مدة القراءة: 5 دقائق

تقدير استراتيجي (68) – تموز/ يوليو 2014.

ملخص:

شهدت الساحة المصرية خلال سنة 2013 تغيراً استراتيجياً تمثل بقيام الجيش بإقصاء الرئيس المنتخب محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013، وعلى مدى عام من الانقلاب، ما زال النظام الجديد يعاني من حالة عدم الاستقرار على كافة الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، مما أدخل النظام الجديد في حالة من الانشغال والإنهاك قد تحدُّ من إمكانية ممارسة مصر دورها الإقليمي المعتاد في الساحة الفلسطينية.

تتمحور السيناريوهات المحتملة في المدى القريب للنظام المصري الجديد تجاه القضية الفلسطينية إما في الانكفاء على الذات والاستغراق في الهم المصري المحلي، وهو ما قد يعني مواصلة هجومه على “الإسلام السياسي”، واستمرار موقفه السلبي تجاه حماس، وإما السعي للعب دور إقليمي نشط للتغطية على مشاكله الداخلية، وخشية من وقوع فراغ قد تستفيد منه أطراف منافسة، وهو ما قد يؤدي إلى سلوك أكثر توازناً واستيعاباً للأطراف الفلسطينية، بما في ذلك التخفيف من حدة الضغط على حماس. وأما السيناريو الثالث، وهو المرجح، فهو لعب دور إقليمي بالحد الأدنى بحيث يمكن زيادة هذا الدور تدريجياً بما يتناسب مع تحسن الأوضاع في مصر، وهو ما يعني تبني الرؤية العامة لمنظومة “محور الاعتدال”، ومواصلة الهجوم على “الإسلام السياسي” مع تخفيف إجراءاته ضدّ حماس، وتخفيف الحصار عن قطاع غزة.

المشهد المصري خلال عام من الانقلاب:

عانت الحياة السياسية في مصر منذ قيام الجيش بإقصاء الرئيس مرسي والهيمنة على الدولة في 30/7/2013، من عملية إقصاء ممنهجة ضدّ معارضي الانقلاب؛ إما بالتجريم والحظر المباشر، كما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين وحركة 6 أبريل، وإما بالتهميش والتضييق كما حدث مع حلفاء الانقلاب. وهو ما أعاد إلى حدٍّ كبير الصورة النمطية لنظام حسني مبارك، ولكن بنسخة معدلة وفق متطلبات المرحلة.

وعلى الجانب الأمني ما زالت مظاهرات “دعم الشرعية” مستمرة وإن بوتيرة أقل، إلا أن المؤشرات تؤكد اتساع دائرة المعارضين للانقلاب، وعدم اقتصارها على جماعة الإخوان المسلمين فقط؛ بالرغم من حالة الترهيب التي تستخدم ضدهم، فقد سجلت بعض الإحصاءات سقوط آلاف القتلى منذ وقوع الانقلاب واعتقال أكثر من 41 ألف من معارضيه، وذلك حتى منتصف أيار/ مايو 2014.

وقد شكل الوضع الاقتصادي المتدهور في مصر طوال عام من الانقلاب أحد أهم مؤشرات عدم الاستقرار في مصر، حيث ارتفع معدل البطالة إلى 13.4% للفصل الأول من سنة 2014، كما بلغت نسبة الفقر لسنتي 2012-2013 نحو 26%، هذا بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الدين العام المصري إلى أكثر من92% من قيمة الناتج المحلي الإجمالي.

خلاصة القول فإن النظام السياسي الذي يقوده عبد الفتاح السيسي يجد نفسه غارقاً في سلسلة من التحديات الأمنية والاقتصادية والسياسية، التي يصعب عليه تخطيها في المدى القريب، مما يُقلِّل من إمكانية انشغاله في قضايا إقليمية، وستكون مشاركته لو تمتَّ دون وزن مصر الحقيقي، في بيئة غير مستقرة وما زالت تحت التَّشكل، في الوقت الذي ما زال النظام المصري بحاجة ماسة لدعم بعض دولها مما يُضعف دوره القيادي في وسطها.

