مدة القراءة: 6 دقائق

تقدير استراتيجي (67) – أيار/ مايو 2014.

ملخص:

بالرغم من الاختلاف الأيديولوجي واختلاف البرامج والمسارات السياسية وأزمة الثقة والتدخلات الخارجية، إلا أن طرفي الانقسام الفلسطيني (فتح وحماس) وجدا نفسيهما أمام لحظة حرجة تستدعي إعطاء دفعة قوية للمصالحة الفلسطينية؛ خصوصاً وأن مساري التسوية السلمية والمقاومة المسلحة يواجهان تحديات كبيرة وظروفاً معقدة، فتم توقيع اتفاق الشاطئ في 23/4/2014.

سيحاول الإسرائيليون تعطيل تنفيذ الاتفاق على الأرض، كما أن الأمريكان لن يكونوا سعداء بتطبيقه؛ وسيعملون وإلى جانبهم بعض القوى الإقليمية على عرقلته إذا كان سيؤدي إلى وحدة وطنية حقيقية يستعيد فيها البيت الفلسطيني عافيته، وتشارك حماس والجهاد الإسلامي في بنيته وفي قيادته.

ليس سهلاً تحقيق نجاح كامل للاتفاق، غير أن الأفق ما زال متاحاً لاختراقات جزئية على مستوى تشكيل الحكومة، وتوحيد الكيان السياسي الفلسطيني. وسيظل أَمرُ توسيع دائرة النجاح مرهوناً بصدق الإرادة الفلسطينية للفصائل وتغليبها للمصالح العليا للشعب الفلسطيني.

مقدمة:

الإخفاق المتكرر في تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين حركتي فتح وحماس جعل من الشك حول إمكانية تنفيذ ما بات يعرف باتفاق الشاطئ الموقَّع في 23/4/2014 شعوراً منتشراً لدى الشارع وكثير من السياسيين الفلسطينيين. الحركتان لم تنجحا في تنفيذ أي من بنود الاتفاقات السابقة بالرغم من أن بعضها تمت رعايته بشكل رسمي من بعض الدول العربية؛ ففي 2005 تمّ توقيع اتفاق القاهرة، وفي 2006 اتفاقية الوفاق الوطني أو ما عرف بوثيقة الأسرى، وفي 2007 وبرعاية سعودية وقّع اتفاق مكة وتمّ تشكيل حكومة وحدة وطنية على إثره، لم تدم سوى بضعة أشهر. وعلى إثر العدوان الصهيوني على غزة 2008/ 2009 قدمت ورقة مصرية للمصالحة تمّ التوقيع عليها سنة 2011 وعرفت بوثيقة الوفاق الوطني للمصالحة تحت رعاية مصر والجامعة العربية. ثم كان اتفاق الدوحة (2012) الذي نصّ على أن يتولى أبو مازن رئاسة الوزراء وأن يُشكّل حكومة كفاءات وطنية. كل هذه الاتفاقات لم ترَ النور، فهل يمكن لاتفاق الشاطئ أن يشكل كسراً لقاعدة الفشل في تنفيذ الاتفاقات وينهي حقبة الانقسام؟

أسباب الاختلاف بين حركتي فتح وحماس:

يعود الخلاف بين الحركتين إلى جملة من العوامل من بينها:

أولاً: الخلفية الأيديولوجية؛ إذ تنتمي حماس لأيديولوجية إسلامية ترفض التنازل عن أيّ جزء من فلسطين وترفض الاعتراف بـ”إسرائيل”، وتسعى لتحرير كلّ فلسطين؛ أما أيديولوجية فتح العلمانية البراجماتية فتسمح لها بحرية المناورة والتنازل عن أجزاء من فلسطين وعن بعض الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني؛ بحجة ضرورات المرحلة والواقع. وهذا يُحدث فرقاً كبيراً في طبيعة المشروع الوطني ومساراته واستحقاقاته.

