مدة القراءة: 9 دقائق

بقلم: د. فهمي شراب (خاص – مركز الزيتونة).

مقدمة:

شهدت العلاقات المصرية – التركية حالة من التوتر غير المسبوقة تجاوزت حد التصريحات الدبلوماسية وتجاوزت التهديدات اللفظية، ووصلت إلى حد استدعاء السفراء، وفرض قيود مصرية على التأشيرات للأتراك، وتهديد بمراجعة الاتفاقات الاقتصادية، إضافة إلى تأجيل المناورات التي كانت ستجري بين الطرفين ورفض الطرف المصري الطلب التركي بزيادة عدد أفراد البعثة الدبلوماسية التركية في القاهرة.

كل ذلك كان رد فعل على الموقف التركي الصريح مما جرى بعد 30 يونيو، حيث رفضت تركيا عزل مرسي والإطاحة بحكم الإخوان الذي نفذه الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي، حيث انتقد اردوغان الذي تعود جذور حزبه إلى نفس المدرسة الفكرية والأيدلوجية للإخوان المسلمين قيادة الجيش متهما إياها بسرقة الثورة الحقيقية للشعب المصري ومتهما السيسي بالتورط في مجازر ميدان رابعة العدوية والنهضة، والوقوف ضد إرادة الشعب الحرة وضد الإرادة الديمقراطية، إضافة إلى اتهامه لرئيس الأزهر بالنفاق ومساندة النظام الجديد.

وكما ترك هذا التغير الدراماتيكي في مصر آثاره السلبية على الشأن الفلسطيني، فان تدهور العلاقات التركية المصرية كان له تداعياته على الشأن الفلسطيني في قطاع غزة على وجه الخصوص، حيث ألغت مثلا مصر الزيارة المرتقبة لاردوغان لقطاع غزة.

ما وراء الموقف التركي:

هناك العديد من الأسباب المختلفة تقف خلف الموقف التركي مما حدث في مصر بعد 3 يوليو وما خلفه من تداعيات، منها:

أولا: يتضح الترابط الفكري بين اردوغان وبين نظام حكم مرسي، فالناظم الإيديولوجي واحد، و كلا الطرفين ينتمي لنفس مدرسة الإصلاح والتجديد الإسلامي، ونجاح مرسي هو نجاح جديد يضاف لنظام اردوغان ونهجه، وقد بدأ التنسيق التركي المصري في عهد مرسي بالاتفاق على التصدي ومواجهة النظام السوري ودعم الثورة.

ثانيا: يأمل اردوغان بعد النجاحات والاختراقات التي حققها في بلاده أن يجعل من النظام التركي في عهد حزب العدالة والتنمية نموذجا يحتذى به، فهو يدعي انه علماني وفي نفس الوقت عمل للإسلام ما لم تفعله دول عربية وإسلامية ترفع شعارات الإسلام وتتبناه بشكل تقليدي. حيث تنعم تركيا بالاستقرار السياسي، و بالرخاء الاقتصادي، وزادت الحريات ونضجت مفاهيم الديمقراطية وتراجع حكم ونفوذ العسكر بفضل حكمة وصبر القيادة السياسية.

ثالثا: تعد مصر مدخلا وبوابة دخول لإفريقيا ولدول أسيا أيضا، وبإمكان تركيا تحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة ضمن الأسواق الجديدة في إفريقيا واسيا في حال قوية علاقتها بمصر، ومن المحتمل أن يزيد أيضاّ من رصيدها في التفاوض مع أوروبا للدخول كعضو في الاتحاد الأوروبي.

رابعا: هدف تجاري و مالي: لقد خسرت تركيا كثيرا من استثماراتها في سوريا بعد موقفها من النظام، وحيث وبمجيء الإخوان للسلطة في مصر أبرمت تركيا مع مصر العديد من الاتفاقيات تقدر بــ40 اتفاقية في مجالات التجارة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والدفاع والبنوك والسياحة والنقل، ووفقا لبعض التقديرات المتداولة فان الميزان التجاري بلغ بين البلدين 4.2 مليار دولار، منها 3,9 مليار صادرات تركيا لمصر، و 0,3 مليار واردات القاهرة، وواضح أن تركيا هي الخاسر الأكبر من وراء توتر وتوقف العلاقات.

خامسا: أن تركيا تستخدم موانئ مصر لتصدير بضائعها إلى دول الخليج ودول إفريقيا بعد أن خسرت تركيا تلك الوسائل في سوريا.

