مدة القراءة: 6 دقائق

تقدير استراتيجي (53) – شباط/ فبراير 2013.

ملخص:

بالرغم من التوقعات الواسعة بازدياد نفوذ التيارات اليمينية والدينية في الكنيست الإسرائيلي، إلا أن النتائج جاءت مخيبة لآمالها. إذ عبَّرت عن حالة من الارتباك وفقدان الاتجاه، وعدم الثقة بالرموز السياسية، لدى المجتمع الإسرائيلي.

من المتوقع أن يسعى نتنياهو لتشكيل حكومة موسعة، تستند أساساً على تحالفه مع حزب “يوجد مستقبل” وحزب “البيت اليهودي”، مع السعي لضم أحزاب شاس ويهدوت هاتوراه وكاديما. غير أنه من المرجح ألا تتمتع هذه الحكومة بالاستقرار والتناغم. وعلى مكوناتها أن تتوافق على قضايا مرتبطة بمسائل التجنيد الإجباري، وعلمنة الدولة، والمحافظة على الطبقة الوسطى.

من المرجح أن يكون هناك توافق لدى الحكومة فيما يتعلق بالجوانب الأمنية، والاستمرار في إدارة عملية التسوية السلمية وإطالتها وليس حلها، مع فرض الحقائق الاستيطانية والتهويدية على الأرض؛ بالإضافة إلى استمرار السياسات العنصرية تجاه الفلسطينيين العرب داخل الخط الأخضر.

مقدمة:

يبدو للوهلة الأولى أن نتائج الانتخابات للكنيست الإسرائيلي تحمل مؤثراً أو أكثر لتغيير معين في المشهدين الحزبي والسياسي في “إسرائيل”. تلخصت نتائج الانتخابات في فوز تحالف الليكود-بيتنا بـ 31 مقعداً، وحزب يش عتيد (يوجد مستقبل) بـ 19 مقعداً، وحزب العمل بـ 15 مقعداً، والبيت اليهودي بـ 12 مقعداً، وشاس بـ 11 مقعداً، ويهدوت هتوراة بسبعة مقاعد، وحزب الحركة بستة مقاعد، وحركة ميرتس بستة مقاعد، وحزب كديما بمقعدين، والقائمة الموحدة – العربية للتغيير بأربعة مقاعد، والجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة بأربعة مقاعد، والتجمع الوطني الديموقراطي بثلاثة مقاعد.

وبدت النتائج مخيبة لتوقعات التيارات اليمينية والدينية التي حصلت على 61 مقعداً، مقابل 48 مقعداً لأحزاب الوسط واليسار، و11 مقعداً للأحزاب العربية. لكن حقيقة الأمر أن شيئا جوهرياً لم يتغير، وأن سياسات الحكومات القادمة ستكون مشابهة لما هو قائم، مع بعض التحولات الشكلية.

أولاً: التحديات الداخلية الماثلة أمام حكومة جديدة:

طرحت الأحزاب والقوائم السياسية خلال حملتها الانتخابية الأجندة الاقتصادية – الاجتماعية في مقدمة دعاياتها. وكان السبب الرئيسي لهذه الانتخابات ما آلت إليه الحالة الاقتصادية في “إسرائيل” من ارتفاع في الأسعار وغلاء المعيشة، واتساع رقعة البطالة، وانهيار متسارع للطبقة الوسطى…

إن فشل حركات الاحتجاج الاجتماعي في صيف 2011 في إحداث تغيير جوهري، مَهّد لنجاح بعض الأحزاب الجديدة والقديمة في ركوب موجة المطالب الاجتماعية، وبالتالي حصد عدداً وافراً من مقاعد الكنيست. فالحلول المطروحة هي توزيع العبء؛ أي مشاركة المتدينين المتزمتين (الحريديم) والعرب في “إسرائيل” بالانخراط في الخدمة العسكرية أو المدنية، وإحداث إصلاحات في بنية الحكم. والنقاش واسع في هذا الأمر.

من جهة أخرى أظهرت هذه الانتخابات إجماعاً إسرائيلياً بخصوص شرعية الاستيطان، وأن الاستيطان هو عبارة عن حالة طبيعية، وهي ضمان لبقاء “إسرائيل”. وهناك تعاطف قوي مع المستوطنين حتى من قِبل حزب العمل المصنف تاريخياً “يسار/ مركز”، في حين أن “إسرائيل” تتعرض لضغط عربي ودولي، رافض لشرعنة الاستيطان وإخراجه من أولويات التفاوض مع الطرف الفلسطيني.

ثانياً: تشكيل حكومة جديدة:

تمّ في هذه الانتخابات تسديد ضربة لحزب الليكود، دون سقوط نتنياهو. فقد كان تحالفه مع حزب “إسرائيل بيتنا” هو في أساسه لإخراج هذا الحزب من دائرة التأثير على السياسة الداخلية والخارجية وتقليص دوره. من جهة أخرى فإن نتنياهو هو الوحيد القادر على تشكيل حكومة، وهذا أمر سبق نتائج الانتخابات، فحزب البيت اليهودي بقيادة بانت (12 مقعداً) يريد نتنياهو مُشكِلاً للحكومة وفقاً لمقاييسه (مقاييس البيت اليهودي)، أي اليمين المتطرف؛ وحزب يوجد مستقبل بقيادة يائير لبيد (19 مقعداً) يريد نتنياهو على مقاسه باتجاه “المركز/ اليمين”.