ثانياً: أزمة بناء الثقة؛ فقد اتسمت العلاقة بين الطرفين بالتنافس الشديد، والتشكيك المتبادل؛ وظلت حماس خارج منظمة التحرير، كما عانت لسنوات عديدة من ملاحقة أجهزة السلطة الفلسطينية، ثم تصاعد الخلاف مع فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي 2006، وما صحبه من صراعٍ وفلتان أمني ومحاولات إفشال، وما انتهى إليه من انقسام كان أبرز مظاهره سيطرة حماس على قطاع غزة (تحت الحصار) وسيطرة فتح على الضفة الغربية (تحت الاحتلال)، والإجراءات الأمنية التي اتخذها الطرفان تجاه بعضهما.

ثالثاً: اختلاف البرنامج السياسي؛ حيث تزامن ظهور حماس كقوة ثورية جديدة على الساحة السياسية مع تراجع حاد في برنامج فتح السياسي. ففي الوقت الذي بدأت فتح تُنَظّر لحل الدولتين والاعتراف بالكيان الإسرائيلي، خرجت حماس ببرنامج سياسي يعيد الاعتبار للثوابت الوطنية، ويضيف عليها بعداً دينياً ونوعاً من القداسة، مما شكل عائقاً كبيراً في طريق برنامج فتح السياسي.وازداد الأمر تعقيداً بعد توقيع اتفاق أوسلو، وقيام السلطة الفلسطينية،حيث أصبح برنامج التسوية السلمية الذي تتبناه حركة فتح مُهدَدَاً بالتعطيل والفشل بسبب مسار المقاومة الذي تتبناه حماس، والعكس بالعكس. أي أن تحقيق بنية مؤسسية فلسطينية موحدة أصبح بعيد المنال بسبب الصعوبة الشديدة (إن لم يكن استحالة) في الجمع بين برنامجي التسوية والمقاومة تحت سقف واحد.

رابعاً: التدخلات الخارجية والانحيازات السياسية؛ على الرغم من أن تدخل قوى دولية وإقليمية في شؤون الحركة الوطنية الفلسطينية لم ينقطع، إلا أنه بعد قيام السلطة أصبح مباشراً وعلنياً وأكثر تأثيراً. وقد استخدمت المساعدات المالية والأمنية والعسكرية لدعم طرف على حساب طرف آخر، وأصبحت ملاحقة حركات المقاومة شرطاً لدعم أطراف خارجية عدة. وعلى المستوى العربي فقد أدى الانقسام إلى ما عرف بـ”محور الاعتدال” و”محور الممانعة” إلى تعميق الصراع بين الحركتين إذ انحازت كل حركة لأحدى المحورين وأصبح الصراع الفلسطيني الداخلي في أحد جوانبه يمثل جزءاً من الصراع الإقليمي؛ كما أن الثورات والتغيرات في العالم العربي عكست ظلالها على الواقع الفلسطيني.

دوافع التوقيع على اتفاق الشاطئ:

بالرغم من أن عوامل الاختلاف بين فتح وحماس ما زالت حاضرة والعديد من مبررات استمرار الانقسام ما زالت قائمة، إلا أن دوافع عديدة قادت إلى التوقيع على اتفاق الشاطئ نوجزها فيما يلي:

دوافع حركة فتح:

1. انسداد الأفق مجدداً أمام مسار التسوية السلمية نتيجة للتطرف الإسرائيلي والانحياز الأمريكي، مما قد يجبر فتح على إدخال تعديلات كبيرة على نهجها السياسي.

2. سعي فتح إلى معالجة الأزمات التنظيمية الداخلية خصوصاً المرتبطة بقطاع غزة والشتات، إذ لم تنجح فتح في إعادة بناء مؤسساتها التنظيمية فيهما بالشكل الذي ترجوه. وكذلك فإنها تسعى إلى التصدي لمحاولات محمد دحلان لمعاودة ممارسة دور قيادي داخل فتح.

3. تعزيز شرعية م.ت.ف والرئيس عباس في تمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني.