العلاقات المصرية الفلسطينية خلال الحكم العسكري غير المباشر:

شكلت طبيعة الوضع الفلسطيني المتمثل بالانقسام السياسي والأيديولوجي نوعاً من الازدواجية في العلاقات الفلسطينية الخارجية؛ حيث حكمتها مواقف السلطة الفلسطينية في رام الله وحركة حماس في قطاع غزة من مجمل القضايا الإقليمية ومنها الثورات العربية. وفي المقابل فإن الناظم الأساسي للسياسة الخارجية المصرية بعد سيطرة الجيش على الحكم هو مدى تعاون الأطراف الخارجية في استقرار الأمر للنظام الجديد في مصر؛ وفي نزعة النظام لمحاربة “الإسلام السياسي” وخصوصاً تيار الإخوان المسلمين، الذي تمثله حركة حماس في فلسطين.

من هنا واجهت العلاقة بين مصر وحركة حماس طوال عامٍ على الانقلاب حالة من التوتر المستمر، بدأها النظام بحملة لهدم الأنفاق بين قطاع غزة ومصر، حتى وصل إلى تدمير أكثر من 1,700 نفق بين قطاع غزة ومصر حتى حزيران/ يونيو 2014، كما أعاد فرض نوع من الحصار المقنن، حيث سجلت الإحصاءات خلال الفترة الممتدة من 1/7/2013 حتى 31/5/2014 إغلاق معبر رفح 234 يوماً من أصل 335 يوماً، وتراوح معدل العبور اليومي 830 شخصاً أيام عمل المعبر. كما أقام الجيش المصري في أيلول/ سبتمبر 2014 منطقة عازلة بين قطاع غزة والأراضي المصرية لمنع حفر الأنفاق وضبطها. ووصل الأمر مع النظام الجديد في توتير العلاقة مع حركة حماس إلى حدّ قيام محكمة مصرية في آذار/ مارس 2014 بحظر نشاط الحركة في مصر والتحفظ على ممتلكاتها، ومن المفارقة أن المحكمة نفسها نفت اختصاصها في قضية حظر نشاط “إسرائيل” في مصر.

من جهة أخرى، فإن العلاقة بين الجانب المصري والسلطة الفلسطينية في الضفة عادت إلى ما كانت عليه زمن الرئيس المصري حسني مبارك، بعد أن أعاد النظام المصري تموضعه ضمن منظومة “الاعتدال” العربي، المؤيدة لمسار التسوية السلمية، والمتوافقة مع سياسة قيادة المنظمة والسلطة في رام الله. ولذلك، فقد أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس دعمه خريطة المستقبل المصرية فور إعلان السيسي عنها في خطاب الانقلاب. وعاد عباس والتقى بالسيسي في نيسان/ أبريل 2014، كما شارك في حفل تنصيب السيسي رئيساً لمصر في حزيران يونيو/ 2014.

محددات العلاقات المصرية الفلسطينية:

في ظلّ الظروف والتداخلات التي تعاني منها المنطقة العربية، والتي اتسمت بحالة من عدم الاستقرار بعيد انطلاق الثورات العربية وما تبعها من موجات مضادة، جعلت القرار السياسي للنظام المصري الجديد مُتَّسقاً مع التوجهات الإقليمية والدولية، في إفشال الثورات وإعادة استنساخ الأنظمة القديمة بحلة جديدة، ووضعت محاربة “الإسلام السياسي” على سلّم أولوياتها، وهو ما انعكس على إعادة تعريف طبيعة الدور المصري في المنطقة. وفي هذا الإطار فإن العلاقات المصرية الفلسطينية في المدى القريب تتأثر بمجموعة من المحددات، ومنها:

1- الوضع الداخلي المصري غير المستقر على كافة الصعد، أمنياً وسياسياً واقتصادياً، مما يحد من إمكانية النظام الجديد في لعب دورٍ فاعل في القضية الفلسطينية بفعالية عالية.

2- حالة عدم الاستقرار في المنطقة، ووجود حالة من إعادة تشكيل الخريطة الإقليمية مع استمرار بروز دور “للإسلام السياسي” في المنطقة.

3- الدور التاريخي لمصر في القضية الفلسطينية، وخشية النظام المصري أن تقوم قوى أخرى بملء الفراغ، ما يشكل عبئاً على النظام الجديد للحفاظ على دور مصر الإقليمي.

4- خصوصية العلاقة بين قطاع غزة ومصر، وعلاقة ذلك بالأمن القومي لمصر، والترابط الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي بينهما.

