في 27/8/2014.

خلال هذه الفترة أرسلت السلطة رسائل سياسية بدت وكأنها متناقضة؛ غير أنها جمعت بين سلوك يرغب في التعامل الإيجابي مع الأداء البطولي للمقاومة والضغط الشعبي الواسع المؤيد لها، سواء كان ذلك بالتماهي مع الموجة أم بركوبها؛ وبين حالة الارتباك والضيق التي وجد التيار المؤيد لمسار التسوية والمتساوق مع البيئة الإقليمية نفسه فيها، فلاحظنا:

1. وحدة الوفد المفاوض الفلسطيني على خلاف ما كان قبل هذه الفترة، وحفاظه على وحدته حتى الوصول لوقف إطلاق النار، بالرغم من بعض الاختناقات التي شابت مسيرة التفاوض.

2. التبني السياسي العلني لمطالب المقاومة الفلسطينية، ووحدة المطالب الفلسطينية من خلال الورقة الفلسطينية التي سلمت للقيادة المصرية.

3. استخدام السلطة علاقتها الإيجابية بالنظام المصري للوصول إلى التفاهم الممكن.

4. ضبط سقف تضامن الضفة الغربية مع غزة إلى الحد الذي لا يضر بالتزامات السلطة تجاه “إسرائيل”، وتنفيذ اعتقالات وخوض مواجهات مع المحتجين في الليلة نفسها للخطاب الناري لرئيس السلطة.

5. المماطلة في التوقيع على ميثاق روما الممهد للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية. وبالرغم من كل المطالبات لقيادة السلطة، وتهديدها المتكرر بإتمام هذه الخطوة، إلا أن السلطة وجدت طريقة لتأخيرها على مدى 51 يوماً، وطالبت الفصائل جميعاً بالتوقيع على مذكرات تخولها الانضمام للميثاق، ولم تلبث بمجرد انتهاء العدوان أن أطلقت “مفاجأة سياسية” أعادت توقيع ميثاق روما إلى موقعه كآخر الحلول.

6. الحرص على الحفاظ على موقف أقرب إلى النظام المصري منه من حماس، على خطّ الأزمة بين الطرفين، والتأكيد المتكرر على أن المبادرة المصرية مبنية على تفاهمات 2012، والتشكيك في نوايا حماس انطلاقاً من ذلك، والإشارة إلى تسببها بالخسائر والضحايا لإصرارها على القتال بالرغم من وجود الحل في الورقة المصرية.

وقد تمكنت “إسرائيل” بسهولة من خلخلة الموقف الجديد للسلطة، من خلال نقل معلومات مفبركة إلى رئيس السلطة، بأن 93 من نشطاء حماس “اعترفوا” بتنظيمهم محاولة “انقلاب” في الضفة الغربية، وقد تبنى رئيس السلطة هذه الرواية فوراً وكما هي، وذهب في 21/8/2014 إلى لقاء الدوحة الثاني مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وهو مستفز ومسكون بالهاجس الداخلي، وفي ذروة العدوان على غزة انصبت معظم المباحثات بين الطرفين على رواية الشاباك حول “محاولة الانقلاب”، واستدعاء سجل من الأحداث غير المثبتة التي حملت العنوان نفسه؛ وبدا أن “إسرائيل” تعرف كيف تستعيد العصبية الداخلية لرئاسة السلطة في أخطر المفترقات وبجرة قلم. في الوقت عينه، كانت مكانة السلطة تتعزز كحل وسط لإبرام الاتفاق في نظر الإسرائيليين، وباتت ضرورة إعادة السلطة وسيطرتها الأمنية إلى قطاع غزة بمثابة محل إجماع بين قوى اليسار والوسط الإسرائيلية، مؤكدة بأن أيّ حديث عن الميناء والمطار يجب أن يرتبط بتسليمها لهذه السلطة.