4. استثمار ما تعتقد فتح أنه لحظة ضعف تمر بها حماس؛ نتيجة الحصار الخانق من الطرف المصري على قطاع غزة، ونتيجة الموجة الواسعة التي تستهدف “الإسلام السياسي في المنطقة”.

5. الاعتقاد بأن الانتخابات المزمع عقدها بعد ستة أشهر ستكون في صالح فتح، استناداً إلى العديد من المعطيات واستطلاعات الرأي.

6. إعادة الاعتبار لصورة حركة فتح الوطنية، التي تضررت جراء سلوك الأجهزة الأمنية والتنسيق الأمني مع الاحتلال وانسداد الأفق السياسي.

7. رغبة أبو مازن الشخصية في إنهاء حقبته السياسية بعمل وطني نوعي،وبالذات على صعيد ترتيب البيت الفلسطيني.

8. عدم القدرة على إقصاء حماس كلياً من المشهد،بالرغم مما تعرضت له من ضغوط داخلية وخارجية.

دوافع حركة حماس:

1. تضاؤل الأمل في تغييرٍ إيجابي في البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين، يدعم برنامج المقاومة، الذي تمثله حركة حماس.

2. تفكك “محور الممانعة” الداعم للمقاومة الفلسطينية، وانقطاع الدعم السوري، وتراجع الدعم الإيراني.

3. محاولة إخراج قطاع غزة من حالة الحصار الذي ازداد قسوة بعد الانقلاب الذي حدث في مصر.

4. إعادة الاعتبار لدور الضفة الغربية في التصدي للاحتلال والاستيطان والتهويد.

5. الضغط من أجل إعادة بناء وتطوير م.ت.ف عبر مشاركة حماس والجهاد؛ وبما يضمن شراكة سياسية في القرار الوطني الفلسطيني.

6. الشعور بأن هذا قد يكون وقتاً مناسباً للاتفاق مع حركة فتح، التي تعاني من أزمة إدارة السلطة الفلسطينية، وأزمة مسار مفاوضات التسوية السلمية، ومن أزماتها الداخلية.

7. اطمئنان حماس إلى قوتها الذاتية، والاعتقاد بأن لديها من الحضور الشعبي الواسع في الداخل والخارج، ومن القوة العسكرية والتنظيمية في قطاع غزة ما يجعل أيّ طرفٍ فلسطيني غير قادر على إقصائها عن المشهد السياسي.

المواقف الدولية من الاتفاق:

عربياً: من الصعب الحديث عن موقف سياسي عربي، فالدول العربية منغمسة في همومها الداخلية إلى الحد الذي باتت معه القضية الفلسطينية لا تشكل أولوية لأي منها. لذا لا يُعتقد بوجود معارضة جدية للاتفاق، كما أنه لن يتوفر له دعم مؤثر أيضاً، إلا من بعض الدول التي قد ترى في ذلك إبعاداً لحماس (كامتداد لحركة الإخوان المسلمين) عن المشهد السياسي.

إسرائيلياً: من المتوقع أن يعمل الكيان على عرقلة الاتفاق وإجهاضه بكل السبل الممكنة، نظراً لأنه المستفيد الأكبر من حالة الانقسام. والوسائل التي قد يستخدمها الاحتلال كثيرة ومؤثرة،فالضغوط الاقتصادية والأمنية والعسكرية قد تنجح في التأثير،بالذات على موقف السلطة في رام الله.

دولياً: لن تستعجل القوى الغربية التراجع عن شروط الرباعية في التعامل مع الحكومة الفلسطينية (السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بشكل عام)، ومن المتوقع أن يتم السكوت عن الاتفاق، بالذات من القوى الغربية، إذا ما قاد لتعزيز المسار السياسي الذي تدعمه هذه القوى (حلّ الدولتين، وتهميش حماس). لذا فقد يكون الموقف الغربي متحفظاً وحذراً، وقد ينتظر نتائج الانتخابات، إن جرت، ليتعرف على طبيعة القيادة الجديدة للشعب الفلسطيني، وليقرر الشكل الأنسب للتعامل معها.