5- الخلفية الأيديولوجية لحركة حماس، التي ينظر إليها النظام الجديد على أنها امتداد لجماعة الإخوان المسلمين.

6- التزام النظام الجديد بعملية التسوية السلمية، في ظلّ اختلال موازين القوى لصالح “إسرائيل”.

7- التحالفات المصرية في المنطقة، وموقف الدول المؤثرة في القرار المصري من الأطراف الفلسطينية.

8- طبيعة علاقة النظام المصري الجديد مع الطرف الإسرائيلي وحجم تعاونهما.

9- طبيعة علاقة النظام المصري مع الأطراف الدولية، ورؤية هذه الأطراف للدور المصري في القضية الفلسطينية.

10- طبيعة علاقة كل طرف من الأطراف الفلسطينية (خصوصاً فتح وحماس) مع النظام الجديد.

السيناريوهات المحتملة:

1- الانكفاء على الذات والاستغراق في الهم المصري المحلي بانتظار استقرار الأوضاع لصالح النظام، وتطوير شعور كاف بالقدرة على ممارسة دور إقليمي فاعل؛ وهو ما يعني الانكفاء السلبي المنسجم مع التوجهات الإقليمية في ضرب “الإسلام السياسي”، لذا وفق هذا السيناريو فإن النظام المصري سيواصل هجومه على “الإسلام السياسي”، كما سيواصل سياسته المعادية لحماس وحصارها بشكل أكبر، وهو ما يحد من قدرة النظام المصري على لعب دورٍ فاعل في إدارة الملف الفلسطيني وخصوصاً ما يتعلق بالمصالحة.

2- السعي للعب دور إقليمي نشط كتغطية للمشاكل الداخلية، وخشية من وجود فراغ تستفيد منه أطراف إقليمية منافسة، وعليه فإن النظام الجديد سيعمل على تخفيف الحصار، وتخفيف حدة الهجوم على حماس، مما يتيح له قدرة أكبر على لعب دور أكثر توازناً وأكثر استيعاباً وأكثر قبولاً من كل الأطراف الفلسطينية.

3- لعب دور إقليمي بالحد الأدنى بحيث يمكن زيادة هذا الدور تدريجياً بما يتناسب مع تحسن الأوضاع في مصر، وهو ما يعني مواصلة الضغط والحصار على حماس بما يتوافق مع الهجوم على “الإسلام السياسي”، مع تخفيف بعض نقاط الاحتقان والتنفيس عن بعض مشاكل قطاع غزة.

خلاصة:

إزاء ما تقدم، فإن المؤشرات تشير إلى أن النظام المصري الجديد يعاني حالة من الاستغراق في معضلاته الداخلية، لذا فإنه من غير المتوقع في هذه الفترة أن يُعيد النظام الجديد لمصر دورها المعتاد في رعاية القضية الفلسطينية، سواء في ترتيبات البيت الفلسطيني الداخلي أم في مسار التسوية السلمية. وإذا ما أصر على استمرار خصومته مع حماس باعتبار انتمائها “للإسلام السياسي”، فقد يسهم في إضعاف حماس في القطاع، لكن ذلك سينعكس سلباً على دوره الراعي في ترتيب البيت الفلسطيني. وعلى أي حال سيبقى التأثير المصري في تفاصيل القضية الفلسطينية في المدى القريب محدوداً، مع حرصه على ألا يبتعد عن خدمة ملفاته الداخلية وتوجهات تحالفاته الإقليمية.

توصيات:

1- استمرار حركة حماس بالنأي بنفسها عن الأزمات العربية الداخلية، خصوصاً الأزمة المصرية.

2- أن تتوقف الاتهامات وحملات التشويه ضدّ حركة حماس في مصر، وأن تصب الطاقات باتجاه حماية قطاع غزة في وجه العدوان والحصار الإسرائيلي.

3- فتح معبر رفح بشكل كامل، وإيجاد حلول اقتصادية تلغي ضرورة حفر الأنفاق بين القطاع ومصر.

4- الإسراع في ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي ووضع برنامج سياسي يحدد شكل العلاقة مع الأطراف العربية والإسلامية والدولية.

5- كشف كافة المحاولات الإسرائيلية للاصطياد في المياه العكرة، واستغلالها للعلاقات المتوترة بين حماس والنظام الجديد في مصر لضرب المقاومة في قطاع غزة.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ وائل سعد بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 10/7/2014