إذًا، الحزبان متعاطفان مع نتنياهو. والمفارقة أن نتنياهو، الضعيف لأول وهلة، سيتدبر أمره مع هذين الحزبين بتجاذبهما بين المركز واليمين؛ لذلك فإن الائتلاف الذي سيشكله نتنياهو يميل بشكل كبير إلى أن يتكون من: الليكود – إسرائيل بيتنا (31 مقعداً)، ويوجد مستقبل، والبيت اليهودي. ولكن ائتلافاً كهذا لن يتمتع بالاستقرار، وسيتعرض إلى احتمالات التفكك سريعاً في أقل خلاف قد يحصل؛ لهذا ستنضم غالباً للائتلاف حركة شاس (المتدينين الشرقيين) ولها 11 مقعداً. عندها سيكون حصيلة الائتلاف 73 مقعداً.

وطبعا قد ينضم حزب كديما بقيادة موفاز وله مقعدان فقط، فيصبح المجموع 75 مقعداً. وهذا ائتلاف مستقر، ولو إلى حين.

إن انضمام شاس هو انضمام محسوب، لأنها كحركة لا تستطيع البقاء طويلاً في المعارضة أو خارج الائتلاف، لوجود مصالح مادية ووظيفية لها في عدد من الوزارات الحكومية ودوائرها، اعتادت على تبوئها؛ لهذا أظهر قياديو شاس منذ اللحظة الأولى استعدادهم للحوار بخصوص توزيع العبء وإيجاد طريقة تكون مقبولة على جميع الأطراف. وهذا التوجه هو عبارة عن موافقة أولية من طرف شاس لدخول أي ائتلاف يشكله نتنياهو، سواء مع يوجد مستقبل أم مع البيت اليهودي.

وهذا يعني بقاء اليسار/ المركز (حزبا العمل والحركة بقيادة ليفني) واليسار الصهيوني (ميرتس) والأحزاب العربية خارج اللعبة الحكومية، أي في صفوف المعارضة وبعيداً عن التأثير على صنع واتخاذ القرارات.

ثالثاً: القضايا المركزية التي ستقف في مواجهة الحكومة الجديدة:

1) محاولة الحفاظ على الطبقة الوسطى الآخذة بالتآكل والانحسار، من خلال تمسك حزب يوجد مستقبل بأجندته الاجتماعية التي خاض على أساسها الانتخابات وحقق انجازاته. ومطالب يوجد مستقبل توفير أماكن عمل، وتحسين ظروف السكن، وتسهيل امتلاك مساكن للأزواج الشابة، ورفع مستوى المعيشة. فحكومة نتنياهو التي وفرت هدوءاً نسبياً خلال دورتها الأخيرة لم تضمن لنفسها حصاداً موفقاً في المقاعد البرلمانية، لذا على يائير لبيد تعلم الدروس جيداً من هذا الواقع.

2) أمن “إسرائيل”: هناك توافق وإجماع في هذا الجانب، وهو توفير حماية لـ”إسرائيل” وسط براكين ثائرة في منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك: عدم الاستقرار في مصر بعد ثورة 25 يناير، واتساع رقعة المواجهات الدامية في سوريا، وذريعة الخوف من وقوع السلاح الكيماوي بأيدي منظمات “إرهابية” (حزب الله أو القاعدة… كما تدّعي)، وبرميل انفجار في العراق، والأهم بين كلّ الملفات هو النووي الإيراني. ومعنى ذلك استمرار توجيه ميزانيات للتسلح، وترشيد أذرع الجيش الإسرائيلي، وترقب مستمر وحذر للحالة السائدة في الشرق الأوسط، والتلويح الدائم بالخطر الإيراني.

وبالرغم من الانقسام الظاهر بين المستويين السياسي (متمثلاً بنتنياهو) والعسكري (متمثلاً بقيادة الجيش)، فالأول يريد تسديد ضربة لإيران، والثاني يرفض القيام بها إلا في الوقت المناسب. وستواصل الحكومة الجديدة السعي الحثيث لمنع حصول إيران على السلاح النووي. وما يزال نتنياهو يقدم نفسه على أساس أن مهمته هي إنقاذ العالم الحرّ والديموقراطي من ما يسميه “الشيطان الإيراني”. ولقد أوهم الإسرائيليين أن بقاءهم منوط بالخلاص من هذا الخطر.

ويبدو أن لبيد وحزبه يميلان إلى عدم قبول وزارة الدفاع لأن إشكالياتها كثيرة، مما قد يضعف من قوته، وأن طروحات حزبه هي اجتماعية واقتصادية، وبالتالي عليه الإيفاء بها لجمهور مناصريه.