سادسا: قد يكون تشدد اردوغان تجاه ما حدث في مصر من إزاحة رئيس منتخب ورفضه القوي للانقلاب فيه رسائل إلى الداخل التركي، حيث تسكن القيادة السياسية التركية كثير من الهواجس التي ترسخت في الماضي غير البعيد من تجارب الحكم والانقلابات التي قام بها الجيش التركي، حيث انقلب الجيش على عدنان مندريس وشنقه، وانقلب على اربكان، فالتاريخ الحديث لتركيا فيه ما يبرر خوف وخشية اردوغان.

أهمية موقف الرئيس اردوغان بالنسبة للإخوان:

رغم أن موقف اردوغان احدث تشنجا في العلاقات بين الدولتين، إلا أنه قد يكون له أهمية كبيرة تتمثل في الوصول لحلول وسط، يجعل قيادات الإخوان تخرج من خلف القضبان، اي يوفر لهم “الخروج الآمن”، حيث إن موقف اردوغان وشعبيته واتصالاته بالدول الكثيرة التي له علاقات متميزة معها شارحا لها أن ما وقع في مصر هو “انقلاب”، يزعج قادة الانقلاب في مصر وخاصة أن كثير من الدول ما زالت تتهم نظام الحكم الجديد في مصر بارتكاب مجازر وأنه انقلب على حكومة شرعية ونظام منتخب.

ومنها الموقف الإفريقي وكثير من دول أوروبا واسيا، فما زال نظام الحكم يرسل البعثات الدبلوماسية والشخصيات القيادية ويكثف النشاطات من أجل شرح موقفه للعالم الخارجي. ومصر في حاجة إلى تركيا، وقد يؤثر اردوغان بموقفه هذا في التوسط وإخراج القيادات من المعتقلات ووقف عمليات تجميد أموال الإخوان والملاحقات الأمنية لهم. وضمان عودة الحياة الديمقراطية في مصر وعدم إدراج الإخوان ضمن قائمة الإرهاب التي يسعى النظام الآن في مصر لتحقيقه.

ومما يؤيد هذا الطرح، توجه عمرو موسى إلى تركيا في 29/7/2013 مع وفد ضم شخصيات من الأردن والعراق ولبنان محاولا الحصول على تأييد تركيا للتغيرات الجديدة في مصر واستعادة العلاقات المصرية التركية إلى سابق عهدها.

الشأن الفلسطيني نظام مصري مناوئ لحماس وسندان توتر العلاقات المصرية التركية:

لا شك أن الوضع الفلسطيني مرتبط بالوضع الإقليمي، ولطالما كانت القضية كلها مرتبطة بالتغيرات الإقليمية ومخرجاتها في المنطقة، وقد كان التغير في مصر ومجيء الإخوان إحدى هذه التغيرات البارزة، حيث وفرت فترة مرسي لقطاع غزة دعما وسندا لوجستيا كبيرا، وذلك من خلال تسهيل عبور القوافل والوفود إلى قطاع غزة، ومنها زيارة الأمير القطري لغزة التي رأى العديد آنذاك من الخبراء الفلسطينيين أن هذه الزيارة تعد بداية حقيقية لكسر الحصار عن قطاع غزة وكسر العزلة السياسية المفروضة من “إسرائيل”، واعترافا واضحا لشرعية الحكومة في غزة، وكان من شأن هذه الزيارة لوفد قطري رفيع المستوى أن يشجع دول أخرى لتكرار نفس الزيارة وتوسيع دائرة الاعتراف بحكومة غزة وبشرعيتها وكسر الحصار.

وقد كان من المقرر أن يزور اردوغان قطاع غزة في إطار الإشراف على رفع الحصار عن القطاع بحسب الشروط التي وافقت عليها “إسرائيل” بخصوص قضية أسطول الحرية ( حادثة مرمرة)، ولكن الإطاحة بحكم الإخوان في مصر وموقف اردوغان من ذلك، كان سبب إلغاء هذه الزيارة حسب الرواية المصرية، بينما الطرف التركي ذكر بأنه فقط تم تأجيلها. وكان لمثل هذه الزيارة لو تمت الأثر العظيم في فتح قنوات أوروبية جديدة بما ان تركيا لها علاقات كثيفة ومتشابكة في أوروبا.

وقد كان لتركيا دور لا ينكر على السلطة الفلسطينية في مسعاها للحصول على الاعتراف الاممي بدولة غير عضو، وقد مارست تركيا ضغوطات كبيرة على كثير من الدول لكي تعطي صوتها للسلطة، وهي التي لها تأثير على دول البلقان ودول اورواسيا بسبب الموروث التاريخي لتركيا، وكان ذلك واضحا من خلال شكر وتقدير الرئيس محمود عباس نفسه لاردوغان.