ثالثاً: السيناريوهات الممكنة لسلوك السلطة الفلسطينية بعد حرب غزة:

السيناريو الأول: تفعيل مسار المصالحة والشراكة الوطنية، والبناء على حالة الوحدة التي سادت مرحلة التفاوض على وقف إطلاق النار، والعمل على بناء حالة “تكامل” بين النهجين والبرنامجين، بشكل يذلل الصعوبات أمام افتتاح المطار والميناء، ويبني نهجاً من المفاوضات السياسية المبنية على إنجازات المقاومة.

السيناريو الثاني: العودة إلى مرحلة الكيدية السياسية والفصائلية الضيقة، ومحاولة استثمار الحالة الدولية والإقليمية لإفراغ الإنجاز العسكري لحماس وفصائل المقاومة من محتواه، واستخدام الإغاثة والإعمار والرواتب كمداخل أساسية لمرحلة تأزيم داخلي جديدة، لكن في ظلّ ظروف كارثية في غزة؛ بما يُمكِّن قيادة السلطة وفتح من السيطرة على القطاع، وتهميش قوى المقاومة ودورها تدريجياً، ومتابعة تنفيذ استحقاقات “أوسلو” على القطاع.

السيناريو الثالث: المبالغة في الكيدية نتيجة الخوف من القوة المتعاظمة لحماس وفصائل المقاومة، ومحاولة الدخول ضمن المحور الإقليمي المعادي للحركات السياسية الإسلامية، في محاولة لاستعادة السيطرة الأمنية على القطاع من جديد.

السيناريو الرابع: تشكل وتصاعد حالة مقاومة شعبية شاملة في الضفة الغربية تحت تأثير نموذج المقاومة وإنجازاتها في غزة وتراكم الإجراءات الانتقامية الإسرائيلية، مع تزايد حالة الإحباط لدى قيادة السلطة والمنظمة من مسار التسوية، بشكل يصل في النهاية إلى سقوط معادلة الدور الوظيفي للسلطة الفلسطينية وتأسيس واقع جديد، قائم على تحميل الاحتلال لمسؤولياته، وعلى تركيز الفلسطينيين على مختلف أشكال المقاومة لإنهاء الاحتلال.

السيناريو الأول ممكن التحقق إذا ما تحلى الطرفان بالواقعية والعقلانية الكافية وبدءا بالتفاهم على قاعدة الممكن، وعلى قاعدة التطبيق الجاد المخلص لوثيقة المصالحة الوطنية المبنية على الشراكة الفعلية في القيادة وإدارة المؤسسات.

السيناريو الثاني هو للأسف أكثر احتمالاً في ظلّ التجربة الكيدية الطويلة في أداء قيادة السلطة حتى في أحلك ظروف المشروع الوطني الفلسطيني كما في الأيام الأولى للعدوان. وقد جاء توقيت التغيُّر في الموقف من العدوان ليشير إلى أنه اعتمد على قراءة ميدانية للخسائر الإسرائيلية الكبيرة والمبكرة في العملية البرية، وجاء بهدف الخروج بأقل الخسائر، وليس بالضرورة لتبني قناعات جديدة متعلقة بدعم مسار المقاومة المسلحة، وليس بالضرورة تخلياً حقيقياً عن العقلية الحزبية التنافسية.

السيناريو الرابع ممكن إن توفرت الشروط الموضوعية له والتي تحتاج إلى مزيد من الوقت لإنضاجها وبلورتها، والسيناريو الثالث يبدو أقل احتمالاً بوجود نزعة واقعية لدى عدد من قيادات السلطة تدرك استحالة تطبيقه على أرض الواقع، وبأنه وصفة لنزاع داخلي ذي عواقب وخيمة.

توصيات واقتراحات:

1. التأكيد على الابتعاد عن العقلية الحزبية والفصائلية في إدارة المشروع الوطني الفلسطيني.

2. التأكيد على التعامل مع المقاومة كرافعة، وليس كمعوِّق للمشروع الوطني الفلسطيني.

3. التأكيد على تفعيل وثيقة المصالحة الوطنية بشكل جاد وفعال، وعلى أسس من الشراكة الحقيقية لكافة القوى الفلسطينية في الداخل والخارج.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ زياد ابحيص بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 3/9/2014