3) ملف الاستيطان: أظهرت الانتخابات جنوح معظم الأحزاب اليمينية والمركز وحتى ما يسمى “باليسار/ المركز” إلى النظر للاستيطان والمستوطنات على أنه من حقوق “إسرائيل” المشروعة، وأن أي تسوية مع الفلسطينيين لن تكون مشروطة بوقف الاستيطان. وطبيعي أن يكون هذا الملف ساخناً أمام الاتحاد الأوروبي، وأيضاً أمام الإدارة الأمريكية، لكون الاستمرار في الاستيطان يُضعف فرص إقامة دولتين. وستكون عملية إعادة مسار التفاوض مع الفلسطينيين ليست بالسهلة إزاء تبني الأحزاب المكونة للائتلاف هذا الملف أي دعمها له.

4) العرب الفلسطينيون في “إسرائيل”: من المرجح أن تستمر الحكومة الجديدة في مواقفها كسابقتها تجاه الفلسطينيين في “إسرائيل”؛ وذلك من منطلق تبني أسس الإقصاء عن المشاركة الفعلية في إدارة وتصريف شؤون الدولة، وفقاً لمبدأ المواطنة الكاملة.  ترفض “إسرائيل” الاعتراف بالمواطنة الكاملة لكل مواطنيها بمن فيهم الفلسطينيين، وتشترط ذلك بالاعتراف بيهودية الدولة. إضافة إلى تبنيها أسس التهميش والتجاهل والإهمال وتضييق الخناق، ومن خلال مسلسل من التشريعات العنصرية، ومن خلال تبني مشاريع اقتلاع لشرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني في “إسرائيل”، وفي مقدمتها العرب البدو في منطقة النقب.        وبالتالي ستزداد الهوة وتتسع بين الشعبين اليهودي والعربي، ما يؤكد ويثبت سعي سياسيي “إسرائيل” إلى تطبيق الفصل العنصري في كافة المجالات.

5) إدارة ملف التفاوض مع الفلسطينيين: سيسعى نتنياهو لدفع حزب يوجد مستقبل إلى قبول وزارة الخارجية في حكومته الجديدة، للتخلص من إرث ليبرمان، وما سببه من إشكالات وأزمات سياسية وديبلوماسية. وبالتالي قد يحاول جعل حزب يوجد مستقبل في مواجهة التفاوض مع الفلسطينيين (علماً أن لبيد في أثناء حملته الدعائية، قلّص فرص التفاوض مع الفلسطينيين، إلا أن ما قبل الانتخابات لا يستوي مع ما بعدها)، ما سيؤدي إلى إخراج العملية التفاوضية من جمودها.

وإذا ما وافق لبيد على مقعد الخارجية فسيوجه نتنياهو مسار التفاوض مع الفلسطينيين، ليس بهدف التوصل إلى حلّ دائم وتسوية شاملة مع الفلسطينيين بل في إطار ما يؤمن به نتنياهو، ألا وهو إدارة الصراع والمفاوضات والركون إلى عامل الزمن، مع استمرار عملية تطبيق المشروع الاستيطاني، ضارباً بعرض الحائط كلّ التهديدات والإنذارات من الداخل ومن الخارج.

لذا ليس من المتوقع أن نرى في المنظور القريب أي تطور سريع في مسار التفاوض. وقد تزداد اللقاءات المكوكية، وقد تتكثف محاولات إرضاء الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية. ومن خلال إلقاء نتنياهو عبء مسؤولية العلاقات الخارجية على الحزب الجديد “يوجد مستقبل”، وتوجيه سياسته من بعيد، فقد يتمكن من امتصاص غضب الشارع الإسرائيلي عليه، وقد يحجّم من شعبية الحزب وزعيمه لبيد الذي خطف الأنظار.

اقتراحات وتوصيات:

1) بات من الملزم على فلسطينيي الداخل إعادة تشكيل مشهدهم السياسي والحزبي بما يُقوّي مصالحهم العليا، وبشكل يكشف المشاريع الإسرائيلية وخطورتها محلياً وإقليمياً ودولياً.

2) على الفلسطينيين إعادة النظر من جديد في كلّ ما له صلة بالتفاوض مع “إسرائيل”، والعمل على وضع استراتيجية جديدة لتحقيق مشروعهم الوطني؛ بما في ذلك تبني مختلف أساليب ومناهج مقاومة الاحتلال والاستيطان.

3) إن هناك ضرورة ملحة لوضع نهاية لحالة الانقسام الفلسطيني، من خلال تبني مشروع المصالحة حالاً ودون تأخير؛ وذلك لاستعادة الوحدة الوطنية للتمكن من الوقوف في وجه الاحتلال الإسرائيلي.

* يتقدم مركز الزيتونة للدكتور جوني منصور  بخالص الشكر على كتابته النص الأساسي الذي اعتمد عليه هذا التقدير.

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 31/1/2013