إن الضرر الذي لحق بحكومة غزة كان واضحا، حيث سلطات النظام الجديد في مصر اعتمدت مفهوم “محاربة الإرهاب” والذي يتسق مع أدبيات الغرب تماما حتى توحي للغرب بأنها تحارب نفس العدو وبذلك تحظى بدعمه. وهي ترى “حماس” التي تحكم غزة، فرع من حركة الإخوان المسلمين الواقعة في دائرة الاستهداف. وقد أغلق الجيش المصري معبر رفح عدة أيام وعندما أعاد فتحه قلل نسبة ساعات العمل فيه، مما اثر على حركة تنقل المسافرين.

وقام الجيش – وما زال- بهدم نسبة كبيرة من الأنفاق التي تعتبر شريان الحياة الحقيقي لغزة في ضوء إغلاق المعابر، ودون توفير أي بديل لتلك الأنفاق؛ مما يعد مؤشراً على بداية حصار مصري لقطاع غزة، وممارسة “عقاب جماعي” مرة أخرى لحماس التي تعتبر فرع من الإخوان.

ومن الجدير ذكره أن الإعلام المصري وخلال فترة حكم الإخوان عمل على الربط بينهما، وتشويه حركة حماس في قطاع غزة، وتوجيه كثير من التهم التي ثبت أنها محض إشاعات وافتراءات. وكان بعض من الإعلام المصري يعتمد في روايته على ما تدعيه وسائل الإعلامية الفلسطينية التابعة لسلطة رام الله، المناوئة لقيادة قطاع غزة وتناصبها العداء، والتي تتمنى استرجاع قطاع غزة تحت حكمها مرة أخرى.

هل من عودة مرتقبة لعلاقات طبيعية بين البلدين؟

إن قراءة التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية المصري نبيل فهمي ووزير التجارة والصناعة منير فخري عبد النور وكثير من القيادات في النظام الحالي تنبئ بأن الأزمة الحالية ظاهرة عارضة ولا يريد الطرف المصري بأن تصبح حالة دائمة، حيث يرى الوزير فهمي أن العلاقات التركية المصرية مهمة للغاية للشعبين، ويجب العمل على صيانتها حفاظا على مصالح البلدين.

لا شك أن هناك مصالح مشتركة كبيرة بين البلدين، واحتياج متبادل لإعادة علاقة طبيعية ترتكز على أساس توازن المصالح، اثبت ذلك زيارة عمرو موسى ضمن ما سمي وفد “المجلس العربي للعلاقات الدولية” ولقاءه بـ عبد الله جول واردوغان واحمد داوود اوغلو، ( الثالوث الدبلوماسي التركي) ومن المؤكد أن لا خلاف بين شعبي مصر وتركيا. وبالرغم من أن موقف اردوغان كان ثابتا لم يتغير تجاه “إسرائيل” وأزمة مرمره، وقد استطاع اردوغان أن ينتزع اعتذار من “إسرائيل” ويحقق أهدافه إلا أن موقفه من أزمة مصر قد يتغير، لعدة أسباب منها:

1- إن العلاقة مع مصر ليست كالعلاقة مع “إسرائيل” العدو، فمصر دولة عربية إسلامية صديقة، لها دور إقليمي محوري وهام، وكسب مصر يعد كسب لكثير من الدول العربية ومنها الإفريقية والخليجية التي هي في حالة تحالف مع تركيا اردوغان، وكانت أزمة مصر فقط هي الخلاف الوحيد الذي طرأ، حيث تركيا والسعودية وقطر مثلا في حالة اتساق عام من الثورة السورية.

2- إن سياسة تركيا الآن التي اختطها حزب التنمية والعدالة ومن خلال ممارسات الدبلوماسي المخضرم وزير الخارجية داوود أغلو تقوم على أساس فكرة “العمق الاستراتيجي” ونظرية “صفر مشاكل” مع دول الجوار؛ وإن لم تستطع تطبيق هذه النظرية مع سورية، فإن ومصر تعد من أهم الدول العربية في الجوار التركي، وتغير موقف تركيا الآن مرهون بتحقيق انجاز ما في الأزمة قد يتمثل في الوصول لحل وسط يوفر على الأقل “الخروج الآمن” للإخوان.