السيناريوهات المحتملة:

السيناريو الأول: فشل الاتفاق وإضافته لجملة الاتفاقات الفاشلة السابقة، وهو أمر محتمل إذا ما فشل الطرفان في مقاومة التدخلات الخارجية، لا سيّما الأمريكية والإسرائيلية، وإذا ما فشلوا في لجم نزوات بعض القوى والأطراف الداخلية، وبالذات جماعات المصالح وأصحاب عقلية الحلول الأمنية والإقصائية، وكذلك إذا ما تمّ التعامل مع الاتفاق كتكتيك مرحلي لتجاوز ظروف راهنة.

السيناريو الثاني: هو نجاح الاتفاق بشكل كامل، وإنجاز كافة الملفات المطروحة. هذا السيناريو هو “المرغوب” ولكن دونه عقبات كبيرة محلية ودولية، لذا فاحتمالات نجاح هذا السيناريو تبدو ضعيفة جداً.

السيناريو الثالث: النجاح المحدود للاتفاق، أي أن ينجح الاتفاق في حلّ مشكلة الحكومة وتوحيد الكيان السياسي، لكنه قد يخفق في التعامل مع ملفات معقدة مثل الأمن ومنظمة التحرير والانتخابات.

السيناريو المرجح في ضوء المعطيات الحالية هو الثالث، وهو إن تمّ يكون تقدماً هاماً وحيوياً على صعيد العلاقات الفلسطينية الداخلية وعلى صعيد القضية الوطنية. وما يدعو للاعتقاد بإمكانية نجاح هذا السيناريو هو الآتي:

1. انحسار الضغط الدولي المناوئ للمصالحة، خصوصاً بعد تعثر عملية التسوية وتحميل العديد من الأطراف المسؤولية عن ذلك لـ”إسرائيل”.

2. انشغال العالم العربي بذاته، وعدم قدرة الأنظمة القائمة على دعم مؤثر لطرف على حساب طرف آخر.

3. المصالحة بصيغتها المطروحة تضع من الناحية العملية آلية التحكم بالقرار السياسي الفلسطيني ومسارات ترتيب البيت الفلسطيني في يد أبو مازن (قيادة فتح) وهو عامل تطمين للعديد من الأطراف الدولية والعربية.

4. بعد تعثر مسار التسوية، أصبحت الساحة السياسية والوطنية الفلسطينية مفتوحة على كل الاحتمالات، مما قد يضع الطرفين في مأزق لا يريد أي منهما أن يتحمل تبعاته لوحده.

5. التخوف من أن يقدم الكيان الإسرائيلي على خطوات أحادية، مثل التعرض للأقصى بالتقسيم أو الهدم أو الانسحاب أحادي الجانب من الضفة “الجزء المحدد بجدار الفصل العنصري” أو أجزاء منها، وهو ما يحتاج توافقاً فلسطينياً لمواجهته.

6. الصيغة المطروحة لا يبدو فيها تنازلٌ من أي طرف عن برنامجه السياسي، مما سمح للطرفين بالإقدام على هذه الخطوة.

7. مستوى الجدية لدى الحركتين يبدو أكبر مما كان عليه الحال في المرات السابقة.

توصيات:

1. تغليب المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، ومقاومة الضغوط الخارجية مهما كانت قوتها.

2. عدم الرهان على التطورات الإقليمية لأن استقرار النظام العربي الرسمي في صيغة جديدة سيحتاج إلى وقت طويل.

3. التخلي عن عقلية الإقصاء أو الميل نحو فرض الوقائع على الأرض وتغليب لغة الحوار والعمل المشترك.

4. الاحتكام في العلاقات الوطنية إلى الطرق السياسية والشرعية واحترام إرادة الشعب الفلسطيني.

* يتقدم مركز الزيتونة للأستاذ أحمد عطاونة بخالص الشكر على الإسهام في إعداد المسودة التي اعتمد عليها هذا التقدير.

 مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 29/5/2014