3- يدرك اردوغان جيدا أنه قد يستطيع تحقيق ذلك الانجاز، من خلال لعب دور الوسيط للوصول لحل وسط. فبالرغم من استمرار النظام الجديد بدعم قيادة الجيش، إلا أن الوضع في مصر غير مستقر وغير “طبيعي”، فهناك إضافة إلى ثقل الإخوان في الميادين والشوارع قوى سياسية وفئات نخبوية وشخصيات كبيرة قيادية لها حضورها وثقلها، وهي بالرغم من خصومتها مع الإخوان فإنها تأبى التساوق مع المسار الحالي للانقلاب العسكري، وهي في تزايد مطرد، وترفض ما حصل بشتى ما افرزه هذا التغير من نتائج، من فرض لقانون الطوارئ ومنع الحريات وتضييقها، وإغلاق القنوات الإسلامية والمحسوبة على التيار السياسي الإسلامي، وسيطرة العسكر على الحياة السياسية، وهذا يجعل من التغيير في مصر أو الوصول إلى تسوية سياسية أرماً محتملاً.

وقد ارتبطت مصر بكثير من الاتفاقيات المهمة لكلا الشعبين مع تركيا، ويذكر أن هناك نحو 350 مصنعا تركيا في مصر يعمل بها أكثر من 50 ألف عامل مصري، ونحو 250 شركة تركية تشغل نحو 65 ألف عامل مصري، وقد تزايدت المصالح بينهما إبان حكم مبارك وتوطدت العلاقات أكثر بمجيء الإخوان، وكان من المأمول أن تصل حجم التجارة إلى 7 مليارات دولار، والاقتصاد في هذه الفترة الزمنية قد يقود السياسة حسب ما هو شائع في دول المتقدمة.

ما مصير قطاع غزة في ظل التغير في مصر؟

تتمتع غزة بخصوصية مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والعدوان المتكرر كل فترة زمنية بسيطة، وهو ما قد يشكل رادعا وطنيا وأخلاقيا وأدبيا لأي محاولة لحصارها وخنقها وإضعاف أهلها من قبل البلدان العربية والإسلامية. وبرغم ان السلطة الفلسطينية ستكون اقرب إلى القيادة الحالية في مصر، إلا أن القيادة المصرية ستحتاج إلى التحاور مع قيادة قطاع غزة، لان غزة تعد نافذة للعب الدور الإقليمي المتنافس عليه أصلا من قبل عدة قوى مثل تركيا وإيران وبعض الدول الخليجية، وتظل الأدبيات التي تتمثل في أن غزة رأس الحربة في الصراع العربي الإسرائيلي، والبوابة الجنوبية للأمن القومي المصري، أقوى واصدق من محاولات التشويه والشائعات.

وفي مصر قوى مدنية تدعم غزة بالرغم من مناوأتها للإخوان، إضافة إلى القوى الدينية الأخرى. ولطالما نادت هذه القوى بعدم الربط بين غزة والإخوان وما يحدث في مصر مثل سيد البدوي رئيس حزب الوفد وحمدين صباحي رئيس التيار الشعبي وأيمن نور رئيس حزب غد الثورة ووزير الخارجية نبيل فهمي، حيث تعد غزة لدى هؤلاء جزءاً أساسياً من خط الدفاع عن مصر. ومساعدتهم للشعب الفلسطيني هي واجب وطني و في مقدمة الأجندة الوطنية لمصر.

وبشكل عام، لا يجد أي نظام يحكم قطاع غزة بداً من التعامل مع أي نظام مصري بغض النظر عن الكيفية التي جاء بها، ولا يجب توسيع دوائر الاتهام المتبادل بين الطرفيين المصري والفلسطيني، حيث سيستغل ذلك المغرضون وأصحاب الأهداف الصهيونية، بل يجب تضييق هذه الدوائر، واعتماد خطاب سياسي إعلامي معتدل، وأسلوب عملي مرن، يحقق استمرار وتطوير العلاقات دائما، ويجب أن لا تُؤخذ بعض التصريحات غير المسئولة من بعض الشخصيات المصرية على محمل الجد، فقد سبق مثلاً أن وصلت التهديدات المصرية الجزائرية إبان ” واقعة الخرطوم” الرياضية بين الطرفين أقصى مداها، وعادت العلاقات إلى طبيعتها، وتم تطويق دوائر الاتهامات المتبادلة عبر الزيارات المتبادلة، وشرح المواقف وهذا ما يجب أن يحدث بين قيادات غزة، وقيادات النظام الجديد في مصر.

ثوابت العلاقة بين غزة ومصر:

تاريخيا، كانت مصر لا تستطيع أن تكمل إجلاءها للهكسوس إلا عندما تطردهم من مدينة غزة التي كانوا يتحصنون فيها لكي يعاودوا الهجوم على مصر، فقد طردهم الملك أحمس وجلاهم عن غزة بعد طردهم من مصر وصعيدها.

تعد مدينة غزة ملمح أساسي من ملامح خارطة الأمن القومي المصري، والتي تعد رأس الحربة في الصراع العربي الإسرائيلي ومكسباً استراتيجيا لمصر في صراعها المحتمل مع “إسرائيل”، فبرغم مرور زمن طويل على ما يمكن تسميته الأساطير الإسرائيلية و حلم “إسرائيل الكبرى”، فقد أظهر المعهد الديمقراطي التابع للكنيست الإسرائيلي في استطلاع للرأي، أن 89% من الإسرائيليين يؤيدون إعادة احتلال سيناء، وذلك بالتزامن مع الذكرى الـ30 لتوقيع معاهدة “السلام” المصرية-الإسرائيلية.

إن استقرار قطاع غزة يمثل جزءاً أساسياً من أمن مصر القومي، ويعد انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني وحرمانه من أبسط احتياجاته الإنسانية انتهاكا للقانون الدولي الإنساني على حدود مصر الشرقية. الأمر الذي يمثل تهديداً صريحاً للأمن القومي المصري.

وستظل العلاقة بين غزة ومصر ثابتة مهما كان شكل التغير السياسي في مصر، وسواء استقرت مصر سياسيا، أم دخلت في مرحلة من اللاستقرار والعنف الداخلي، فمن المرجو ألا تعود العلاقة إلى ما كانت عليه إبان حكم مبارك، وذلك مهما ذهب خصوم قطاع غزة في تعمدهم الخلط بين حماس كحركة مقاومة لها خصوصيتها تتصدى للاحتلال الإسرائيلي، وتحكم غزة في واقع استثنائي فرضته خلافات الإخوة بين (فتح وحماس) من جهة، وبين الإخوان المسلمين في مصر من جهة أخرى.

فقد كان من الأسباب العديدة التي جعلت المصريون يخرجون على مبارك وحكمه في ثورة 25 يناير 2011، موقفه السلبي من القضية الفلسطينية ومن حصار قطاع غزة ومحاولة إسقاط حكومتها. هذه المواقف التي اتسقت تماما حينذاك مع الموقف الإسرائيلي والأمريكي. والشعب المصري الأصيل بجميع مكوناته واختلافاته ومشاربه لا يرضى بمحاصرة غزة والتضييق على أهلها مرة أخرى مهما كان شكل وطبيعة النظام الحالي.

خلاصة: تشير الدلالات إلى أن تركيا هي صاحبة الفعل، ومصر هي صاحبة ردة الفعل في أزمة العلاقة بين الطرفين، وان موقف اردوغان رغم ثباته في الوقت الحالي إلا انه سيتغير بعد تحقيق انجاز نسبي، وسيستعيد علاقاته الطبيعية بمصر، حتى لا يخسر أكثر، حيث تكبد خسارة في ليبيا تقدر بمليارات الدولارات، وتكرر نفس السيناريو معه في سوريا. عامل آخر مهم في عملية استعادة العلاقات وهو ضغط رجال الأعمال في كلا البلدين على ضرورة استعادة العلاقات الطبيعية.

وستسهم عودة العلاقات التركية المصرية في تقديم موقف قطاع غزة برؤية تركية من جديد، وخاصة أن غزة تظل أهميتها أنها تقع ضمن خطوط الأمن القومي المصري التقليدية، وبوابة للعب دور إقليمي من خلال المصالحة بين ( فتح وحماس). وجاء ذلك في حديث وزير الخارجية المصري فهمي حيث أكد على دور مصر في المصالحة.

ومن المتوقع أن ينجح اردوغان في زيارته لغزة في غضون الشهور القليلة القادمة، حيث أكد بعيد تغير النظام في مصر أن الزيارة لم تلغ، ولكن تم تأجيلها فقط بسبب ما حصل في مصر، وبذلك يكون هناك تأكيد على ضرورة عدم الربط بين الإخوان وحماس، وخاصة أن حماس نجحت في إدارة غزة لسبع سنوات ماضية، وتحرص دوما على عدم التدخل في الشأن المصري، ولم يثبت تورطها في أي عمل إجرامي، ولم يُدن أحد من أفرادها أو قياداتها في المحاكم المصرية.

12/9/2013